السُّؤَالُ الرَّابِعُ
ظهر الفرقُ بين المفتي والحاكم، فما الفرقُ بينهما وبين الإِمام الأعظم في تصرُّفاته؟
جَوَابُهُ
أنَّ الِإمام نِسبتُهُ إِليهما كنسبةِ الكلِّ لجزئه والمركَّبِ لبعضِه. فإِنَّ للِإمام أن تقضي وأن يُفتي كما تقدَّم (١)، وله أن يَفعل ما ليس بفُتْيا ولا قضاءِ كجمع الجيوش، وإِنشاء الحروب، وحَوْزِ الأموال، وصَرْفِها في مصارفها، وتوليةِ الولاة، وقتلِ الطغاة. وهي أمور كثيرة يختصُّ بها لا يشاركه فيها القاضي ولا المفتي. فكلُّ إمامِ: قاضِ ومُفتِ، والقاضي والمفتي لا يَصْدُق عليهما وصف الإِمامة الكبرى.
ونبَّهَ على هذه الخصائصِ قولُه ﷺ: "أقضاكم عليّ (٢)، وأعلمُكم
_________
(١) لم يتقدم شيء، كما نبَّهتُ إليه في التعليقة (٣) في ص ٤١.
(٢) هذا ثناء عظيم، وتزكية كريمة من رسول الله ﷺ، لأفضلية معرفة علي ﵁ بالقضاء وإقامة الحقوق والحدود في دين الله تعالى.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" في "باب مناقب أبي عبيدة" ٧: ٧٣ "خَصَّ النبي ﷺ كلَّ واحد من الكبار بفضيلة، ووصفه بها، فأشعر بقَدْرِ زائدِ فيها على غيره كالحياء لعثمان، والقضاء لعلي، ونحوِ ذلك" انتهى.
وقد بعثه رسول الله ﷺ على حداثة سنه قاضيًا إلى اليَمَن، وبشَّره أن الله يُسدِّدُهُ ويُثبِّتُه على الحق والصّواب، وعلَّمه كيف يقضي. فلا غرابة أن يكون أقضى الأمة. =
1 / 46