فهو أولى بِأَن يُعذرَ من المُكْرَهِ الذي لم يَتسلط عليه غضبٌ يأمُره وينهاه، كما سيأتي تقريره بعد هذا إن شاء الله.
وإذا كان الغضبُ هو الناطق على لسانه، الآمر الناهي له، لم يكن ما جَرى على لسانه في هذه الحال منسوبًا إلى اختياره ورضاه، فلا يتم من عليه أثره (^١).
الوجه الخامس: قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] في ثلاثة مواضع من القرآن (^٢).
وما يتكلمُ به الغضبان في حال شدة غضبه، مِن طلاقٍ أو شتمٍ ونحوه، هو من نزغات الشيطان، فإنه يُلجئُه إلى أن يقول ما لم يكن مختارًا لقوله، فإذا سُرِّيَ عنه عَلِم أن ذلَك مِنْ إلقاء الشيطان على لسانه، مِمَّا لم يكن بِرَضاهُ واختيارِه.
والغضب من الشيطان، وأثرُه منه، كما في الصحيح أن رجلين اسْتبّا عند النبي ﷺ حتى احْمَرَّ وَجْهُ أحدهما وانتفخت أوداجه، فقال النبي ﷺ: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من
_________
(^١) كذا في الأصل. ولعل "مَن" موصولة.
(^٢) الموضع الأول في سورة الأعراف: [الآية: ٢٠٠]، والثاني في سورة فصلت [الآية: ٣٦]، والثالث قوله تعالى في سورة المؤمنون ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)﴾ [المؤمنون: ٩٧، ٩٨].
قال ابن كثير في فاتحة تفسيره (١/ ١٣٧): "فهذه ثلاث آيات ليس لهنَّ رابعة في معناها".
1 / 14