قالت: «وأنى لي ذلك وأنا في قصري لا أخرج منه؟»
قال: «إن هذه الفتاة اسمها شيرين، قدمت نفسها لي في الصباح، وهي خطيبة أحد أولئك الغلمان، ولا شك أنها تعرف أعضاء الجمعية ولكنها تتكتم. وأنا لم أشأ أن أسألها لئلا ترى مني اهتماما بأمرهم، ولا أحب أن أكلف أحد الجواسيس باستجوابها، وأنا أعهد فيك الذكاء واللياقة، فهل تقدرين على القيام بهذه الخدمة لصاحبك القديم؟»
فأثر ذلك التعبير في قلبها، وأذكرها أياما كان يظهر لها فيها تقربا، وقالت وقد أبرقت أسرتها: «إني أفعل ذلك على الرأس والعين.»
وكان قد فرغ من لبس ثيابه فقال: «سآمر نادر أغا أن يأخذها إليك لتمكث معك بحجة الاستئناس بك، فابذلي جهدك في استطلاع ذلك السر منها في أقرب وقت بدون أن تشعر، فهمت؟»
فأحنت رأسها إشارة الطاعة وقالت: «إني أغتنم مثل هذه الفرصة لأبرهن لسيدي وحبيبي على أني ما زلت أتفانى في خدمته.»
فابتسم لها وقال: «لكن احذري أن تعرف شيئا منك، خذي منها ولا تعطيها.»
فقالت: «على الرأس والعين.» وخرجت.
ثم نادى عبد الحميد نادر أغا وأمره بما ينبغي اتخاذه من الإجراءات. •••
عاد رامز بعد أن خلا إلى نفسه في قصر مالطة فأخذ يفكر فيما مر به في ذلك اليوم وما سمعه من عبد الحميد، وقد مال إلى الاعتقاد بأن الناس يظلمون هذا الطاغية بسوء ظنهم فيه، وأنه إنما يرتكب ما يرتكبه بإغراء أهل القصر المحيطين به. وقضى بقية ذلك اليوم وهو ينتقل في ذلك القصر من الشرفة إلى النافذة إلى حجرة الجلوس إلى المائدة، وأفكاره تائهة فيما عساه أن يتم على يده من الخير للدولة وللأمة، وتوهم أن أهل القصر صاروا أكثر إيناسا له واحتفاء به. وكثر تفكيره في شيرين، وود لو أنه يستطيع تبليغها تلك البشارة لئلا يقتلها اليأس من بقائه. وتذكر أباه وكان قد كثر ترداد صورته إلى ذهنه منذ دخوله يلدز لاعتقاده أنه فقد هناك، وإن لم يقطع الأمل من بقائه.
وبعد العشاء ذهب رامز إلى فراشه وقد طار النوم من عينيه لفرط تأثره من حديث ذلك اليوم، وبينما هو يتقلب على الفراش وقد أطفئت المصابيح إذ سمع وقع خطوات بباب الغرفة أعقبتها نقرات خفيفة، فجلس على الفراش ونظر نحو الباب وأنصت فرأى نورا يتخلل شقوقه، فعلم أن شخصا قادما إليه بالمصباح فوثب إلى الباب ففتحه، فوجد خادم القصر وبيده قنديل فسأله عما يريده فقال: «إن رسولا جاء يدعوك.»
صفحة غير معروفة