وقال قوم بل ينقل إلى بيت المقدس عند أبيه إبراهيم وإخوانه الأنبياء والمرسلين، وقال قوم بل يقبر في البقيع بالمدينة عند أصحابه لأنها قد صارت دار هجرته والبقيع بالباء هي المقبرة التي أمر بها ﷺ، فتنازعوا في ذلك فرجعوا إليه، فقال سمعته ﷺ يقول: "إن الأنبياء تدفن حيث تقبض أرواحهم" أو كما قال، فدفنوه في حجرته فزال عنهم الخلاف، واطمأنت قلوبهم ببركته ﵁.
ولم يزالوا يتعرفون بركة رأيه وغزارة علمه وثبات جأشه، فأول شيء اختلفوا فيه بعد دفن النبي ﷺ وعقد البيعة له جيش أسامة بن زيد ﵁، وكان النبي ﷺ أمره على جيش ومات والجيش مجموع بظاهر المدينة. فأشار جمهور الصحابة على أبي بكر بتخليفه ليكون عونا للمسلمين خشية أن يحدث على المدينة حدث قبل استقرار الأمر، فأبى إلا تنفيذه لجهته وقال: "والله لو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين أزواج النبي ﷺ ما حللت لواء عقده رسول الله ﷺ بيده، ويكون ذلك أول شيء أبدأ به في أمري"، فنفذه لشأنه فحمدوا عاقبته وبركة رأيه لما في ذلك من الإرجاف لكثير من أعداء الدين. وكانت الأعراب التي حول المدينة قد أشاعوا الردة، فلما رأوا ذلك قالوا: والله ما تجاسر هؤلاء على تجهيز الجيوش مبادرة إلا وأمرهم مجتمع وشملهم متحد، فانكسر به حدهم.
ثم من العرب من ارتد كبني حنيفة، ومنهم من منع الزكاة فقط، فعزم على قتال الكل فنازعه الصحابة أولا في قتال مانعي الزكاة، وقالوا كيف نقاتلهم
1 / 91