أعمال الخلفاء الراشدين على الصواب فالأصل أنه أعطى من ماله فلا طعن وإن فرضنا أنه أعطى من مال الصدقات فربما كان لمصالح لا يعلمه إلا هو كما أعطى رسول الله (ص) إشراف العرب من غنايم حنين نقلا كثيرا انتهى وأقول قد مر أن جيش العسرة كانوا خمسة وعشرين ألف راكبا فكيف يكون ما أعطاه عثمان من ثلاثمائة بعير ثلث جيش العسرة مع ما مر من أن الصحيح أعطى مأتي بعير والزيادة من زيادات أوليائه وأما ما احتمله قاضي القضاة ونصره هذا المخذول فإنما هو على سبيل الرمي في الظلام تمحلات في دفع الالزام فإن من طعن على عثمان في أيام حياته أراد ما شاهده من إعطاء عثمان ذلك من بيت المال وإلا فلا يطعن عاقل أحدا في الجود بماله سيما على أهله وعياله وما أعطاه عثمان لمروان من مال الله مذكور في كتاب الملل والنحل للشهرستاني ذكر الخلاف التاسع من المخالفات الواقعة عند وفاة رسول الله (ص) بل قال الشهرستاني إنه أعطاه مائتي ألف دينارا وأما ما استشكله من الفرق بين أموال عثمان نفسه وبين أموال بين المال فهو في غاية الوهن والاضمحلال قوله إن كل هذا تحت يده قلنا نعم لكن بيت المال كان بيتا منفردا مقررا له خازن مخصوص من أصحاب رسول الله (ص) وكاتب وغيرهما من العملة وكان يظهر التصرف فيه من قبلهم حتى روى أن سعد بن أبي وقاص رمى مفاتيح بيت المال في المسجد وقال يا معشر المسلمين لا أكون خازن بيت المال يدفع منه لطريد رسول الله (ص) ثلثين آلاف وقام عبد الله بن مسعود وقال قد جعلتم يا قريش الإمامة والخلافة الحق بالمباح فكل من شاء من قريش وضع رجله فيه وترقى على منبر رسول الله (ص) ويقعد في مسنده وهكذا قال سلمان لابن عمر إن أباك جعل الخلافة مباحة بين الناس حيث استخرجها من أيدي بني هاشم ومنعها من أهل بيت رسول الله (ص) ومن ههنا علم السلف من الصحابة أنه أعطى المطرودين من مال الله لا من ماله وسمع منهم الخلف إلى المرتضى وابن المطهر رحمهما الله تعالى وأما قوله والأصل أن يحمل أعمال الخلفاء الراشدين على الصواب فكلام خال عن الصواب أو مصادرة لا يذهب إلا على الجاهل المرتاب فإن إظهار رشد عثمان في الدين عمد من يطعن في دينه إنما يجاب بالمثل المشهور ثبت العرش ثم انقش مع أن الأصل إنما يبنى عليه إذا لم يظهر خلافه وقد صح خلافه بما ذكره المصنف من روايات الجمهور وشيدنا أركانه بما لا يخفى على ذوي الشعور وأما قوله وإن فرضنا أنه أعطى من مال الصدقات فربما كان لمصالح لا يعلمه إلا هو ففيه أن من لا يكون إلها ولا نبيا أو إماما معصوما يسئل عما يفعل وإذا لم يبين وجه المصلحة فيما صدر عنه يتهم ويطعن بل يقتل عند القدرة عليه كما قتل عثمان آخر الصدور أمثال ذلك عنه مع أن المصلحة فيما يفعله النبي (ص) كانت ظاهرة على أهل زمانه وهي تأليف قلوب هؤلاء الصناديد في مبادي الإسلام وأي مصلحة يتصور في ايتلاف جماعة طردهم النبي (ص) باعطاء ما لا يحصى من الأموال بعد استقرار الإسلام وعندي أن تمثيل حال عثمان في ذلك بحال النبي (ص) كفر نعوذ بالله منه ثم أقول حيث لم يستحيوا الناصبة ولم يتأسوا بما نسبوا إلى إمامهم عثمان من الحياء والتزموا أن يدفعوا الاعتراض عنه بكل حيلة ووسيلة فالأولى أن يجيبوا عما ذكره المصنف قدس سره بأن أخذ إبل الصدقة التي رواها الواقدي عوضا عن الإبل الذي أعطاها للنبي (ص) في جيش العسرة وأخذ الدراهم والدنانير التي رووها عوضا عن الدراهم التي أعطاها للنبي (ص) لتجهيز ذلك الجيش وغيره أن قيل إن ما أخذه عثمان من مال بيت المال يزيد على ذلك أجيب بأنه أخذ الزيادة مستندا بقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ولو نوقش بأن ما أخذه من بيت المال كان أزيد من الأمثال أيضا أجيب بأنه يجوز أن يكون أخذه للزيادة على ذلك من باب الرباء التي تتضاعف في سنين كثيرة من زمان النبي (ص) إلى خلافة عثمان تضاعف بيوت الشطرنج ولو قيل إن الربا حرام بنص الكتاب قلنا لعل عثمان يخص ذلك بالفرض الذي يجري بين العباد بعضهم مع بعض وما أعطاه عثمان في جيش العسرة لم يعطيه للنبي (ص ) هبة أو تمليكا بل إنما أقرض به الله تعالى بوكالة نبيه ولا رباء بين الله تعالى وبين عبده كما لا رباء بين الوالد وولده والزوج وزوجته إلى غير ذلك ولو نوقش في جواز هذا التخصيص قلنا إن عثمان كان مجتهدا في ذلك بالقياس الفقهي وله ثواب على تقدير خطأه فيه فلا اعتراض عليه تأمل فيه فإنه تمثال أدق مما ذكروه في نصرة عثمان والله المستعان قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه حمى الحمى عن المسلمين مع أن رسول الله (ص) جعلهم سواء في الماء والكلأ انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول الحمى الذي منعه رسول الله (ص) هن أن يحمى الإمام لنفسه وأما الحمى لأجل انعام الصدقة وخيل المجاهدين فلا شك في جوازه والإجماع على جوازه وأول من حمى لأجل إبل الصدقة هو عمر بن الخطاب ثم تابعه عثمان فلا طعن انتهى وأقول من سرى وذلك روي أنه حمى لنفسه ولو سلم فنقول جواز ذلك يحتاج إلى دليل والإجماع الذي ادعاه الناصب خلافا لأصحابه لو صح فهو أضعف من دعوى الاجماع على خلافة أبي بكر وما ذكره من أن أول من حمى لأجل إبل الصدقة هو عمر لا يدل على مشروعيته وعدم قبحه اللهم إلا أن يراد أن هذا الطعن ليس مخصوصا بعثمان وفيه ما فيه لأنه بصدد الجواب فالقول بأنه ليس مخصوصا به غير مفيد وأيضا المصنف قدس سره لم يدع الاختصاص فلا وجه لهذا الكلام وإنما ذكره عند مطاعن عثمان دون مطاعن عمر لأنه زاد في عهد عثمان فالطعن متوجه عليهما كما لا يخفي قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه أعطى من بين مال الصدقة المقاتلة وغيرهم وهذا مما لا يجوز في الدين أجاب الناصبي بجواز أن يكون قد اجتهد واعترضه المرتضى بأن المال الذي جعل الله له جهة مخصوصة لا يجوز أن يعدل به عن جهته بالاجتهاد ولو جاز ذلك لبينه الله تعالى لنبيه (ص) لأنه أعلم بمصالح العباد انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول إن صح الرواية فلا شك أنه عمل فيها بالاجتهاد كما أجاب قاضي القضاة واعتراض المرتضى مندفع بأن التغيير لا يجوز بالاجتهاد في غير محل الضرورة كما فعل رسول الله (ص) في غنايم حنين وأيضا ربما كان عثمان سمع جوازه من رسول الله (ص) فيكون عاملا بعلمه البين عنده ويكون حجة في العمل انتهى وأقول الرواية صحيحة ولهذا اقتصر قاضي القضاة في الجواب على تأويلها البعيد وما ذكره من جواز تعيين سنة النبي (ص) لضرورة مدفوع أولا بمنع الضرورة فيما فعله عثمان وكان زمانه زمان التوسعة كما اعترف به الناصب سابقا وثانيا بأن ما فعله النبي (ص) في غنايم حنين من إعطاء صناديد قريش لم يكن من بيت المال الصدقة كما حقق في موضعه فلا يصح التمثيل وأما قوله وأيضا ربما كان عثمان سمع جوازه من رسول الله (ص) فهذا مع كونه مردودا بأنه رمي في الظلام ولا يمكن الاقناع به في إلزام
صفحة ٢٥٢