أو كذب بآياته)) وأخبر عن قوم ذمهم بكذبهم أنهم قالوا: «ما أنزل الله على بشر من شيء»، ثم كذبهم على لسان رسوله، فقال لرسوله: ((قل من أنزل الكتاب الذي جاء موسى نورا))، فسمى الله تعالى القرآن ذكرا، وإيمانا، ونورا، وهدى، ومباركا عربياً، وقصصا، فقال: ((نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن)) وقال: ((قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بهذا القرآن لا يأتون بمثله)) وقال: ((قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات)) وقال: ((لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه))، جعل له أولا وآخرا، ودل عليه أنه محدود مخلوق، وقد عظم هؤلاء الجهلة بقولهم في القرآن الثلم في دينهم، والجرح في أمانتهم، وسهلوا السبيل لعدو الإسلام، واعترفوا بالتبديل والإلحاد في قلوبهم، حتى عرفوا ووصفوا خلق الله وفعله بالصفة التي هي لله وحده، وشبهوه، والأشباه أولى بخلقه، وليس يرى أمير المؤمنين لمن قال هذه المقالة حظا في الدين، ولا نصيبا من الإيمان اليقين، ولا يرى أن يحل أحدا منهم محل الثقة في أمانة، ولا عدالة ولا شهادة، ولا صدق في قول، ولا حكاية ولا تولية لشيء من أمر الرعية، وإن ظهر قصد بعضهم، وعرف بالسداد مسدد فيهم، فإن الفروع مردودة إلى أصولها، ومحمولة في الحمد والذم عليها، ومن كان جاهلا بأمر دينه الذي أمره الله به من وحدانيته، فهو بما سواه أعظم جهلا، وعن الرشد في غيره أعمى وأضل سبيلا.
فاقرأ على جعفر بن عيسى، وعبد الرحمن بن إسحاق القاضي كتاب أمير المؤمنين بما كتب به إليك، وانصصهما عن علمهما في القرآن، وأعلمهما أن أمير المؤمنين لا يستعين على شيء من أمور المسلمين إلا بمن وثق بإخلاصه وتوحيده، وأنه لا توحيد إلا لمن يقر بأن القرآن مخلوق، فإن قالا بقول أمير المؤمنين في ذلك، فتقدم إليهما في امتحان من يحضر مجالسهما بالشهادات على الحقوق، ونصهم عن قولهم في القرآن، فمن لم يقل منهم إنه مخلوق أبطلا شهادته، ولم يقطعا حكما بقوله، وإن ثبت عفافه بالقصد والسداد في أمره، وافعل ذلك بمن في سائر عملك من
52