<10> قال الخزري: بل الشرائع التي بعدكم إذا أقرت بالحق ولم تنكره فكلهم يفضل ذلك الموضع ويقول إنه معراج الأنبياء، وباب السماء، وموضع الحشر، وإن النفوس إليه تحشر، وإن النبوة في بني إسرائيل بعد تفضيل آبائهم، والإقرار بמעשה בראשית، والמבול، وأكثر ما في الתורה، ويحجون إلى ذلك الموضع المعظم.
<11> قال الحبر: إنما كنت أشبههم بالגרים الذين لم يقبلوا جميع فروع الشرائع لكن أصولها، لولا تناقض أفعالهم مع أقوالهم وأن تفضيلهم لموضع النبوة بالقول مع استقبالهم مواضع كانت للأوثان في مواضع اتفق إن كان فيها جمهورهم لم ير فيها أثر إلهي مع أبقائهم رسوم العبادات القديمة وأيام حجها ومناسكها ولم يغيروا غير الصور التي كانت هناك محوها ولم يمحوا رسومها، حتى كدت أقول إن قوله تعالى ועבדת שם אלהים אחרים עץ ואבן، وتكريره مرارا إنما هو إشارة أي الذين يعظمون الخشبة والذين يعظمون الحجر، ونحن مع الأيام نستحيل إليهم בעונותינו، نعم إن اعتقادهم ليس إلا للإله مثل قوم אבימלך وقوم נינוה ومتفلسفين في جانب الله، وقائد كل واحدة من الطائفتين يقال إنه أدرك تلك الأنوار الإلهية في معدنها، أعني في ארץ ישראל، وإن من هناك عرج به إلى السماء وأمر أن يهدي أهل المعمورة كلها، وكانت قبلتهم تلك الأرض فلم يلبث الأمر إلا قليلا حتى صارت قبلتهم حيث جمهورهم. أليس هذا بمنزلة من أراد أن يهدي الناس كافة إلى موضع الشمس لكنهم عمش لا يقدرون عليه ولا يدرون مجراها، فحملهم إلى قطب الجنوب أو الشمال وقال لهم ههنا الشمس استقبلوها تروها، فلا يرونها، وكان القائد الأول موسى عليه السلام قد أوقف الجمهور عند הר סיני ليروا النور الذي رآه هو، لو قدروا عليه كقدرته، ثم دعا الשבעים זקנים ورأوه، كما قال ויראו אל אלהי ישראל.
ثم جمع الשבעים الثواني فحلهم من نور النبوة ما ناسبوه به، كما قال ויאצל מן הרוח אשר עליו ויתן על שבעים איש הזקנים. فيشهد بعضهم لبعض فيما يرونه وما يسمعونه، وتنتفي الظنون السوء من الأمة أن يظن النبوة دعوى من ادعاها من الأفراد إذ لا يجوز الاصطلاح على تلك الجماهير لا سيما إذ كثروا وصاروا جماعات مستوين مع אלישע في علم يوم رفع אליהו ע"ה في قوله הידעת כי היום ה' לוקח את אדניך. وكلهم شاهد لמשה ע"ה مؤكد شريعته.
<12> قال الخزري: لكنهم أقرب إليكم من الفلاسفة.
<13> قال الحبر: بعيد ما بين المتشرع والمتفلسف. لأن المتشرع يطلب الرب لمنافع عظيمة، حاشى منفعة العلم به. والمتفلسف إنما يطلبه ليصفه على حقيقته، كما يطلب أن يصف الأرض أنها مثلا في مركز الفلك الأعظم وليست في مركز فلك البروج وغير هذا من المعارف، وأنه لا يضر الجهل بالله إلا كالجهل بالأرض لمن قال إنها سطح. والمنفعة عنده إنما هيأ علم الأشياء على حقائقها يتشبه بالعقل الفعال فيصير هو هو، كان صديقا أو زنديقا لا يبالي إذا تفلسف. ومن أصول اعتقاده לא ייטיב ה' ולא ירע، وإن يعتقد القدم للدنيا فلا يرى أنها كانت قط عدما حتى خلقت بل لم تزل ولن تزال، وأن الله تعالى خالقها على المجاز لا على مفهوم اللفظ، وإنما يريد بخالق صانع أنه سببه وعلته ولم يزل المعلول مع العلة، إن العلة بالقوة فالمعلول بالقوة، وإن كانت بالفعل فالمعلول بالفعل. والله تعالى علة بالفعل فمعلوله بالفعل مهما هو علته، لكنهم وإن بعدوا هذا البعد فإنهم يعذرون إذ لم يمكنوا من العلم الإلهي إلا بطريق القياس، فهذا ما أدى إليه قياسهم. فمنصفوهم يقولون للمتشرعين ما قال سقراط: "يا قوم إن حكمتكم هذه الإلهية لست أنكرها، لكني أقول لست أحصرها، وإنما أنا حكيم بحكمة إنسانية." وأما هذه الملل فبقدر ما قربوا بعدوا، وإلا فإن ירבעם وشيعته أقرب إلينا وكانوا עובדי עבודה זרה وهم ישראל مختتنون محافظون على السبت وسائر الشرائع، حاشى قليل مما دعتهم ضرورة سياسية إلى الخلاف فيها، وهم مقرون بאלהי ישראל المخرجهم من مصر، كما قلنا في عاملي العجل في الמדבר. فغاية ما فضلهم هؤلاء بنفي الصور. وأما منذ حرفوا القبلة وطلبوا الأمر الإلهي حيث لا يوجد، حاشى تغييرهم لأكثر الشرائع السمعية فقد بعدوا جدا.
<14> قال الخزري: ينبغي أن يفرق بين شيعة ירבעם وبين شيعة אחאב تفاريق. فإن עובדי הבעל هم עובדי עבודה זרה بالبتات. وفي ذلك قال אליהו: אם ה' האלהים לכו אחריו ואם הבעל לכו אחריו، وفيهم تشكك الחכמים كيف أكل حتى יהושפט من طعام אחאב، ولا يقعوا في مثل هذا في شيعة ירבעם، ولا وقع أنكار אליהו في עבודת העגלים إذ قال קנא קנאתי לה' אלהי צבאות، فإن شيعة ירבעם لה' אלהי ישראל كان جميع أعمالهم، وأنبياؤهم נביאי ה'. وأنبياء אחאב נביאי הבעל. وقد أقام الله יהוא ليمحو أثر אחאב واجتهد ذلك الاجتهاد في تلك الحيلة بقوله אחאב עבד את הבעל מעט יהוא יעבדנו הרבה، حتى محا أثر الבעל، ولم يعترض للעגלים، فأصحاب العجل الأول وشيعة ירבעם وأصحاب الבמות وפסל מיכה لم يكن جميعهم إلا قصدا لאלהי ישראל، لكن مع المعصية يستحق أهلها القتل كمن يتزوج أخته لضرورة أو لشهوة، لكن يمتثل شروط الزوجية على ما أمر الله بها، أو كمن يأكل الخنزير لكن يتحفظ بالذبيحة ومن الدم وغير ذلك من شروط المأكل على ما أمر به.
<15> قال الحبر: لقد نبهت على موضع شك، وليس عندي فيه شك، فقد خرجنا عن غرضنا في الصفات، فلنعد إليها، وأزيدك بيانا بمثال من الشمس التي هي واحدة، لكن تختلف نسب الأجسام القابلة لها، فأكملها قبولا لنورها الياقوت والبلار مثلا والهواء الصافي والماء، فيتسمى في هذه نور ثاقب، ويتسمى في الحجارة اللامعة والسطوح الصقيلة نور لامع مثلا، وفي الخشب والأرض وغير ذلك نور لائح، وفي جميع الأشياء عموما نور مطلق دون تخصيص. فالنور المطلق هو بمنزلة قولنا אלהים كما قد تبين. ونور ثاقب هو بمنزلة ה' اسم علم خاص بالنسبة التي بينه وبين أكمل مخلوقاته في الأرض أعني الأنبياء التي أنفسهم شفافة قابلة لنوره ينفذ فيها كنفوذ نور الشمس في البلار والياقوت، وهذه الأنفس لها معدن ومقطع من لدن آدم كما قد تبين تناسق الصفوة واللب جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن. وتخرج عامة الدنيا حاشى ذلك اللب قشورا وأوراقا وصموغا وغير ذلك فيتسمى إله هذا اللب خاصة ה'، ولاتصاله بآدم نقل اسم אלהים بعد فراغ מעשה בראשית إلى ה' אלהים، كما قالوا ז"ל: שם מלא על עולם מלא، وكمال العالم إنما كان بآدم الذي هو لب كل ما تقدمه. والمعنى المراد بאלהים ليس ينكره عاقل، إنما يقع الأنكار في ה'، إذ النبوة غريبة نادرة في الأفراد فكيف في جماعة. ولذلك أنكر פרעה وقال לא ידעתי את ה' كأنه فهم من لفظ ה' מפורש، ما يفهم من النور الثاقب فدل على إله يتصل نوره بالناس وينفذ فيهم، فقال له زيادة אלהי העברים، إشارة إلى الאבות الذين شهروا بالنبوة والكرامات. وأما אלהים فتراه اسما شائعا في מצרים في قول פרעה الأول ليوسف אחרי הודיע אלהים אותך، وقال איש אשר רוח אלהים בו. كما لو إن انسانا واحدا يرى الشمس وحده ويدري مشارقها ومواضع جريها، وكنا نحن لم نرها قط لكن نتصرف في ظل في غيم، فنرى منازلة مضية أكثر من منازلنا، لعلمه بمجري الشمس فيضع لها كوى وروازن بحسب ما يريد. وكذلك نرى زرعاته وغرساته تنجب، ويقول لنا أن ذلك لعلمه بالشمس، لأنكرنا ذلك وقلنا ما الشمس وإنما ندري نحن الضوء ومنافعه كثيرة، لكن تغينا بالاتفاق. فيقول هو أنا يجيني منه ما شئت ومتى شئت لأني عالم سببه وكيف جريه، فإذا أعددت له ووطئت وتحفظت بجميع أعمالي في الأوقات المعلومة عندي لم أخب من منافعه كما ترون.
واسم ה' هو المكني عنه بפנים في قوله פני ילכו، אם אין פניך הולכים. وهو الغرض المطلوب في قوله ילך נא ה' בקרבנו. ومعنى אלהים يدرك بالقياس لأن العقل يؤدي إلى أن للعالم حاكما وناظما ويختلف الناس فيه بحسب قياساتهم، وأولى الآراء فيه رأي الفلاسفة. وأما معنى ה' فلا يدرك قياسا لكن مشاهدة بذلك البصر النبوي الذي به يصير الإنسان يكاد أن يفارق نوعه ويتصل بنوع ملكي وتصير فيه רוח אחרת كما قيل ונהפכת לאיש אחר، ויהפך לו אלהים לב אחר، ורוח לבשה את עמשי، היתה עלי יד ה'، ורוח נדיבה תסמכני، كناية عن רוח הקודש الملابسة للنبي حين النبوة وللנזיר وللמשיח إذا مسح للכהנה أو للמלוכה حين ما يمسحه النبي، أو حين ما يؤيده الله ويرشده لأمر ما، أو حين ينبأ الכהן بعلم الغيب عند سؤاله في الאורים والתמים. فحينئذ تنفك للإنسان الشكوك المتقدمة التي كان يشككها في אלהים ويستخف بتلك القياسات المستعملة ليحصل منها علم الربوبية والوحدانية. فحينئذ يحصل الإنسان عابدا عاشقا لمعبوده مستهلكا في حبه لعظيم ما يجده من لذة الاتصال به والضر والأذى بالبعد عنه. بخلاف المتفلسفين الذين لا يرون في عبادة الله إلا حسن أدب وقول الحق في تعظيمه على سائر الموجودات، كما ينبغي أن تعظم الشمس على سائر المرايات، وأن ليس في الكفر بالله أكثر من خساسة النفس راضية الكذب.
<16> قال الخزري: قد بتين لي الفرق بين אלהים وה'، وفهمت ما بين אלהי אברהם وאלהי أرسطوطاليس، وأن ה' ית' يتشوق إليه شوقا ذوقا ومشاهدة. وאלהים يمال إليه قياسا. وذلك الذوق يدعو من أدركه إلى الاستهلاك في حبه، والموت دونه. وهذا القياس يرى أن تفضيله واجب مهما لم يضر، ولا احتمل من أجله مشقة. فليعذر أرسطوطاليس إذا استخف بأعمال الناموس، إذ يتشكك هل يعلم الله ذلك.
<17> قال الحبر: وبحق احتمل אברהם ما احتمله في אור כשדים، ثم التغرب، ثم الמילה، ثم إطراح ישמעאל، ثم همه بذبح יצחק إذ شاهد ما شاهد من الأمر الإلهي ذوقا لا قياسا، ورأى أنه لا يخفي عنه شيء من جزئياته، ورآه يجازيه على خيره مع اللحظات، ويهديه إلى مراشده، حتى لا يقدم ولا يؤخر إلا بإذنه. فكيف لا يستخف بقياساته القديمة. وكما דרשו الחכמים ז"ל في ויוצא אותו החוצה: אמר לו צא מאצטגנינות שלך. يعني أنه أمره أن يترك علومه القياسية من النجوم وغير ذلك، ويلتزم طاعة من أدرك ذوقا كما قيل טעמו וראו כי טוב ה'، فبحق تسمي ה' بאלהי ישראל إذ هذا النظر معدوم في غيرهم، وتسمى بאלהי הארץ إذ لها خصوصية من هوائها وأرضها وسمائها معينة على ذلك مع القرائن التي هي كالفلاحة والتوطئة لأنجاب هذا الصنف، وكل ما اتبع الناموس الإلهي فإنما هو تابع لذوي هذا البصر وتطيب نفوسها على تقليدها على سذاجة كلامهم وغلظ أمثالهم، ما لا تطيب على تقليد الفلاسفة على رقة حكاياتهم، وحسن نظام تواليفهم، وما يلوح عليها من البرهان، لكن لا تتبعهم الجماهير، كان النفوس وحي إليها بالحق، كما قيل נכרים דברי אמת.
صفحة غير معروفة