90

أنه يجب على المكلف أن يعلم أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة وهذا هو مذهب العدلية جميعا والنجارية من المجبرة والخوارج والمرجئة وأكثر الفرق الخارجة عن الإسلام، قالوا لا يصح أن يرى نفسه ولا يصح أن يراه غيره، فعلى هذا كان اللائق بالعبارة، والله تعالى لا تجوز عليه الرؤية لشموله دون الأولى واشتهرت المسألة بنفي الرؤية وفيها وقع الخلاف وإلا فالمراد أنه لا يجوز أن يدرك بشيء من الحواس. والخلاف في ذلك مع الحشوية والمجبرة على طبقاتها إلا النجارية ثم اختلفوا في ذات بينهم فمنهم من قال: يصح أن يرى نفسه ولا يراه غيره حكاه الرازي عن بعضهم وقد روي هذا عن أبي القاسم البلخي وهو غير مشهور عنه، ومنهم من قال: يراه غيره أيضا وعليه أكثرهم ثم اختلفوا فقيل يراه الكل من المؤمنين والعصاة وهو مذهب الحشوية وبه قال محمد بن اسحاق بن خزيمة وفرقة تسمى السالمية، وقالت المجبرة: يراه البعض وهم المؤمنون دون الكفار والمستحقين للعقوبة وذلك لأن الرؤية عندهم ثواب والثواب لا يستحقه إلا المؤمنون، ثم من القائلين بالرؤية من قال يرى في الدنيا والآخرة وهذا القول للحشوية قال بعضهم: تجوز رؤيته في الدنيا وملامسته ومصافحته، وقال قوم: الناس كلهم يرون الله تعالى إلا أنهم لا يعرفونه، وقالت المجبرة: لا يجوز أن يرى إلا في الآخرة بناء منهم على أن الرؤية ثواب كما مر، ثم منهم من قال: يرى في جهة على حد رؤية الأجسام وهو قول المجسمة (بناء على) أنه جسم وقد أبطلناه، وقالت المجبرة: يرى لا في جهة بل يرى في الآخرة بلى كيف، والأشعرية قالوا: (يرى بهذه الحاسة) بخلق معنى وهو الإدراك، وروي عن الأشعرية رواية مغمورة أنه تعالى يدرك بجميع الحواس، قال أصحابنا هذه رواية غير معقولة، قال الرازي: مراد أصحابنا يعني الأشعرية لأنه أشعري بالرؤية أن يحصل لنا انكشاف تام بالنسبة إلى ذاته المخصوصة سبحانه وتعالى يجري مجرى الانكشاف الحاصل عند إبصار الألوان وهذا الانكشاف لا يقتضي أن يكون المكشوف حاصلا في جهة، وقال في موضع آخر ربما عاد الخلاف بين أصحابنا وبين المعتزلة إلى العبارة في هذه المسألة يعني أن هذا الانكشاف الذي يسمونه رؤية بالحاسة هو الذي تسميه المعتزلة علما ضروريا لكن المشهور أن الخلاف بين الفريقين معنوي، وقال ضرار بن عمرو: أنه تعالى يرى في الآخرة بحاسة سادسة لما رأى أن إدراكه تعالى بإحدى هذه الحواس محال وقوله هذا لا يعقل إذ الرؤية اسم للإدراك بهذه الحاسة ومما يلزمه هو والأشعرية جميعا صحة أن يكون الله تعالى مطعوما وملموسا ومسموعا ومشموما إما على جهة غير ما نعقله في الشاهد كما قالته الأشعرية في الرؤية أو بحواس أخر كما قاله ضرار فيها وكل ذلك معلوم الاستحالة.

والدليل على ذلك المذهب الصحيح وهو القول بأن الله تعالى لا يرى أبدا أنه لو كان يرى في حال من الأحوال لوجب أن نراه الآن. اعلم أن أصحابنا يستدلون على نفي رؤية الباري من العقل بدليلين دليل الموانع ودليل المقابلة واختلفوا في ترجيح أيهما، فقال القاضي عبدالجبار وغيره هما مستويان في إفادة المطلوب ورجح أبو هاشم وابن الملاحمي والمهدي دليل الموانع واعتمده الشيخ في الكتاب ورجح أبو علي دليل المقابلة وبه قال السيد المؤيد بالله.

صفحة ١٠٦