الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه
محقق
(مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي) (ضبط نصه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره)
الناشر
دار الإمام مالك
مكان النشر
مؤسسة الريان
تصانيف
الفقه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= أهل الذمة المقيمين تحت سلطة المسلمين، ذلك أنَّ الإسلام يتميز برعايته الخاصة لأهل الذمة وبضمانه لكافة حقوقهم، والتاريخ شاهد بأن أهل الذمة عاشوا دائمًا تحت السلطة الإسلامية معززين مكرمين، ولم يتعرضوا أبدًا لتلك الإبادة الوحشية التي تعرض لها المسلمون بالأندلس، والذين وجدوا أنفسهم أمام اختيارين لا ثالث لهما، فإما أن يهاجروا وإما أن يتنَصَّرُوا.
ومن ثم كان من المنطقي أن يدعو الونشريسي وغيره من المسلمين إلى الهجرة صيانة للدين الإسلامي وإنقاذًا للمسلمين، وكان من المنطقي -أيضًا- أن يكفروا من قدر على الهجرة ولم يهاجر؛ لأن إقامته بأرض الكفر تعرض الدين لمخاطر كثيرة.
ويعتبر هذا الحكم الذي رآه الونشريسي وغيرهُ من الفقهاء موقفًا معقولًا وواقعيًا، إلا أن الغريب حقًا هو أنهم لم يهتموا اهتمامًا كافيًا بالطرف الآخر من المشكلة وهو: إلى أين يهاجر هؤلاء؟ وواجب المسلمين الآخرين في استقبالهم وإيوائهم وحمايتهم، ومن الذي يتحمل هذه المسؤولية، هل الأقرب أم الأقوى؟ فهل كان الأمر عندهم مفروغًا منه ولا يحتاج إلى إفتاء؟ أم أنهم لم يرغبوا في إثارته لأسباب خاصة؟!
والواقع أن أمر الهجرة لم يكن أمرًا يسيرًا على كل حال، فقد اعترضت المهاجرين عراقيل مختلفة، كان منها ماتكلفه هذه الهجرة من تضحيات مادية، ومايحسه المهاجر من فروق بيئته القديمة التي هاجر منها، والبيئة الجديدة التي هاجر إليها.
إلا أن هذه العراقيل لا ينبغي أن تكون مسوِّغًا للقول بالإقامة بأرض الكفر وعدم الهجرة منها؛ لأن حل المشكلة يكمن في القضاء على تلك العراقيل وتذليلها وليس في العدول عن الهجرة بالمرة، ويخطيء من يثير قضية الوطن في هذا الموضوع، فالمسلم لا يرتبط بالأرض، ولكنه يرتبط بدينه، فأينما تحققت مبادىء الإسلام وضمنت الحقوق الإسلامية فثمة وطن المسلم، وهذا لا يعني أننا ننكر مشاعر الإنسان ولا إحساسه تجاه وطنه، ولكننا ننكر أن ينتفخ هذا الإحساس ويتضخم إلى درجة أن يصبح في حجم الدين بالنسبة للمسلم. ففكرة الوطنية كانت من أشد ما ابتلي به الإسلام في الحقبة الأخيرة، إلى جانب القوميات القائمة على أساس الجنس.
وكما نرى، فالإمام الونشريسيُّ لم يقم أي وزن لاعتبار المصلحة في فتواه، بينما يرى الإمام المازريُّ مراعاة المصلحة في ذلك؛ فقد سئل عن أحكام قاضي صقلية وشهادة عدولها، ولايدري السائل إقامة المسلمين هنالك تحت الكفر: اختيارية أم ضرورية؟
فكان من ضمن ما أجاب به المازري قوله: «وهذا المقيم ببلد الحرب، إن كان اضطرارًا فلا شكَّ أنه لا يقدح في عدالته؛ وكذا إن كان اختيارًا، جاهلًا بالحكم، أو معتقدًا للجواز، إذ لا يجب عليه أن يعلم هذا الطَّرف من العلم وجوبًا يقدح تركه في عدالته. =
1 / 69