وما وقوفه أمام طغيان الولاة إلا دليل هذه الشجاعة وركونه على الله، فقد نادى بشعار الحق عاليا، وحاجج الولاة بالكلمة قبل أن يحاججهم بالسلاح حتى قتل شهيدا مازجا الدم بالكلمة ليشتعلا مناديان بالحرية في وجه الظلم والاستبداد. وها هو الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة يصف إقدام زيد (ع): " لما أقبل عليه جنود أهل الشام من تلقاء الحيرة حمل عليهم كأنه الليث المغضب فقتل( أو قاتل ) منهم أكثر من ألفي رجل بين الحيرة والكوفة (1).
... كان ذا حافظة عجيبة، فهو يحفظ الرسالة التي تلقى عليه ثم يعيدها من أولها ويجيب عما ورد فيها من السائل. وكان إذا كلمه إنسان وخاف أن يهجم على أمر يخاف منه مأثما قال له: " يا عبد الله، أمسك أمسك، كف كف، إليك إليك، عليك بالنظر لنفسك " (2).
... كان يصوم يوما ويفطر يوما، وقيل: إنه ما توسد القرآن منذ احتلم حتى قتل، وهذا كناية عن قيام الليل واستكمال قراءة القرآن في صلاة التهجد حتى أثر السجود على جبينه.
... وتكفي شهادة الإمام أبي حنيفة النعمان حيث يقول: " شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمنه أفقه منه ولا أعلم ولا أسرع جوابا ولا أبين قولا، لقد كان منقطع القرين " (3).
... كان نقش خاتمه ( اصبر تؤجر ، أصدق تنج ).
حال عصره بعد مولده (ع):
...
لا يخفى على أحد حال الدولة الأموية وما آلت إليه من فساد وتهتك وضياع وبعد عن التقوى، حتى باتت غير جديرة بالخلافة. وقد عاصر الإمام زيد (ع) النصف الأخير من الحكم الأموي (40-132ه) كالتالي:
1- تولى الحكم أيام صبا زيد (ع) الوليد بن عبد الملك الذي عرف بالترف وسفك الدماء.
2- خلفه أخاه سليمان بن عبد الملك (96-99ه) الذي مات تخمة، فقد عرف عنه الشراهة في الطعام حتى أنه كان يعرف بالخليفة الأكول .
صفحة ٥