الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف
محقق
عبد الفتاح أبو غدة
الناشر
دار النفائس
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٤
مكان النشر
بيروت
فنعوذ بِاللَّه من هَذِه الْمنزلَة وَأَيْضًا فان هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء كلهم قد نهوا عَن تَقْلِيد غَيرهم وَقد خالفهم من قلدهم
وَأَيْضًا فَمَا الَّذِي جعل رجلا من هَؤُلَاءِ أَو من غَيرهم أولى أَن يُقَلّد من عمر بن الْخطاب أَو عَليّ بن أبي طَالب أَو ابْن مَسْعُود أَو ابْن عمر أَو ابْن عَبَّاس أَو عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَلَو سَاغَ التَّقْلِيد لَكَانَ كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ أَحَق بِأَن يتبع من غَيره انْتهى
إِنَّمَا يتم فِيمَن لَهُ ضرب من الِاجْتِهَاد وَلَو فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وفيمن ظهر عَلَيْهِ ظهورا بَينا أَن النَّبِي ﷺ أَمر بِكَذَا وَنهى عَن كَذَا وَأَنه لَيْسَ بمنسوخ إِمَّا بِأَن يتتبع الْأَحَادِيث وأقوال الْمُخَالف والموافق فِي الْمَسْأَلَة فَلَا يجد لَهُ نسخا أَو بِأَن يرى جمعا غفيرا من المتبحرين فِي الْعلم يذهبون إِلَيْهِ وَيرى الْمُخَالف لَهُ لَا يحْتَج الا بِقِيَاس أَو استنباط أَو نَحْو ذَلِك فَحِينَئِذٍ لَا سَبَب لمُخَالفَة حَدِيث النَّبِي ﷺ إِلَّا نفاق خَفِي أَو حمق جلي
وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ اليه الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام حَيْثُ قَالَ وَمن الْعجب العجاب أَن الْفُقَهَاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مَأْخَذ إِمَامه بِحَيْثُ لَا يجد لضَعْفه مدفعا وَهُوَ مَعَ ذَلِك يقلده فِيهِ وَيتْرك من شهد الْكتاب وَالسّنة والأقيسة الصَّحِيحَة لمذهبهم جمودا على تَقْلِيد إِمَامه بل يتخيل لدفع ظَاهر الْكتاب وَالسّنة ويتأولهما بالتأويلات الْبَعِيدَة الْبَاطِلَة نضالا عَن مقلده وَقَالَ لم يزل النَّاس يسْأَلُون من اتّفق من الْعلمَاء من غير
1 / 99