الأصول وغيره من الروايات المعتبرة صريحة في رجوع أبي بكر عن الطريق وإن الوقت لم يكن متسعا لإدراكه أيام الموسم بعد ذلك لأن الانفاد مع علي (ع) كان أول يوم من ذي الحجة وأداها علي (ع) يوم عرفة ويوم النحر فكيف وصل أبو بكر بعد رجوعه من أثناء الطريق وبينا منشأ توهم أمارته للحج وفساده فبقي أن يكون أمير الحج في تلك السنة علي (ع) أو عتاب بن أسيد الذي كان في السنة السابقة أميرا ثم ما زعمه من إيضاحه أن أداء البراءة كان هينا بعد فتح مكة مردود بأن قضية البراءة وإن وقعت بعد فتح مكة لكن المشركون قد استولوا بعد ذلك ونقضوا العهد كما صرح به الرازي في تفسيره حيث قال روى أن النبي (ص) لما خرج إلى تبوك وتخلف المنافقون فأرجفوا الأراجيف جعلوا المشركون ينقضون العهد انتهى وإذا كان الأمر على هذا الوجه جاز كما ذكرنا سابقا أن الله تعالى لما علم أن أبا بكر رجل ضعيف القلب ربما يخاف على نفسه في أداء الآيات ولم يأت بما هو حق الأداء أو لغير ذلك من الوجوه الذي ذكرناها وليس مراد المصنف أنه استرجع لعدم الوثوق عليه بمعنى أنه كان يسرق بعض الآيات كما فهمه الناصب وأما ثامنا فلأن قوله أتدعي أنه لم يصل بالناس إلى آخره تكلم بلسان الإمامية فلا وجه للاستفهام الإنكاري لما مر أن صلاة أبي بكر بالناس لم يكن بأمر النبي (ص) وإنما كان بأمر عايشة وأنه لما استشعر النبي (ص) تكلف للخروج إلى الصلاة بنفسه ونحى أبا بكر عن المحراب وقد سبق ما يدل على هذا مما رواه شارح المواقف وذكره ابن أبي الحديد في قصيدته المشهورة بقوله شعر ولا في صلاة أم فيها مؤخرا فتذكر وأما روايات صحاحه فهي سقام عندنا بل في نفس الأمر كما أشبعنا الكلام فيه سابقا وأما تاسعا فلأن ما ذكره بقوله وأي ولاية أتم من ولاية الصلاة مدخول بما مر أيضا من أن الإمامة الصغرى بمعزل عن الإمامة الكبرى بدليل أنها يجوز خلف قريش وغيرهم بل عندهم أنه يجوز خلف كل بر وفاجر كما مر والإمامة الكبرى لا يصح في غير قريش على قول الخصم وأيضا قد صح عند الخصم أن النبي (ص) قدم عبد الرحمن بن عوف حين خلفه ومضى ليصلح بين قبيلتين من الأنصار فعاد وقد فاتته المغرب وقد قدم الناس عبد الرحمن بن عوف فلما أتى النبي (ص) صلى خلفه وهذه على تقدير صدقها أبلغ من تقديم أبي بكر ولم يدع أحد الإمامة لعبد الرحمن بن عوف وفاقا وأيضا فإنها معارضة بتأمير علي (ع) على المدينة ولم يعزله وهذا للتأمير أدل على الإمامة من الصلاة لأنها جزئي في ضمن كلي وأيضا قد نقل المصنف سابقا الرواية المشتملة على رده من مسند أحمد بن حنبل فدل على أن الرواية المخالفة المذكورة في كتب المتأخرين عنه موضوع لأن قصة البراءة من المتواترات فلا يجوز أن يكون خفيا على مثل أحمد بن مع تقدمه على غيره من المحدثين في الزمان والفضل ويكون في مرة عمره معتقدا لذلك وبالجملة لو كان الحديث الدال على عدم الرد موجودا لذكره أحمد أيضا كما ذكر حديث الرد وليس فليس وأما عاشرا فلأن ما رواه عن ابن عباس غير مروي من طريق الشيعة فلا يقوم حجة عليهم كما مر مرارا فتبا وتعسا للناصب الأثول الأحمق الجاهل بأن حديث الشخص لا يقوم حجة على خصمه فتأمل قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه منع فاطمة إرثها فقالت له يا بن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي واحتج عليها برواية تفرد بها هو عن جميع المسلمين مع قلة رواياته وقلة علمه وكونه الغريم لأن الصدقة يحل عليه فقال لها أن النبي (ص) قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة والقرآن مخالف لذلك فإن صريحه يقتضي دخول النبي (ص) فيه بقوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم وقد نص على أن الأنبياء يورثون فقال الله تعالى وورث سليمان داود وقال عن زكريا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب وناقض فعله أيضا بهذه الرواية لأن أمير المؤمنين (ع) والعباس اختلفا في بغلة رسول الله (ص) وسيفه وعمامته وحكم بها ميراثا لأمير المؤمنين (ع) ولو كانت صدقة لما حلت على علي (ع) وكان يجب على أبي بكر انتزاعها منه ولكان أهل البيت الذين حكى الله تعالى عنهم بأنهم طهرهم تطهيرا مرتكبين ما لا يجوز نعوذ بالله من هذه المقالات الردية والاعتقادات الفاسدة وأخذ فدك من فاطمة (ع) وقد وهبها أباها رسول الله (ص) فلم يصدقها مع أن الله تعالى طهرها وزكاها واستعان بها النبي (ص) في الدعاء على الكفار على ما حكى الله تعالى وأمره بذلك فقال له قل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم فكيف يأمره الله تعالى بالاستعانة وهو سيد المرسلين بابنته وهي كاذبة في دعواها غاصبة لمال غيرها نعوذ بالله من ذلك فجاءت بأمير المؤمنين (ع) وشهد لها فلم يقبل شهادته قال أنه يجر إلى نفسه وهذا من قلة معرفته بالأحكام ومع أن الله تعالى قد نص في آية المباهلة أنه نفس رسول الله (ص) فكيف يليق بمن هو بهذه المنزلة واستعان به رسول الله (ص) بأمر الله تعالى في الدعاء يوم المباهلة أن يشهد بالباطل ويكذب ويغصب المسلمين أموالهم نعوذ بالله من هذه المقالة وشهد لها الحسنان عليهما السلام فرد شهادتهما وقال هذان ابناك لا أقبل شهادتهما لأنهما يجران نفعا بشهادتهما وهذا من قلة معرفته بالأحكام مع أن الله تعالى قد أمر النبي (ص) بالاستعانة بدعائهما يوم المباهلة فقال أبناؤنا وأبناؤكم وحكم رسول الله (ص) بأنهما سيدا شبان أهل الجنة فكيف يجامع هذا شهادتهما بالزور والكذب وغصب المسلم حقهم نعوذ بالله من ذلك ثم جاءت بأم أيمن فقال امرأة لا يقبل قولها مع أن النبي (ص) قال أم أيمن امرأة من أهل الجنة فعند ذلك غضبت عليه وعلى صاحبه وحلفت أو لا تكلمه ولا صاحبه حتى تلقى أباها وتشكوا له فلما حضرتها الوفاة أوصت أن تدفن ليلا ولا يدع أحدا منهم يصلي عليها وقد رووا جميعا أن النبي (ص) قال يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول لا بد في هذا المقام من تحقيق خبر فدك ليتبين حقيقة الأمر فنقول كانت فدك قرية من قرى خيبر ولما فتح الله تعالى خيبر على رسول الله (ص) جلى أهل فدك ففتحت فكان مما أفاء الله عليه من غير إيجاب خيل ولا ركاب فصار من أقسام الفئ وكان تحت يد رسول الله (ص) كما يكون أموال الفئ تحت أيدي الأئمة وكان رسول الله (ص) ينفق منها على عياله وأهل بيته ثم يصرف ما يفضل عن نفقة عياله في السلاح والكراع فلما توفي رسول الله (ص) وترك أزواجا وأهل بيت ولم يكن تحل لأزواج النبي (ص) التزويج بعده لأنهن كن أمهات المؤمنين ولم يكن سعة في أموال الفئ حتى ينفق الخليفة على أزواجه من ساير جهات الفئ وترك فدك لفاطمة وأولاده فعمل أبو بكر في فدك مثل عمل النبي (ص) فكان ينفق منها على أزواج النبي (ص) وفاطمة وأولادها وما كان يفضل عن نفقتهن يصرفها في السلاح والكراع بسبيل الله كما كان يفعل رسول الله (ص) فلما انتهى الخلافة إلى عمر بن الخطاب (ره) حصل في الفئ سعة وكثرت خمس الغنايم وأموال الفئ والخراج فجعل عمر لكل واحد من أزواج النبي (ص) عطاء من بيت المال ورد منهم في
صفحة ٢٢٣