406

الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع

محقق

سليم بن عيد الهلالي

الناشر

دار ابن عفان

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٢هـ - ١٩٩٢م

مكان النشر

السعودية

فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، وَأَنْ يُكَفِّرَ مِنْ أَجْلِ الْيَمِينِ.
فَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ التَّحْرِيمِ، وَلَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ، فَقَدْ أَشَارَ إِسْمَاعِيلُ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، حَتَّى نَزَلَتْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، فَلِأَجْلِ مَا كَانَ قَبْلُ مِنَ التَّحْرِيمِ وَلَمَّا وَرَدَتِ الْكَفَّارَةُ؛ سُمِّيَ تَحْرِيمًا، وَمِنْ ثَمَّ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - سُمِّيَتْ كَفَّارَةً.
(الثَّانِيَةُ): أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا يَنْظُرُ فِيهَا عَلَى أَيِّ مَعْنًى يُطْلَقُ التَّحْرِيمُ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي:
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا مَدْخَلَ لَهُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ تَشْرِيعٌ كَالتَّحْلِيلِ، وَالتَّشْرِيعُ لَيْسَ إِلَّا لِصَاحِبِ الشَّرْعِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُدْخِلَ مُبْتَدِعٌ رَأْيًا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ فَهَذَا أَمْرٌ آخَرُ يَجِلُّ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَنْ مِثْلِهِ، فَضْلًا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْخُصُوصِ.
وَقَدْ وَقَعَ لِلْمُهَلَّبِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ مَا قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ التَّحْرِيمُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، فَقَالَ: " التَّحْرِيمُ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ شَيْئًا، وَقَدْ وَبَّخَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٨٧]، فَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الِاعْتِدَاءِ، وَقَالَ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل: ١١٦]؛ قَالَ: فَهَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ فِي أَنَّ تَحْرِيمَ النَّاسِ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَمَا قَالَهُ الْمُهَلَّبُ يَرُدُّهُ السَّبَبُ فِي نُزُولِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَلِذَلِكَ

1 / 426