الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
الناشر
دار الفكر الجزائر / دار الفكر دمشق
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٠٨ هـ = ١٩٨٨ م / ط ١ القاهرة ١٩٦٠ م
مكان النشر
سورية
تصانيف
ثم يرى أن ركنًا آخر من المسرح بقي يغمره الظلام. وإذا هو حدَّق البصر لاحظ أن الأضواء الكاشفة تتحول عن هذا الركن عن قصد، كأن إرادة خفية تحرص على أن يبقى مغمورًا بالظلام: ففي هذا الركن على وجه التحديد، يريد الاستعمار عزل (الفكرة) ومعها يعزل بطبيعة الحال، المكافح الذي دخل المعركة تحت رايتها، واضطرته الظروف كما بينا أن يدخلها بمفرده، أي بصفته فدائيًا يجد نفسه في نقطة تقاطع النيران التي تصوب عليه من يمين وشمال، من خلفه وبين يديه.
ثم لو أنه تأمل هذه الملاحظات لوجد نفسه أمام أمر يدعو إلى الدهشة: فهناك اتفاق ضمني بين السياسة الشهوية المتجسدة في (القناة الهاضمة) وبين الاستعمار. ومهما تكن حقيقة هذا الاتفاق فليس من الضروري، أن تكون الرؤرس المركبة على (القناة الهاضة) جميعها على بينة منه، فإن هذه الغفلة كما سبق أن بينا من طبيعة السياسة العاطفية التي تتجه تلقائيًا نحو السهولة، أو بتعبيرآخر إنها من طبيعة القابلية للاستعمار.
ومع ذلك فإن هذا الاتفاق قد يكون مقصودًا بالذات، فإننا لا نتصور على سبيل المثال أن مركب الأفراد الذي يحكم في كراتشي، يجهل علاقته بالاستعمار ودوره في سياسة الأحلاف الاستعمار ية، بينما هو أدق جهاز ركبه الاستعمار الذي أتقن جدًا هذا التركيب، ونجح حتى في تركيب رأس علي خان على (القناة الهضمية)، التي تكوّن جهاز الحكم في تلك البلاد المظلومة.
ومع هذا، أو على الرغم من هذه الدقة وهذا الإتقان في صنع الآلات الهاضمة، التي يحاول الاستعمار أن يجعل منها أجهزة الحكم في البلاد المستعمرة، قد يجد نفسه أمام أمر واقع، تحدث إشارة خطر مفاجئة، تفاجئه على الرغم من احتياطاته وتوقعاته كلها، وعلى الرغم من شركائه الذين يشاركونه الأمر بحكم الإغراء أو بحكم البلادة.
1 / 31