نسبه: ... 1
مولده ودراسته: ... 2
صفته: ... 2
حال عصره بعد مولده (ع): ... 4
دعوة زيد (ع) إلى الثورة: ... 5
خط سير المعركة: ... 7
شهادته (ع): ... 12
دفنه (ع): ... 13
آثار الإمام زيد (ع) العلمية: ... 14
بسم الله الرحمن الرحيم
نبذة عن سيرة الإمام زيد بن علي (ع)
نسبه:
هو: زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام؛ وكنيته
" أبو الحسين " - الإمام الذي تنسب إليه الزيدية.
جده الأعلى من قبل أمه: محمد بن عبد الله، رسول الله وخاتم النبيين.
جده الأعلى من قبل أبيه: الإمام علي بن أبي طالب فارس الإسلام، وباب مدينة العلم، وابن عم رسول الله، الذي قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ".
جده: الحسين بن علي، أحد سيدي شباب أهل الجنة، وشهيد كربلاء.
أبوه: علي بن الحسين الذي قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين، فيقوم علي بن الحسين ".
أمه: جارية سندية اسمها "جيدا " ، تحلت بالدين والخلق والأدب والحياء. اشتراها المختار بن أبي عبيد الثقفي وقال: ما أرى أحد أحق بك من علي بن الحسين عليهما السلام، وذلك لما رأى فيه من شرف النسب وسعة العلم والورع والتفقه في الدين. وعن علي بن الحسين (ع) أنه أصبح ذات يوم فقال لأصحابه: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلتي هذه، فأخذ بيدي فأدخلني الجنة، فزوجني حوراء فواقعتها فعلقت، فصاح بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، سم المولود منها زيدا. فما أن حل اليوم التالي حتى أرسل المختار بأم زيد(1). فلما ولد زيد أخرجه علي بن الحسين وهو يقول:
{ هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا } (2).
صفحة ١
مولده ودراسته:
... ... ولد (ع) بالمدينة المنورة في سنة 75 ه ، وحين زفت البشرى إلى زين العابدين قام فصلى ركعتين شكرا لله، ثم أخذ المصحف مستفتحا لاختيار اسم مولوده ، فخرج في أول السطر قول الله تعالى: { وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } (1)، فأطبق المصحف، ثم قام وصلى ركعات، ثم فتح المصحف، فخرج في أول السطر: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون }(2)، ثم قام وركع، ثم أخذ المصحف وفتحه فخرج في أول سطر: { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم }(3). عندها أطبق زين العابدين المصحف وقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون، عزيت في هذا المولود، إنه زيد" (4). ...
ترعرع زيد في ظل أبيه الإمام زين العابدين الذي انكب على دراسة علوم عصره بالمدينة المنورة حين كانت المدينة آنذاك مركزا لتفسير القرآن ولحركة علمية واسعة؛ حيث كان الصحابة والتابعين يتعرفون على أحكام القرآن ويتفهمون معانيه بحسب ما وصلوا إليه من العلم مع الإدلاء بآرائهم واجتهاداتهم الخاصة. وهكذا اكتسب المعارف النبوية من مصادرها النقية، فتوفرت له بذلك مقومات تربوية رفيعة، وعرف معنى الفضيلة والتربية القويمة، ففتح الله عليه بالعلم حتى قال أخوه محمد الباقر (ع): " لقد أوتي أخي علما لدنيا، فاسألوه فإنه يعلم ما لا نعلم ". وقال لمن سأله عنه : " سألتني عن رجل ملىء إيمانا وعلما من أطراف شعره إلى قدميه، وهو سيد أهل بيته ". وعرفت فيه صفات خلقية عظيمة، حتى صار شامة أهل زمانه وإمام أهل بيت النبوة في وقته عليهم السلام، وعرف في وقته ب " حليف القرآن ".
صفحة ٢
صفته:
... كان (ع) أبيض اللون، أعين (واسع العين)، مقرون الحاجبين، تام الخلق، طويل القامة، كث اللحية، عريض الصدر، أقنى الأنف، أسود الرأس واللحية إلا أنه خالطه الشيب في عارضيه. وكان وسيما، جميلا وأديبا يشبه بأمير المؤمنين (ع) في الفصاحة والبلاغة والبراعة حتى انتهت الفصاحة والزهادة والعبادة من بني هاشم إلى زيد بن علي (ع). فله في الزهد والكرم ومحاسن الأخلاق ما ليس لغيره من أهل زمانه.
وشهد له بالبلاغة والفصاحة أهل الاختصاص في عصره، فقال الكميت بن زيد الأسدي - وهو من فحول الشعراء والفصحاء - : " ما رأيت قط أبلغ من زيد بن علي"(1). وقال عنه ألد أعدائه هشام بن عبد الملك: " إن له لسانا أحد من السنان، وأمضى من السيف، وأبلغ من السحر والكهانة " (2). ويروى أن سيبويه كان يحتج بأشعار الإمام زيد (ع).
... أما عبادته (ع) فغنية عن التعريف لما فيها من سمو ورقي. فقد عرف الله حق المعرفة بحيث أخذت منه كل مأخذ؛ فهو يسمع الشيء من ذكر الله فيغمى عليه حتى يقول القائل: ما هو بعائد إلى الدنيا، ويستمع إلى آيات الله بما فيها من ترغيب وترهيب فيميل كميل الشجرة في اليوم العاصف.
قال أخوه عبد الله بن علي: "كان أخي زيد إذا قرأ القرآن بكى حتى نظنه سيموت" (3).
صفحة ٣
ويكفي وصف الإمام يحيى بن زيد لعبادة أبيه اليومية إذ يقول: " رحم الله أبي كان أحد المتعبدين، قائم ليله صائم نهاره، كان يصلي في نهاره ما شاء الله فإذا جن الليل عليه نام نومة خفيفة، ثم يقوم فيصلي في جوف الليل ما شاء الله، ثم يقوم قائما على قدميه يدعو الله تبارك وتعالى ويتضرع له ويبكي بدموع جارية حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر سجد سجدة، ثم يصلي الفجر، ثم يجلس للتعقيب ( للدعاء والاستغفار حال الجلوس بعد الصلاة ) حتى يرتفع النهار، ثم يذهب لقضاء حوائجه، فإذا كان قريب الزوال أتى وجلس في مصلاه واشتغل بالتسبيح والتحميد للرب المجيد، فإذا صار الزوال صلى الظهر وجلس، ثم يصلي العصر، ثم يشتغل بالتعقيب ساعة ثم يسجد سجدة، فإذا غربت الشمس صلى المغرب والعشاء " (1).
... وأما عن شجاعته (ع) فيقول أبو معمر سعيد بن خثيم: " كنا في دار شبيب بن غرقد فسمعنا وقع حوافر خيل فما منا من أحد إلا أرعب وارتعد وظننا أنه يوسف بن عمر، ووالله ما رأيت رجلا أربط جأشا ولا أشد نفسا من زيد بن علي، ووالله ما قطع حديثه ولا تغير وجهه ولا حل حبوته. فلما مضت الخيل وجرينا نفرج عما كنا فيه، أقبل علينا بوجهه وقال: يرعب أحدكم الشيء يخاف أن يحل به، والله ما خرجت لغرض الدنيا ولا لجمع مال ولكن خرجت ابتغاء وجه الله والتقرب إليه، فمن كان الله همته ومن الله طلبته، فما يروعه شيء إذا نزل به " (2).
صفحة ٤
وما وقوفه أمام طغيان الولاة إلا دليل هذه الشجاعة وركونه على الله، فقد نادى بشعار الحق عاليا، وحاجج الولاة بالكلمة قبل أن يحاججهم بالسلاح حتى قتل شهيدا مازجا الدم بالكلمة ليشتعلا مناديان بالحرية في وجه الظلم والاستبداد. وها هو الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة يصف إقدام زيد (ع): " لما أقبل عليه جنود أهل الشام من تلقاء الحيرة حمل عليهم كأنه الليث المغضب فقتل( أو قاتل ) منهم أكثر من ألفي رجل بين الحيرة والكوفة (1).
... كان ذا حافظة عجيبة، فهو يحفظ الرسالة التي تلقى عليه ثم يعيدها من أولها ويجيب عما ورد فيها من السائل. وكان إذا كلمه إنسان وخاف أن يهجم على أمر يخاف منه مأثما قال له: " يا عبد الله، أمسك أمسك، كف كف، إليك إليك، عليك بالنظر لنفسك " (2).
... كان يصوم يوما ويفطر يوما، وقيل: إنه ما توسد القرآن منذ احتلم حتى قتل، وهذا كناية عن قيام الليل واستكمال قراءة القرآن في صلاة التهجد حتى أثر السجود على جبينه.
... وتكفي شهادة الإمام أبي حنيفة النعمان حيث يقول: " شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمنه أفقه منه ولا أعلم ولا أسرع جوابا ولا أبين قولا، لقد كان منقطع القرين " (3).
... كان نقش خاتمه ( اصبر تؤجر ، أصدق تنج ).
حال عصره بعد مولده (ع):
...
لا يخفى على أحد حال الدولة الأموية وما آلت إليه من فساد وتهتك وضياع وبعد عن التقوى، حتى باتت غير جديرة بالخلافة. وقد عاصر الإمام زيد (ع) النصف الأخير من الحكم الأموي (40-132ه) كالتالي:
1- تولى الحكم أيام صبا زيد (ع) الوليد بن عبد الملك الذي عرف بالترف وسفك الدماء.
2- خلفه أخاه سليمان بن عبد الملك (96-99ه) الذي مات تخمة، فقد عرف عنه الشراهة في الطعام حتى أنه كان يعرف بالخليفة الأكول .
صفحة ٥
3- خلفه العادل عمر بن عبد العزيز(99-101ه) الذي دان بالعدل والتوحيد، ورد مظالم بني أمية، ومنع لعن علي (ع) على المنابر . وكان يستلم نصائح زيد عن طريق الرسائل حتى قال عنه بكل إجلال وتقدير: " إن زيدا لمن الفاضلين في قيله ودينه "(1).
4- تولى الحكم بعده يزيد بن عبد الملك (101-105ه) الذي جعل دار الخلافة مرتعا للهو والسكر والطرب، وكانت له جارية اسمها "حبابة" قد شغفها حبا، رماها بحبة عنب فوقعت في حلقها فشرقت بها وماتت، فمات بعدها بيسير أسفا عليها، ونبشها بعد الدفن ولم يدفنها حتى تغير ريحها0 وفي عهده ، بلغ الصراع القبلي أوجه الأمر الذي زعزع أركان الدولة الأموية ومزقها، ومهد لثورة العباسيين. فقد استنزفت الثورات المسلحة التي قامت ضدهم أموالا طائلة وقضت على عدد غير قليل من خيرة رجالهم.
5- تولى الحكم بعده هشام بن عبد الملك ، والإمام زيد حينذاك في الثلاثين من عمره. وقد تميز عصره بسوء العلاقة بين الحكام والمحكومين، وكان هشام بخيلا، حسودا، فظا، ظلوما، شديد القسوة، بعيد الرحمة، طويل اللسان " (2)، وكان يخصص يوما في الأسبوع لشرابه، حتى لقد تمنى أهل الشام أن يخلفه من يرحمهم من ظلمه وسوء معالجته الإدارة التي دامت على ما يزيد عن عشرين عاما. وفي عصره أصيبت القوة العسكرية بانتكاسة شديدة، وكان عام 112ه من أقسى الأعوام على المسلمين حين انهزموا أمام الترك.
صفحة ٦
دعوة زيد (ع) إلى الثورة:
...
دعا الإمام زيد (ع) إلى الثورة على هشام لما اشتهر به من الفسق عند غالبية أهل عصره، فكان لا بد من تغيير الأوضاع الفاسدة، وإحياء الشريعة وفق كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. كما كان لا بد أن يعيد الإمام زيد (ع) للدولة الإسلامية طابعها الديني، وذلك باللجوء إلى قوة السلاح في سبيل نشر العدالة الاجتماعية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ أن الأحوال في عهد الأمويين كانت أبعد ما تكون عن الإيمان؛ فقد كانت حياتهم مترفة طابعها المجون والانغماس في ملذات الدنيا، وتعطيل الحدود، وشرب الخمور، وسوء الأخلاق، وقتل الأبرياء ، وتعظيم السفهاء، وإنفاق أموال المسلمين في الملذات والشهوات حتى عان بيت المال من أزمة اقتصادية عادت على المجتمع الإسلامي بكل ضيق وشظف العيش. والإساءة إلى مقدسات المسلمين وإسقاط هيبتها، وكذا الإساءة إلى أهل البيت عليهم السلام ، حتى تعرض للسباب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله والحسنين عليهم السلام على منابر الجمعة. لذا نرى سعيد بن المسيب يقول في بني أمية: " ما أصلي صلاة إلا دعوت الله عليهم" (1). وأخطر من هذا وذاك وضع الأحاديث بما يتناسب مع أهواء الحكام. وقد عالج ذلك زيد بأن جمع الحديث ونقده وألف أول كتاب في الحديث بيده وهو ( المجموع الفقهي ).
... في مقابل ذلك، كان الأمويون - في سبيل تعزيز موقفهم ومركزهم - يقولون:
صفحة ٧
" إن الخليفة في أهله خير من النبي في أمته" (1). وعن جابر الجعفي أنه قال لزيد حين أزمع على الخروج بكلام ذكره له محمد الباقر من صفة خروج الإمام زيد بن علي وأنه مقتول، فقال الإمام زيد: " أأسكن وقد خولف كتاب الله تعالى، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت؟ وذلك أني شهدت هشاما ورجل عنده يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وفي رواية أن الرجل الساب كان يهوديا - فقلت للساب له: ويلك يا كافر! أما إني لو تمكنت منك لاختطفت روحك وعجلتك إلى النار ". فقال هشام: مه عن جليسنا يا زيد، فثار الإمام زيد (ع) على كل هذه الأقاويل التي لا يقبلها مؤمن ولا يتصورها وقال (ع): " فوالله لو لم يكن إلا أنا ويحيى ابني لخرجت عليه وجاهدته حتى أفنى"(2) - أي على هشام. وقد تحمل زيد من هشام التلاعب به والعنت والحرج الشيء الكثير، وهو (ع) القائل:
" فوالله ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم " (3).
ومن أمثال العنت والغطرسة والحسد لكل شريف أنه دخل زيد بن علي (ع) على هشام بن عبد الملك وقد جمع له هشام الشاميين فلما دخل الإمام زيد سلم، فتجاهله هشام ومن في مجلسه، فانبرى قائلا: السلام عليك أيها الأحول، وإنك لجدير بهذا الاسم! فاستشاط هشام غضبا وقال: أنت زيد المؤمل للخلافة، ما أنت والخلافة وأنت ابن أمة؟!
فقال: إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن حتم الغايات، ولا أعرف أحدا أحب عند الله من نبي بعثه وهو ابن أمة، وهو إسماعيل بن إبراهيم، والنبوة أعظم عند الله من الخلافة، ثم لم يمنع ذلك أن جعله الله تعالى أبا للعرب، وأبا لخير النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلو كانت الأمهات تقصر عن حتم الغايات لم يبعثه الله نبيا، وما تقصيرك برجل جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبوه علي بن أبي طالب!! ثم أردف قائلا: اتق الله يا هشام!
صفحة ٨
فلم يتمالك هشام نفسه، وقال في غلظة: ومثلك يأمر مثلي بتقوى الله؟!
قال زيد: إن الله لم يرفع أحدا فوق أن يؤمر بتقوى الله، ولم يضع أحدا دون أن يأمر بتقوى الله! فقال هشام: هذا تحقيق لما رفع إلي عنك. ومن أمرك أن تضع نفسك في غير موضعها وتراها فوق مكانها ؟ فترفع على نفسك واعرف قدرك، ولا تشاور سلطانك ولا تخالف على إمامك.
فقال الإمام زيد بكل تحد: من وضع نفسه في غير موضعها أثم بربه، ومن رفع نفسه عن مكانها خسر نفسه، ومن لم يعرف قدره ضل عن سبيل ربه، ومن شاور سلطانه وخالف إمامه هلك، أفتدري يا هشام من ذلك؟ ذلك من عصى ربه، وتكبر على خالقه وتسمى باسم ليس له، وأما الذي أمرك بتقوى الله فقد أدى إلى الله النصيحة فيك، ودلك على رشدك!
فوثب هشام من مجلسه، وقام قائلا: أخرجوه من مجلسي، ولا يبيتن في عسكري.
فقال له زيد: لا تجدني إلا حيث تكره! وخرج الإمام زيد وهو يقول كلمته الشهيرة: "والله ما كره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا "، وفي رواية: " من استشعر حب البقاء استدثر الذل إلى الفناء ".
فقال هشام لأعوانه مؤكدا الحقيقة التي لا بد منها: ألستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا ؟ هيهات ما ذهب قوم هذا خلفهم (1)!
خط سير المعركة:
...
اتخذت دعوته منحى سريا مغايرا لمنحى الحسين (ع)، فقد عرف زيد (ع) أن إعلان الدعوة قد تجعل بني أمية يترصدون له فيعينوا أنصاره على خذلانه كما فعلوا مع جده الحسين (ع).
صفحة ٩
وكان من سبل دعوته أن يبعث الرسل لمن يريدهم في صفه ثم يذهب لمواجهتهم أو أنه كان يرسل رسله دون أن يلتقي بمن يحتاجهم لتأييده. فكان اثنان من دعاة زيد (ع) يدخلان الناس عليه وعليهم براقع لا يعرفون موضع زيد، فيأتيان بهم من مكان لا يبصرون شيئا حتى يدخلوا فيه فيبايعونه، فأقام بالكوفة ثلاثة عشر شهرا، وكانت بيعته الني يبايع الناس عليها أنه يبدأ فيقول: " إنا ندعوكم أيها الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى جهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين، وقسم الفيء بين أهله، ورد المظالم، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب. أتبايعونا على هذا ؟" فإذا قالوا: نعم، وضع يد الرجل على يده فيقول: " عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله، لتفين ببيعتي، ولتقاتلن معي عدونا، ولتنصحن لنا في السر والعلانية ". فإذا قال: نعم، مسح على يده ثم قال: " اللهم اشهد ".
فكانت عناصر دعوته كالتالي:
1- " كتاب الله وسنة نبيه "؛ لذلك هب رجال العلم والفقهاء للنصرة وفي مقدمتهم أبو حنيفة النعمان الذي تبرع بعشرة آلاف درهم لتساند زيدا في ثورته.
2- " وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين "؛ وهذا ما دفع العديد من سكان الكوفة ممن أصابهم الضرر للبيعة لزيد (ع).
3- " وقسم الفيء بين أهله ورد المظالم "؛ فالصراع كان قائما بين أهل الشام وأهل العراق لهذا السبب، مما حدا بأهل العراق أن يلتفوا حول زيد ليساعدهم في إبقاء أموالهم وعدم إرسالها إلى الشام.
4- " ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب "؛ وهذا ما دعا الشيعة لمناصرته.
صفحة ١٠
وبعد توضيح دوافع الثورة كان يسألهم السؤال التالي: " أتبايعونا على هذا؟ " فإذا قالوا: نعم، وضع يد الرجل على يده فيقول: " عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله، لتفين ببيعتي، ولتقاتلن معي عدونا، ولتنصحن لنا في السر والعلانية ". فإذا قال: نعم، مسح على يده ثم قال: " اللهم اشهد ".
... وقيل لرفيق دربه في دراساته- الإمام جعفر الصادق (ع) عن الرافضة إنهم يبرؤون من عمك زيد، فقال: " برئ الله ممن برئ من عمي. كان والله أقرأنا لكتاب الله وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم. والله ما ترك فينا لدنيا ولا لآخرة مثله " (1). ومن هنا يظهر مدى قوة العلاقة التي ربطت زيدا بجعفر، بعكس ما ادعاه البعض أن سبب عدم اتباع جعفر زيدا إنما كان الحسد لا سواه. وقد استفسرت الشيعة جعفرا في مبايعتها لزيد، فقال: " نعم بايعوه، فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا ".وقد أراد جعفر (ع) الخروج مع زيد (ع) لما خرج المرة الأخيرة من المدينة إلى الكوفة، وقال له: " أنا معك يا عم " . فقال له الإمام زيد: " أما علمت يا ابن أخي أن قائمنا لقاعدنا، وأن قاعدنا لقائمنا، فإذا خرجت أنا وأنت فمن يخلفنا في حرمنا؟ ". فتخلف جعفر بأمر عمه زيد، ودفع بولديه عبد الله ومحمد معه. وقال: "من قتل مع عمي زيد كمن قتل مع الحسين، ومن قتل مع الحسين كمن قتل مع علي بن أبي طالب، ومن قتل مع علي كمن قتل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم " (2).
... وقد روي أن جماعة دخلوا على زيد بن علي(ع) فسألوه عن مذهبه فقال:
صفحة ١١
" إني أبرأ إلى الله من المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه، ومن المجبرة الذين حملوا ذنوبهم على الله، ومن المرجئة الذين طمعوا الفساق في عفو الله، ومن المارقة الذين كفروا أمير المؤمنين، ومن الرافضة الذين كفروا أبا بكر وعمر " (1).
... وهكذا انضم لبيعة زيد في ديوانه ألف وخمسمائة رجل من أهل الكوفة دون سواها، وحدد يوم الأربعاء أول ليلة من صفر سنة 122ه بداية لها وذلك بعد أن أقام في الكوفة أربعة عشر شهرا - منها شهرين في البصرة - يرتب للدعوة دون علم والي الكوفة يوسف بن عمر بذلك. إلا أن أحد الأمويين استطاع أن يسمع شيئا عن التمهيد للثورة وهو في الكوفة، فأخبر هشاما بن عبد الملك بذلك والذي بدوره أرسل ليوسف بن عمر يأمره أن يطلب زيدا إليه ويعطيه الأمان، فإن رفض زيد ذلك قاتله. فما كان من يوسف إلا أن أرسل جاسوسا على أنه موال لزيد، ولكن باءت جميع محاولاته للعثور على زيد بالفشل لأن زيدا (ع) كان سريع التنقل والاختفاء.
وكان نصر بن خزيمة من أهم أعوان الإمام زيد وأشدهم حماسا وإخلاصا، تماما كمالك الأشتر في أصحاب الإمام علي (ع)، فأعد الجنود المحاربين مع زيد وبث فيهم الحماس، الأمر الذي دعا زيدا للاستبشار بالكم الهائل من المقاتلين.
... وكانت خطة زيد تهدف إلى الهجوم دفعة واحدة من قبل جميع الأنصار في جميع الأمصار. وفي هذه الأثناء، كان هشام يترقب موعد ثورة زيد (ع) ويعد العدة لذلك. فكان مما استعد له أن نشر شرطته في أزقة الكوفة، وأرسل من يتتبع أثره، وجمع أهل الكوفة في المسجد وأعلن الآتي: " أيما رجل من العرب والموالي أدركناه في رحبة المسجد فقد برئت منه الذمة، ائتوا المسجد الأعظم ". عندئذ، قاد وعي زيد إياه وحنكته السياسية إلى أن يغير الموعد المحدد للثورة من أول ليلة من صفر 122ه إلى 23 محرم 122ه.
صفحة ١٢
... غادر زيد الشام متوجها إلى الكوفة بعد أن أمر يوسف بن عمر الحكم بن الصلت بجمع أهل الكوفة في المسجد ومنع التجول وحمل السلاح وأن ينادي المنادي: أيما رجل من العرب والموالي أدركناه في رحبة المسجد فقد برئت منه الذمة؛ ائتوا المسجد الأعظم. وفي الليلة الموعودة - وكانت شديدة البرد - أوقد أصحاب زيد (ع) النيران إعلانا للثورة، وعلت صيحاتهم بالنداء: " يا منصور أمت " إيذانا ببدء الهجوم. فبقوا طوال الليل يحاولون جمع الأنصار إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل، فأصبح زيد بن علي وجميع من وافاه تلك الليلة مائتان وثمانية عشر (218) من الرجالة، فقال زيد بن علي (ع): "سبحان الله! فأين الناس ؟ " قيل: هم محصورون في المسجد. فقال:" لا والله، ما هذا لمن بايعنا بعذر"(1).
وقد بعث زيد بأنصاره لرفع الحصار عن أهل المسجد وطمأنة أهل الكوفة ليحرض أهل المسجد على القتال، وتوجه مع أنصاره إلى المسجد لفك الحصار. وفي طريقهم إلى المسجد اشتبك الأمويين معهم وانتصروا عليهم، ثم تقدموا إلى جوار المسجد نادى أصحابه بشعاره وأدخلوا الرايات من نوافذ المسجد، ونادى نصر ابن خزيمة: " يا أهل الكوفة! أخرجوا من الذل إلى العز ومن الضلال إلى الهدى، أخرجوا إلى خير الدنيا والآخرة فإنكم لستم على واحد منها ".، إلا أنهم لم يحركوا ساكنا، ومكثوا في المسجد بحجة الحصار.
صفحة ١٣
... وقف زيد (ع) على باب الجسر هو وأصحابه بعد أن أمرهم الإمام زيد أن ينادوا: من ألقى سلاحه فهو آمن، وجاء أهل الشام واقتتلوا مع أهل الكوفة قتالا شديدا، فقال الإمام زيد لأصحابه:" انصروني على أهل الشام، فوالله لا ينصرني رجل عليهم اليوم إلا أخذت بيده حتى أدخله الجنة ". وقد خطب زيد (ع) أصحابه حين ظهر قائلا: " الحمد لله الذي من علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوبا عاقلة، وأسماعا واعية، وقد أفلح من جعل الخير شعاره، والحق دثاره، وصلى الله على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربه، وصدق به الصادق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى الطاهرين من عترته وأسرته والمنتخبين من أهل بيته وأهل ولايته. أيها الناس! العجل العجل قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، فوراؤكم طالب لا يفوته هارب إلا هارب هرب منه إليه، ففروا إلى الله بطاعته، واستجيروا بثوابه من عقابه، فقد أسمعكم وبصركم ودعاكم إليه وأنذركم، وأنتم اليوم حجة على من بعدكم. إن الله تعالى يقول: { ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}. عباد الله! إنا ندعوكم إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، إن الله دمر قوما اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله. عباد الله! أكأن الدنيا إذا انقطعت وانقضت لم تكن، وكأن ما هو كائن قد نزل، وكأن ما هو زائل عنا قد رحل، فسارعوا في الخيرات، واكتسبوا المعروف تكونوا من الله بسبيل، فإنه من سارع في الشر واكتسب المنكر، فإنه ليس من الله في شيء. أنا اليوم أتكلم وتسمعون ولا تبصرون، وغدا بين أظهركم هامة فتندمون، ولكن الله ينصرني إذا ردني إليه، وهو الحاكم بيننا وبين قومنا بالحق، فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق، فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن رد علينا دعوتنا وأبى إجابتا واختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك بريء، وهو يحكم بيننا وبينهم . إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فلئن يستجيب لكم رجل واحد خير لكم مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالبصرة والشام؛ لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقا، والله على ما أقول وكيل " (1).
وكان من أهم مقاصد الإمام زيد توضيح أهداف الثورة، لأنه كان يدرك أن الكثير من الأنصار إنما خرجوا لتصفية حساباتهم مع الأمويين والاستئناس بمرافقة زيد (ع) وأهل البيت - وهو أمر يستحق الجهاد من أجله ولكن أن يكون ذلك هدفا فذلك مما لم يرتضيه لهم لأنهم (ع) إنما هم وسيلة ليس إلا- لذلك دعاهم لأن يفصلوا بين الهدف الأسمى من الثورة وبين مشاعرهم المستفيضة بالقول: " لا تقولوا : خرجنا غضبا لكم، ولكن قولوا: خرجنا غضبا لله ودينه " (2)، وأن يجاهدوا بنية صادقة ملؤها اليقين قائلا:
" عباد الله ! لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة .. البصيرة ثم القتال، فإن الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق، إنه من قتل نفسا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسا بغير حق. عباد الله البصيرة .. البصيرة " (3).
صفحة ١٥
... ولما خفقت رايات زيد (ع)، رفع يديه إلى السماء فقال: " الحمد لله الذي أكمل لي ديني، والله ما يسرني أني لقيت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ولم آمر في أمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر. والله ما أبالي إذا أقمت كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أججت لي نار ثم قذفت فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله تعالى. والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. ويحكم! أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بنوه ؟ يا معاشر الفقهاء ، ويا أهل الحجا، أنا حجة الله عليكم؛ هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود الله ونعمل بكتاب الله ونقسم فيئكم بالسوية، فسلوني عن معالم دينكم، فإن لم أنبئكم عما سألتم فولوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني. والله لقد علمت علم أبي علي بن الحسين وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيبة (وصمة) علمه، وإني لأعلم أهل بيتي. والله ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت محرما لله منذ عرفت أن الله يؤاخذني. هاؤم (هلموا) فسلوني!" (1).
ثم قال: " اللهم لك خرجت، وإياك أردت، ورضوانك طلبت، ولعدوك نصبت، فانتصر لنفسك ولدينك ولكتابك ولنبيك ولأهل بيتك ولأوليائك من المؤمنين، اللهم هذا الجهد مني وأنت المستعان " (2).
... وكان زيد (ع) يردد بعد أن نذر نفسه لله: " والله لو علمت أن رضا الله عز وجل في أن أقدح نارا بيدي حتى إذا اضطرمت رميت بنفسي فيها لفعلت " (3). وكان يقول: " والله لوددت أن يدي ملصقة بالثرى فأقع إلى الأرض أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة وأن الله أصلح بي أمة محمد" (4).
صفحة ١٦
وأقبلت جنود الشام من تلقاء الحيرة، فحمل عليهم (ع) كأنه الليث المغضب، فقتل منهم أكثر من ألفي رجل بين الحيرة والكوفة، وأقام بين الحيرة والكوفة، ودخلت جيوش الشام الكوفة، ففرق أصحابه فرقتين: فرقة بإزاء أهل الكوفة، وفرقة بإزاء أهل الحيرة. ولم يزل أهل الكوفة يخرج الواحد منهم إلى أخيه، والمرأة إلى زوجها، والبنت إلى أبيها، والصديق إلى صديقه فيبكي عليه حتى يرده، فأمسى عليه السلام وقد رق عسكره (1)، وخذله كثير ممن كان معه، ودامت المواجهة بين المعسكرين طويلا؛ جنود زيد يتناقصون وجنود الأمويين يتزايدون، والتفت الإمام زيد إلى نصر بن خزيمة وقال له: يا نصر أخاف أهل الكوفة أن يكونوا قد فعلوها حسينية! فقال نصر: جعلني الله فداك! أما أنا فوالله لأضربن بسيفي بين يديك حتى أموت!!
شهادته (ع):
وحارب الإمام زيد وأصحابه الأمويين وأبلوا بلاء حسنا، فخاف جيش العدو واختبأ خلف الجدران يمطر جيش زيد (ع) بوابل من الأسهم، حتى سمع صوتا ينادي: الشهادة... الشهادة، الحمد لله الذي رزقنيها. كان ذلك الإمام زيد يصيح بعد أن أصيب في ثاني ليلة من بدء الثورة بسهم في جانب من جبهته اليسرى، فنزل السهم في الدماغ. فجاء يحيى بن زيد إلى أبيه وهو يبكي، وأخذ يمسح الدم عن وجه أبيه ثم قال له: أبشر يا ابن رسول الله، ترد على رسول الله وعلي وفاطمة وخديجة والحسن والحسين وهم عنك راضون. فقال (ع): صدقت يا بني، فأي شيء تريد أن تصنع؟ قال يحيى: أجاهدهم إلا أن لا أجد الناصر. فقال زيد: نعم يا بني جاهدهم، فوالله إنك لعلى الحق وإنهم لعلى الباطل، وإن قتلاك في الجنة وقتلاهم في النار (2).
صفحة ١٧
... وحين جاء الطبيب لينتزع السهم قال لزيد: إنك إن نزعته من رأسك مت. قال: الموت أيسر علي مما أنا فيه. فأخذ الطبيب الكلبتين فانتزعه، ومات صلوات الله عليه من ساعته.
... وهكذا رحل زيد (ع) - وهو لا يتجاوز الثانية والأربعين من عمره عام 122ه على أغلب الروايات - فائزا بالشهادة وقد أراح ضميره حين رفع راية الجهاد عالية بعد أن صبغها دم الشهداء ليصدق قول الله تعالى: { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}(1).
... ولا يحسب المرء منا أن الله غافل عما فعل المبطلون، فها هو الإمام علي بن أبي طالب (ع) يقول: " لما أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الحسين بن علي وصلب ابنه زيد (ع) قلت: يا رسول الله، أترضى أن يقتل ولدك؟ قال: يا علي، أرضى بحكم الله في وفي ولدي، ولي دعوتان: أما دعوة فاليوم، وأما الثانية فإذا عرضوا على الله عز وجل وعرضت علي أعمالهم. ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا علي أمن على دعائي. اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا، وسلط بعضهم على بعض، وامنعهم الشرب من حوضي ومرافعتي. قال: فأتاني جبريل وأنا أدعو عليهم وأنت تؤمن فقال: قد أجيبت دعوتكما.
صفحة ١٨
دفنه (ع):
ثم تساءل القوم عن مكان دفنه ومواراته، وارتأوا دفنه في العباسية وإجراء الماء عليه. ولما كان معهم عبد سندي أفشى سر قبر زيد (ع) إلى الحكم بن الصلت ودلهم على الموضع بعد أن أعلن في الشوارع عن جائزة مغرية لمن يدل على موضع دفنه، فما كان منهم إلا أن استخرجوه على بعير قد شد بالحبال، فألقي جسده الشريف من البعير على باب القصر فخر كأنه جبل. فأمر به فصلب بالكناسة(مزبلة الكوفة)، ومكث مصلوبا عاريا- والعنكبوت تنسج خيوطها لتستر عورته كلما أزيحت- إلى أيام الوليد بن يزيد حتى أمر يوسف بن عمر بإنزاله وفصل رأسه وحرقه وذروه في الفرات(1) وهو يقول: والله يا أهل الكوفة لأدعنكم تأكلونه في طعامكم وتشربونه في مائكم (2).
... لم يكفهم قتله حتى تعاقبه ... ... نبش وصلب وإحراق وتغريق(3)
أما رأسه الشريف فقد أمر هشام أن يطاف به في البلدان حتى انتهوا به إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهناك ضجت المدينة بالبكاء من دور بني هاشم، وأمر أهل المدينة أن يتبرؤوا من علي وزيد بن علي عليهما السلام. وأخيرا أخذ الرأس إلى الجامع الأعظم في مصر، ومنه أخذ سرا ودفن هناك، ويقال أن الدعاء عنده مستجاب والأنوار ترى عليه (4).
... وبعد قتل زيد بن علي (ع) انتقض ملك بني أمية وتلاشى إلى أن أزالهم الله ببني العباس.
قال اليعقوبي: "ولما قتل زيد وكان من أمره ما كان، تحركت الشيعة بخراسان، وظهر أمرهم وكثر من يأتيهم ويميل معهم، وجعلوا يذكرون الناس أفعال بني أمية وما نالوا من آل رسول الله فلم يبق بلد إلا فشا فيه هذا الخبر "(5).
وبعد سنوات من استشهاد زيد (ع) خرج الإمام يحيى بن زيد في خراسان يواصل مسيرة أبيه بأهدافها السامية وهو يقول:
صفحة ١٩
يا ابن زيد أليس قد قال زيد
كن كزيد فأنت مهجة زيد
من أحب الحياة عاش ذليلا
واتخذ في الجنان ظلا ظليلا
آثار الإمام زيد (ع) العلمية:
تعد مصنفاته (ع) من أوائل ما كتب في تاريخ الثقافة الإسلامية، ومن تلك الكتب والرسائل:
1 مجموع الإمام زيد الفقهي والحديثي، وهو مطبوع باسم " مسند الإمام زيد ".
2 تفسير غريب القرآن، طبع مؤخرا بتحقيق الدكتور حسن محمد الحكيم.
3 مناسك الحج والعمرة، طبع في بغداد.
4 مجموع رسائل وكتب الإمام زيد، وهو الآن تحت الطبع ويحتوي على:
(1) رسالة الإيمان، وتشتمل على شرح لمعنى الإيمان والكلام على عصاة أهل القبلة.
(2) رسالة الصفوة، وتشتمل على تعريف صفوة الله من خلقه والكلام عن أهل البيت وأن الله اصطفاهم لهداية الناس.
(3) رسالة مدح القلة وذم الكثرة، وتشتمل على مناظرة جرت بينه وبين أهل الشام في القلة والكثرة، وجمع فيها كثيرا من آيات القرآن الدالة على مدح القلة وذم الكثرة.
(4) رسالة تثبيت الوصية، وتتضمن استدلالات على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى لعلي عليه السلام بالخلافة من بعده.
(5) رسالة تثبيت الإمامة، وتتضمن استدلالات على أن عليا عليه السلام كان أولى الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(6) رسالة إلى علماء الأمة، وهي الرسالة التي وجهها إلى العلماء يدعوهم فيها إلى القيام بمسئولياتهم وتأييده في ثورته.
(7) رسالة الرد على المجبرة، وهي عبارة عن بضع صفحات أوضح فيها موقفه من القدر، وضمنها ردا على غلاة المجبرة.
(8) رسالة الحقوق، وهي عبارة عن نصائح وتعاليم خلقية وجهها إلى أصحابه ومن بلغته من المسلمين.
(9) مناظرة لأهل الشام في مقتل عثمان والقلة والكثرة.
(10) الرسالة المدنية، وهي عبارة عن جوابات أسئلة وردت إليه من المدينة.
(11) مجمع يشتمل على بعض مناظراته وأجوبته وخطبه وأشعاره ورسائله وكلماته القصيرة.
صفحة ٢٠
(12) الرسالة الشامية، وتتضمن إجابات على استفسارات لأحد أصحاب الإمام زيد بعث بها من الشام.
(13) جواب على واصل بن عطاء في الإمامة.
(14) مجموعة من الأشعار والأدعية المنسوبة إليه (1).
... ... ... ...
صفحة ٢١