أحاطها بذراعيه وأحاطته بذراعيها.
أقام لهما الميدان حفلة زفاف عزف فيها الشباب والشابات موسيقى الثورة وأغانيها، أنشد الشعراء والشاعرات قصائد عن الحرية والعدالة والكرامة.
جلست بدرية البحراوي تحت الخيمة ومن حول كتفيها بطانية صوف، وفي جوارها داليا وحميدة وأعداد من الثوار والثائرات.
لم يعرف أحد أن جلال أسعد لن يعيش بعد هذه الليلة إلا بضعة أيام، كانت عيون السلطة تترصده، بدأت وزارة الداخلية تصطاد الشباب الثوار واحدا وراء الآخر، مستخدمة وسائل مختلفة للتخلص منهم، مجندة البلطجية لخطفهم في الليل، أو سيارة تصطدم بهم، أو تلفيق تهم لهم، ثم إيداعهم السجن وتعذيبهم حتى الموت. تلقى جلال أسعد ذلك اليوم مكالمة تلفونية عبر تلفونه المحمول وهو جالس في الخيمة، تطلب حضوره فورا إلى مركز بوليس قصر النيل، خرج من الخيمة مسرعا، سار نصف ساعة حتى باب مركز البوليس، كان أمام الباب زحام من أهالي المفقودين وأمهات المقتولين والمعتقلين، قبل أن يدخل من الباب هجم عليه رجل ضخم يعمل لحساب الشرطة، ضربه بمطواة من قرن الغزال في فخذه، ثم هرب قبل أن ينتبه إليه أحد، سقط جلال أسعد على الأرض ينزف دما، عرفه بعض الأهالي، كان جلال أسعد شخصية معروفة بين الثوار، كان هو الأدمن، مسئول الصفحة الإلكترونية التي توجه الشباب، وتنظمهم، يكشف فيها المسكوت عنه، ذو أسلوب بسيط مركز مباشر بالصورة والخريطة والفيلم، يتصل بالآخرين ويتفاعل معهم بسرعة ومهارة، يتحدث الجميع عن شجاعته واستعداده للتضحية من أجل الثورة، كان يتطوع لمساعدة الأهالي في البحث عن أبنائهم، والدفاع عنهم مع المحامين الثوار، حملوه إلى داخل مركز الشرطة وهو ينزف دما، تلكأ رجال الشرطة عن طلب الإسعاف، فغضب الأهالي ونشبت معركة بينهم وبين رئيس الشرطة، انتهت بطرد الأهالي من المركز بالقوة، بقي جلال أسعد راقدا على الأرض ينزف دما بينما يحقق معه أحد رجال البوليس، أنت متهم بإشعال النار في مقر الإخوان المسلمين فما هي أقوالك؟
يحاول جلال أسعد أن يرد بصوت قوي بالرغم من النزف: دي تهمة ملفقة لأني مش بلطجي والكل عارفني.
استمر التحقيق ساعة ونصف الساعة وهو ينزف دما، ثم حملوه إلى المعتقل.
زحفت الآلاف من أهالي المقتولين والمفقودين إلى مشرحة زينهم، تقودهم هنادي وداليا وحميدة وفؤادة وبدرية وجميع سكان الخيام، والبيوت من الخيش والصفيح في الأزقة والقبور، هجموا على المشرحة، حملوا جثث أولادهم وبناتهم إلى الشارع، من بينهم صلاح محمد (19 سنة) قتل بطلق ناري في رأسه أثناء التظاهرة في شارع محمد محمود، عمر محمد (21 سنة) قتل برصاصة في رأسه فوق كوبري قصر النيل، زكي حسين (23 سنة) قتل برصاصة في العنق أمام قصر الاتحادية، أحمد جابر (26 سنة) قتل نتيجة ارتجاج في المخ بعد أن دهسته عربة بوليس، هادية شمس قتلت برصاصة في رأسها في أثناء التظاهرة في ماسبيرو، سميحة محمد قتلت برصاصة اخترقت عينها اليمنى إلى المخ أمام المتحف، ثمة جثث لشباب وشابات تغيرت ملامحهم ولم يتم التعرف إليهم، تحولت الجنائز إلى تظاهرات شارك فيها الملايين في الشوارع والميادين وهم يهتفون ضد رئيس الدولة، ارحل ارحل، يسقط النظام، يسقط القمع، يسقط التعذيب والخراطيش وقنابل الغاز.
تقارير الطب الشرعي مزورة، في اجتماع تحت الخيمة قالت بدرية البحراوي: يتبع الطب الشرعي وزير العدل والمفروض أن يكون جهازا مستقلا عن الحكومة حتى تعبر التقارير عن الحقيقة، لكن الطبيب الشرعي يخاف أن يشهد بالتعذيب وإلا تعرض للعقاب أو الفصل؛ لهذا لا يثق أحد بتقارير الطب الشرعي.
في غرفته المكيفة بالجورنال، كان رئيس التحرير في اجتماع عاجل مع كبار المحررين والكتاب. جاءت اليوم إشارة من الرئاسة بتكذيب الخبر، الذي نشرته بعض الصحف المأجورة من الخارج، أن جلال أسعد مات بالتعذيب في السجن وليس في إثر حادث سيارة، تم تفتيشه بعد أن صدمته السيارة ووجد في جيبه مطواة من قرن الغزال وطبنجة ونبلة، اتسعت عينا شاكر بدهشة وتساءل: نبلة؟ - أيوه يا أستاذ، نبلة.
وكتمت كوكب الضحك بيدها، فأكمل رئيس التحرير: النبلة يستخدمها البلطجية في ضرب الثوار الأبرياء، يتم تسديد النبلة إلى العين، لدينا تقارير عن فقء بعض عيون الأبرياء بالنبلة. رجال الشرطة يخدمون الوطن وبعضهم تعرض للقتل من قبل هؤلاء البلطجية، مطلوب منكم مقالات عن المؤامرات الخارجية على مصرنا الحبيبة، كيف يضحي رجال الشرطة بحياتهم من أجل مصر، تحولت الثورة إلى فوضى، لم يعد الشعب المصري يحتمل استمرار هذه التظاهرات المأجورة التي تهدف إلى انهيار الدولة، الاقتصاد ينهار، السياحة انهارت، البطلجية انتشروا في كل مكان، لا بد من الحفاظ على هيبة الدولة وإلا فالعوض على الله.
صفحة غير معروفة