النضير إلى علي وعباس وجعلها فيهم ليعملوا بها كيف شاؤوا وقد ذكر في صحيح البخاري أن عليا وعباسا تنازعا في سهم بني النضير ورفعا أمرها إلى عمر بن الخطاب فذكر عمر أن أمركم كان هكذا ثم ذكر أنه تركها لهم ليعملوا كيف شاؤوا هذا ما كان من أمر حقيقة فدك وأما دعوى فاطمة (رض) عنها إرث فدك وإنها سخولة لها من رسول الله (ص) فلم يثبت في الصحاح وإن صح فكل ما ذكر من المطاعن في أبي بكر بحكمه في فدك فليس مطعن أما ما ذكر أنه احتج برواية الحديث وعارض به النص فإن الحديث إذا صح بشرايطه فهو يخصص حكم الكتاب وأما ما ذكر أن أبا بكر تفرد برواية هذا الحديث من بين ساير المسلمين فهذا كذب صراح فإن عمر قال بمحضر علي وعباس وجمع كثير من الصحابة أنشدكم بالله هل سمعتم رسول الله (ص) يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة فقالوا جميعا اللهم نعم كما رواه البخاري في صحيحه وروى أيضا في الصحيح فقال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن أبي الزياد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال لا تقتسم ورثتي دينارا وما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة انتهى الحديث فكيف يقول هذا الفاجر الكاذب أن أبا بكر تفرد برواية حديث عدم توريث رسول الله (ص) فإن قيل لا بد لكم من بيان حجية هذا الحديث ومن بيان ترجيحه على الآية قلنا حجية خبر الواحد والترجيح مما لا حاجة بنا إليه ههنا لأن أبا بكر كان حاكما بما سمعه من رسول الله (ص) فلا اشتباه عنده في سنده وعلم أيضا دلالته على ما حمله عليه من المعنى لانتفاء الاحتمالات التي يمكن تطرقها إليه بقرينة الحال فصار عنده دليلا قطعيا مخصصا للعمومات الواردة في باب الإرث وأما ما ذكر أن أبا بكر لا يسمع عنه هذا الخبر لأنه كان غريما لأن الصدقة يحل عليه فما أجهله بالفرق بين الشهادة والرواية فإن الشهادة لا تسمع عن الغريم الذي يجر النفع والرواية ليست كذلك وهذا معلوم عند العامة ومجهول عنده وأما ما ذكر من النصوص على أن الأنبياء يورثون لقوله تعالى وورث سليمان داود فالمراد ميراث العلم والنبوة والحكمة وأما ادعاء زكريا فاتفق العلماء أن المراد منه النبوة والحبورة وإلا لم يستجب دعاءه لأن الاجماع على أن يحيى قتل قبل زكريا فكيف يصح حمله على الميراث وهو لم يرث منه وأما ما ذكره أنه ناقض فعله في توريث علي في السيف والعمامة فالجواب أنه أعطاهما عليا لأنه كان من المصالح والصدقة في هذا الحديث لا يراد بها الزكاة المحرمة على أهل البيت بل المراد أنها من جملة بيت مال المسلمين وقد يطلق الصدقة بالمعنى الأعم وهي كل مال يرصد لمصالح المسلمين والجنود وبهذا المعنى يشتمل خمس الغنايم والفئ والخراج ومال من لا وارث له من المسلمين والزكوات وقد يطلق ويراد به الزكوات المفروضة والصدقة المسنونة التبرعة بها وهاتان الخيرتان كانتا محرمتين على أهل بيت رسول الله (ص) فأعطى أبو بكر سيف رسول الله (ص) وعمامته عليا لأنه كان من جملة مال من لا وارث له من المسلمين ولو كان ميراثا لكان العباس وارثا أيضا لأنه كان العم وأما قوله لكان أهل البيت الذين حكى الله عنهم بأنه طهرهم مرتكبين ما لا يجوز فنقول أهل البيت على هذا التقدير كانوا مدعين لحقهم والإمام يفرض عليه أن يعامل الناس بالحكام الشرعية ولو أن ملكا من الملائكة يدعي حقا له مع وجوب عصمته وتيقن صدقه فليس للإمام أن يقول هو صادق ولا يحتاج إلى البينة العصمة من الكذب بل الواجب عليه أن يطلب الحجة في قوله أما سمعت أن أمير المؤمنين (ع) ادعى على يهودي عند شريح القاضي فطلب منه الحجة فأتى بالحسن بن علي فما قبل شهادته وقال إنه فرع فقال أمير المؤمنين (ع) لست أهلا للقضاء ألا تعلم أن هذا الدعوى لحق بيت المال وههنا يسمع شهادة الفرع والغرض أن الإمام والقاضي يجب عليهما مراعاة ظاهر الشرع وهو أن لا يسمع قول المدعي إلا بحجة وإن تحقق عصمته من الكذب وأما ما ذكر أن الحسنين شهدا لها ولم يسمع أبو بكر فإن صح فربما كان لصغرهما ولعدم سماع شهادة الفرع كما فعل شريح وهذا لا طعن فيه كما ذكرنا لأنه مراعي لقواعد الشرع والتشريح حكم بطلب الحجة وإتمامها على وجه يرتضيه الشرع فلا طعن وأما عدم سماع شهادة أم أيمن إن صح فلأنها كانت قاصرة عن نصاب الشهادة فإنها شهدت مع علي وهو من باب شهادة رجل وامرأة وكان لا بد من التكميل ولا طعن على الحاكم إذا راعى ظاهر الشرع في الأحكام وأبو بكر ليس أقل قدرا من شريح وقد عمل مع أمير المؤمنين في أيام خلافته مثل هذا وهو كان قاضيا لأمير المؤمنين (ع) فكيف يتصور الطعن من باب العدوة الدينية وما ذكر من الحديث أن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة فالظاهر أن المراد هذا الغضب انتهى وأقول أولا إن ما ذكره من أن فدك كان من قرى خيبر فكذب وبما رواه صاحب جامع الأصول عن مالك بن أويس قال كان فيما احتج به عمران قال كان لرسول الله (ص) ثلث صفايا بنو النضر وخيبر وفدك فأما بنوا النضير فكانت إلى آخر الحديث وقال ياقوت الحمري الشافعي في معجم البلدان أن فدك قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلث أفاءها الله تعالى على رسوله في سنة سبع صلحا وذلك أن النبي (ص) لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلث واشتد بهم الحصار وأرسلوا إلى رسول الله (ص) يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله (ص) أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكان خالصة لرسول الله (ص) وفيها عنن فوارة ونخيل كثيرة وهي التي قالت فاطمة (رض) عنها أن رسول الله (ص) نحلها فقال أبو بكر أريد بذلك شهودا ولها قصة ثم أدى اجتهاد عمر بن الخطاب بعده لما ولي الخلافة وفتحت الفتوح واتسعت على المسلمين أن يردها إلى ورثة رسول الله فكان علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب (رض) يتنازعان فيها فكان علي يقول إن النبي (ص) جعلها في حياته لفاطمة وكان العباس يأبى ذلك ويقول هي ملك لرسول الله (ص) وأنا وارثه فكانا يختصمان إلى عمر فيأبى أن يحكم بينهما ويقول أنتما أعرف بشأنكما أما أنا فقد سلمتها إليكما فافتصلا فيما يؤتى واحد منكما من قلة معرفة ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمر برد فدك إلى ولد فاطمة فكانت في أيديهم أيام عمر بن عبد العزيز فلما ولى يزيد بن عبد الملك قبضها فلم يزل في أيدي بني أمية حتى ولى أبو العباس السفاح الخلافة فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي بن علي بن أبي طالب (ع) فكان هو القيم عليها يفرقها في بني علي بن أبي طالب فلما ولي منصور
صفحة ٢٢٤