فأومأ نادر أغا شاكرا تلك النعمة، فأشار السلطان أن يرخي ستارة المقصورة حتى يختفيا عن الجلوس ففعل، ثم قال السلطان: «هلم بنا إلى القصر.» ونهض فأسرع نادر بين يديه من باب سري يؤدي إلى القصر، ولم يشعر بهما أحد من الجلوس.
مشيا توا إلى غرفة المطالعة وهي لا تزال مشعشعة بالأنوار، فقعد السلطان وأشار إلى نادر أن يقعد فقعد، فتناول السلطان سيكارا أشعله ونفخ الدخان من فيه مع زفرة طويلة، وكرر ذلك مرتين فامتلأت الغرفة من الدخان، وهو مطرق ونادر بين يديه جامد كالصنم، ثم رفع السلطان بصره إلى نادر وقال: «ألا تعرف القادين ج من يوم مجيئها قصرنا؟»
قال: «لم أكن أعرف عنها شيئا كثيرا، ولكني كنت أسمع قزلر أغاسي (قيم الجواري) يثني على ذكائها وجمالها.»
قال: «ألا تعرف أنها أرمنية الأصل؟»
قال: «يظهر ذلك من شكل أنفها وملامح وجهها، وأظن هذا هو السبب في نفور مولاي البادشاه منها.»
قال: «لا، لا، ليس السبب في ذلك أنها أرمنية أو أنني أكره هذه الطائفة بعدما كان من تمردهم ودسائسهم، ولكن ...» وعاد إلى التدخين ونفض رماد السيكار في منفضة بين يديه وهو مطرق، كأنه يتردد في هل يطلع نادر أغا على ذلك السر الذي لم يطلع عليه أحدا بعد ... ونادر جالس متأدبا لا يبدي حراكا لئلا يشوش على السلطان مجاري أفكاره.
ونهض السلطان عن الكرسي الطويل الذي كان جالسا عليه فقصد المكتبة، وفتح الدرج وأخرج منه تلك الورقة من محفظتها، وقبض عليها بكفه وعاد إلى مقعده والسيكار في فيه وقال: «اسمع يا نادر أغا يقولون إن والدتي أرمنية الأصل؟»
قال: «نعم يا سيدي، هكذا يقولون.»
فقال السلطان: «فكان ينبغي أن أحب الأرمن من أجلها.»
قال: «نعم أفندم.»
صفحة غير معروفة