قالت: «نعم، ولكن يظهر أنه جاء متنكرا.»
ولم تكد شيرين تعيد النظر إلى نيازي حتى خفق قلبها خفقة الغبطة، لأنها رأت رامزا بجانبه وقد قبض على ذراعه وجعل يقوده نحو تلك الشجرة ونيازي يلتمس التخلص والرجوع. ولما اقتربا من مجلس شيرين وأمها سمعتا نيازي يقول: «دعني يا رامز فقد اقترب موعد سفري.» ولكن رامزا أخذ يجره من ذراعه وهو يضحك ويقول: «دقيقة واحدة فقط.»
ووقع نظر نيازي على شيرين وأمها فأسرع إليهما وحيا الوالدة باحترام، ثم حيا شيرين تحية صديق قديم لأنها عرفته من قبل، وقد خطب إحدى صديقاتها من بنات مناستير. وتقدم رامز وألقى التحية، وابتدر شيرين بالاعتذار فقال: «لقد تأخرت ولكن الحق على صديقي نيازي»، وضحك.
فقال نيازي: «اسمحوا لي أن أودعكم الآن لأني جئت خلسة، ولا بد من رجوعي الليلة إلى بلدي، وإني أتأسف لضياع هذه الفرصة فإن هذه الجلسة تلذ لي كثيرا، ولكنني لا أحب أن أترك للقوم بابا للانتقاد حتى يأتي الله بالفرج.» وابتسم.
فقالت توحيدة والدة شيرين: «تسافر الليلة؟ إلى أين؟»
قال: «إلى مناستير يا سيدتي، ومنها إلى رسنة. استودعكم الله، إلى اللقاء. كم كنت أحب أن أبقى معكم! ولكن ...» قال ذلك وحياهم وانصرف.
وتقدم رامز نحو شيرين وهو يبتسم ابتسام الاعتذار وقال: «أظنني أقلقت بالك لتأخري، ولكنني شغلت بصديقي نيازي، وأنت تعلمين صداقتي القديمة له.» وخفض صوته وقال وهو يحاذر أن يسمعه أحد: «قد جاء اليوم لمقابلة بعض أعضاء الجمعية، فاجتمعنا بصديقنا الشهم أنور بك.» قال ذلك وهو يقعد على كرسي.
فقطعت شيرين كلامه قائلة: «هل أدخلتم نيازي أيضا في الجمعية؟»
قال: «أدخله أنور بك، وقد أحسن بذلك، لأن نيازي من خيرة الضباط أهل المروءة والنجدة، وممن يرجى نيل الدستور على أيديهم.»
ولما لفظ كلمة الدستور تنهد وانقبضت نفسه وأطرق، فأدركت شيرين ما جال بخاطره فقالت: «لا تتنهد، إن أباك سيأتي ولو طال غيابه.»
صفحة غير معروفة