قال: «قلت إنك ستعرف من أنا، ومتى عرفتني وعرفت من هو خصمك الذي عفوت عن نفسه واقتنعت بماله، لا تندم على الإصغاء إلي.»
فأشار جرجيس إلى رجاله أن يضيئوا خيمته ويدخلوا إليها الأسيرين. ولحظ سعيد في أثناء تحول القادين عن فرسها أنها تتوكأ كأنها مثقلة، فعلم أنها حامل. ثم دخل جرجيس ودعا سعيدا وأمره بالجلوس، وأجلس الأميرالاي والقادين على طنفسة هناك، وظل هو واقفا، فقال سعيد: «تفضل يا حضرة الزعيم، اجلس. إني عارف قدرك، ألست رئيس جمعية طوسقا الألبانية؟»
قال: «نعم، ومن أنت؟ قل حالا.»
قال: «أما أنا فإني مندوب متنكر جئتك برسالة من جمعية الاتحاد والترقي العثمانية، سأدفعها إليك الآن ولا حاجة بك أن تعرف من أنا.» ومد يده وأخرج ورقة دفعها إليه، فتناولها ودنا من المصباح وأخذ في قراءتها. وأخذ الأميرالاي يتفرس في سعيد فلم يذكر أنه يعرفه، أما سعيد فإنه اغتنم اشتغال جرجيس بتلاوة الورقة وقال للأميرالاي: «ألست الأميرالاي فوزي بك ومعك حضرة القادين ج؟»
فأجفل فوزي بك عند سماعه ذلك التصريح وهو يحسب نفسه بعيدا عن المعارف لا يعلم به أحد هناك، ولكنه تجاهل وأنكر وقال: «لا أفهم ما تقول، من أنت؟»
قال: «يا للعجب! كم تسألون من أنا وتنكرون من أنتم! لا ينبغي أن تخاف منا، إننا لا نقتل على الشبهة كما يفعل صاحبكم في يلدز، ولا نطلب غير حقنا، فأخبرني أين شيرين رفيقتكما؟»
فلما سمع سؤاله عن شيرين تحقق أنه مطلع على حقيقة أمرهم ولا سبيل للإنكار، وأعظم أمر الجمعية لتيقظها فقال: «إن شيرين فارقتنا في سلانيك.»
وكان جرجيس قد فرغ من تلاوة الورقة فرماها إلى سعيد باحتقار وقال: «هذا كلام لا يمكننا سماعه. نعم، إننا أقرب إلى المصالحة معكم جماعة المسلمين، ولكنكم تحتالون علينا وتضحكون منا فتأتوننا كل يوم ببيان جديد، تكتبون إلينا اليوم بمعنى الاتحاد بين العناصر، وتكتبون إلى المسلمين تحرضونهم علينا. وقد كنا صدقناكم وعزمنا على حل العصابة، فوقع لنا كتاب مرسل منكم إلى المسلمين تبينون فيه فضل الإسلام ومزية المسلم على غيره وتجعلون أموالنا حلالا لكم.»
فقال سعيد: «أين هذا الكتاب؟! إنه من رجل مفسد. أين هو؟!»
فأشار جرجيس إلى أحد رجاله، فأتاه بمحفظة أخرج منها كتابا مرسلا إلى حاكم أستاورة في تلك الجهة عليه الطغراء وقد صدر باسم الخليفة . ثم قال جرجيس: «ألم تقولوا إنكم تطلبون الدستور وفيه حماية الأعراض وحفظ الحقوق لكل الناس على اختلاف مذاهبهم؟ وهذا كتاب من السلطان يقول عكس ذلك، خذ اقرأ. ألا يقول هنا إن سعي جمعية الاتحاد والترقي في طلب الدستور مفسد للأخلاق، وإنه لا يوافق مصلحة المسلمين لأنه يجعل نساء المسلمين يخرجن حاسرات كنساء الكفار؟»
صفحة غير معروفة