49

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

وكانت شراً مستطيرا على المتوقفين من الزهاد والعلماء، والفقهاء، والمحدثين، وعلى رأسهم أحمد بن حنبل.

٥١ - فقد بلغ البلاء أشده، والمحنة أقصاها في عهد المعتصم، ثم في عهد الواثق، وقبل أن نبين ذلك ننقل المراسلات التي جرت بين المأمون، ونائبه في بغداد، ففيها حجته فيما يقول، ويدعو إليه، وفيها إجابة أحمد ثم تهديد المأمون وها هي ذي الكتب، كما جاءت في تاريخ الطبري.

كتاب المأمون الأول

إلى إسحاق بن إبراهيم نائبه في بغداد

(أما بعد) فإن حق الله على أئمة المسلمين، وخلفائهم الاجتهاد في إقامة دين الله الذي استحفظهم، ومواريث النبوة التي أورثهم، وأثر العلم الذي استودعهم، والعمل بالحق في رعيتهم، والنشمير لطاعة الله فيهم، والله يسأل أمير المؤمنين أن يوفقه لعزيمة الرشد وصريمته، والأقساط فيما ولاه الله من رعيته برحمته ومنته، وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم، والسواد الأكبر من حشو الرعية، وسفلة العامة ممن لا نظر له، ولا روية ولا استدلال له بدلالة الله وهدايته، والاستضاءة بنور العلم وبرهانه في جميع الأقطار والآفاق، أهل جهالة، وعمى عنه، وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده، والإيمان به، ونكوب عن واضحات أعلامه، وواجب سبيله، وقصور أن يقدروا الله حق قدره، ويعرفوه كنه معرفته، ويفرقوا بينه وبين خلقه، تضعف آرائهم، ونقص عقولهم، وجفائهم عن التفكر والتذكر، وذلك أنهم ساووا بين الله تبارك وتعالى، وبين ما أنزل من القرآن، فأطبقوا مجتمعين واتفقوا غير متعاجمين على أنه قديم أول، لم يخلقه الله، ويحدثه، ويخترعه، وقد قال الله عز وجل في كتابه الذي جعله لما في الصدور شفاء، وللمؤمنين رحمة وهدى: ((إنا جعلناه قرآناً عربياً)) فكل ما جعله الله، فقد خلقه، وقال: ((الحمد لله الذى

48