وجاءت هي إليه بالطعام في غرفته، فلما جلس إليه على البساط أسندت ظهرها إلى الكنبة فنظر إليها فقالت: «لا أحس جوعا» فالتفت إليها وقال بلهجة الجد الصارم: سأرخي لحيتي احتجاجا.
فقالت وهي تضحك: ولكن لماذا؟ ما علاقة لحيتك بأن آكل أو لا آكل.
فقال: «تصوري منظر قريبك وقد أرسل حول خديه وتحت ذقنه لحية كثة! إنه منظر يوقظ الضمير النائم. وما أظنك ترتاحين إلى لقائي بعد ذلك ولحيتي في يدي. أفهمت الآن»؟
وبعد أن أصابا شبعهما قال: «والآن أين القهوة يا فتاتي المهملة؟ ألا تعلمين أن لي معك حديثا خطيرا يتطلب كل ما في رأسي من اتزان وحكمة».
ولم تدر أهو يجد أو يهزل، ومضت عنه ولكنها ما عتمت أن عادت لا بالقهوة بل بأدواتها: بحق البن وحق السكر، والسبرتو، وقعدت أمامه تصنعها.
وقال دون أن ينظر إليها بصوت لا يكاد يسمع فكأنه يتنفس أو يحدث نفسه: شوشو أيتها الفتاة الرائعة، لقد رأيتك اليوم تنزعين ورق «الأراولة» وتجربين حظك أو تستوحين هذه الزهرة الفاتنة، تسأليها عن مصيرنا..
فتحولت إلى جانبه ولم تتكلم، فأراح ذراعه على كتفها ومضى في حديثه أو مناجاته. - هممت أن أصرفك عن استنباء الزهرة، ولكني قلت أدع لها ذكرى حميدة تنعم بها في يوم من الأيام المقبلة. أترك لها حلمها الجميل وإن كنت في شك من أن الأحلام ليست خطرة. شوشو، إن أنفاسك لا تتعلق أو تحتبس حين ترينني مقبلا أو مدبرا ...».
فتمتمت في حياء: «ولكني آسر..».
فقال: «ربما» (فرفعت إليه عينيها بسرعة فلم يعبأ بهذه الحركة ومضى إلى غايته) «على أن هذا أشبه بأن يكون شعورا أخويا منه بأن يكون أ.. أ.. تعرفين ما أعني؟ نحن قريبان وبيننا من الود فوق ما يكون بين الأقرباء في العادة. ولكن هذا ليس معناه أننا ... أننا ... أكثر من ذلك ... اسمعي يا شوشو. لقد أخطأت حين جئت إلى هنا. لو كنت أعلم أن هذا سيحدث لما جئت. ولكن هذا لا ينهض عذرا لي. أنا الملوم. ماذا جرى؟ أتبكين؟ يا ألله»!
وجذبها إليه فأسندت خدها إلى صدره وهي تنشج فكاد قلبه يتمزق رقة لها وعطفا عليها وعلى نفسه أيضا؛ ولم يسعه إلا أن يهمس في أذنها: شوشو يا فتاتي الساحرة. ازجري العين عن بكاها. إنك تعلمين أني أتصنع أني كاذب لا أعني ما أقول. إني مجنون بك وسأظل مجنونا. هذه هي الحقيقة وليكن ما شاءت المقادير فلن تصبو نفسي إلى غيرك.
صفحة غير معروفة