انتهى وفساد المأخوذ عنه أيضا ظاهر لأنه قد فرض العصمة بتحصل العلم الضروري للحاكم بأن المدعي صادق وأيضا قال إن للحاكم أن يحكم بما علم فكان يلزمه الحكم مع أن المال يثبت بشاهد ويمين وكان فدك مالا في تصرف فاطمة (ع) بلا منازع فيكون إخراج وكيلها عنه ومنعها منه وطلب الشهود فيه وعدم قبول تلك الشهود باطلا وأيضا المدعي إنما افتقر إلى الشهود لارتفاع العصمة عنه وجواز ادعائه بالباطل فاستظهر بالشهود على قوله لأن لا يطمع كثير من الناس في أموال غيرهم وجحد الحقوق الواجبة عليهم وإذا كانت العصمة مغنية عن الشهادة وجب القطع على قول فاطمة (ع) وعلى ظلم مانعها وطلب البينة عليها ويشهد على صحة ما ذكرناه أن النبي (ص) استشهد على قوله في بيعه لناقة الأعرابي فشهد له خزيمة بن ثابت فقال له النبي (ص ) من أين علمت يا خزيمة أن هذه الناقة لي أشهدت ابتيا علي لها فقال لا ولكني علمت أنها لك من حيث علمت صدقك وعصمتك فأجاز النبي (ص) شهادته بشهادة رجلين وحكم بقوله فلولا أن العصمة دليل الصدق ويغني عن الشهادة لما صوب النبي (ص) شهادة خزيمة على ما لم يره ولم يحضره باستدلاله عليه بدليل صدقه وعصمته وبمثل هذا قال مالك بن أنس على ما نقل عنه ابن حزم من أنه إذا هلكت الوديعة أو ادعى من أودعت عنده ردها إلى المودع فلا يمين عليه إذا كان ثقة وإذا وجب قبول قول فاطمة (ع) بدلايل صدقها واستغنت عن الشهود لها ثبت أن الذي منعها حقها وأوجب عليها الشهود على صحة قولها قد جار في حكمه وظلم في فعله وآذى الله تعالى ورسوله بإيذاء فاطمة (ع) وقد قال الله إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا وبالجملة إطلاق آية الشهادة وعمومها مما خصصه فعل النبي (ص) بمن عد المعلومين وعصمتهم وصدقهم هذا ومن جملة دلايل عصمة فاطمة (ع) ما اتفق على نقله الأمة من قوله (ص) من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى فلولا أن فاطمة (ع) كانت معصومة من الخطأ مبراة من الزلل لجاز منها وقوع ما يجب إذهابه بالأدب والعقوبة ولو وجب ذلك لوجب أذاها ولو جاز أذاها لجاز أذى رسول الله (ص) وأذى الله تعالى فلما بطل ذلك دل على أنها (ع) كانت معصومة حسب ما ذكرنا ومن أفحش تعصبات صاحب المواقف في هذا المقام أنه بعد ما منع عصمة فاطمة (ع) بحمل قوله (ص) بضعة مني على المجاز قال وأيضا عصمة النبي (ص) قد تقدم ما فيه انتهى فلينظر العاقل المؤمن إلى هذا الرجل المتعصب أنه يقدح في عصمة النبي (ص) وبضعته لئلا يلزم قدح في أبي بكر وأي عصبية وظلم أزيد من هذا قاتلهم الله أنى يؤفكون وأما الثاني عشر فلأن ما نقله من مرافعة علي (ع) مع اليهودي عند شريح فهو مما افتراه الخصوم لهدم حجة الشيعة فلا يكون مسموعا وكفى في بطلان حكم شريح قول علي (ع) لست أهلا للقضاء إلى آخره وأما قوله الغرض إن الإمام والقاضي يجب عليهما مراعاة ظاهر الشرع إلى آخره فمدفوع بأنه إنما يجب مراعاتهما للظاهر إذا لم يحصل العلم لهما بالباطل يقينا والعلم الضروري حاصل بصدق المعصوم كما مر ويعلم بهذا أن أبا بكر لم يعمل في قصة فدك بما كان يجب عليه وأما الثالث عشر فلأن قوله ولم يسمع أبو بكر شهادة الحسنين (ع) لصغرهما ولعدم سماع شهادة الفرع مردود بأنه كيف خفي على أمير المؤمنين باب مدينة العلم إن شهادتهما غير مقبولة للفرعية وللصغر ولو كان عالما كيف أقامهما شاهدين على أن عدم استماع شهادة الفرع إنما ذهب إليه من ذهب إليه مستندا بعمل أبي بكر فلا حجة فيه وأما الرابع عشر فلأن ما ذكره من أن شهادة أم أيمن كانت قاصرة عن نصاب الشهادة مدخول بأن الحكم بالشاهد واليمين قد دل عليه الخبر وليس لمقتضى الآية كما توهم أما أولا فلأن الآية دلت على جواز الحكم بالشاهد أو الشاهد والمرأتين وإن شهادتهما حجة وليس فيها ما يدل على امتناع الحكم بحجة أخرى إلا بالنظر إلى المفهوم ولا حجة فيه فرفعه ليس بنسخ فجز بخبر الواحد وأما ثانيا فلأن قوله تعالى فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان تخيير بين استشهاد رجلين أو رجل وامرأتين والحكم بالشاهد واليمين زيادة في التخيير وهي ليست نسخا ومن قال إن الحكم بالشاهد واليمين نسخ لهذه الآية يلزمه أن يكون الوضوء بالنبيذ نسخا لقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا وقد علم بهذا أن الحكم بقصور شهادة الرجل والمرأة عن نصاب الشهادة المذكورة في كتبهم وبالجملة لا كلام في أن هذه المسألة كمسألة تخصيص الكتاب بالخبر الواحد خلافية بل الخلاف ههنا مرجوح جدا حتى قال شارح الينابيع إن ثبوت المال بشاهد ويمين مذهب الخلفاء الأربعة وغيرهم وافتقارهم وأما قول الناصب وأبو بكر ليس أقل قدرا من شريح إلى آخره ففيه أن على تقدير مساواة أبي بكر مع شريح يتوجه عليه من الطعن ما طعن به أمير المؤمنين (ع) على شريح بقوله لست أهلا للقضاء إلى آخره ومن لا يكون أهلا للقضاء لا يكون أهلا للخلافة وأما الخامس عشر فلا ما ذكره من أن غضب فاطمة كان من العوارض البشرية إلى آخره يدل على اعتقاده أن غضب فاطمة (ع) مع استدامته إلى حين وفاته كان غضبا باطلا وأن الغضب الباطل مستثنى من قوله (ص) إن الله يغضب بغضب فاطمة وفيه إن الله تعالى وكذا رسوله يجب أن يغضب لكل مسلم ومعاهد إذا غضب بغير الحق وإن هذا الحديث وحديث يؤذيني ما آذاها أوردهما العلماء في باب مناقبها (ع) فوجب اختصاصها فيه بمنقبة ليست لغيرها بسبب إطلاق النبي (ص) في الحديثين إيراد كلمة من أو ما المفيدتين للعموم كما تقرر في الأصول فدل على أنها (ع) لا يصدر عنها غضب باطل وهو من أقوى الأدلة على عصمتها (ع) وطعن من غضب عليها وبعد اللتيا والتي نقول أين ذهب شرع الاحسان والتكرم ولم يعامل أبو بكر مع فاطمة (ع) في فدك ما عامل النبي (ص) مع زينب بنته في التماسه (ص) عن المسلمين في أيام عسيرتهم أن يردوا إليها المال العظيم الذي بعثته لفداء زوجها أبي العاص حيث أسر يوم بدر كما فصل ابن أبي الحديد الكلام في ذلك في شرح نهج البلاغة وبالجملة لو استنزل أبو بكر المسلمين عن فدك واستوهبه عنهم كما استوهب رسول الله (ص) المسلمين عن فداء أبي العاص بأن قال هذا بنت نبيكم (ص) تطلب هذه النخلات أفتطيبون عنها أنفسها أكانوا منعوها ذلك وحيث لم يتأسوا بالنبي في شرع الاحسان والتكرم فلا أقل من أن يستقون اللعنة بمعنى البعد عن مرتبة الأبرار إن قلت يتوجه على ما ذكره ابن أبي الحديد إنا نمنع إمكان استيهاب أبي بكر فدكا من المسلمين على قياس ما أمكن النبي (ص) استيهاب ما بعثته زينب لأجل فداء أبي العاص لأن المال الذي بعثته كان مشتركا بين جمع
صفحة ٢٢٧