19
تقريبا: إن المناهج التي تتخذ لإنكار إمكان اللانهاية في الماضي تقوم إما على برهان فاسد، وإما على مقدمات سوفسطائية، «فالعدد لا يتناهى، والحركات لا تتناهى، بل لها ضرب من الوجود، وهو الوجود بالقوة، لا القوة التي تخرج إلى الفعل، بل القوة بمعنى أن الأعداد تتأتى أن تتزايد فلا تقف عند نهاية أخيرة ليس وراءها مزاد.»
ومن قوله أيضا:
20 «إذا كانت الأجزاء لا تتناهى، وليست معا، وكانت في الماضي والمستقبل، فغير ممتنع وجودها واحدا قبل آخر أو بعده، لا معا، أو كانت ذات عدد غير مترتب في الوضع أو الطبع، فلا مانع من وجودها معا.» وقال أيضا:
21 «وأما وجود الأشياء، فبأنه لم يكن في الماضي لها بدء، وأنها كانت واحدة بعد واحدة منذ كانت، فلو أخذت تحسبها من الآن لم يقف الحساب عند حد.»
ولم يحدد ابن سينا ما كان يوجه من اعتراضات على إمكان سلسلة غير المتناهي في الماضي، ويمكننا أن نذكر للغزالي اعتراضا بالغ البراعة على ذلك. فلنفترض سلسلة غير متناهية لموجودات خالدة - كسلسلة الأرواح مثلا - قد ولدت بالتتابع في الماضي، فجميع هذه الموجودات قائمة في الوقت الحاضر، ومن ثم يكون العدد الغير المتناهي موجودا بالفعل، وهذا ما تصرح مدرسة ابن سينا بأنه محال.
وعند ابن سينا أن الأجسام قابلة للتجزؤ بالقوة إلى ما لا نهاية له، ففيلسوفنا يرفض الذرية على أنها فاسدة عقلا.
ومع ذلك فإنه كان للذرية أنصار في ذلك الزمن كما يلوح، وقد رأى ابن سينا أن من المفيد ذكر بعض اعتراضات لهم، قال ابن سينا:
22 «وجد من اعترض بأن إمكان التجزؤ إلى غير نهاية يجعل الحركة مستحيلة»، فلنفترض أن متحركا يجاوز خطا محدودا، قابلا للتجزؤ إلى غير نهاية، فهذا الخط قابل للتجزؤ مناصفة، وكذلك النصف، ونصف هذا النصف، وهكذا. فننتهي إلى النتيجة القائلة: إن المتحرك يجاوز في زمن محدود أنصافا لا حد لها، وهذا محال. وإليك اعتراضا آخر، وهو: أنه لا كثرة بلا وحدة فيها، فإذا كانت الكثرة موجودة بالفعل فإن الوحدة توجد فيها بالفعل، ولكن الوحدة بالفعل غير قابلة للتجزؤ؛ ولهذا فإن للجسم ذي الكثرة أجزاءه الأولى غير القابلة للتجزؤ.
ومن الواضح أنه لا قيمة لهذه الاعتراضات، وليست أكثر من هذا قيمة الاعتراضات التي يوجهها ابن سينا - من ناحيته - إلى الذرية، وإليك جوابه عن الاعتراض الثاني المذكور: لنفترض أن من الممكن تركيب جسم من عدد معين من الأجزاء، وسيكون الجسم البسيط جسما لا يكون مركبا من أجزاء كثيرة، ولكن الجسم البسيط قابل للتجزؤ؛ إذن يوجد تناقض والفرضية فاسدة.
صفحة غير معروفة