فنهض عزت واستأذن في الانصراف ومضى إلى قصره وخاطره مشتغل بأمر رامز وكيف يحمله على الإقرار، وراح يعمل فكره في هذا وهو شديد الرغبة في إنقاذ السلطان من تلك الجمعية الجديدة لينقذ نفسه أيضا، لأن ما يصيب السلطان من شرها يلحقه أيضا. كما أنه كان مقتنعا بأنه يخدم الدولة أيضا بهذا المسعى، لأن خشيته على حياته من نجاح الأحرار كانت تريه كل أعمالهم من قبيل الأخطاء والأخطار.
وقضى ليلته يفكر ويدبر، ثم بكر في الصباح فبعث في طلب رامز، وأوصى بأن يحمل إليه في مركبته، وكان قصر عزت في الطرف الآخر من يلدز. •••
وكان رامز قد مل الانتظار، ويئس من الوقوف على مصيره. فلما أصبح في ذلك اليوم لبس ثيابه وجلس يتناول الفطور غارقا في هواجسه، ثم سمع وقع حوافر الخيل قرب القصر فأجفل ونهض إلى شرفة تطل على الطريق فرأى مركبة يجرها جوادان، ثم سمع وقع خطوات في الدهليز، وما لبث أن دخل عليه الخادم مسرعا وقال له وهو يبتسم: «أفندم، تفضل إلى المركبة.»
فقال: «إلى أين؟»
قال: «إن مولانا عزت باشا يدعوك إليه في قصره، وهذه مركبته بالباب.»
فاستغرب تلك الدعوة ولكنه تجلد ونزل إلى الباب، فرأى جاويشا واقفا بانتظاره وأومأ إليه أن يركب فركب، وركب الجاويش بجانب السائق. وسارت المركبة إلى قصر عزت.
وبعد بضع دقائق رأى نفسه بباب ذلك القصر، فاستقبله أحد الحجاب بالإكرام ودعاه إلى حجرة الاستقبال، فدخل وهو يفتكر فيما عساه أن يترتب على تلك الدعوة، فدعاه الحاجب إلى الجلوس. وبعد هنيهة أقبل عزت باشا يمشي الهوينا وبيده جريدة يطالع فيها بدون اكتراث، فوقف له رامز ولم يكن يعرفه من قبل، فرآه كهلا ليس بالطويل ولا القصير، يلوح الذكاء والدهاء في ملامح وجهه.
ودخل عزت باشا عليه دون أن يرفع بصره عن الجريدة كأنه مستغرق في المطالعة، ثم رفع رأسه بغتة وحيا رامزا وأشار إليه أن يجلس، وجلس أمامه وبينهما منضدة، وقال: «أنت ضيفنا رامز أفندي؟»
قال: «نعم يا سيدي، ولي الشرف بذلك.»
فمد يده إلى جيبه وأخرج سيكارة من علبة مرصعة وقدمها له وهو يقول: «ربما تستغرب مجيئك عندي بعد أن كنت تتوقع أن تؤخذ إلى السر خفية أو غيره من الجواسيس، ألا تعد ذلك إكراما خاصا؟»
صفحة غير معروفة