47

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

مخلوق محدث، ولم يره، والامتناع عن توقيعها عنده، واكتب إلى أمير المؤمنين بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم، والأمر لهم بمثل ذلك، ثم أشرف عليهم وتفقد آثارهم حتى لا تنفذ أحكام الله إلا بشهادة أهل البصائر في الدين، والإخلاص للتوحيد (١) ))

وترى من هذا أنه لم توضع عقوبة لمن لم يعتقد هذه العقيدة سوى الحرمان من مناصب الدولة، أو عدم سماع شهادته إن كان شاهداً ولم يعد كتابه الثاني ذلك، فأحضر إسحاق بن إبراهيم القضاة، واختبرهم، ولم يكتف بذلك بل أحضر المحدثين أيضاً، وكل من تصدى للفتوى والتعليم والإرشاد، وامتحنهم، وأرسل إجابتهم عن مسألته في خلق القرآن إلى المأمون (٢) فأرسل هذا كتاباً يبين سخف هذه الأجابات في نظره، ويجرح المجيبين، ويسلقهم بقارص القول وعنيف الكلام، ثم ذكر في هذا الكتاب عقوبات لمن لم يقل مقالته، إذ أمر بحمل من لم يقل إليه موثقاً، وقال: ((من لم يرجع عن شركه ممن سميت لأمير المؤمنين في كتابك، وذكره أمير المؤمنين لك، أو أمسك عن ذكره في كتابه هذا، ولم يقل إن القرآن مخلوق بعد بشر بن الوليد، وإبراهيم بن المهدي (٣)؛ فاحملهم أجمعين موثقين إلى عسكر أمير المؤمنين، مع من يقوم بحفظهم وحراستهم في طريقهم، حتى يؤديهم إلى عسكر أمير المؤمنين، وتسليمهم إلى من يؤمن بتسليمهم، لينصهم أمير المؤمنين، فإن لم يرجعوا ويتوبوا حملهم جميعاً على السيف إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله.

٤٩ - وترى من هذا كيف ترقى من عقوبة الحرمان من المناصب، وقبول الشهادة إلى الإنذار بعقوبة الإعدام.

وقد سارع إسحاق بن إبراهيم إلى تنفيذ رغبته، فأحضر المحدثين، والفقهاء، والمفتين، وفيهم أحمد بن حنبل، وأنذرهم بالعقوبة الصارمة، والعذاب العتيد،

(١) تاريخ الطبري.

(٢) سننقل لك قريباً هذه الأجابات، ورد المأمون عليها.

(٣) قد خصهما في كتابه بالقتل إن لم يقولا.

46