الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
محقق
سليم بن عيد الهلالي
الناشر
دار ابن عفان
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
مكان النشر
السعودية
إِلَّا عَلَى فَرْضِ أَنْ يَكُونَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْرَأَ الْعِلْمُ إِلَّا بِالْمَسَاجِدِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ، بَلِ الْعِلْمُ كَانَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ يُبَثُّ بِكُلِّ مَكَانٍ؛ مِنْ مَسْجِدٍ، أَوْ مَنْزِلٍ، أَوْ سَفَرٍ، أَوْ حَضَرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى فِي الْأَسْوَاقِ، فَإِذَا أَعَدَّ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ مَدْرَسَةً يُعِينُ بِإِعْدَادِهَا الطَّلَبَةَ؛ فَلَا يَزِيدُ ذَلِكَ عَلَى إِعْدَادِهَا لَهَا مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِهِ، أَوْ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَيْنَ مَدْخَلُ الْبِدْعَةِ هُاهُنَا؟!
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْبِدْعَةَ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالتَّخْصِيصُ هَاهُنَا لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ تَعْبُدِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْيِينٌ بِالْحَبْسِ؛ كَمَا تَتَعَيَّنُ سَائِرُ الْأَمْوَالِ الْمُحْبَسَةِ، وَتَخْصِيصُهَا لَيْسَ بِبِدْعَةٍ، فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ.
بِخِلَافِ الرُّبْطِ؛ فَإِنَّهَا خُصَّتْ تَشْبِيهًا بِالصُّفَّةِ بِهِمَا لِلتَّعَبُّدِ، فَصَارَتْ تَعَبُّدِيَّةً بِالْقَصْدِ وَالْعُرْفِ، حَتَّى إِنَّ سَاكِنِيهَا مُبَايِنُونَ لِغَيْرِهِمْ فِي النِّحْلَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالزِّيِّ وَالِاعْتِقَادِ.
- وَكَذَلِكَ مَا ذُكِرَ مِنْ بِنَاءِ الْقَنَاطِرِ؛ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى إِصْلَاحِ الطُّرُقِ، وَإِزَالَةِ الْمَشَقَّةِ عَنْ سَالِكِيهَا، وَلَهُ أَصْلٌ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعَدَّ فِي الْبِدَعِ بِحَالٍ.
- وَقَوْلُهُ: " وَكُلُّ إِحْسَانٍ لَمْ يُعْهَدْ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ " فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَلَا يَخْلُو الْإِحْسَانُ الْمَفْرُوضُ أَنْ يُفْهَمَ مِنَ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ تَعَبُّدِيٍّ أَوَّلًا.
فَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالتَّعَبُّدِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ.
1 / 264