بسبب تلك المساعي كما ذكر الفاضل التفتازاني في شرح المقاصد حيث قال كيف يتصور القدح من عمر في إمامة أبي بكر مع ما علم من مبالغته في تعظيمه وانفقاد البيعة له ومن صيرورته خليفة باستخلافه وكان هذا العهد بينهما معقودا قبل ذلك باتفاق جمهور قريش المعادين لعلي (ع) وجددوا هذا العهد باتفاق أبي عبيدة الجراح بعد تنصيص النبي (ص) بخلافة علي (ع) في غدير خم ولهذا الغرض تخلفوا عن جيش أسامة ونحن نعلم قطعا أنه لو لم يعلم عمر أن النبي (ص) يريد أن يؤكد ما صرح به من خلافة علي (ع) في يوم الغدير وغيره لما منع النبي (ص) عن الكتابة ولم يأت في مقابل النبي (ص) بما أتى به من الكفر والهذيان الثاني تحسر ابن عباس وتحزنه عند تذكره تلك الواقعة وكثرة بكائه بمثابة بل دمعه الحصى كما رواه البخاري ومن البين أنه لو لم يتحقق له إرادة النبي (ص) كتابة الوصية في خلافة علي (ع) لما عرض له الحزن والبكاء بهذه الحيثية إذ لم يقع بعد النبي (ص) بين أمته رزية ومصيبة توجب حزن ابن عباس وبكائه بهذه المثابة والتعبير عنها بقوله الرزية كل الرزية سوى الاختلاف في أمر الخلافة وآفة خلافة ابن أبي قحافة الثالث ما يفهم من ذكر أهل السنة رواية ابن عباس مشتملا على ذكر وصايا ثلث في مقام الاجمال وسكوتهم عن الثالث ونسيانهم له في مقام التفضيل حيث روى البخاري في كتابه في باب هل يستشفع لأهل الذمة أنه أوصي (ص) عند موته بثلث اخرجوا المشركين عن جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة وفي باب مرض النبي (ص) ووفاته وأوصاهم بثلث قال اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد والثالثة أما أن سكت عنها وأما أن قالها فنسيتها انتهى وفي حاشية البخاري قال سفيان ونسيت الثالثة هو قول سليمان الأحول وقيل هو سعيد بن جبير وقيل ابن عيينة وقيل سليمان بن أبي مسلم انتهى فإن الرواة المذكورين لو علموا أن الوصية وقعت لخلافة أبي بكر لرووها وإنما سكتوا عنها لكونها متضمنة لخلافة علي (ع) كما ادعاه الشيعة وأيضا قد ثبت أنه كان في البيت عند النبي (ص) جماعة كثيرة من الصحابة فكيف لم يرو الحديث المذكور غير ابن عباس ولم يحفظ أحد منهم على ما نسيه هل هذا إلا تلبيسا وتدليسا وإخفاء للحق بالباطل والله يحق الحق ويبطل الباطل ببينات آياته قال المصنف رفع الله درجته ومنها إيجاب بيعة أبي بكر على جميع الخلق ومخاصمته على ذلك وقصد بيت النبوة وذرية الرسول الذين فرض الله تعالى مودتهم وأكد النبي (ص) عدة مرارا في موالاتهم وأوجب محبتهم وجعل الحسن والحسين ودايع الأمة فقال اللهم هذان وديعتي عند أمتي بالإحراق بالنار وكيف يحل عليه إيجاب شئ على جميع الخلق من غير أن يوجبه الله تعالى أو نبيه أو يأمران به أترى كان أعلم منهما بمصالح العباد أو كانا قد استأباه في نصب أبي بكر إماما أو فوضت الأمة بأسرها إليه ذلك وحكموه على أنفسهم فليراجع العاقل المنصف من نفسه وينظر هل يستحسن لنفسه المصير إلى هذه الاعتقادات الردية مع أن النبي (ص) كان أشرف الأنبياء وشريعته أتم الشرايع وقنع من اليهود بالجزية ولم يوجب عليهم مبايعته قهرا وإجبارا وكذا من النصارى والمجوس ولم يعاقبهم بالإحراق بالنار فكيف استجاز هؤلاء الصحابة قصد أهل البيت بذلك مع أن مسألة الإمامة عندهم ليست من أصول العقايد ولا من أركان الدين بل هي مما يتعلق بمصالح العباد في أمور الدنيا وكيف يعاقب من يمتنع من الدخول فيه وهلا قصدوا بيوت الأنصار وغيرهم مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وأكابر الصحابة لما امتنعوا من البيعة وأسامة بن زيد لم يبايع إلى أن مات وقال إن رسول الله (ص) أمرني عليكم فمن أمرك علي يا أبا بكر انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد عرفت أن خلافة أبي بكر ثبت الاجماع وكل إجماع فإن مبدأه يكون شخصا ثم يتتابع الناس في الموافقة والقبول حتى يتم وإجماع خلافة أبي بكر كان مبدأه عمر وأبو عبيدة وهما كانا من أهل الحل والعقد ومن أكابر الصحابة وعمر كان من المحدثين وكان وزير رسول الله (ص) وأبو عبيدة كان من الأمناء وقال فيه رسول الله (ص) أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح فكانا مبدأ الاجماع وليس هو الموجب وهذا ظاهر وما ذكره من إحراق بيت أهل البيت (ع) فقد بينا أنه من موضوعات الرفضة بوجوه عقلية ونقلية انتهى وأقول قد أسلفنا مرارا أن الاجماع لم يتحقق على بيعة أبي بكر لا أولا ولا آخرا لتخلف سعد بن عبادة وأولاده واتباعه أولا وآخرا كما ذكرناه سابقا وكذا أسامة بن زيد كما ذكره المصنف وأما ما ذكره من أن مبدأ كل إجماع يكون شخصا أو أشخاصا إلى آخره فهو مقدمة كاذبة مخترعة للناصب مخالفة لما اعتبره الأصوليون في حقيقة الاجماع من اتفاق أهل الحل و العقد على أمر واحد في وقت واحد إذ لو لم يقع ذلك في وقت واحد احتمل رجوع المتقدم قبل موافقة المتأخر فلا معنى لحصول الاجماع على خلافة أبي بكر تدريجا ولو سلم هذا فمن أين علم عمر أن هذه المسألة صالحة للإجماع عليها حتى صار مبدأ لها وأوجب على نفسه بانفراده الاهتمام في ذلك وإلزام الناس على الاجتماع وهل سمع أحد في غير هذا الاجماع المختل الميشوم بلوغ الاهتمام والجبر والإلزام إلى حيث وقعوا على صدر واحد وداسوا واحدا واكسروا سيف آخر قال لا نرضى بذلك وقصدوا إحراق بين آخرين سبحانك هذا بهتان عظيم ثم ما ذكره من أن عمر كان من المحدثين إن كان بدون تشديد الدال فهو مسلم لأنا نجزم بأنه مبدع الأحداث ومبدأ حدوث البدع والألواث وإن كان بالتشديد فانظر إلى الحديث الذي رواه الناصب سابقا في فضايله فقد مر أنه موضوع غير مسلم عند أصحابنا وأما أبا عبيدة الجراح فتسميته بالأمين من إنما وقع من أبي بكر وعمر تعظيما منهما له جزاء لمعاضدته إياهما في أخذ الخلافة عن أهل البيت (ع) كما أشار إليه بعض الشعراء في قوله شعر غلط الأمين فجازها عن حيدرة والله ما كان الأمين أمينا ومراده من الأمين أبو عبيدة كما قلنا قد ذكر في روضة الصفار وغيره من كتب التواريخ والسير معارضة أبي عبيدة مع علي (ع) عندما طلبوه لأخذ بيعة بي بكر منه وقد غلط في ذلك شارح المواقف قدس سره فزعم في فصل ذكر فرق الغلاة من الفرق الإسلامية إن ذلك الشعر من أشعار الغلاة وأنهم أرادوا بالأمين جبرئيل (ع) وقصدوا أن جبرئيل غلط في تبليغ الرسالة من علي إلى محمد (ص) وأما إنكار الناصب لإحراق بيت أهل البيت (ع) فمسلم لكن المصنف قدس سره لم يدع إحراق البيت وإنما ادعى قصدهم لإحراقه وإخافة المجتمعين فيه من أهل البيت وغيرهم وهذا مما لا يمكن إنكاره كما مرارا قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه قد بلغ من قلة المعرفة إنه لم يعلم أن الموت يجوز على النبي (ص) بل أنكر ذلك لما قالوا قد مات رسول الله (ص) فقال والله ما مات محمد حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم فقال له أبو بكر
صفحة ٢٣٨