الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
محقق
سليم بن عيد الهلالي
الناشر
دار ابن عفان
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
مكان النشر
السعودية
لَمْ يُعَدِّ الْمُحَرِّمُ الْحُكْمَ لِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّحْرِيمِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، فَصَارَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُحَرِّمِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا التَّحْرِيمُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي؛ فَلَا حَرَجَ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ بَوَاعِثَ النُّفُوسِ عَلَى الشَّيْءِ أَوْ صَوَارِفَهَا عَنْهُ لَا تَنْضَبِطُ بِقَانُونٍ مَعْلُومٍ، فَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْحَلَالِ لِأَمْرٍ يَجِدُهُ فِي اسْتِعْمَالِهِ، كَكَثِيرٍ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ مِنْ شُرْبِ الْعَسَلِ لِوَجَعٍ يَعْتَرِيهِ بِهِ، حَتَّى يُحَرِّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، لَا بِمَعْنَى التَّحْرِيمِ الْأَوَّلِ، وَلَا الثَّالِثِ، بَلْ بِمَعْنَى التَّوَقِّي مِنْهُ؛ كَمَا تُتَوَقَّى سَائِرُ الْمُؤْلِمَاتِ.
وَيَدْخُلُ هَاهُنَا بِالْمَعْنَى امْتِنَاعُ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ أَكْلِ الثُّومِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُنَاجِي الْمَلَائِكَةَ، وَهِيَ تَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تُكْرَهُ رَائِحَتُهُ.
وَلَعَلَّ هَذَا الْمَحَلَّ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الثُّومَ وَنَحْوَهُ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْمُخْتَصِّ بِالشَّارِعِ.
وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مَعْنَى الْآيَةِ.
وَأَمَّا التَّحْرِيمُ بِالْمَعْنَى [الثَّالِثِ وَ] الرَّابِعِ؛ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي عِبَارَةِ التَّحْرِيمِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ (تَعَالَى): ﴿لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٧]، قَدْ شَمِلَ التَّحْرِيمَ بِالنَّذْرِ وَالتَّحْرِيمَ بِالْيَمِينِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ ذِكْرُ
1 / 427