ثم قال لهم ليجمع شملهم على الهدى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾، إنه لا بد لهذا الدين ممن يقوم به. ولم يدعهم قط إلى نفسه ولا طلب انقيادهم له خاصة، فأناب الكل إلى قوله، إلا أن الأنصار ﵃ قالوا: صدقت، ولكن منا أمير ومنكم أمير، أي لأنهم كانوا ممتازين أيام الرسول، فالمهاجرون حيز والأنصار حيز، وكان رسول الله ﷺ كثيرا ما يؤمر على المهاجرين رجلا منهم، وعلى الأنصار رجلا منهم، مع أنهم كلهم مآل أمرهم إليه. فعرفهم الصديق أن القائم بعد رسول الله ﷺ يقوم مقامه، فيجب الإجماع على الولاية العظمى، وتلك ولاية في بعض الأحوال تكون بنظر الإمام، فلا يجوز أن تكون الإمامة إلا لشخص واحد، ثم يجب أن يكون قرشيا لقوله ﷺ: «الأئمة من قريش» وأيضا قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ وقد سمانا الصادقين في قوله تعالى: ﴿للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون﴾.
فقد أمركم الله أن تكونوا معنا تبعا فأذعنوا له، واعترفوا بغزارة علمه، فعقدوا له البيعة كارها.
ثم اختلفوا في موضع يقبر النبي ﷺ، فمنهم من قال ينقل إلى مكة لأنها مسقط رأسه ومنشأه ومقام أبيه إبراهيم وحرم الله الأعظم،
1 / 90