يغمز رئيس التحرير بعينه مشيرا إلى الصورة فوق رأسه داخل البرواز ويهمس: هو واللي حواليه عارفهم يا شاكر؟ - كل الناس عارفاهم يا أستاذ.
كانت فؤادة تشعر في مكتبها بالغربة، لم تكن تحب الصحافة أو السياسة، دخلت قسم الصحافة في الجامعة لترضي أباها، كان يقول: الصحافة هي كل شيء، أكبر رأس في البلد يخاف من أصغر صحفي. تجلس فؤادة شاردة، تتحرك عيناها خارج النافذة، كيف تحرر نفسها من الجورنال، سعدية تحررها من أعباء البيت، تساعدها على الطبخ والتنظيف، تعمل من الساعة السابعة صباحا حتى الخامسة مساء، تسع ساعات كاملة من دون توقف، لن يكون عندها وقت للطفل الجديد القادم، لماذا تركت نفسها تحمل للمرة الثانية، تكفيها ابنتها داليا لا تملك الجهد لطفل ثان ولا تريده، حياتها الزوجية خالية من اللذة أو السعادة، تشعر بالغثيان كل صباح، تساورها فكرة الإجهاض، لا تستطيع تحمل عبء طفل جديد، وابنتها داليا تكفيها، أوتوبيس المدرسة يحملها كل صباح ويعود بها في الرابعة مساء، في الثانية بعد الظهر تعود هي وشاكر من الجورنال.
تساعد سعدية على إعداد الغداء بالرغم من الإرهاق.
يستلقي زوجها فوق السرير بالبذلة والحذاء شاخصا إلى السقف حتى تناديه: الغدا جاهز يا شاكر.
صوتها يشبه صوت أمه، حين كانت تناديه وهو طفل، كانت أمه درية هانم، تزورهما في العيد الكبير والصغير، وهما يزورانها في بيتها في عيد ميلادها، ويوم شم النسيم والكريسماس، نشأت صداقة بين زوجته وأمه، تجلسان معا وتتحدثان، تحكي درية هانم حكايتها لفؤادة وشاكر وتعيدها، لا تنسى منها شيئا وخصوصا ذلك المشهد مع الطبيب، ذهبت درية هانم إلى الدكتور مصطفى صديق والدها، وضع الطبيب يده فوق بطنها وقال: لا يمكن، عملية الإجهاض يا درية هانم خطرة جدا بعد الشهر الرابع.
أجهشت بالبكاء. - سيكون لك طفل جميل يا درية هانم. - مش عاوزاه يا دكتور كرهت. - فيه أم تكره ابنها؟ - أيوه يا دكتور إذا كرهت أبوه. - مش قادر أتصور يا درية هانم.
الرجل لا يمكن أن يتصور آلام النساء يا دكتور وإن كان طبيبا نسائيا.
ضحك الدكتور وقال: زوجك محترم من الجميع. - أنا مراته أقرب الجميع إليه فقدت احترامي له. - أنا مستعد أصلح بينكم يا درية هانم. - القلب اللي ينكسر لا يمكن يرجع سليم يا دكتور. - اسمعي مني النصيحة يا درية هانم، زوجك أحسن من غيره، أنا طبيب نساء عارف خبايا البيوت، كل الرجالة بيكدبوا ويخونوا زوجاتهم. - فيه رجالة عندهم ضمير يا دكتور. - إنتي ست طيبة وعلى نياتك، المسألة مش ضمير. - أمال إيه يا دكتور؟ - القانون الإلهي، ربنا حلل لنا الزواج بأربع نساء. - ده قانون غير عادل لا يمكن أقبله. - يا درية هانم لازم تكوني مؤمنة بالله وإلا ... - وإلا إيه يا دكتور؟
يضحك الطبيب ويسكت.
على الرغم من مرور السنين، لا تنسى درية هانم هذا الحوار بينها وبين الدكتور، تسأل ابنها بعد أن تنتهي من رواية قصة حياتها: تصور يا شاكر لو الدكتور عمل لي عملية الإجهاض؟
صفحة غير معروفة