فشق عليه عملها، ولكنه تجلد والتقط العلبة فوضعها في جيبه وقال: «إني أعذرك لجنونك، ولا أعاملك بالمثل. لكنني أنصح لك أن تصدقيني، صدقيني يا شيرين لقد أنقذتك من الهلاك.»
قالت: «كذبت، إن مثلك لا يستطيع غير إيقاع الناس في المهالك.»
قال: «ولكن الذي يقدر أن يوقع الناس في المهالك يقدر أن يخلص الناس منها»، ومد يده إلى جيبه وأخرج ورقة قبض عليها وقال بلحن التهديد: «اعلمي أن حياتك وموتك في قبضة يدي هذه.»
فضحكت ضحكة الازدراء وقالت: «خسئت! يكفيك تمويها، يكفيك ما ارتكبته بإيقاع ذلك الشاب الحر في أيدي القوم الظالمين، أوقعته بين مخالب الموت لترضي ذلك الطاغية السفاح. قبحكم الله من أشرار! ويل لكم من موقفكم يوم الحساب!» وغصت بريقها على رغم إرادتها، ثم تجلدت وقد أحست بقوة وبسالة لم تشعر بمثلهما من قبل، وحولت وجهها عنه وجعلت تمشي في الغرفة مشية الأسد الظافر.
فأخذ الحنق من صائب مأخذا عظيما وصر بأسنانه، ومد يده وهو قابض بها على تلك الورقة وقال: «لا أراك فهمت ما أقوله لك، قلت إن موتك وحياتك في قبضة يدي هذه، فإذا أطعتني ورجعت إلى رشدك ورضيت بما عرضته عليك كنت سعيدة، وإلا فإني ...»
فقطعت كلامه وقالت: «إنك أقصر باعا مما تشير إليه!»
فتقدم نحوها وقد أخرج تلك الورقة وأمسكها بسبابته وإبهامه حتى ظهرت كلها، وانحنى مظهرا التهكم وقال: «ألا تعرفين هذه الورقة؟»
فلما وقع بصرها عليها علمت أنها من الورق الذي كانت تكاتب به رامزا أحيانا فأجفلت، ولكنها كظمت وقالت: «وما عساها أن تكون؟»
قال: «أنا أقول لك ما هي، هي كتاب منك بخط يدك وجدته بين أوراق ذلك الطائش الغر. أتذكرين ما قلت له فيه؟»
فأوجست خيفة لعلمها أنها كانت تكتب إلى رامز دون حذر وقد يكون فيها ما تؤاخذ عليه، لكنها أدارت رأسها وقالت: «لا أعلم ما بها، ولا يهمني أن أعلم!»
صفحة غير معروفة