يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهم وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط فأطلق الله تعالى في الإسلام تزويج اليتيمة ممن يربيها ما لم تكن من زوجته فسقط عن مربي الأيتام انتسابهم ونظير ذلك ما ذكرنا سابقا من حال نسبة أمية إلى عبد شمس وكذا حال زيد بن حارثة بالنسبة إلى نبينا (ص) فإنه لما رباه وسماه ابنا على رسم قريش في أدعيائهم أنكروا على النبي (ص) تزويجه لزينب بنت جحش مطلقة زيد وخاضوا فيه خوضا كثيرا فأنزل الله عز وجل ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين قال سبحانه وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم إلى آخر الآية ثم ذكر سبحانه العلة فقال فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم والغرض من هذا البيان والتطويل فيه التنبيه على أن كثيرا من الناس يغفلون عن حقايق المسائل ويقنعون على ما يجدونه من الظواهر والحق أحق بالاتباع والعلم بمعزل عن الرقاع وقد يكون الخصم العبيد عارفا بمنشأ الغلط المذكور وهو لإثبات مدعاه الباطل وترويج زيف العاطل يتحرى ومجرى ملبس كلامه على ما ادعاه ويغالط فمن ليس له حظ في التحقيق والنظر البادي بقوله فليتدبر الفطن العاقل إنه إذا كان حاصل الخصوم مع من له خوض في العلوم هكذا فكيف مع العامي الذاهل والساذج الغير المتعقل الجاهل مع ألفه بالعادات وعده ما يدركه مع كمال ضعف إدراكه من المحالات والمسألة التي نحن فيها بعينها هكذا فإن شياطين أهل اللدد والعناد الرضا عين خلال الناس فتنة وشرورا يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وأما ما رواه في فضيلة الرجل عن عبد الرحمن بن جناب فهو مما تفرد به عبد الرحمن وهو السلمي دون ابن جناب ابن الإرث كما حققه صاحب الاستيعاب وقال روى عنه حديث واحد في فضل عثمان رواه عنه مزيد أبو طلحة بعد في أهل البصرة انتهى فافهم والتحقيق فيه أن جيش العسرة هو ما وجه إلى غزاة تبوك وهم كانوا خمسة وعشرين ألفا راكبا على الخيل والبعير والباقي كانوا راجلا وليس في كتب قدماء القوم الاعطاء عثمان مائتي بعير في مرتين وهو موافق لروايات أصحابنا الإمامية وأما الزيادة على ذلك فمن زيادة عناية المتأخرين من أولياء عثمان ليتم لهم أن يقولوا في شأنه أنه جهز جيش العسرة على الاطلاق ولهذا تراهم يضطربون ويزيون على ثلاثمائة أيضا فقد قال صاحب الإستيعاب إنه جهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرا وأتم الألف بخمسين فرسا وروى وبإسناده إلى قتادة أنه قال حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا انتهى وكذا ما رواه عن عبد الرحمن بن سمرة وعن أنس موضوعات ليست مذكورة في صحاح القوم وأما ما ذكره من أن الأخبار في فضايل عثمان كثيرة قد ذكرنا يسيرا منه فهو صادق فيه لكنها كلها من موضوعات عهد بني أمية فلو لم يذكر اليسير أيضا لكان أولى لأنك قد عرفت حال من انتخبه من اليسير ولا خير في كثير وما ذكره من أن المصنف يذكر مطاعن عثمان عن شيوخه الضالين كذب صريح وإنما يذكر ذلك نقلا عن كتب مشايخ أهل الضلال كما سيظهر للحقيقة الحال قال المصنف رفع الله درجته المطلب الثالث في المطاعن التي رواها الجمهور عن عثمان منها أنه ولي أمر المسلمين من لا يصلح لذلك ولا يؤتمن عليه وظهر منه الفسق والفساة ومن لا علم له البتة مراعاة لحرمة القرابة وعدولا عن مراعاة حرمة الدين وقد كان عرم حذره من ذلك فاستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وفيه نزل قوله تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون المؤمن علي (ع) والفاسق الوليد بن عقبة على ما قاله المفسرون وفيه نزل إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا وكان يصلي حال إمارته وهو سكران حتى تكلم فيها والتفت إلى من خلفه وقال لهم أزيدكم في الصلاة فقالوا لا قد قضينا صلاتنا واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة وظهرت منه أشياء منكرة وقال إنما السواد بستان لقريش تأخذ منه ما شاءت وتترك منه ما شاءت حتى قالوا له أتجعل ما آفاء الله علينا بستانا لك ولقومك وأفضى الأمر إلى أن منعوه من دخولها وتكلموا فيه وفي عثمان كلاما ظاهرا حتى كادوا يخلعون عثمان فاضطر حينئذ إلى إجابتهم وعزله قهرا لا باختيار عثمان وولي عبد الله بن سعيد بن أبي سرح مصرا وتكلم فيه أهل مصر فصرفه عنهم بمحمد بن أبي بكر وغيره ثم كاتبه بأن يستمر على الولاية فاطن خلاف ما أظهره فأمره بقتل محمد بن أبي بكر وغيره ممن يرد عليه فلما ظفر محمد بذلك الكتاب كان سبب حصره وقتله انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول معظم ما يطعنون على عثمان هو تولية بني أمية على الممالك وذلك لأنه رأى أمراء بني أمية أولى رشد ونجابة وعلم بالسياسات وكان إذ ذاك اتسع عرصة الإسلام وبعد الممالك واختلف سير الناس لاختلاط الاعجام بالعرب واختلاف العرب واستيلائهم فلا بد من الأمراء الذين يكونون ذوي بأس وقوة واستيلاء وكانوا بنو أمية على هذه النعوت فكان عثمان يختارهم للإمارة وكلما كان يظهر منهم شئ يعزلهم كما روي في الصحاح أنه لما علم عثمان أن وليد بن عقبة شرب الخمر عزله عن إمارة الكوفة كما ذكر ولا طعن في الإمام إذا نصب من رآه عدلا أهلا للإمارة ثم يظهر منه خلاف هذا فيعزله فإنه حال النصب علمه أهلا للإمارة ولو كان حال النصب يعلم أنه ليس بأهل للإمارة ثم ينصبه لكان طعنا ولم يثبت هذا فلا طعن انتهى وأقول فساد حال من ولاه عثمان من بني أمية كان ظاهرا على الكل قبل خلافة عثمان وفي زمان خلافة الشيخين وعلى الشيخين أيضا كما ذكره المصنف مجملا ومؤلف روضة الأحباب مفصلا فالقول بأن عثمان لم يكن عالما عند توليتهم بأنهم ليسوا أهلا للإمارة عذر لا يبيض الوجه ولا يفي بالإصلاح أصلا وأيضا لو كان الاختيار إلى توليتهم لما ذكره الناصب من اتساع عرصة الإسلام وبعد الممالك كان الصواب أن يستعمل أفاضل الصحابة في البلاد القريبة كاليمن والكوفة والبصرة ومصر ونظايرها كما كان في زمان عمر وأن يستعمل هؤلاء الفساق على بلاد بعيدة يفتحها الله تعالى بأيديهم وحيث كان الأمر بالعكس بل كان حكومة أكثر البلاد في زمانه متعلقة ببني أمية علم أن العلة في نصبهم ليست ما موه به الناصب لإصلاح حال إمامه وأيضا لو صلحوا للإمارة لاختار عمر مع توسعة الملك في زمانه واحدا منهم لإمارة قرية فضلا عن بلد ومن العجب نزول آيتين من القرآن يناديا بأعلى صوت فسق وليد بن عقبة ومع هذا لم يعلم عثمان أنه فاسق لا يصلح للولاية وأما وصف الناصب لبني أمية بالرشد والنجابة إن أراد به الرشد في الدين والنجابة الحاصلة لأولي المروات والمتقين فاتصافهم بذلك كذب صريح وإن أراد به الرشد في الدنيا بأعمال المكر والحيلة والخديعة وأريد بالنجابة وجاهة الصورة وضخامة الهيكل لما قيل إن أولاد الزنا نجب بهذا المعنى فمسلم لكن لا يسمن
صفحة ٢٥٠