وكانت مسألة العلل قد ارتبطت في مسألة الحد، قال ابن سينا:
16 «إن الجواب عن لم؟ والجواب عن ما هو؟ متفقان؛ وذلك لأن الجوابين يكونان بما هو داخل في ماهية الشيء، مثاله: لم انكسف القمر؟ فنقول: لأنه توسط بينه وبين الشمس الأرض؛ فانمحى نوره، ثم نقول: ما كسوف القمر؟ فنقول: هو انمحاء نور القمر لتوسط الأرض.»
والجواب العادي للسؤال: لم؟ في البراهين هو العلة القريبة الحاضرة، وتدخل العلل الجوهرية الاتساع المتساوي أو الأعلى للشيء في حده، ولكن علل الاتساع الأقل لا تدخل فيه، وهي لا يمكن أن تستدعى إلا في البراهين التي تقدم بسببه، ومما يحدث أحيانا أن تدخل علل السكلاسية الأربع، وهي: المادية، والصورية، والفاعلية، والغائية في حد الشيء معا، مثاله: أن يقال عند تحديد القدوم: «إنه آلة صناعية من حديد شكلها كذا، ليقطع به الخشب نحتا.»
17
فالآلة جنس، والصناعية تدل على المبدأ الفاعل، والشكل على الصورة، والنحت على الغاية، والحديد على المادة، وإذا ما نظر إلى الأمر نظرة عامة وجد وجوب كون العلة أو مجموع العلل المستدعاة من ذات الاتساع كالمعلول؛ وذلك إنتاجا في البراهين المنطقية.
ويرتبط بعض مختلف العلوم في بعض بموضوعاتها، ويصنف بعضها تحت بعض وفق سلسلة مراتب هذه الموضوعات، وبما أن معضلة تصنيف العلوم كانت شائعة في القرون الوسطى، فإننا نقدم قائمة مختصرة عن العلوم كما جاءت في مدرسة ابن سينا، وذلك وفق الرسالة التي كنا قد استخرجنا منها تقسيم المنطق،
18
وبذلك نختم هذا الفصل.
تقسم الفلسفة، التي هي اسم يطلق على مجموع علوم الحكمة، إلى قسمين: الفلسفة النظرية، والفلسفة العملية؛ فغرض الأولى هو الحقيقة، وغرض الثانية هو الخير.
وتقسم الفلسفة النظرية إلى ثلاثة أقسام، وهي: العلم الأسفل ويسمى الطبيعيات، والعلم الأوسط ويسمى الرياضيات، والعلم الأعلى ويسمى الإلهيات، وكذلك الفلسفة العملية تقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي: علم ما يجب أن يكون عليه الإنسان مثل فرد، وهو الأخلاق، وعلم ما يجب أن يسلكه حيال بيته وزوجه وأولاده وأمواله، وهو الاقتصاد (تدبير المنزل)، وعلم الحكومات ونظام المدن الكاملة والناقصة، وهو السياسة.
صفحة غير معروفة