الإنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر جمل من آدابه ولواحق أحكامه
محقق
(مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي) (ضبط نصه وعلق عليه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه وآثاره)
الناشر
دار الإمام مالك
مكان النشر
مؤسسة الريان
تصانيف
الفقه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= وما صار إليه المسلمون في الأندلس، وفي غيرها من البلاد، شاهدٌ منظورٌ يقصُّ علينا من نبئه ما يبعث مَنْسِيَّ الشَّجن، ويُنسي لذة الوَسَن، ويُذكر محظور السُّنن! فهل من مدَّكِر؟!
فقد كانت محنة المسلمين بالأندلس من أشد المحن التي شهدها العالم الإسلامي، وفيها أفتى كثير من الفقهاء بوجوب الهجرة. ومن أشهر من أفتى في هذا الموضوع: الفقيه الونشريسي الذي رأى أن هجرة المسلمين من الأندلس واجبة، ومن لم يهاجر مع قدرته على الهجرة فهو آثم، في رسالة له عنوانها: «أسنَى المتاجر في بيان أحكام من غلَبَ على وطنه النصارى ولم يهاجر، وما يترتب عليه من العقوبات والزواجر» -وهي ضمن كتابه «المعيار المعرب والجامع المُغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب» - (٢/١١٩-١٣٢) .
وقد حدَّدَ المخاطرَ التي تهدد حياة المسلم المقيم بأرض الكفر فيما يلي:
أولًا: الخوف من تعطيل الدين، كتعطيل الزكاة، والحج، والجهاد.
ثانيًا: الحط من قدر الإسلام بالتعرض للاستغراق في مشاهدة المنكرات.
ثالثًا: الخوف من نقض النصارى لعهودهم.
رابعًا: الخوف من الفتنة في الدين.
خامسًا: الخوف على الأبضاع والفروج.
سادسًا: الخوف من غلبة عاداتهم ولغتهم ولباسهم على المقيمين بينهم.
سابعًا: الخوف من التسلط على المال بإحداث الوظائف الثقيلة والمغارم المجحفة.
وقد رأى بعض الباحثين -وهو الدكتور حسين مؤنس في دراسته لفتوى الونشريسي في صحيفة: «معهد الدراسات الإسلامية» (ص ١٢٩-١٩١ العدد ١ سنة ١٩٥٧م/١٣٧٧هـ) -، في رأي الونشريسي نوعًا من التجني والظلم، ورأى أن المصلحة تقتضي إقامة القادرين على الهجرة من أجل العاجزين عنها، يقول:
«ولو أقام الرؤساء والأعيان ونقباء أهل المهن وشيوخ الدين؛ لَمَا انحلَّ أمرُ هذه الجماعات، ولكان لها شأن آخر، شأنها في ذلك شأن المستعربين، فقد أقام معهم تحت ذمة الإسلام أغنياؤهم ورؤساؤهم وقساوستهم، فظلت لجماعاتهم شخصيتها؛ وإن قلَّت أعدادها، وظل فيها دائمًا من يتكلم باسمها ويخاطب رجال الدولة في شأنها، فلم تتلاش أبدًا. وربما عزى معظم ما أصاب المدجنين إلى تخلي رؤسائهم ورجال دينهم عنهم، ونرى مسؤولية الشيوخ واضحة، إذ لم يكفهم أن يفروا بأنفسهم مُخَلِّفين أهل دينهم، بل حرَّموا البقاء على من أراده من الرؤساء، وطلبوا إليهم الهجرة، ومعنى ذلك ترك الضعفاء وحدهم يفعل العدو بهم ما يريد» .
إلا أنه قد فات الدكتور أنه لايمكن قياس حال المسلمين المقيمين تحت سلطة الكفار بحال =
1 / 68