الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
محقق
سليم بن عيد الهلالي
الناشر
دار ابن عفان
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
مكان النشر
السعودية
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْعَمَلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصُّفَّةِ لَمْ يَدُمْ، وَلَمْ يُثَابِرْ أَهْلُهَا وَلَا غَيْرُهُمْ عَلَى الْبَقَاءِ فِيهَا، وَلَا عُمِّرَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَوْ كَانَ مِنْ قَصْدِ الشَّارِعِ ثُبُوتُ تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لَكَانُوا هُمْ أَحَقَّ بِفَهْمِهَا أَوَّلًا، ثُمَّ بِإِقَامَتِهَا وَالْمُكْثِ فِيهَا عَنْ كُلِّ شُغْلٍ، وَأَوْلَى بِتَجْدِيدِ مَعَاهِدِهَا، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ.
فَالتَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الصُّفَّةِ إِذًا فِي إِقَامَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَاتِّخَاذِ الزَّوَايَا وَالرَّبْطِ لَا يَصِحُّ، فَلْيَفْهَمِ الْمُوَفَّقُ هَذَا الْمَوْضِعَ؛ فَإِنَّهُ مَزَلَّةُ قَدَمٍ لِمَنْ لَمْ يَأْخُذْ دِينَهُ عَنِ السَّلَفِ الْأَقْدَمِينَ وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ.
وَلَا يَظُنُّ الْعَاقِلُ أَنَّ الْقُعُودَ عَنِ الْكَسْبِ وَلُزُومَ الرَّبْطِ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ أَوْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، وَلَنْ يَأْتِيَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَهْدَى مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا.
وَيَكْفِي الْمِسْكِينَ الْمُغْتَرَّ بِعَمَلِ الشُّيُوخِ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّ صُدُورَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ - الْمُتَّسِمِينَ بِالصُّوفِيَّةِ - لَمْ يَتَّخِذُوا رِبَاطًا وَلَا زَاوِيَةً، وَلَا بَنَوْا بِنَاءً يُضَاهُونَ بِهِ الصُّفَّةَ لِلِاجْتِمَاعِ عَلَى التَّعَبُّدِ وَالِانْقِطَاعِ عَنْ أَسْبَابِ الدُّنْيَا؛ كَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، وَالْجُنَيْدِ، وَإِبْرَاهِيمَ الْخَوَّاصِ، وَالْحَارِثِ الْمُحَاسَبِيِّ، وَالشِّبْلِيِّ. . . وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَابَقَ فِي هَذَا الْمَيْدَانِ.
وَإِنَّمَا مَحْصُولُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ خَالَفُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَخَالَفُوا السَّلَفَ الصَّالِحَ، وَخَالَفُوا شُيُوخَ الطَّرِيقَةِ الَّتِي انْتَسَبُوا إِلَيْهَا، وَلَا تَوْفِيقَ إِلَّا بِاللَّهِ.
- وَأَمَّا الْمَدَارِسُ؛ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ يُقَالُ فِي مِثْلِهِ: بِدْعَةٌ؛
1 / 263