وعلى ما نال يعقوب بن إسحاق الكندي من شهرة واسعة في الشرق، وعلى ما وجدت هذه الشهرة من صدى في الغرب، فإننا لا نعرف عنه غير أمور قليلة كما هو حاصل القول. ولذا فإننا نخشى أن يتعذر علينا إعادة صورته إليه مع شيء من القوة.
وقد لقب الكندي بفيلسوف العرب، وهو مدين بهذا اللقب لكونه واضعا سلالة الفلاسفة لدى المسلمين، ولصفاء أصله العربي، وكان سليل أسرة مشهورة، وكان ينتسب إلى قبيلة كندة الكبيرة، التي هي من نسل قحطان. ويدلنا تاريخ آله، الذي عني به المستشرق فلوغل،
2
على جده السادس - من جهة الأب - آتيا على رأس سبعين فارسا في السنة السادسة من الهجرة، كيما يدخل في الإسلام؛ فعد بهذا بين صحابة النبي، وكان آل كندة يسكنون اليمن قبل ذلك الزمن، وهاجر أجداد مؤلفنا الأدنون إلى كلدة، وكان أبوه أميرا على الكوفة في عهد الخليفتين: المهدي والرشيد، وكان جده أميرا على كثير من المدن، وكانت أملاكه المهمة في البصرة، ويرى أن فيلسوفنا ولد فيها. وذهب الكندي في شبابه إلى بغداد ليدرس فيها، ولا يعرف على أي الأساتذة تخرج، وإنما لا يوجد أي شك في تخرجه على يد معلمين من النصارى.
ونعلم من الإشارات القصيرة، التي وردت عن سيرته من قبل القفطي وابن أبي أصيبعة أنه صار بعد ذلك ذا صلة بالخلفاء، ودخل في خدمتهم مثل أديب، وكان أخص ما نال من منزلة عند المعتصم وعند أحمد بن المعتصم، الذي أهدى إليه كثيرا من مؤلفاته. وقد صار في أواخر حياته هدفا لحملات واضطهادات جلبها إليه الحسد والتعصب لا ريب. وقد مقته الفلكي أبو معشر، ثم صالحه وصار تلميذا له، ومعجبا به، وكذلك كاد له أبناء موسى بن شاكر الرياضيون، ويعتقد أن الوفاة حضرته في عهد المعتمد
3
حوالي سنة 260.
وكان الكندي مترجما مهما، وموسوعيا منتجا، يندر وجود من يعدله خصبا.
وقد جمع فلوغل قائمة بكتبه، فوجد أنها بلغت رقم ال 265 الضخم، المشتمل على قسم عظيم من علوم زمنه، وقد ترجم الجزء الرابع عشر مما بعد الطبيعة لأرسطو، وشرح التحليلات الأولى والثانية، وتلخيص الرسائل السوفسطائية، وكتاب الأبولوجيا المدسوس على أرسطو، ولخص صناعة الشعر لأرسطو، وصناعة الشعر للإسكندر الأفروديسي، والعبارات، والإيساغوجي لفرفريوس، وألف رسالة في المقولات.
وتشهد عناوين كتبه على عمله الجبار في شرح الكتب اليونانية وتطبيقها، ويمكن أن يذهب إلى أنه لم يأل جهدا في استخلاص جوهرها وإيضاحه، وتبسيط مذاهبها، وتنسيق هذه المذاهب. وكان موضوع إحدى رسائله «ترتيب كتب أرسطوطاليس»؛ أي الترتيب الذي يجب أن تدرس به على ما يظهر.
صفحة غير معروفة