... وقف زيد (ع) على باب الجسر هو وأصحابه بعد أن أمرهم الإمام زيد أن ينادوا: من ألقى سلاحه فهو آمن، وجاء أهل الشام واقتتلوا مع أهل الكوفة قتالا شديدا، فقال الإمام زيد لأصحابه:" انصروني على أهل الشام، فوالله لا ينصرني رجل عليهم اليوم إلا أخذت بيده حتى أدخله الجنة ". وقد خطب زيد (ع) أصحابه حين ظهر قائلا: " الحمد لله الذي من علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوبا عاقلة، وأسماعا واعية، وقد أفلح من جعل الخير شعاره، والحق دثاره، وصلى الله على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربه، وصدق به الصادق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى الطاهرين من عترته وأسرته والمنتخبين من أهل بيته وأهل ولايته. أيها الناس! العجل العجل قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، فوراؤكم طالب لا يفوته هارب إلا هارب هرب منه إليه، ففروا إلى الله بطاعته، واستجيروا بثوابه من عقابه، فقد أسمعكم وبصركم ودعاكم إليه وأنذركم، وأنتم اليوم حجة على من بعدكم. إن الله تعالى يقول: { ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}. عباد الله! إنا ندعوكم إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، إن الله دمر قوما اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله. عباد الله! أكأن الدنيا إذا انقطعت وانقضت لم تكن، وكأن ما هو كائن قد نزل، وكأن ما هو زائل عنا قد رحل، فسارعوا في الخيرات، واكتسبوا المعروف تكونوا من الله بسبيل، فإنه من سارع في الشر واكتسب المنكر، فإنه ليس من الله في شيء. أنا اليوم أتكلم وتسمعون ولا تبصرون، وغدا بين أظهركم هامة فتندمون، ولكن الله ينصرني إذا ردني إليه، وهو الحاكم بيننا وبين قومنا بالحق، فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق، فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن رد علينا دعوتنا وأبى إجابتا واختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك بريء، وهو يحكم بيننا وبينهم . إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فلئن يستجيب لكم رجل واحد خير لكم مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالبصرة والشام؛ لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقا، والله على ما أقول وكيل " (1).
وكان من أهم مقاصد الإمام زيد توضيح أهداف الثورة، لأنه كان يدرك أن الكثير من الأنصار إنما خرجوا لتصفية حساباتهم مع الأمويين والاستئناس بمرافقة زيد (ع) وأهل البيت - وهو أمر يستحق الجهاد من أجله ولكن أن يكون ذلك هدفا فذلك مما لم يرتضيه لهم لأنهم (ع) إنما هم وسيلة ليس إلا- لذلك دعاهم لأن يفصلوا بين الهدف الأسمى من الثورة وبين مشاعرهم المستفيضة بالقول: " لا تقولوا : خرجنا غضبا لكم، ولكن قولوا: خرجنا غضبا لله ودينه " (2)، وأن يجاهدوا بنية صادقة ملؤها اليقين قائلا:
" عباد الله ! لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة .. البصيرة ثم القتال، فإن الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق، إنه من قتل نفسا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسا بغير حق. عباد الله البصيرة .. البصيرة " (3).
صفحة ١٥