إمامة من تقدم على علي السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه:
يسأل الذين قدموا أبا بكر. فيقال لهم: خبرونا عن جميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله من الله، وأمرنا به من طاعة الله، ما هو وهل يخلو من ثلاثة أوجه ؟!
إما فريضة أوجبها عليهم من الله.
وإما سنة سنها لهم.
وإما تطوع أمرهم به على الترغيب فيه، إن شاءوا فعلوه، وإن شاءوا تركوه.
فمن قولهم: لا يخلو من أحد هذه الثلاثة الوجوه، ولا سبيل لهم إلى أكثر من ذلك؛ لأن ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه أحد هذه الثلاث الخصال.
يقال لهم: فأخبرونا عن هذه الفرائض التي أمرهم النبي بها عليه السلام، عن الله، معروفة معلومة، أو مجهولة غير معروفة ؟
فمن قولهم: لا. بل معروفة غير مجهولة.
فيقال لهم: فمثل أي شيء ؟
فمن قولهم: مثل صلاة الظهر أربع ركعات، وصلاة المغرب ثلاث ركعات، والصبح ركعتان، ومثل الزكاة من مأتي درهم خمسة دراهم، ومن أربعين دينارا دينار، ومثل فرائض المواريث للبنت النصف، وللذكر مثل حظ الأنثيين.
فيقال لهم: هل يجوز لأحد أن يحول هذه الفرائض فيجعلها على خلاف ما فرض الله ؟
فإن قالوا: نعم . أبطلوا جميع الفرائض. وإن قالوا: ما تعنون بقولكم يحولها ؟
قيل لهم مثل المغرب يجعلها ركعتين، ومثل الصبح يجعلها ثلاثا، ومثل أن يفرض للبنت الواحدة الثلث، ويعطي الذكر مثل حظ الأنثى، وفي ست من الإبل شاة، وفي مأتي درهم ثلاثة دراهم، وفي ثلاثين من الغنم شاة، وفي عشرين من البقر بقرة.
فمن قولهم: هذا لا يجوز.
قيل لهم: لم لا يجوز ؟
فإن قالوا: لأن هذه الفرائض جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معروفة معلومة محدودة، فإن زادوا فيها أو نقصوا خالفوا الله ورسوله فيما أمرهم به، وفرضه عليهم، وفي خلاف هذا هدم الدين.
قيل لهم: فجميع الفرائض على هذه الحال ؟
صفحة ٩٤
فإن قالوا: لا. تركوا قولهم إنه لا يجوز أن يتركوا ما أمرهم الله به. فيكون في قولهم إنه يجوز في بعض ولا يجوز في بعض.
وإن قالوا: لا يجوز النقصان ولا الزيادة في جميع الفرائض.
قيل لهم: هذه الفرائض قد أجمعتم عليها أنه لا يجوز فيها زيادة ولا نقصان. فأخبرونا من السنن ما هي عندكم ؟ فمن قولهم مثل مواقيت الصلاة، الظهر إذا زالت الشمس، والمغرب إذا غربت، والصبح إذا طلع الفجر، ومثل زكاة الفطر، ومثل صلاة الوتر بالليل ثلاث، وركعتان قبل الصبح، ومثل هذا من المناسك والسنن.
قيل لهم: ما تقولون: هل يجوز لأحد أن يحول هذه السنن عن جهاتها، فيجعل الوتر بالنهار، ووقت الظهر لوقت العصر، وصلاة النهار بالليل، وزكاة الفطر في الأضحى، وركعتي الفجر قبل الصبح، وكل شيء من السنن يحولها على هذا النحو ؟!
فمن قولهم وقولنا: لا يجوز تحويل هذه الأشياء على خلاف ما سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قيل لهم: وكذلك جميع السنن!
فإن قالوا نعم. قادوا قولهم إنه لا يجوز تغيير شيء من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما لا يجوز تغيير شيء من الفرائض التي ذكرنا.
قيل لهم: فما تقولون في التطوع ؟
فإن قالوا: الناس كلهم في التطوع بالخيار، إن شاءوا فعلوه وإن شاءوا تركوه، وكذلك قول الله تعالى: {فمن تطوع خيرا فهو خير له} [البقرة:184].
يقال لهم عند ذلك: ما تقولون في الإمامة هي من دين الله أم من غير دين الله ؟
فإن قالوا: ليست من دين الله، لزمهم في إجماع من أجمع على إمامة أبي بكر أنهم لم يكونوا على دين الله.
وإن قالوا: الإمامة من دين الله.
قيل لهم: من أي دين الله ؟! من الفرائض، أم من السنن، أم من التطوع ؟! فقد زعمتم أن الدين لا يخلو من أحد هذه الثلاثة الوجوه.
فإن قالوا من الفرائض.
صفحة ٩٥
قيل لهم: كيف فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمامة لأبي بكر، سماه لكم رسول الله صلى الله عليه باسمه وعينه، أو دل عليه بصفته، أو تركها شورى، أو سكت فلم يقل من ذلك شيئا ؟! ولا بد من إحدى هذه الخصال ولا خامسة معهن.
فإن قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله نص لنا أبا بكر بعينه واسمه ونسبه.
قيل لهم: فما بالهم وقفوا عنه ثلاثة أيام يشاورون فيه، وقد سماه رسول الله باسمه ونصبه بعينه، وما بال أبي بكر، قال لهم: أنا أرضى لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أحدهما أبا عبيدة بن الجراح، أو عمر بن الخطاب ؟ فقال أبو عبيدة وعمر لسنا نفعل ولا نبايع أحدا إلا أنت، ابسط يدك حتى نبايعك. فبسط يده فبايعاه. فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله باسمه ونصبه بعينه ؟! وهو يقول: بايعوا أبا عبيدة أو عمر! هذا خلاف ما فرض الله عليهم، أن يكون رسول الله سماه وهم يتشاورون فيه! وهو أيضا يسمي لهم وينص على من لم يسمه رسول الله ولم يرضه لهم!! ولا يجوز في فريضة الله خلاف ما فرض. مع أنهم إن كانوا تركوا رسول الله صلى الله عليه وآله لشك منهم في قوله كفروا، وإن كان لخلاف منهم فقد عاندوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومن عاند رسول الله فقد كفر.
وإن قالوا: لم يكن وقوفهم تلك الثلاثة الأيام لشك منهم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولكنهم وقفوا ليجتمع الناس من غاب وحضر.
قيل لهم: أو كذلك فرض الإمامة الوقوف والتشاور بعد الاسم والنص ؟!
فإن قالوا نعم.
قيل لهم: فهل يجوز لهم أن يحولوا هذه الفريضة عن جهتها ؟
فإن قالوا: لا يجوز لهم.
فهل أدى أبو بكر هذه الفريضة كما أمر الله ؟!
فإن قالوا: نعم. وسمى لنا عمر ونصبه بعينه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قيل لهم: فما بالكم لم تشاوروا في عمر كما تشاورتم في أبي بكر بعد النبي عليه السلام ؟!
فإن قالوا: لأن ذلك جائز لنا.
صفحة ٩٦
قيل لهم: فقد نقضتم قولكم لا تغير الفريضة. وهذا نقض الفريضة التي فرض الله ورسوله لكم في أبي بكر، إذ لم تشاوروا في عمر كما تشاورتم في أبي بكر. ولم تشاوروا في قول أبي بكر، كما تشاورتم في قول النبي صلى الله عليه وآله.
فإن قالوا: لأن المشورة إليهم.
قيل لهم: فأيهما أوثق في قوله، النبي صلى الله عليه وآله أم أبو بكر ؟!
فإن قالوا: أبو بكر كفروا! وإن قالوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوثق.
قيل لهم: ما أبين نفاقكم، إنكم تقولون النبي أوثق وأنتم تشاورون بعده. وأبو بكر عندكم ليس بأوثق من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنتم لا تحتاجون بعد قوله إلى المشورة. فقد لزمكم أن أبا بكر عندكم أوثق من النبي صلى الله عليه وآله؛ لأن أوثق الأوثاق الذي لا تشاور في قوله. وهذا التناقض من الكلام غير معقول، ممن قاله ولا مقبول.
ويسألون أيضا: هل كان لله على عمر أن يؤدي فريضة الإمامة، كما أدى رسول الله صلى الله عليه وآله في أبي بكر، وكما أدى أبو بكر في عمر ؟!
فإن قالوا: لا. صيروا لعمر دينا على حدة. وإن قالوا: لله على عمر أن يؤدي فريضة الإمامة على مثل ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله.
قيل لهم: فلم جعلها عمر شورى بين ستة ؟! وإنما كان فعل النبي صلى الله عليه وآله في أبي بكر، كما زعمتم أنه سماه باسمه ونصبه بعينه! وكذلك فعل أبي بكر في عمر، كما زعمتم.
فإن قالوا: لأن الخلاف في هذه الفريضة جائز.
قيل لهم: فقد نقضتم قولكم، حيث زعمتم أن فرائض الله لا يجوز تحويلها عن جهاتها. ونحن نراكم تقولون في أوكد الفرائض إنه يجوز أن يخالف فيها الله ورسوله!!
ويسألون ما تقولون، هل جعل رسول الله صلى الله عليه وآله في الإمامة شورى بين ستة ؟
فإن قالوا: نعم . كذبتهم الأمة ! وإن قالوا: لم يجعل فيها شورى.
قيل لهم: فهل جعلها عمر شورى بين ستة ؟
فإن قالوا: لا.
صفحة ٩٧
قيل لهم: فقد خالف عمر النبي صلى الله عليه وآله؛ لأن النبي جعلها شورى، ولم يجعلها عمر شورى . وتكذبهم الأمة أيضا أن عمر لم يجعلها شورى، وكفى بتكذيب الأمة حجة عليهم.
وإن قالوا: نعم قد جعلها عمر شورى بين ستة.
قيل لهم: فمن كان أوثق في فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم عمر ؟!
فإن قالوا: النبي صلى الله عليه وآله أوثق في فعله.
قيل لهم: فلم خالف عمر الفرض في الإمامة أن يتبعوا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] ؟! فإن قالوا: كل صواب وتوفيق. شبهوا فعل عمر بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأعطوه من التوفيق مثل ما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنه خالف رسول الله صلى الله عليه وآله في فريضة الإمامة، وكان خلافه فيما أمر الله به صوابا وتوفيقا.
ويقال لهم: أخبرونا لو أن عمر عمد إلى صلاة الظهر فجعلها خمسا كان ذلك جائزا ؟!
فإن قالوا: لا.
قيل لهم: ولم ؟!
فإن قالوا: لأن الفرائض لا تغير، ولا يجوز أن يصير ما جعل الله أربعا خمسا.
قيل لهم: كيف جاز لعمر في فريضة الإمامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله نص أبا بكر، وأن أبا بكر نص عمر، وأن خالفهما جميعا فجعلها شورى بين ستة، فهذا خلاف فريضة الله ورسوله. وعمل بخلاف ما فعلاه.
وإن قالوا: إن ذلك جائز في الإمامة ولا يجوز في غيرها. نقضوا قولهم في أول المسألة إنه لا تغير فرائض الله. وصاروا إلى أن فرائض الله يجوز تغييرها. ويلزمهم في ذلك إن جاز في بعضها، جاز في كلها، حتى لا يبقى دين إلا غير!! وهذا فاسد منكسر على من قال بهذه المقالة في فرض الإمامة أنه نص أبا بكر!!
ويسأل الذين قالوا: فرض الإمامة شورى بين المسلمين، ما تقولون: كيف فرض الإمامة من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
فإن قالوا: جعلها شورى بين المسلمين.
صفحة ٩٨
قيل لهم: وما الدليل على ذلك ؟
فإن قالوا: قول الله بتارك وتعالى: { وأمرهم شورى بينهم} [الشورى : 38]. فلذلك فعلوا في أبي بكر ما فعلوا، حيث أقاموا ثلاثة أيام يتشاورون فيه حتى أقاموا أفضلهم، يقال لهم: فهل يجوز لأحد أن يحول هذه الفرضة فيجعلها على خلاف ما فرضها رسول الله صلى الله عليه وآله.
فإن قالوا: نعم. نقضوا قولهم، وفارقوا الإجماع في أنه لا تحول فرائض الله. ولو جاز ذلك لجاز أن يجعل الظهر خمسا والعصر ستا، والمغرب ركعتين، وكذلك الفرائض. وهذا نقض لدين محمد عليه السلام.
وإن قالوا: لا يجوز في الإمامة تغيير، ولا خلاف لقول رسول الله صلى الله عليه وآله.
قيل لهم: فما بال أبي بكر لم يجعلها شورى بين المسلمين كما جعلها النبي عليه السلام ؟!
فإن قالوا: لأن خلاف أبي بكر صواب.
قيل لهم: وكذلك خلاف عمر صواب، وكل من يأتي بعدهما إلى يوم القيامة، يخالفون رسول الله وأبا بكر وعمر، وجميع الأئمة.
فإن قالوا: ذلك جائز.
قيل لهم: وكذلك جميع الفرائض!
فإن قالوا: لا.
قيل لهم: لم لا يجوز وقد جوزتم في بعض ؟! ولا حجة لهم!
وإن قالوا: يجوز. لزمهم نقض الدين كله. فإذا اضطروا أنه لا يجوز إلا الشورى، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله لزم أبا بكر أنه خالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث استخلف عمر ونصبه بعينه، ولم يجلها شورى بين المسلمين كما جعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
صفحة ٩٩
[وخالف عمر رسول الله وأبا بكر] حيث جعلها شورى بين ستة، فلا هو اقتدى برسول الله صلى الله عليه وجعلها شورى بين المسلمين، ولا هو اقتدى بأبي بكر فنص بعده رجلا كما نصه أبو بكر بعينه واسمه. وهذه فريضة متناقضة. لأنا وجدنا أبا بكر لم يتبع فعل النبي عليه السلام في فريضة الإمامة، إذ زعمتم أنه جعلها شورى بين المسلمين، وكذلك عمر جعلها شورى بين ستة. فكل واحد منهما قد خالف صاحبه، وخلافهما جميعا خلاف لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كان صوابا ما خالفا به رسول الله في الدين قاسوا أبا بكر وعمر برسول الله عليه السلام، وزعموا أنه يجوز لكل واحد منهما خلاف صاحبه، وأنه يجوز لهما أيضا خلاف رسول الله، فإن قالوا: ذلك لا يجوز لهما. فقد ابتدعا في الاسلام ما لم يكن لهما.
ويسألون عن فعل أبي بكر وعمر في الإمامة، كان أصوب أم فعل النبي ؟!
فإن قالوا: فعلهما. كفروا!!
وإن قالوا: فعل النبي عليه السلام أصوب.
قيل لهم: فأيهما كان أولى بأبي بكر وعمر يقتديان بالنبي أم لا يقتديان به ؟
فإن قالوا: يقتديان بالنبي خير لهما.
قيل لهم: فحيث خالفا النبي عليه السلام في الإمامة اقتديا به أم لم يقتديا به ؟!
فإن قالوا: لا. بل اقتديا. خالفوا أن تكون الشورى بين المسلمين مثل الشورى بين ستة، وأن تسمية أبي بكر لعمر وحده هي شورى بين المسلمين. وهذا المحال من الكلام.
وإن قالوا: لم يقتديا بالنبي ولو اقتديا به كان خيرا لهما.
قيل لهم: أفيجوز لهما ما فعلا أم لا يجوز ؟
فإن قالوا: نعم. هذا جائز لهما.
قيل لهم: أفصواب ذلك أم خطأ ؟!
صفحة ١٠٠
فإن قالوا: بل خطأ. لزمهم أنه يجوز أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وآله. وإن زعموا أنه صواب فقد زعموا أن خلاف النبي عليه السلام صواب. وهذا ما لا يقول به أحد من المصلين. وزعموا أن أبا بكر وعمر جائز لهما أن لا يقتديا برسول الله صلى الله عليه وآله. وهذا شر ما أضيف إليهما ترك الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله.
وقال بعضهم: إذا كانت الشورى بين المسلمين فليس بمتناقض إنما هو ما رأى المسلمون، إذا أجمعوا على أن يصيروا رجلا بعينه، وأن يجعلوه بين ستة فهو ما فعلوا، فلهم ذلك، وليس في هذه الفريضة تناقض، إنما كان الأمر شورى.
فيقال لهم الشورى من الجميع أم من بعض ؟!
فإن قالوا: من الجميع. قيل لهم :فكيف جعل أبوبكر عمر بغير شورى بين المسلمين ؟! وقد وجدناهم يقولون ننشدك الله أن تستعمل علينا عمر فإنه فظ غليظ. فقال: أتخوفونني بالله، أقيموني فلما أقاموه ، قال اللهم إني إذا لقيتك قلت استعملت عليهم خير خلقك. والدليل على أنها لم تكن شورى أنه ساعة مات أبو بكر كان الخليفة من بعده عمر. وقد أجمع الناس على هذا. وقد أقاموا بعد رسول الله ثلاثة أيام يشاورون في أبي بكر. إلا أن يكون عمر بان من الفضل بما لم يكن بان به أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم!! فإذا انكسر هذا لم يكن يجوز لأبي بكر أن يقدم عمر إلا بشورى، ولا يجوز له ذلك دون المسلمين جميعا.
وكذلك أيضا يلزمهم في ستة دون المسلمين . فيلزمهم إن كانت إصابة الإمامة لا تكون إلا بالشورى من الجميع، أن الذي فعل أبو بكر خطأ، وأن الذي فعل عمر خطأ، وإن كانت الشورى بين ستة كما فعل عمر فقد أخطأ أبو بكر، وإن كانت كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أخطأا جميعا!
صفحة ١٠١
ويسأل الذين زعموا أن فريضة الإمامة من رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي بكر بالصفة والدلالة، وأنهم إنما أقاموا أبا بكر بتلك الدلالة، مثل قول النبي صلى الله عليه : (صل بالناس). ومثل: يوم بدر أقعده معه في العريش، وكان مجلسه عن يمين رسول الله عليه السلام. قالوا بهذه الصفات اختاروا أبا بكر.
قيل لهم: فما بال أبي بكر لم يدل على عمر بالصفة حيث سماه لهم باسمه ونصبه بعينه، وأقامه بعده، كما دل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي بكر ؟! ولا يجدون إلى دفع ذلك سبيلا. وهذا خلاف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفرض فريضة بالدلالة، ويجعلها أبو بكر بالنص وكذلك عمر أيضا جعلها شورى. وهذا ما لا يجوز، أن يحول فريضة من فرائض الله عن جهتها، وإن جاز أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وآله في فريضة واحدة، جاز أن يخالف في سائر الفرائض، حتى تعطل جميع فرائض الله، وتحدث فرائض أخرى.
وإن قالوا: لا يجوز هذا إلا في فريضة الإمامة. سئلوا الدليل على ذلك ؟
وكذلك أيضا إن قالوا: الإمامة سنة على مثل قياس الفريضة، فإن جوزوا تبديل سنن الله وسنن رسوله صلى الله عليه وآله، مثل صلاة الوتر بالنهار، وزكاة الفطر في الأضحى، وصلاة العصر في وقت المغرب، وصلاة الصبح في وقت العتمة، حتى تبطل جميع سنن الله.
فإن قالوا: لا يجوز تحويل السنة إلا في الإمامة. سئلوا الدليل على ذلك ؟ ولا يجدون إلى ذلك سبيلا. ويلزمهم من ذلك مثل ما لزمت الحجة في مسألة الفريضة.
وإن قالوا: إن الإمامة تطوع. لزمهم أن سنن الله وفرائضه لا تقوم إلا بالتطوع. وهذا ما لا نحب لأحد أن يقوله.
ويسأل الذين يزعمون أن الإمامة لا تكون إلا بالشورى من جميع المسلمين، يقال لهم: أخبرونا عن الشوررى، في الأمة جميعا أم في كل جنس، أم في الفاضل أم لا تكون إلا في جنس واحد؟
صفحة ١٠٢
فإن قالوا: لا تكون إلا في جنس واحد. نقضوا قولهم إن الشورى لا تكون إلا بالمسلمين جميعا.
وإن قالوا: لا تكون إلا من الأجناس جميعا.
قيل لهم: فما بال أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخلوا معهم في الشورى غيرهم ؟ وما بال عمر لم يجعلها في الأجناس جميعا ؟ وما باله لم يجعلها شورى بين المسلمين كلهم ؟ وهذا متناقض لا يستقيم. فأي ذلك قال انكسر عليه حتى يرجع إلى أهل الحق!
واعلم أن أفرض الفرائض وآكدها فرض الإمامة؛ لأن جميع الفرائض لا تقوم إلا بها. ولا يجوز تبديل فريضة الإمامة بوجه من الوجوه، لأن فيها من الإفساد ما ليس في غيرها.
وإن سألوا فقالوا: ما تقولون في الإمامة فريضة هي، أم سنة، أم تطوع ؟
قيل لهم: بل أفرض الفرائض، وآكده في الفرض.
فإن قالوا: هل يجوز أن يخالف في هذه الفريضة ( بوجه من الوجوه ؟
قيل له: لا. لأنه لو جاز أن يخالف فريضة لجاز أن يخالف الفرائض ) كلها ؟
فإن قالوا: فما وجه الإمامة عندكم ؟
قيل: وجه الإمامة موضع الإختيار من الله معدن الرسالة ليكون الموضع معروفا. والدليل على ذلك أن الإمامة موضع حاجة الخلق، فلا يجوز أن تكون في موضع غير معروف، إذا بطلت الحاجة وضاع المحتاجون، وإذا كان ذلك كذلك فسد التبيين، ودخل الوهن في الدين؛ لأن الله تبارك وتعالى، وضع الأشياء موضع الحاجة، ووضع للمحتاجين ما فيه صلاحهم. ولو لا ذلك لفسد التدبير، وهلك الخلق.
والدليل على ذلك أن الله بعث الرسل لحاجة الخلق، ليبين لهم ما فيه صلاحهم، وإذا لم يبين لهم ما فيه صلاحهم هلكوا. فلذلك قلنا: لا يجوز أن تكون الإمامة بعد النبوة إلا في موضع معروف لحاجة الخلق إليها، وإلا فسد التدبير وضاع الخلق.
صفحة ١٠٣
ومما يصدق قولنا أن الإمامة موضع حاجة الخلق، وأنه لا غناء بالناس عنه، قول الله تبارك وتعالى في كتابه: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } [النساء: 59]. وقوله: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء: 59]. فأمر بطاعة معلوم غير مجهول، وأوجب على الخلق ثلاث طاعات ترجع إلى طاعة واحدة، وهي طاعة الله عز وجل. وأنه لا غناء بالناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله من الإمام، وإلا سفكوا الدماء وانتهكوا المحارم، وغلب القوي الضعيف، وبطلت الأحكام والحدود، وحقوق اليتامى والمساكين، ورجع الدين جاهلية. فلذلك قلنا إن الإمامة لا تكون إلا في موضع معروف، حتى متى قصدوا إلى ذلك الموضع وجدوا حاجتهم، وإلا اختلفوا وهلكوا.
فإن قالوا: بينوا لنا وجه الفريضة ؟
قيل لهم: الوجه على مثال قياس الفرائض كلها، يأتي الخبر من الله فيأمر نبيه عليه السلام أن ينص رجلا بعينه من موضع معروف، ولا يكون ذلك الموضع إلا وهم به عارفون في النسب والتقى، ليكون موضع القنوع حتى لا يقول أحد أنا أولى. كما لم يجز لأحد أن يدعي أنا أولى بالرسالة من الموضع الذي بعث الله منه نبيه. وكذلك الإمامة في أرفع المواضع، وهو معدن الرسالة لقطع الحجة.
والدليل على ما قلنا أن الإمامة إذا خرجت من أرفع المواضع وأقربها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ادعت كل فرقة من الأمة الإمامة، ووقع الاختلاف، وفي الاختلاف إبطال الدين.
فإن قالوا: إنك ادعيت أن الإمامة بخبر من رسول الله صلى الله عليه وآله أن ينص رجلا بعينه، فإذا قبض النبي انقطع الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله فقد تغيرت الفريضة عن جهتها ؟!
صفحة ١٠٤
قيل لهم: من هاهنا غلطتم. إن الفرائض كلها على مثل ما أخبرناكم، تنزل الآية في الشيء بعينه حتى تؤدى تلك الفريضة ( في كل زمان على مثل الخبر الذي أنزل الله في الشيء بعينه، حتى تؤدى تلك الفريضة ) على تلك الجهة وإنما عبنا على من قال بخلافنا أنهم غيروا الفريضة عن جهتها، فجعلوها مرة نصا في رجل بعينه، ومرة شورى، ومرة بين ستة. وإنا قلنا نحن: لا تكون إلا على هيئة واحدة. ألا ترى أن صلاة الظهر نزلت في يوم من الأيام جمعة أو سبتا أو أحدا أو غير ذلك من الأيام مسمى باسم، ثم هي في الأيام كلها على هيئة واحدة لا تغير.
وكذلك قلنا في رجل بعينه في ذلك الزمان ثم في كل زمان في رجل واحد، ولو كانت الأسماء مختلفة والقرابة والتقى والفضل واحد، فهذا قياس ما قلنا، فافهموا مغاليط أهل الخلاف. وكذلك على الناس أن يؤدوا جميع الفرائض على مثل هذا القياس. وكذلك الإمامة في أبر الخلق وأتقاهم، وأن يؤدوا هذه الفريضة حيث أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن قالوا: فقد زعمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصه بعينه، كذلك قلنا: نحن بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين لنا صفته. فوجدنا أبا بكر في تلك الصفة، فلم عبتم علينا ؟!
صفحة ١٠٥
قلنا لهم: لأنا ادعينا أن الله تبارك وتعالى أنزل الآية والموصوف موجود. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أولى بإقامته للناس باسمه وصفته. وقولنا: أولى من قولكم إن الناس كانوا أولى بأن يخرجوا الموصوف. وأنتم إن أبطلتم بألفاظكم هذا، فقد يدل فعالكم عليه، حيث زعمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يسمه باسمه، ولم ينصبه لهم، إنهم حيث سموه وأقاموه بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا توفيق من الله بعد النبي صلى الله عليه وآله ما لم يبين لهم في حياته. ونحن قلنا كان رسول الله صلى الله عليه وآله أولى بأن يبين الاسم والصفة؛ لأن البيان من رسول الله صلى الله عليه وآله ليس كالبيان من غيره. فمن هاهنا قلنا إن رسول الله صلى الله عليه وآله نصبه باسمه ونسبه.
فإن قالوا: إنا قد نراكم رجعتم إلى قولنا في الصفة والاسم بعد الأول أيضا بالصفة، فما الفرق بيننا وبينكم ؟
قيل لهم: إن اسم رجل بعينه لا يكون للناس كلهم، ولكن يكون النسب والفضل واحد. وأنتم زعمتم أن الاسم والنسب مخالف. فهذا الفرق بيننا وبينكم في الدعوى.
فإن قالوا من أين ادعيتم أنه معدن واحد دون المعادن كلها ؟
صفحة ١٠٦
قيل لهم: لأنه لو كانت معادن مختلفة لم يجز أن يكون الأمر إلا بالشورى. ولا تجوز الشورى إلا في القبائل التي تجوز لهم الإمامة. فإذا ذهبوا إلى أن يجمعوا أهل الشورى من كل قبيلة، لم يجز إلا أن يختاروا من أهل الاسلام جميعا، وإذا كان ذلك لم يجز إلا جمعهم من الآفاق كلها جميعا، مع أنه لا يكون ذلك إلا برضاهم جميعا، ولو جاز اجتماعهم اختلفت هممهم أن يكون الأمر فيهم. وفي اختلاف هممهم ومشاورتهم منازعة، لأن كل قوم يقولون: لهم فضل الإمامة؛ لأن البنية على هذا. فإذا وقعت المنازعة وقعت الفتنة، وإذا وقعت الفتنة وقع الحرب، وإذا كان ذلك تفانوا. فإذا ما وقعوا فيه من الشر والفساد أعظم مما طلبوا من الصلاح في طلب الإمامة، ولم يكن الله تبارك وتعالى يفرض عليهم فريضة يريد بها صلاح عباده، فتكون تلك الفريضة عليهم وبالا وهلاكا وفسادا. مع ما يدخل من النقص في التوحيد والرسالة، فمن قبل ذلك قلنا: لا يجوز إلا أن تكون في مكان معروف.
فإن قال قائل: إنما جعل الله الإمامة في قريش وهي معروفة، فما دليلكم في الموضع الذي تدعون ؟
قيل لهم: لأنكم إذا ادعيتم أنها في قريش دون غيرها كانت الحجة لنا عليكم، ولقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا غيرها. فإن كان ما قلتم حقا فنحن أولى بما ادعينا من القرابة؛ لأنهم أقرب برسول الله من موضعكم الذي ادعيتم وأبين فضلا.
صفحة ١٠٧
واعلم أنه لا يجوز أن يقوم مقام الرسول صلى الله عليه وآله من إذا قضى بقضية أو أحدث حدثا مما لم يأت عن الله ولم يحكم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وراجعه فيه من هو أعلم منه بالله رجع عن حكمه واعتذر، وكان قوله: ( علي شيطان يعتريني، فإذا رأيتم مني ذلك فاجتنبوني لا أبدر في أشعاركم وأبشاركم ) فهذا لا يصلح للإمامة، ولا يجلس في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولا من كان إذا حكم بحكم فقيل له أصبت يا أمير المؤمنين يعلوه بالدرة، ويقول: ( لا تزكونا في وجوهنا فوالله ما أدري أصبت أم أخطأت، وما هو إلا رأي رأيته من نفسي ). فيخبرهم أنه لا يدري أصاب أم أخطأ، وهم يشهدون له أن ( السكينة تنطق على لسانه ). يخبرون عنه بخلاف ما يخبر عن نفسه، ويجعلون له من التوفيق ما يجعلون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وإنما يصلح للإمامة ويخلف النبي صلى الله عليه وآله في أمته، من كان إذا صعد المنبر يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني، فعندي علم المنايا والقضايا، والحكمة والوصايا، وفصل الخطاب، والله لأنا أعلم بطرق السماء من العالم منكم بطرق الأرض، وما من آية نزلت في ليل ولا نهار، ولا سهل ولا جبل إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وفيما أنزلت، ولقد أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكنون علمه ألف باب يفتح لي كل باب منها ألف باب، نحن النجباء، وأبناء النجباء، وأنا وصي الأوصياء، وأنا من حزب الله وحزب رسوله، والفئة الباغية من حزب الشيطان والشيطان منهم، وأفراطنا أفراط الأنبياء ولا يقوم أحد يسأل عن شيء إلا أخبرته به غير متريث) والله تعالى يقول: { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون } [يونس:35]. والإمامة لا تكون إلا في موضع الطهر، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وجوهر النبوة {الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا } [الأحزاب: 33] وأمر بمودتهم بعد نهيه عن مودة من حآده، وليس يخالف الحق إلا أهل العناد لله ولرسوله، والبغي والحسد والجهالة، ممن لا روية له من المرجئة، والقدرية، والنواصب، وجميع الخوارج، ممن خالفنا أو حاد عن الحق، وقال برأيه، وقد فسرنا في كتابنا هذا ما يدخل على من خالفنا ما يستدل بدونه من نصح لنفسه، وترك المحاباة على ما سبق إلى قلبه، فمن فهم بعض ما وصفنا، دله على كثير مما يريد وبالله نستعين، وعليه نتوكل وإليه نفوض أمورنا مستسلمين له، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وأهله وسلم.
صفحة ١٠٩
[الوصية]
وسألت: عن الوصية ؟
فاعلم أن الله تبارك وتعالى أوصى العباد بوصايا، وأرسل الرسل بوصايا، وأوصى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله بوصايا، منها ظاهرة ثبتت بها الحجج على من سمعها وعقلها، ومنها وصايا خاصة لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آله، وليست للناس إلا أن يشاء علي أن يعلمها، فضيلة من الله لعلي.
من ذلك قول الله: { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم... } [النساء:1] الآية، والثانية { يا أيها الناس اعبدوا ربكم } [البقرة:21]، و{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط } [النساء: 135]، وقوله: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [الإسراء: 23]، وقوله: { وتعاونوا على البر... } [المائدة:2] الآية. وقوله: { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } [النساء:11]، وقوله: { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } [الحج:1]، وقوله: { إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } [البقرة: 180]، يعني خيرا: مالا. ثم نسخ ما جعل الله للوالدين من الوصية بالميراث، وجعل ما بقي للأقربين ممن لا يرث، وقال: { ووصينا الإنسان بوالديه حسنا } [العنكبوت: 8]، وقال: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير...إلى قوله: المفلحون } [آل عمران: 104]، ثم خبرهم فقال: { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف... } [آل عمران: 10] الآية. وقال: { الذين إن مكناهم ... } [الحج:41] الآية.
صفحة ١١٠
ومن ذلك وصايا الأنبياء صلوات الله عليهم جميعا، قوله: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ... إلى قوله: تدعوهم إليه } [الشورى: 13]، وقول الله تبارك وتعالى: { ووصى بها إبراهيم بنيه ... } [البقرة:132] الآية. وقال رسول الله صلى الله عليه: ( المهدي في بدي دولتهم وسماه باسمه واسم أبيه اسمه باسمي، واسم أبيه باسم أبي، سخي على المال، شديد على العمال، رحيم بالمساكين ). والشريطة فيمن لم يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسمه في غير وقت دولتهم، من كان من العترة، فيه العلم، والجهاد، والعدل، وأداء الأمانات، فإذا كملت هذه الشريطة في رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه، وهي أكمل الدرجات في كتاب الله، في رجل من أهل بيت الطهارة والصفوة، وجب على أهل بيته وعلى أهل الإسلام اتباعه وتقدمته، ومعاونته على البر والتقوى.
فإن زعم زاعم أنه لا يصلح أن يكون الإمام إلا واحد، فإن النبوة أعظم قدرا عند الله من الإمام، قال الله تعالى: { إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث } [يس:14]، وقال لموسى وهارون: { اذهبا إلى فرعون } [طه: 43]، وكان إبراهيم وإسماعيل ولوط في زمن واحد يدعون إلى الله، فإذا استقام أن يكون الداعي إلى الله من الرسل في زمن واحد اثنين وثلاثة، فذلك فيما دون النبوة أجوز.
تم ذلك والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد المختار، وآله الأطهار، المنتجبين الأبرار، المصطفين الأخيار، الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
صفحة ١١١