واعلم أنه لا يجوز أن يقوم مقام الرسول صلى الله عليه وآله من إذا قضى بقضية أو أحدث حدثا مما لم يأت عن الله ولم يحكم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وراجعه فيه من هو أعلم منه بالله رجع عن حكمه واعتذر، وكان قوله: ( علي شيطان يعتريني، فإذا رأيتم مني ذلك فاجتنبوني لا أبدر في أشعاركم وأبشاركم ) فهذا لا يصلح للإمامة، ولا يجلس في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولا من كان إذا حكم بحكم فقيل له أصبت يا أمير المؤمنين يعلوه بالدرة، ويقول: ( لا تزكونا في وجوهنا فوالله ما أدري أصبت أم أخطأت، وما هو إلا رأي رأيته من نفسي ). فيخبرهم أنه لا يدري أصاب أم أخطأ، وهم يشهدون له أن ( السكينة تنطق على لسانه ). يخبرون عنه بخلاف ما يخبر عن نفسه، ويجعلون له من التوفيق ما يجعلون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وإنما يصلح للإمامة ويخلف النبي صلى الله عليه وآله في أمته، من كان إذا صعد المنبر يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني، فعندي علم المنايا والقضايا، والحكمة والوصايا، وفصل الخطاب، والله لأنا أعلم بطرق السماء من العالم منكم بطرق الأرض، وما من آية نزلت في ليل ولا نهار، ولا سهل ولا جبل إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وفيما أنزلت، ولقد أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكنون علمه ألف باب يفتح لي كل باب منها ألف باب، نحن النجباء، وأبناء النجباء، وأنا وصي الأوصياء، وأنا من حزب الله وحزب رسوله، والفئة الباغية من حزب الشيطان والشيطان منهم، وأفراطنا أفراط الأنبياء ولا يقوم أحد يسأل عن شيء إلا أخبرته به غير متريث) والله تعالى يقول: { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون } [يونس:35]. والإمامة لا تكون إلا في موضع الطهر، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وجوهر النبوة {الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا } [الأحزاب: 33] وأمر بمودتهم بعد نهيه عن مودة من حآده، وليس يخالف الحق إلا أهل العناد لله ولرسوله، والبغي والحسد والجهالة، ممن لا روية له من المرجئة، والقدرية، والنواصب، وجميع الخوارج، ممن خالفنا أو حاد عن الحق، وقال برأيه، وقد فسرنا في كتابنا هذا ما يدخل على من خالفنا ما يستدل بدونه من نصح لنفسه، وترك المحاباة على ما سبق إلى قلبه، فمن فهم بعض ما وصفنا، دله على كثير مما يريد وبالله نستعين، وعليه نتوكل وإليه نفوض أمورنا مستسلمين له، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وأهله وسلم.
صفحة ١٠٩