فالضيوف الثلاثة الذين ورد ذكرهم في سفر التكوين كانوا يأكلون ويشبعون من الطعام، وكان مفهوما من أسلوب بعض النسخ القديمة أن واحدا منهم هو الإله، ثم أصبح مفهوما أنه ملك يتكلم باسم الإله ومعه صاحباه من السماء.
إلا أن القرآن الكريم يروي قصة هؤلاء الضيوف ولا يروي أنهم أكلوا وشبعوا، بل جلسوا إلى الطعام ولم تصل أيديهم إليه، وسألهم إبراهيم أن يأكلوا فلم يفعلوا، فأوجس منهم خيفة وعلم من ثم أنهم من غير البشر، وأن لهم شأنا غير شأن ضيوف الزاد والمقام.
إن هذه النقلة ليست بالأمر الهين في تاريخ بني الإنسان؛ فإن النوع الإنساني قد انتقل من استخدام مادة الحجر إلى استخدام مادة الحديد في عشرات الألوف من السنين، فهذا الانتقال بين العقل الذي يقصر عن إدراك مخلوق سماوي يخالف الأجساد الحية في مطالبها المادية، وبين العقل الذي تهيأ للتمييز بين الحياة الروحية والحياة المادية، هو الانتقال الذي يؤرخ به عصران في حياة بني الإنسان، بينهما من الفارق أبعد جدا مما بين عصر الحجر وعصر النحاس وعصر الحديد. •••
وأهم المصادر الإسلامية بعد القرآن الكريم أحاديث النبي
صلى الله عليه وسلم ، ومنها طائفة عن الخليل تصفه وتصف أعماله، وتلم بسيرته، وللفقهاء فيها خلاف؛ إذ كان بعضها ينسب أمورا إلى الخليل لم يعهد في الأحاديث النبوية أن تنسبها إلى الأنبياء.
والحكم في هذا الخلاف أن الأحاديث التي يرويها الآحاد لا يجوز أن تخالف أصول الاعتقاد؛ لأن الآحاد يجوز عليهم الخطأ والكذب، ومثل ذلك لا يجوز في العقيدة، ولا سيما العقيدة التي يقررها الكتاب.
وقد أخذ الإمام الفخر الرازي بهذا الحكم في تفسيره، ودارت حوله مساجلة بين الشيخ عبد الوهاب النجار ولجنة العلماء التي راجعت كتابه عن قصص الأنبياء، فقال رحمه الله:
نص العلماء على أن الحديث إذا كانت روايته آحادا وفيه نسبة المعاصي أو الكذب إلى الأنبياء يرد.
ففي شرح العصام على العقائد النسفية بعد أن ذكر وجوب اتصاف الأنبياء بالصدق ما نصه: إذا تقرر هذا؛ فما نقل عن الأنبياء مما يشعر بكذب أو معصية، فما كان منقولا بطريق الآحاد فمردود، وما كان بطريق التواتر فمصروف عن ظاهره إن أمكن، أو محمول على ترك الأولى، أو كونه قبل البعث.
وجاء في الحاشية عليه قوله: فما كان منقولا بطريق الآحاد سواء بلغ حد الشهرة أو لا فمردود؛ لأن نسبة الخطأ إلى الرواة أهون من نسبة المعاصي إلى الأنبياء.
صفحة غير معروفة