المقالة الأولى
<1> سئلت عما عندي من الاحتجاج على مخالفينا واهل الأديان ثم على الخوارج الذين يخالفون الجمهور تذكرت ما قد سمعته من حجج الحبر الذي كان عند ملك الخزر الداخل في دين اليهود منذ أربع مائة سنة على ما شهد وجاء في كتاب التواريخ انه تكرر عليه رؤيا كان ملاكا يخاطبه ويقول له إن نيتك مرضية عند الله لكن عملك غير مرضي وكان يجتهد جدا في التعبد في دين الخزر حتى أنه كان يخدم خدمة الهيكل والقرابين بنفسه بنية صافية خالصة. فكلما اجتهد في تلك الأعمال جاء الملاك في الليل يقول له نيتك مرضية وعملك غير مرضي فسبب له ذلك البحث عن الأديان والنحل وتهود آخرا هو وجمهور الخزر.
وكان من حجج الحبر ما أقنعني وطابق اعتقادي فرأيت أن أثبت ذلك الاحتجاج كما وقع והמשכילים יבינו (=والفاهمون يفهمون).
قيل إن ملك الخزر لما رأى في رؤياه أن نيته مرضية عند الله وعمله غير مرضي وأمره في النوم أن يطلب المرضى عند الله سأل فيلسوفا عن معتقده.
فقال له الفيلسوف: ليس عند الله رضى ولا بغض. لأنه تعالى منزه عن الإرادات والأغراض. لأن الغرض يدل على نقصان المغرض. وان تمام غرضه كمال له، ومهما لم يتم فهو نقصان. وكذلك هو منزه عند الفلاسفة عن علم الجزئيات. لان متغيرة مع الأحيان. وليس في علم الله تغير فهو لا يدريك، فضلا عن أن يدري نيتك وأعمالك، فضلا عن أن يسمع صلاتك ويرى حركاتك. نعم وإن قالت الفلاسفة أنه خلقك فعلى المجاز، لأنه علة العلل في خلقة كل مخلوق لا لأنه مقصود من قبله. نعم ولا خلق قط إنسانا لأن العالم قديم لم يزل ينشأ الإنسان من إنسان قبله تتركب فيه صور وخلق وأخلاق من أبيه وأمه وقرابته وكيفيات الأهوية والبلدان والأغذية والمياه، مع قوى الأفلاك والدراري والبروج بالنسب الحاصلة منها، والكل راجع إلى السبب الأول لا عن غرض له، لكن فيض فاض عنه سبب ثان، ثم ثوالث وروابع، وتلازمت الأسباب والمسببات وتسلسلت كما تراها وتلازمها قديم، كما أن السبب الأول قديم لا أول له، فلكل شخص من أشخاص الدنيا أسباب بها يتم. فشخص تكاملت أسبابه فجاء كاملا، وشخص نقصت أسبابه فجاء ناقصا كالحبشي الذي لم يهيأ لأكثر من قبول صورة الإنسان والنطق على أنقص ما يمكن. فالفيلسوف الذي تهيأت له استعدادات يقبل بها الفضائل الخلقية والخلقية والعلمية والعملية ولم ينقصه شيء من الكمال. لكن هذه الكمالات بالقوة يحتاج في إخراجها إلى الفعل إلى التعليم والتأديب فتظهر الهيئات على ما هيئت له من كمال ونقصان وتوسطات إلى ما لا نهاية له، فالكمال يتصل به من النمط الإلهي نور يسمى العقل الفعال يتصل به عقله المنفعل اتصال اتحاد حتى يرى الشخص أنه هو ذلك العقل الفعال لا تغاير بينهما وتصير آلاته أعني أعضاء ذلك الشخص لا تتصرف إلا في أكمل الأعمال وفي أوفق الأوقات وعلى أفضل الحالات وكأنها آلات للعقل الفعال لا للعقل الهيولاني المنفعل الذي كان من قبل يصرفها فكان يصيب مرة ويخطأ مرات. وهذا يصيب دائما. وهذا الدرجة الغاية القصوى المرجوة للإنسان الكامل بعد أن تصير نفسه مطهرة من الشكوك محصلة للعلوم على حقائقها فتصير كأنها ملك فتصير بأدون رتبه من الملكوتية المفارقة للأجساد وهي رتبه العقل الفعال وهو ملك رتبته دون الملك الموكل بفلك القمر وهي عقول مجرده عن المواد قديمة مع السبب الأول لا تخاف الفناء أبدا، فتصير نفس الإنسان الكامل وذلك العقل شيئا واحدا فلا يبالي بفناء جسده وآلاته إذ قد صار وذلك شيئا واحدا وطابت نفسه في الحياة إذ صار في زمرة هرمس واسقلابيوس وسقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس بل هو وهم وكل من كان في درجتهم والعقل الفعال شيء واحد. فهذا الذي يكنى عنه برضا الله على سبيل اللغز أو التقريب فاتبعه واتبع العلم بحقائق الأمور ليصير عقلك فعلا لا منفعلا وألزم أعدل الطرق في الأخلاق والأعمال لأنه معونة في تصور الحق ولزوم التعلم والتشبه بذلك العقل الفعال ويتبع هذا القنوع والخضوع والخشوع وكل خلق فاضل مع التعظيم للسبب الأول لا ليهبك رضاه ولا ليزيل عنك سخطه بل للتشبه للعقل الفعال في إيثار الحق ووصف كل شيء بما يجب له واعتقاده على ما هو عليه. فهذا من صفات العقل فإذ صرت بهذه الصفة من الاعتقاد لا تبالي بأي شرع تشرعت أو تدينت وعظمت وبأي قول وبأي لسان وبأي أعمال أو اخترع لنفسك دينا لمعنى التخشع والتعظيم والتسبيح ولتدبير أخلاقك وتدبير منزلك ومدينتك إن كنت مقبولا منهم أو تدين بالنواميس العقلية المؤلفة للفلاسفة واجعل قصدك وغرضك صفاء نفسك وبالجملة فأطلب صفاء القلب بأي وجه أمكنك بعد تحصيل كليات العلوم على حقائقها فتصادف مطلوبك أعني الاتصال بذلك الروحاني أعني العقل الفعال وربما أنبأك وأمرك بعلم غيب من منامات صادقه وخيالات مصيبة.
<2> قال له الخزري: إن كلامك لمقنع لكنه غير مطابق لطلبتي لأني أعلم من نفسي أني صافي النفس مسدد الأعمال نحو رضا الرب لكن كان جوابي أن هذا العمل ليس بمرضي وإن كانت النية مرضية فلا شك أن ثم عملا ما مرضيا بذاته لا بحسب الظنون، وإلا فإن النصراني والمسلم اللذين اقتسما المعمورة يتقاتلان وكل واحد منهما قد أصفى نيته لله وترهب وتزهد وصام وصلى ومضى مصمما لقتل صاحبه، وهو يعتقد أن في قتله أعظم حسنه وتقرب إلى الله فيقتتلان وكل واحد منهما يعتقد أن مسيره إلى الجنة والفردوس. وتصديقهما محال عند العقل.
<3> قال الفيلسوف: ليس في دين الفلاسفة قتل واحد من هؤلاء، إذ يومون العقل.
<4> قال الخزري: وأي حيرة عند الفلاسفة أعظم من اعتقادهم الحدث، وأن العالم خلق في ستة أيام، وأن السبب الأول يكلم شخصا من الناس، فضلا عن ذلك التنزيه الذي تنزهه الفلاسفة عن معرفة الجزئيات ومع هذا ينبغي على أعمال الفلاسفة وعلومهم وتحقيقهم واجتهادهم أن تكون النبوة مشهورة فيهم شائعة بينهم لاتصالهم بالروحانيات، وأن يوصف عنهم غرائب ومعجزات وكرامات، ولقد نرى المنامات الصادقة لمن لم يعن بالعلم، ولا بإصفاء نفسه. ونجد ضد ذلك فيمن رامه. فدل أن للأمر الإلهي وللنفوس سرا سوى ما ذكرته يا فيلسوف. ثم قال الخزري في نفسه، أسأل النصارى والمسلمين فإن أحد العملين هو لا شك المرضي. وأما اليهود فكفى ما ظهر من ذلتهم وقلتهم ومقت الجميع لهم.
فدعا بعالم من علماء النصارى، فسأله عن علمه وعمله.
فقال له: أنا مؤمن بالحدث للمخلوقات وبالقدم لخالق تعالى وأنه خلق العالم بأسره في ستة أيام وأن جميع الناطقين من ذرية آدم، ثم ذرية نوح، وإليه ينتسبون كلهم. وأن لله عناية بالخلق واتصالا بالناطقين، وسخطا ورضا ورحمة وكلاما وظهورا وتجليا لأنبيائه وأوليائه وحلولا فيما بين من يرضاه من الجماهير، والجملة فكل ما جاء في التوراة وفي آثار بني إسرائيل التي لا مدفع في صدقها لشهرتها ودوامها وعلانيتها في الجماهير العظام. وفي آخرياتها وعاقبة لهم تجسمت اللاهوتية وصارت جنينا في بطن عذراء من أشراف نساء بني إسرائيل وولدته ناسوتي الظاهر ألاهوتي الباطن، نبيا مرسلا في ظاهره إلها مرسلا في باطنه، وهو المسيح المسمى عندنا بابن الله، وهو الأب وهو الإبن وهو روح القدس، فنحن موحدون حقيقة وإن ظهر على لساننا التثليث نؤمن به وبحلوله في بني إسرائيل إجلالا لهم ما لم يزل الأمر الإلهي يتصل بهم، حتى عصى جمهورهم هذا المسيح وصلبوه، فصار السخط مستمرا على جمهورهم، والرضا على الأفراد التابعين للمسيح. ثم على الأمم التابعين لأولئك الأفراد ونحن منهم، وإن لم نكن من ذرية إسرائيل فنحن أولى بأن نتسمى بني إسرائيل لاتباعنا المسيح وأصحابه من بني إسرائيل اثنا عشر مقام الأسباط، ثم جملة من بني إسرائيل تابعت لأولئك الاثنا عشر، صاروا كالخميرة لأمة النصارى واستحقوا درجة بني إسرائيل، وصار لنا الظفر والانتشار في البلاد، وجميع الأمم مدعوون إلى هذا الدين مكلفون العمل به من تعظيم المسيح وتعظيم صليبه الذي صلب عليه وما أشبهه وحكاه. وأحكامنا وسيرنا فمن وصايا شمعون الحواري، وقوانين مأخوذة من التوراة التي نقرأها ولا مدفع في حقيقتها وأنها من عند الله. وقد قيل في الإنجيل عن المسيح ما جئت لأنقص شريعة من شرائع موسى، بل جئت لأعضدها ولأزيدها.
<5> قال الخزري: ليس ههنا مجال للقياس بل القياس يبعد أكثر هذا الكلام. لكن إذا صح العيان والتجربة حتى يأخذ بمجامع القلب ولا يجد مندوحة في اعتقاد غير ما صح عنده تحيل على القياس بلطفه حتى يقرب ذلك المستبعد كما يفعل الطبيعيون في الخواص الغريبة التي تطرأ عليهم مما لو حدثوا بها قبل رؤيتها لأنكروها، فإذا رأوها تلطفوا وجعلوا لها أسبابا من النجوم والروحانيات، ولم يدفعوا العيان، وأنا لا أجدني طيب النفس لقبول هذه الأمور، لأني طرأت عليها ولم أنشأ فيها، والاستقصاء واجب علي.
ثم استدعى عالما من علماء الإسلام وسأله عن علمه وعمله. فقال إما نثبت الوحدانية والقدم لله، والحدث للعالم، والانتساب إلى آدم ونوح، وننفي التجسيم جملة وإن ظهر شيء في القول تأولناه وقلنا إنه مجاز وتقريب، مع إقرارنا بأن كتابنا كلام الله، وهو في ذاته معجزة، يجب علينا قبوله من أجل ذاته، إذ لم يمكن أحدا أن يأتي بمثله ولا بمثل آية من آياته، وأن نبينا خاتم النبيين، وناسخ لكل شريعة تقدمت، وداعي الأمم كلها إلى الإسلام، وجزاء الطائع إعادة روحه إلى جسده في جنة ونعيم لا يخلو من أكل وشرب ونكاح وكل ما يشتهي. وجزاء العاصي إعادته في نار لا يفنى عذابها أبدا.
<6> فقال له الخزري: إن من يرام هدايته بأمر الله ويحقق عنده أن الله يكلم البشر وهو يستبعد ذلك، ينبغي أن يقرر عنده أمور مشهورة لا مدفع فيها. وبالأحرى أن يصدق عنده أن الله قد كلم بشريا، وإن كان كتابكم معجزة والكتاب عربي فليس يميز معجزته وغرابته عجمي مثلي وإذا تلي علي لم أفرق بينه وبين غيره من كلام العربي.
<7> فقال له العالم: وقد ظهر على يديه معجزات لكن لم تجعل حجة في قبول شريعته.
<8> قال الخزري: نعم ولا تسكن النفوس إلى أن تقر أن الإله متصل بالبشر إلا بمعجزة يقلب فيها الأعيان فنعلم أن ذلك لا يقدر عليه إلا من اخترع الأشياء من لا شيء، وأن يخول ذلك الأمر بين يدي جماهير يرونه عيانا، ولا يأتيهم برؤياه وأسناد وبأن يدرس ذلك ويمتحن المحنة بعد المحنة حتى لا يقع في الظن أن هناك تخيلا أو سحرا، وبالأحرى أن تقبل النفوس هذا الأمر العظيم أعني أن خالق الدنيا والآخرة والملائكة والسماوات والأنوار يتصل بهذه الحمأة والقذرة أعني الإنسان ويكلمه ويقضي رغبته وتحكماته.
<9> فقال العالم: أليس كتابنا مملي من أخبار موسى ע"ה وبني إسرائيل لا مدفع فيما فعل بفرعون وشقه البحر وتسليم من رضا عنه وتغريق من سخط عليه، ثم المن والسلوى طول أربعين عاما، وتكليمه موسى في الطور، وإيقافه الشمس ليشوع، ونصرته على الجبارين، وما كان قبل ذلك من الطوفان وهلاك قوم لوط، أليس هذا مشهورا ولا ظن فيه للتحيل والتخيل.
<10> قال الخزري: بلى كأني أراني مضطرا إلى مسائلة اليهود لأنهم بقية بني إسرائيل لأني أراهم هم الحجة في أن لله شريعة في الأرض.
ثم استدعى حبرا من أحبار اليهود وسأله عن اعتقاده.
<11> فقال له: أنا مؤمن بإله إبراهيم وإسحاق وإسرائيل المخرج بني إسرائيل من مصر بالآيات والمعجزات ومكتفلهم في التيه ومعطيهم أرض الشام بعد تجويزهم اليم والأردن بمعجزات، ومرسل موسى بشريعته، ثم ألاف أنبياء بعده مؤكدين لشريعته والوعد لمن تحفظ بها، والوعيد لمن خالفها، وإيماننا لما اندرج في التوراة والخبر طويل.
<12> قال الخزري: قد كنت عازما إلا اسأل يهوديا لعلمي بتلاف آثارهم ونقصان آرائهم إذ المنحسة لم تترك لهم محمدة، فهلا قلت يا يهودي أنك تؤمن بخالق العالم وناظمه ومدبره وبمن خلقك ورزقك وما أشبه هذه الأوصاف التي هي حجة كل ذي دين، ومن أجلها يتبع الحق العدل للتشبه بالخالق في حكمته وعدله.
<13> قال الحبر: هذا الذي تقول هو الدين القياسي السياسي يؤدي إليه النظر وتنطوي فيه شكوك كثيرة فسل الفلاسفة عنه ولن تجدهم متفقين على عمل واحد ولا اعتقاد واحد، إذ هي دعاوى، منها ما يقدرون أن يبرهنوا عليها، ومنها ما يقنعون فيها، ومنها ما ليس يقنعون فيه فضلا عن البرهان.
<14> قال الخزري: أرى كلامك يا يهودي أشبه من فاتحته، وقد أريد الزيادة.
<15> قال الحبر: بل فاتحة كلامي هو البرهان، بل هو العيان وغنى عن دليل وبرهان.
<16> قال الخزري: وكيف ذلك.
<17> قال الحبر: تأذن لي في مقدمات أقدمها، فأني أراك مستحقرا لكلامي مستقلا له.
<18> قال الخزري: قدم مقدماتك حتى أسمع.
<19> قال الحبر: لو قيل لك أن صاحب الهند فاضل ينبغي لك تعظيمه والتنويه باسمه، ووصف آثاره بما يتصل بك من عدل أهل بلاده وفضل أخلاقهم وعدل معاملتهم، هل كان هذا يلزمك.
<20> قال الخزري: وكيف يلزمني والشك في أهل الهند هل عدلهم من ذاتهم وليس لهم ملك، أو عدلهم من قبل ملكهم. أم الأمر من الوجهين معا.
<21> قال الحبر: فلو جاك رسوله بهدايا هندية لا تشك أنها لا تجد إلا في الهند في قصور الملوك، بكتاب مشهود فيه أنه من قبله، ويقترن به أدوية تداويك من أمراضك، وتحفظ عليك صحتك، وسموم لأعدائك ومحاربيك تقابلهم بها فتقتلهم دون أعداد ولا إعداد، هل كنت تلتزم طاعته.
<22> قال الخزري: نعم، وكان يزول عني الشك القديم هل للهند ملك أم لا، وكنت أعتقد أن ملكه وأمره واصل إلي.
<23> قال الحبر: وإذا سألت (سئلت؟) عنه بماذا تصفه.
<24> قال الخزري: بالصفات التي صحت عندي عيانا، ثم أتبعها بالتي كانت مشهورة وتبينة بهذه الأواخر.
<25> قال الحبر: وبمثل هذا أجبتك إذ سألتني، وبمثل هذا فاتح موسى فرعون إذ قال له إله العبرانيين أرسلني إليك، يعني إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، إذ كان أمرهم مشهورا عند الأمم، وأنه صحبهم أمر إلهي، وعني بهم، وقضى لهم العجائب. ولم يقل له رب السماء والأرض، أو خالقي وخالقك أرسلني. وكذلك فاتح الله خطابه لجمهور بني إسرائيل. أنا الله معبودك الذي أخرجتك من بلد مصر. ولم يقل انا خالق العالم وخالقكم. فهكذا فاتحتك يا أمير الخزر إذ سألتني عن إيماني، جاوبتك بما يلزمني، ومعشر بني إسرائيل الذين صح عندهم ذلك العيان، ثم التواتر الذي هو كالعيان.
<26> قال الخزري: فإذا شريعتكم إنما هي وقف عليكم.
<27> قال الحبر: نعم ومن انضاف إلينا من الأمم خاصه ينل من خيرنا ولم يستو معنا، ولو كان لزوم الشرع من أجل ما خلقنا لأستوي فيه الأبيض والأسود إذ كلهم خلقته تعالى، لكن الشرع من أجل إخراجه لنا من مصر، واتصاله بنا لكوننا الصفوة من بني آدم.
<28> قال الخزري: أراك يا يهودي تتلون، وقد عاد كلامك غثا بعد ما كان سمينا.
<29> قال الحبر: أغثه أسمنه إن اتسع لي صدرك حتى اتسع في شرحه.
<30> قال الخزري: قل ما شئت.
<31> قال الحبر: إن بحكم الأمر الطبيعي لزم الإجتذاء والنمو والتوليد وقواها وجميع شرائطها، واختص بذلك النبات والحيوان، من دون الأرض والحجارة والمعادن والعناصر.
<32> قال الخزري: هذه جملة تحتاج إلى تفصيل، لكنها حق.
<33> قال الحبر: وبالأمر النفساني اختص الحيوان كله، ولزم منه حركات وإرادات وأخلاق وحواس ظاهرة وباطنة وغير ذلك.
<34> قال الخزري: وهذا أيضا لا مدفع فيه.
<35> قال الحبر: وبحكم الأمر العقلي اختص الناطق من جملة الحيوان، ولزم منه اصلاح أخلاق، ثم اصلاح المنزل، ثم اصلاح المدينة. وكانت السياسات ونواميس سياسية.
<36> قال الخزري: وهذا حق.
<37> قال الحبر: فأي رتبة تكون فوق هذه.
<38> فال الخزري: رتبة العلماء العظماء.
<39> قال الحبر: لم أرد إلا رتبة تفارق صاحبتها مفارقه جوهرية كمفارقة النبات للجماد ومفارقة الإنسان للبهائم. وأما المفارقة بالأكثر والأقل فلا نهاية لها إذ هي مفارقة عرضية وليست رتبة على الحقيقة.
<40> قال الخزري: فلا رتبة إذا في المحسوسات بعد الإنسان.
<41> قال الحبر: فإن نجد انسانا يدخل النار فلا تؤذيه، ويزمن عن الطعام فلا يجوع، ويكون لوجهه نور لا تحتمله الأبصار، ولا يمرض، ولا يهرم، حتى إذا بلغ عمره مات موتا اختياريا كمن يصعد إلى فراشه لينام في يوم معلوم وساعة معلومة، مضافا إلى علم الغيب مما كان ويكون، أليس هذه الرتبة مفارقة في الجوهر لرتبة الناس.
<42> قال الخزري: بل إن هذه الرتبة هي إلهية ملكوتية إن كانت موجودة، وهذا من حكم الأمر الإلهي، لا من العقلي، ولا من النفساني، ولا من الطبيعي.
<43> قال الحبر: هذا بعض صفات النبي الذي لا مختلف عليه، الذي على يديه ظهر للجمهور اتصال اللاهوت بهم، وأن لهم ربا يدبرهم كيف شاء، وبحسب طاعتهم وعصيانهن أيضا، وكشف الغيب وأعلم كيف كان حدث العالم، وانساب الناس قبل الطوفان، وكيف انتسبوا إلى آدم، ثم الطوفان، ونسب السبعين أمة إلى سام وחם وיפת أولاد نوح، وكيف تفرقت اللغات، وحيث سكنوا، وكيف أنشئت الصنائع وبنيت المدن، والتاريخ من آدم إلى هلم جرا.
<44> قال الخزري: وهذا غريب إن كان عندكم تاريخ متحقق لخلقة العالم.
<45> قال الحبر: بل بذلك نؤرخ، لا اختلاف بين اليهوديين في ذلك من الخزر إلى الحبشة.
<46> قال الخزري: فكم تعدون اليوم.
<47> قال الحبر: أربعة آلاف وخمس مائة، وتفصيلها مشروح من عمر آدم وشيث وأنوش إلى نوح، ثم سام وعبر إلى إبراهيم، ثم إسحاق ويعقوب إلى موسى ע"ה. وهؤلاء على اتصالهم لباب آدم وصفوته، ولكل واحد منهم أولاد كالقشور لم يشبهوا الآباء، فلم يتصل بهم أمر إلهي فضبط التاريخ بالإلهيين، وكانوا أفرادا لا جماعات، حتى أولد يعقوب اثنا عشر سبطا كلهم يصلحون للأمر الإلهي، فصارت الإلهية في جماعة، وبهم التاريخ، فنحن نحمل تاريخ من تقدمهم عن موسى ע"ה، وندري ما من موسى إلى هلم.
<48> قال الخزري: هذا التفصيل يبعد الظن السوء من الكذب والاصطلاح، إذ مثل هذا لا يتفق عشرة عليه دون أن يتخاذلوا ويكشفوا سر اصطلاحهم، أو يدفعوا قول من يحقق عندهم مثل هذا، فكيف جماهير عظيمة والتاريخ قريب، لا يتسع للكذب والافتراء.
<49> قال الحبر: نعم وإبراهيم بعينه حضر في تفريق اللغات، وبقي هو وقرابته بلغة עבר جده. وبذلك تسمى عبرانيا. وجاء موسى ע"ה بعده بأربع مائة عام، والدنيا في أحفل ما كانت من تمكن العلوم السماوية والأرضية، وورد على فرعون وعلماء مصر وعلماء بني إسرائيل المواقفين له، والباحثين عليه الذين لم يصدقوا تصديقا تماما ان الله يخاطب البشر، حتى اسمعهم خطابه بالعشر كلمات. هكذا كان قومه معه ليس من جهلهم، بل من علمهم مخافة الحيل من العلوم السماوية وغير ذلك مما لا يثبت عند التفتيش كالدلس، والامر الإلهي كالذهب الابريز، يزيد في الخبر للدينار دينارا. فكيك يتخيل ان يصور عندهم ان اللغات قبلهم بخمس مائة سنة كانت لغة עבר وحدها. وتفرقت في بابل في أيام פלג، ونسب أمة كذي وأمة كذي إلى سام وأمة كذي إلى חם، وبلادهم كذي وكذي، هل يصح ان يكون اليوم أحد يصور عندنا كذبا في انساب ملل مشهورة وفي قصصهم ولغاتهم، ويكون خبره دون خمس مائة عام.
<50> قال الخزري، هذا محال، وكيف ونحن نجد العلوم بخطوط واضعيها منذ خمس مائة عام، وخبر من كان اليوم خمس مائة عام لا يجوز الكذب على مشهوراته مثل الانساب واللغات والخطوط؟
<51> قال الحبر، فكيف لا يناقض موسى فيما أتي به وقومه مطالبوه فضلا عن غيرهم؟
<52> قال الخزري، هذه مقبولات قوية ممكنة.
<53> قال الحبر، أترى أن اللغات قديمة لا أول لها؟
<54> قال الخزري، بل حديثة مصطلحة عليها، يدل على ذلك تأليفها من الأسماء والأفعال والحروف، وهذه من الشبهات المأخوذة من مخارج النطق.
<55> فال الحبر، هل رأيت مخترع لغة أو سمعت عليه.
<56> قال الخزري، لم أر ولا سمعت، فلا شك أنها حصلت في عصر من الأعصار، ولم يكن قبل لغة مصطلحا عليها من اصطلاح قوم دون قوم على لغة.
<57> قال الحبر، أسمعت عن أمة تخالف في السبوع المعلوم ابتداءه من الأحد وتمامه في السبت، فهل يمكن أن يتفق في ذلك أهل الصين مع أهل الجزائر المغربية دون ابتداء واجتماع واصطلاح.
<58> قال الخزري، لا يمكن ذلك إلا باصطلاح من الجملة. وهذا بعيد أو أن يكون الناس كلهم بني آدم أو بني نوح أو غيرهما فيكون الأسبوع منقولا عندهم عن والدهم.
<59> قال الحبر، هذا أردت، نعم وعدد العشرة اتفاق الناس عليه في المشارق والمغارب، أي طبع يقود إلى وقوف عند العشرة، إلا لأنه محمول عن مبتدئ به.
<60> قال الخزري، كيف لا يخل بإيمانك هذا ما يخبر عن أهل الهند أن عندهم أثارا ومباني يحققون أن لها ألف ألف من السنين.
<61> قال الحبر، كان يخل بإيماني لو وجد اعتقاد مضبوط، أو كتاب أجمع عليه جمهور دون خلاف بتاريخ، ولن يوجد ذلك، وإنما هم أمة سائبة ولا تحقيق عندهم، فيغايظون أهل الأديان بمثل هذا الكلام، كما يغايظونهم بأوثانهم وطلاسمهم وحيلهم ويقولون إنها تنفعهم، ويستهزؤون بمن يقول إن عنده كتابا من عند الله، وضع مع هذا كتب قليلة ألفها أفراد من الناس يغتر بها الضعيف الرأي، كبعض كتب المنجمين يضعون فيها تواريخ عشرات آلاف من السنين، مثل كتاب الفلاحة النبطية يسمى فيها ينبوشاد، وصغريت، ودواني، يزعم أنهم كانوا قبل آدم، وأن ينبوشاد منهم هو معلم آدم، وما أشبه هذا.
<62> قال الخزري، هب أني حاججتك بعامة دهما وبقوم لا تجمع لهم كلمة فأصبت الجواب. فما ذا تقول في الفلاسفة وهم من البحث والتحرير حيث هم، وأجمعوا على الأزلية والقدم للعالم، وليس هذا عشرات آلاف ولا آلاف آلاف إلا ما لا نهاية له.
<63> قال الحبر، إن الفلاسفة لمعاذير إذ كانوا قوما لم يرثوا علما ولا دينا، لأنهم يونانيون، ويونان من بني יֶפֶת ساكني الشمال، والعلم المورث من لدن آدم وهو العلم المؤيد بأمر إلهي إنما هو في ذرية سام الذي هو صفوة نوح لم يزل العلم ولا يزال في تلك الصفوة من آدم. وإنما صار العلم في يونان مذ صارت لهم اليد الغالبة، فانتقل العلم إليهم من فارس، وإلى فارس من الكسدانيين ونبغ فيهم الفلاسفة المشهورون في تلك الدولة لا من قبل ولا من بعد، ومذ صارت الدولة إلى الروم لم يقم فيهم فيلسوف مشهور.
<64> قال الخزري، إن هذا يوجب أن لا يصدق أرسطوطاليس في علمه.
<65> قال الحبر، نعم انه خلف(كلف؟) ذهنه وفكرته لما لم يكن عنده خبر من يثقه تقليدا، فتفكر في أوائل العالم وأواخره، فصعب على فكره تصور الابتداء كما صعب ايضا القدم، لكن رجح قياساته القائلة بالقدم بمجرد فكره، ولم ير ان يسأل عن تاريخ من كان قبله، ولا كيف انتسب الناس، ولو كان الفيلسوف في أمة يرث مقبولات ومشهورات لا مدفع له فيها، لصرف قياساته وبرهانه في تمكينه الحدث على صعوبته كما مكن القدم الذي هو أصعب للقبول.
<66> قال الخزري، وهل في البرهان ترجيح.
<67> قال الحبر، ومن لنا في المسألة بالبرهان أعوذ بالله ان يأتي الشرع بما يدفع عيانا أو برهانا، ولكن يأتي بمعجزات وخرق عادات باختراع أعيان أو قلب عين إلى عين أخرى ليدل على مخترع العالم، وقدرته على فعل ما شاء متى شاء، ومسألة القدم والحدث غامضة ودلائل الحجتين متكافئة، ثم يرجح الحدث النقل عن آدم ونوح وموسى ע"ה بالنبوة التي هي أصدق من القياس، وبعد ان يلجأ المتشرع إلى التسليم والاقرار بهيولي قديمة، وعوالم كثيرة قبل هذا العالم، ليس في ذلك مطعن في اعتقاده ان هذا العالم حادث منذ مدة محصلة وأول ناسه آدم وחוה.
<68> قال الخزري، تكفيني هذه الحجج المقنعة في الباب. وان طالت صحبتي لك سأكلفك ان تعرض على الحجج القاطعة، لكن عد إلى إدراج حديثك، وكيف تمكن في نفوسكم هذا الأمر العظيم ان يخول خالق الأجسام والأرواح والنفوس والعقول والملائكة الذي ترفع وتقدس وتنزه عن ان تدركه العقول فضلا عن الحواس، له اتصال بهذا الخلق الحقير الذميم في مادته، وان كان في صورته عجيبا، اذ في أقل حشرة من عجائب الحكمة ما يحار فيه الذهن.
<69> قال الحبر، قد كفيتني بقولك هذا كثيرا من جوابك، اتنسب هذه الحكمة الموجودة في خلق النملة مثلا إلى فلك أو إلى كوكب أو إلى غير ذلك، حاشا البارئ القادر المقدر الذي يعطي كل شيء حقه دون زيادة ولا نقصان.
<70> قال الخزري، وهذا هو المنسوب إلى فعل الطبيعة.
<71> قال الحبر، ما الطبيعة.
<72> قال الخزري، هي قوة من القوى على ما سمعنا في العلوم ولا ندري ما هي، ولكن العلماء قد عرفوها لا محالة.
<73> قال الحبر، بل علمهم فيها كعلمنا، حدها الفيلسوف بأنها المبدأ والسبب الذي به يتحرك ويسكن الشيء الذي هو فيه بالذات لا بالعرض.
<74> قال الخزري، كأنه يقول إن الشيء الذي يتحرك من ذاته ويسكن من ذاته له سبب ما به يتحرك ويسكن، وذلك السبب هو الطبيعة.
<75> قال الحبر، هذا الذي يريد تحذق كثير وتدقيق وتفريق بين ما يفعل بالعرض عما يفعل بالطبع، وأشياء تروق السامعين، ولكن حاصل علمهم بالطبيعة هذا.
<76> قال الخزري، فما أراهم إلا أضلونا بهذه الأسماء ، وجعلونا مشركين بالله في قولنا الطبيعة حكيمة فاعلة، وربما قلنا خالقة على فحوى كلامهم.
<77> قال الحبر، نعم لكن للعناصر والقمر والشمس والكواكب أفعال بطريق التسخين والتبريد والترطيب والتيبيس وتوابعها من غير أن ينسب إليها حكمة، بل سخرة. وأما التصوير والتقدير والتبريز وكل ما فيه حكمة لغرض فلا ينسب إلا للحكيم القادر القاهر. فمن سمى هذه التي تصلح المادة بالتسخين والتبريد طبيعة لم يضر إذا نفى عنها الحكمة كما ينفي عن الرجل والمرأة خلقة الولد إذا اجتمعا. وإنما هما من أعوان المادة القابلة لصورة الإنسان والصورة من عند المصور الحكيم فلا تستبعد ظهور آثار إلهية شريفة في هذا الأدنى إذا تهيأت تلك المواد لقبولها. وهذا هو أصل الإيمان وأصل العصيان.
<78> قال الخزري، وكيف يكون أصل الإيمان هو أصل العصيان؟
<79> قال الحبر، نعم إن الأشياء التي تصلح لقبول ذلك الأثر الإلهي ليست في وسع البشر ولا يمكنهم أن يقدروا كمياتها وكيفياتها، ولو علموا ذواتها فلن يعلموا أزمنتها وأمكنتها وقرائنها والتهيؤ لها، فيحتاج في ذلك إلى علم إلهي تام مشروح غاية الشرح من عند الله، فمن ورد عليه هذا الأمر وامتثله على حدوده وشروطه بنية خالصة فهو المؤمن. وما رام إصلاح أشياء لقبول ذلك من حذق وقياس وظنون مما يوجد في كتب المنجمين من استنزال الروحانيات وعمل الطلاسم فهو العاصي، لأنه يقرب القرابين ويبخر البخورات عن قياس وعن ظن، فلا يدري حقيقة ما الذي ينبغي، وكم، وكيف، وفي أي مكان، وفي أي وقت، ومن من الناس، وكيف ينبغي أن يتناول ذلك، وقرائن كثيرة يطول وصفها، فكان كالجاهل الذي دخل إلى خزانة طبيب مشهور بأن أدويته نافعة. والطبيب قد عدم، والناس يطلبون تلك الخزانة طلبا للمنفعة، وذلك الجاهل يفرق عليهم من تلك الأواني، وهو لا يعرف الأدوية، ولا كم يصلح ان يسقى من دواء لشخص شخص، فقتل خلقا بتلك الأدوية التي كانت تنفعهم. وإن اتفق أن ينفع أحدهم بإناء من تلك الأواني مال الناس إليه وقالوا إن ذلك هو النافع، حتى إذا خانهم أو رأوا لغيره نفعا بالعرض، مالوا أيضا إليه، ولم يدروا أن النافع بذاته إنما كان رأي ذلك الطبيب العالم الذي كان دبر تلك الأدوية، ثم كان أسقاها على ما ينبغي وكان يأمر العليل أن يستعد بما يصلح لدواء دواء من غذاء وشراب ورياضة وسكون ونوم ويقظة وهواء ومرقد وغير ذلك. فهكذا صار الناس قبل موسى، حاشا القليل، ينخدعون للنواميس النجومية والطبيعية، وينتقلون من ناموس إلى ناموس، ومن إله إلى إله، وربما تمسكوا بكثير منها، وينسون مدبرها ومصرفها، وجعلوها سبب منافع، وهي بأعيانها سبب مضار بحسب التهيؤ والاستعداد. وأما المنفعة بذاته فهو الأمر الإلهي، والضار بذاته هو عدمه.
<80> قال الخزري، ارجع بنا إلى الغرض وأعلمني كيف نشأ دينكم، ثم كيف فشا وظهر، وكيف تألفت الكلمة بعد ما اختلفت، وفي كم من المدة تأسس الدين وانبنى حتى تشيد وتم. لأن مبادئ الملل لا محالة إنما تكون بأفراد يتضافرون على نصرة الرأي الذي يشاء الله إظهاره، فلا يزالون يكثرون وينصرون بأنفسهم، أو يقوم لهم ملك ناصر الجماهير على ذلك الرأي.
<81> قال الحبر، إنما يقوم وينشأ على هذه الصفة النواميس العقلية التي مبدؤها من الإنسان، وإذا ظهر وصحبه التوفيق قيل انه مؤيد من الله ملهم وما أشبه هذا. وأما الناموس الذي مبدؤه من الله فإنما يقوم دفعه، قيل له كن فكان، مثل خلقة العالم.
<82> قال الخزري، لقد هولت علينا يا حبر.
<83> قال الحبر، بل الأمر أهول، كان بني إسرائيل مستعبدين بمصر ست مائة ألف رجل ممن كان فوق العشرين عاما، مسمين منتسبين إلى اثنا عشر سبطا، لم يشذ منهم شاذ، ولا فر إلى بلد آخر، ولا داخلهم غريب، منتظرين وعدا وعد به أجدادهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب ע"ה أن يورثهم بلد الشام، والشام حينئذ بيد سبع أمم في غاية الكثرة والقوة والإقبال. وبنو إسرائيل في غاية الذلة والشقاء مع فرعون، يقتل أولادهم كي لا يكثروا. فأرسل موسى وهارون ע"ה على ضعفهما، وواقفا فرعون على قوته، بالآيات والمعجزات وخرق العادات، ولم يقدر أن يحتجب عنهما، ولا ان يأمر فيهما بسوء، ولا أن يحجب نفسه عن الآفات العشر الحالة بأهل مصر، في مياههم، ثم في أرضهم، ثم في هواءهم وفي نباتهم وفي حيوانهم وفي أبدانهم، ثم في نفوسهم إذ مات في طرفة عين شطر الليل أجل من كان في منازلهم، وأحبهم إليهم كل ولد بكر، ولا دار دون ميت، حاشا دور بني إسرائيل. وكل هذه الآفات تنزل بهم بإذن وأنذار ووعد وترتفع بإذن وانذار، بحيث يعتقد أنها مقصودة من إله مريد، يفعل ما شاء متى شاء، لا طبيعية ولا نجومية ولا اتفاقية. فخرج بنو إسرائيل بأمر الله في تلك القلزم وقائدهم عامود غمام وعامود نار، سائر أمامهم، ومدبرهم وسائسهم وأمامهم الشيخان الإلهيان موسى وهارون ע"ה، كانا حين اتاهما النبوة ابني ثمانين ونيف. وإلى الآن ليس عندهم شرائع إلا قليلة موروثة عن أولئك الأفراد من لدن آدم ونوح، ولم ينسخها موسى ولا فسخها، لكن زاد عليها. ثم تبعهم فرعون فلم يلجوا إلى سلاح، ولا كان القوم ممن يدري الحرب. فشق البحر وغازوه وغرق فرعون وحشره، وقذف بهم البحر إلى بني إسرائيل أمواتا، حتى رأوهم عيانا والخبر طويل مشهور.
<84> قال الخزري، هذا هو الأمر الإلهي حقا، وما اقترن به من الشرع واجب قبوله، إذ لا يداخل القلب منه شك من سحر أو حيلة أو تخيل لو خيل لهم بحر وانشقاقه وغزاهم فيه، كيف يخيل لهم نجاتهم من العبودية وموت مستعبديهم وأخذهم لبسهم وبقاء أموالهم بأيديهم، هذا تعسف من المتزندقة.
<85> قال الحبر، وبعد هذا إذ حصلوا في التيه حيث لا زرع، أنزل عليهم طعام مخترع مخلوق يوما يوما، حاشا يوم السبت، أكلوه طول أربعين عاما.
<86> قال الخزري، وهذا أيضا لا مدفع فيه، ما يدوم أربعين عاما لست مائة ألف رجل وتوابعهم، ينزل ستة أيام ويرتفع في السبت. فالسبت واجب قبوله إذ صار الأمر الإلهي كالملازم له.
<87> قال الحبر، السبت مؤكد من هذا ومن خلقة العالم في ستة أيام وما سأذكره. وذلك إن القوم مع إيمانهم بما يأتي به موسى ע"ה بعد هذه المعجزات بقي في نفوسهم شك كيف يخاطب الله البشر، كي لا يكون مبدأ الشريعة من رأي وفكرة من قبل الإنسان يصحبه الهام وتأييد من عند الله، إذ كانوا يستبعدون الخطابة من غير بشر، إذ الخطابة جسمية، فأراد الله إزاحة هذا الشك عندهم وأمرهم بالتزام بالباطنة والظاهرة. وجعل أوكدها اعتزال النساء والتهيؤ والتأهب لسمع كلام الله، واستعد القوم وتأهبوا لدرجة الوحي، بل لسماع الخطاب جهرا كلهم. وكان ذلك بعد ثلاثة أيام، بمقدمات هول عظيم من بروق ورعود وزلازل ونيران حفت بالمسمى طور סיני، وبقيت تلك النار طول أربعين يوما على الجبل، يراها القوم، ويرون موسى داخلا إليها وخارجا عنها، وسمع القوم الخطاب فصيحا بعشر كلمات هي اماهة الشرائع وأصولها. إحداها الأمر بالسبت. وقد كان تقدم الأمر به مقرونا بنزول المن. فهذه العشر كلمات لم ينقلها الجمهور عن رجال أفراد، ولا عن نبي، لكن عن الله. ولكن لم تكن لهم قوة موسى ע"ה لمشاهدة ذلك الأمر العظيم، وأمن القوم من ذلك اليوم بأن موسى ע"ה مخاطب بكلام مبدؤه من الله، لم يتقدم لموسى ע"ה فيه فكرة ولا رأي، كي لا تكون النبوة كما تزعم الفلاسفة من نفس تصفو أفكارها وتتصل بالعقل الفعال المسمى بالروح القديس أو بجبرائيل فيلهم. وربما خيل إليه في ذلك الوقت في النوم أو بين النوم واليقظة أن شخصا يكلمه، ويسمع كلامه خيالا بنفسه لا بأذنيه. ويراه بوهمه لا بعينه، فيقال حينئذ إن الله كلمه، فانتفت هذه الظنون بهذا المشهد العظيم. وما تبع الكلام الإلهي من كتاب إلهي إذ رسم هذه العشر كلمات في لوحين من جوهر رفيع، ودفعهما إلى موسى ע"ה ورأوها كتابا إلهيا كما سمعوها خطابا إلهيا، وعمل لها موسى ע"ה بأمر الله تعالى تابوتا وأقام عليها القبة المشهورة، وبقي ذلك بين بني إسرائيل طول دولة النبوة نحو تسع مائة سنة، حتى عصا القوم، فاختفي التابوت، وظفر بهم بختنصر وأجلاهم.
<88> قال الخزري، إن من يسمع كلامكم أن الله خاطب جمهوركم وكتب لكم ألواحا وغير ذلك، لمعذور أن ينسب إليكم رأي التجسيم، وأنتم معاذير أيضا إذ لا مدفع في هذه المشاهد العظيمة الجليلة الظاهرة وتعذرون في اطراح القياس والنظر العقلي.
<89> قال الحبر، وأعوذ بالله من المحال وما ينفيه العقل ويضعه محالا، وأول العشر كلمات هو الأمر باعتقاد الربوبية. والثاني من الكلمات هي النهي عن اتخاذ إله دون الله تعالى، وعن الإشراك به، والنهي عن التشبيه والتمثيل والتخييل، وبالجملة عن التجسيم، وكيف لا ننزهه عن التجسيم ونحن ننزه كثيرا من مخلوقاته عن ذلك، كالنفس الناطقة التي هي الإنسان على الحقيقة. فإن الذي يخاطبنا من موسى ويعقل ويدبر، ليس ذلك لسانه ولا قلبه ولا دماغه، بل هذه الات لموسى. وموسى نفس ناطقة مميزة ليست جسما ولا تتحيز في مكان ولا يضيق عنها مكان ولا نضيق هي عن أن تحصل فيها صور جميع المخلوقات فنصفها بأوصاف ملكوتية روحانية، فضلا عن خالق الكل، وإنما علينا أن لا ندفع ما تواتر من ذلك المشهد، ثم نقول لا ندري كيف نجسم المعنى حتى صار كلاما وقرع أذاننا، ولا ما اخترع له تعالى مما لم يكن موجودا، ولا ما سخر له من الموجودات إذ لا تعجزه قدره كما نقول أنه تعالى خلق اللوحين وكتبهما كتب نقش كما خلق السماء والكواكب بمشيته فقط، شاء الله تعالى فتجسم بالمقدار الذي شاء، وعلى الهياه التي شاء، وانتقش فيها الخط بالعشر كلمات، كما نقول أنه شق البحر، وصيره أسوارا وأقفه عن يمين القوم وعن شمالهم، وأزقه مرتبة واسعة، وأرضا وطية يمشون فيها دون تكلف ولا تخلف، وذلك الشق والبنيان والاتقان منسوب اليه تعالى، لم يحتج فيه إلى آلة وأسباب متوسطة كما يحتاج في فعل المخلوقين، فإن الماء وقف لأمره وتشكل بمشيته، هكذا يتشكل الهواء الواصل إلى أذن النبي بأشكال الحروف التي تقتضي المعاني التي يريد الله ان يسمعها النبي والجمهور.
<90> قال الخزري، هذا توجيه مقنع.
<91> قال الحبر، ولست أجزم ان الأمر على هذه الصفة، ولعله على طريق أغمض من ان أتخيلها، لكن الحاصل من هذا تحقق من شاهد المشاهد ان الأمر من قبل الخالق دون واسطة، إذ هي مماثلة للاختراع والأول والخلقة الأولى، فيحصل في النفوس الايمان بالشرع المقترن بها، مع الايمان بأن العالم حادث هكذا خلقه، كما ترون أنه اخترع اللوحين والمن وغير ذلك، وتزول من نفس المؤمن شكوك الفلاسفة والدهرية.
<92> قال الخزري، أنظر يا حبر لا تصحبك هواده في وصف محامد قومك، وتترك مشهور عصيانهم مع هذه المشاهد، فإني سمعت ان في اثنى هذا اتخذوا عجلا وعبدوه دون الله.
<93> قال الحبر، ذنب شنع عليهم لجلالتهم، والجليل من عدت خطاياه.
<94> قال الخزري، وهذا من تعصبك وتعسفك لقومك، وأي ذنب أعظم من هذا، وأي فضل يبقى بعد هذا.
<95> قال الحبر، أمهلني قليلا حتى أقرر عندك شرف القوم، وكفاني شاهدا اتخاذ الله إياهم حزبا وأمة من بين ملل العالم، وحلول الأمر الإلهي في جمهورهم حتى وصل جميعهم إلى حد الخطاب، وتخطى الأمر إلى نسائهم فكان منهن نبيات، بعد ان كان الأمر لا يحل إلا في أفراد من الناس من لدن آدم، فإن آدم هو الكامل دون استثناء، إذ لا عذر في كمال صناعة من صناع حكيم قادر، من مادة اختارها للصورة التي شاها، ولم يعق عائق من مزج مني الأب ودم الأم، ولا من الأغذية والتدبير في سنى التربية والطفولة وأثر الاهوية والمياه والأرضين، إذ إنما خلقه كالمتناهي في الشباب الكامل في خلقه وأخلاقه، فهو الذي قبل النفس على كمالها والعقل على غاية ما يمكن من الفطرة الإنسانية والقوة الإلهية بعد العقل، أعني الرتبة التي بها يتصل بالله وبالروحانيين، ويعرف الحقائق دون تعليم بل بأهون فكره. وقد تسمى عندنا بابن الله، هو وكل من يشبهه من ذريته أبناء الله، وأولد أولادا كثيرة ولا يصلح منهم ليكون خليفة آدم غير הֶבֶל لأنه كان يشبهه، ولما قتله קין أخوه غيره على هذه الرتبة عوض بשֵת الشبيه بآدم، فكان صفوته ولبابه، وغيره كالقشور والحشف. وصفوة שת אנוש. وكذلك اتصل الأمر إلى نوح بأفراد كانوا لبابا يشبهون آدم ويتسمون بأبناء الله، لهم الكمال في الخلق والأخلاق وطول الاعمار وعلوم وقدرة، وباعمارهم هو التاريخ من آدم إلى نوح ، وكذلك من نوح إلى إبراهيم.
وربما كان فيهم من لم يتصل به الأمر الإلهي مثل תֶּרַח، لكن كان إبراهيم ابنه תַּלְמִיד لجده עֵבֶר. نعم وأدرك نوح بعينه. وصار الأمر الإلهي متصلا من الأجداد إلى الحفدة. فإبراهيم صفوة עֵבֶר وتلميذه وبذلك تسمى عبرانيا. وעֵבֶר صفوة שֵם. وשֵם صفوة نوح، لأنه وارث الأقاليم المعتدلة التي وسطها ونكتتها الشام ارض النبوة. وخرج יֶפֶת إلى الشمال. وחָם إلى الجنوب. وصفوة إبراهيم من جميع بنيه إسحق. وقد ابعد جميع أولاده من هذه الأرض الخاصة لتختص لإسحق. وصفوة إسحاق يعقوب. واندفع اخوه العيس، إذ استحق يعقوب تلك الأرض وأولاد يعقوب كلهم صفوة، صلح جميعهم للأمر الإلهي، فحصل لهم ذلك الموضع الخاص بالأمر الإلهي، وهذا ابتداء حلول الأمر الإلهي في جماعة، بعد أن كان لا يوجد الا في أفراد، فتولى الله حفظهم وانماهم وتربيتهم بمصر كما تربى الشجرة الطيبة الأصل حتى أثمرت ثمرا كاملا يشبه الثمر الأول الذي منه جرست أعني إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وإخوته.
فجاءت الثمرة بموسى ע"ה وهرون ومريم ע"ה، وبمثل בְּצַלְאֵל وאָהֳלִיאָב ورؤساء الأسباط، وبمثل السبعين شيخا الذين صلحوا للنبوة مستمرا، وبمثل يوشع وכלב وחור وغيرهم كثير. وحينئذ استحقوا ظهور النور عليهم وتلك العناية الربانية، وإن كان فيهم عصاه ممقوتون، لكنهم لا محالة صفوة بمعنى أنهم في غريزتهم وطبائعهم من الصفوة، ويولدون من يكون صفوة فيحافظ على الأب العاصي لما خالطه من الصفوة التي تظهر في ولده أو في حفيده، كيف ما صفت النطفة كما قلنا في תֶּרַח وغيره ممن لم يتصل به الأمر الإلهي لكن في غريزته ان ينتج صفوة ما لم يكن مثل ذلك في غريزة كل من تناسل من חָם وיֶפֶת. ونرى مثل هذا في الأمور الطبيعية، فكم انسان لا يشبه أباه بتة لكنه يشبه جده. فلا شك أن تلك الطبيعة وذلك الشبه كان الوالد كامنا، وأن لم يظهر للحس، كما كمنت طبيعة עֵבֶר في أولاده حتى ظهرت في إبراهيم.
<96> قال الخزري، هذا هو حق الشرف المنساق من لدن آدم، وقد كان آدم أشرف المخلوقات في الأرض، فوجب لكم الشرف على كل موجود في الأرض. لكن أين هذا الشرف من هذا الخطأ.
<97> قال الحبر، ان الأمم كلها حينئذ كانت تتخذ معبودات صورا ولو كانوا الفلاسفة يبرهون على الوحدانية والربوبية فلا بد لهم من صورة يومونها، ويقولون لعامتهم وجمهورهم ان هذه الصورة يتصل بها أمر إلهي، وأنها خاصة بأمر عجيب غريب، فمنهم من ينسب ذلك إلى الله كما نفعل نحن اليوم في مواضع معظمة عندنا، حتى نتبارك بترابها وحجارتها. ومنهم من ينسب ذلك إلى روحانية كوكب من الكواكب، أو برج، أو نسبة طلاسم وغير ذلك. وكان لا يتألف جمهور على شرع واحد الا بصورة محسوسة اموها. وكان بنو إسرائيل قد وعدوا بأن ينزل اليهم من عند الله أمر يرونه ويومونه، كما اموها عمود الغمام والنار حين خروجهم من مصر، ويشرون إليه ويعظمونه ويستقبلونه ويسجدون نحوه لله تعالى. وكذلك كانوا يومون عمود الغمام الذي ينزل على موسى ע"ה طول مخاطبة الله له فيقفون بنو إسرائيل ويسجدون نحوه لله تعالى. فلما سمع القوم خطاب العشر كلمات وصعد موسى ע"ה إلى الجبل ينتظر اللوحين لينزلها إليهم مكتوبة، ويصنع لها التابوت، فيكون لهم قبلة مرئية فيها العهد الإلهي والاختراغ الرباني، أعني اللوحين، سوى ما اتصل بالتابوت من الغمام والأنوار، وما ظهر بتوسطه من المعجزات، وبقي القوم منتظرين نزول موسى ע"ה وهم على حالهم، لم يغيروا زيهم وحالهم وحللهم التي عيدوا بها يوم الطور، بل بقوا بهيتهم ينتظرون موسى ע"ה مع اللحظات، فأبطأ عنهم أربعين يوما وهم لم يتزود، ولا فارقهم الا على نية الانصراف من يومه، غلب سوء ظن على بعض ذلك الجمهور العظيم وبدأت العامة تفترق فرقا، وتكثر الآراء والظنون، حتى لجأ قوم منهم إلى ان طلبوا معبودا يومونه كسائر الأمم، من غير ان يجحدوا ربوبية من أخرجهم من أرض مصر، بل أن يكون ذلك موضوعا لهم يشيرون إليه إذا وصفوا عجائب ربهم كما فعل المؤمنون بتابوت موسى ע"ה قائلين أن الرب هناك، وكما نفعل نحن بالسماء وبكل أمر نتحقق أن حركته إنما في بمشية الله دون اتفاق ولا إرادة انسان ولا طبيعة، فخطأهم كان في التصوير الذي منعوا عنه، ثم في أن نسبوا أمرا إلهيا لشيء مصنوع بأيديهم واختيارهم دون أمر الله، وعذرهم في ذلك ما تقدم من التشتت الواقع بينهم، ولم ينته الذين عبدوه نحو ثلاثة آلاف من جملة ست مائة ألف. وأما عذر الخاصة المساعدين في عمله، فكان لغرض عسى ان يظهر العاصي من المؤمن، ليقتل العاصي العابد للعجل، وكان في ذلك عليهم نقد إذ أخرجوا العصيان من القوة والضمير إلى حد الفعل. فلم يكن ذلك الذنب خروجا عن جملة طاعة من أخرجهم من مصر، لكن خالفوا لبعض أوامره، فإنه تعالى نهي عن الصور، فاتخذوا صورة، وكان لهم ان يصبروا ولا يضعوا لأنفسهم قدوة وقبلة ومذبحا وقرابين. وكان ذلك من تعقل من كان بينهم من المنجمين والمطلسمين، زعموا أنهم ستقرب أعمالهم القياسية من أعمال الحقيقة، وكان سبيلهم في ذلك سبيل الجاهل الذي ذكرناه أنه تولى خزانة الطب فقتل الناس الذين كانوا ينتفعون بها قبل ذلك، مع أن القوم لم يكم قصدهم الخروج عن الطاعة، بل كانوا مجتهدين بزعمهم في الطاعة ولذلك قصدوا هرون، وقصد هرون كشف سريرتهم، فساعد في عمله، وأدركته الملامة لإخراجه عصيانهم من القوة إلى الفعل. فهذه القصة تهول وتشنع عندنا لارتفاع المعبودات المصورة من أكثر الملل في زماننا هذا، وتهون في ذلك الوقت لكون جميع الملل متخذين صورا. فلو كان ذنبهم أنهم اتخذوا بيتا ما باختيارهم للعبادة، وجعلوه قبلتهم وقربوا فيه وعظموه، لما عظم الأمر لما نحن عليه اليوم من اتخاذنا البيوت باختيارنا وتعظيمنا لها وتبركنا بها وربما قلنا ان الله يحلها وملائكته تحف بها. ولولا الضرورة لتأليف جماعتنا لكان هذا منكرا، كما كان في أيام الدولة ينكر على قوم مجتهدين ان يتخذوا بيوتا للعبادة تسمى בָּמוֹת، وكان فضلا الملوك يهدمونها كي لا يعظم غير البيت الذي يختاره الله وإلهية التي يأمر بها ولا ينكر فيها الصور التي يأمر هو بها من الكروبين، ومع هذا فقد حل العقاب بالذين عبدوا العجل من يومهم وقتلوا، وكان مبلغ عددهم نحو ثلاثة آلاف من جملة ست مائة ألف. ولم يزل المن نازلا لقوتهم، والغمام للتظليل عليهم، وعمود النار لهدايتهم، والنبوة فاشية متزائدة فيهم. ولا صرف عنهم شيء فضلوا به غير اللوحين اللذين كسرهما موسى ע"ה، ثم شفع في صرفهما فصرفا عليهم وغفر لهم ذلك الذنب.
<98> قال الخزري، لقد أيدت رأيي فيما اعتقدته وما رأيت في منامي أنه لا يصل الإنسان إلى الأمر الإلهي الا بأمر إلهي، أعني بأعمال يأمر الله بها والا فأكثر الناس مجتهد حتى المنجم والمطلسم وعابد النار وعابد الشمس والثنوية وغيرهم.
<99> قال الحبر، نعم وكذلك هي شرائعنا منصوصة في التوراة من مخاطبة الله لموسى، ومما كتب موسى ودفع إلى ذلك الجمهور العظيم في جمعهم في التيه، لم يحتج فيه إلى رؤية اسناد افراد سورة سورة وآية آية، ان صفات القرابين، وكيف تقرب، وفي أي موضع، ولأي جهة، وكيف تذبح وكيف يصنع بدمها، وأعضائها من صناعات مختلفة، كلها ببيان من عند الله، كي لا ينقص منها أقل شيء فيفسد الكل، كالإخوان الطبيعية التي تأتلف من نسب دقيقة تدق عن الأوهام، التي لو اختلت نسبها أقل اختلال لفسد ذلك المتكون. فلم يكن ذلك النبات أو ذلك الحيوان أو ذلك العضو مثلا الا فاسدا أو عادما. وكذلك ذكر كيف يعضي الحيوان المقرب، وما يفعل بعضو عضو، وما للأكل، وما للحرق، ومن يأكل ومن يحرق ومن يقرب من طوائف مأمورة بهم لم يتعدهم، وكيف تكون صفات المقربين كي لا تكون فيهم نقيصة، حتى هياتهم وملابسهم، لا سيما الهاروني الذي أباح له الدخول إلى مكان الأمر الإلهي حيث السكينة مع التابوت والتوراة، وما يقترن بذلك من التنطيف والتطهير، ورتب التطهيرات والتقديسات والصلوات أمر يطول وصفة. وإنما يحال فيه على قراة التوراة، وما نقل الاحبار، والكل من تكليم الله لموسى. وكذلك هية القبة كلها عرضت على موسى في الطور القبة والخباء والمائدة والمنارة والتابوت والدار المحيطة بها، واعتمدتها وستورها وجميع صناعتها عرضت عليه روحانية وشكلها جسمانية على ما رسم له. وكذلك البيت المعظم الذي بناه سليمان مما عرض على داود صورته روحانية. والبيت الموبد المقدس الذي وعدنا به مما عرض على نبي يسمى יחזקאל، الصورة وإلهية. وليس في عبادة الله تفرض وتعقل وتحكم، ولو كان هذا لكانت الفلاسفة قد وصلت بحكمهم وعقولهم إلى اضعاف ما وصل اليه بنو إسرائيل.
<100> قال الخزري، بمثل هذا تطيب النفس للتشرع به دون شك ولا ارتياب مجيء نبي إلى عبيد مستعبدين مماليك يعدهم بالخروج من العبودية من وقتهم دون توان ومطل على تلك الصفة، وادخالهم ارض الشام على سبع أمم كل واحدة منها أقوى منهم، ويرسم لكل سبط نصيبه من الأرض قبل وصولهم اليها. وتم هذا كله في أيسر مدة بغرائب من المعجزات، هذا يحقق عظامة المرسل وجلالة الرسول، وفضل المرسول اليهم خصوصا. ولو قال أني بعثت لأهدي جميع المعمورة، ثم لم يتصل خبره في نصفها لكان قدحا في رسالته إذ لم يتم قصد الله في ذلك، وكان يعذر تمامه كون كتابه عبرانيا ويكلف السند والهند والخزر فهمه والعمل به الا بعد ميين سنين ان يتفق لهم الاستحالة إليهم بجلبه، أو بمغاورة، لا بمشاهدة النبي بعينه، أو نبي آخر يشهد له ويؤكد شريعته.
<101> قال الحبر، لم يدع موسى إلى شريعته غير قومه وأهل لسانه، ووعدهم الله تأكيد شرعه مع الأيام بأنبياء، ففعل طول زمان الرضا وحلول السكينة.
<102> قال الخزري، وهلا كانت الهداية للكل وذلك في الحكمة لائق.
<103> قال الحبر، أوليس الأولى ان يكون الحيوان كله ناطقا، إذا قد نسيت ما تقدم في نسق نسل آدم وإطراد حلول الأمر الإلهي النبوي في شخص لباب الأخوة وصفوة الأب قابل لذلك النور، وغيره كالقشور لا يقبله، حتى جاء بنو يعقوب صفوة ولبابا يفارقون بني آدم بخصوصية الهية تجعلهم كأنهم نوع آخر وجوهر آخر ملائكي يطلب كلهم درجة النبوة فيظفر الكثير منهم بها، ومن لم يظفر منهم بها قاربها بالأعمال المرضية والتقديس والتطهير ولقاء الأنبياء. وأعلم ان من يلقي نبيا فإنه حين لقاءه له وسمعه كلماته الإلهية تحدث له روحانية، ويفارق جنسه بصفاء النفس وتشوقها إلى تلك الدرجات، والتزام الخشوع والطهارة، وهذه كانت عندهم الدلالة الظاهرة والآية الباهرة القاهرة في ثواب الآخرة، إذ المطلوب منها انما هو ان تصير نفس الانسان الهية، تفارق حواسه وتشاهد العالم الأعلى، وتلتذ برؤية النور الملكوتي، وسمع النطق الإلهي، فإن تلك النفس تأمن من الموت إذا فنيت آلاتها الجسدية، فإذا وجدت شريعة يوصل بعلومها وعملها إلى هذه الدرجة في الموضع الذي حدت، ومع القرائين التي أمرت، فهي لا محالة الشريعة الموثوقة بإبقاء النفوس بعد فناء الأجساد.
<104> قال الخزري، إن مواعد غيركم أمتن وأسمن من مواعدكم.
<105> قال الحبر، لكنها كلها بعد الموت، وليس في الحياة منها شيء، ولا شيء يدل عليها.
<106> قال الخزري، نعم ولا رأيت أحدا من المعتقدين لتلك المواعد يحب استعجالها، بل لو أمكنه مطلها وتأخيرها ألف أعوام، ويبقى في قيد الحياة لهذه الشقوة والإنكاد الدنياوية لإكثارها.
<107> قال الحبر، فما ظنك بمن يشاهد المشاهد العظيمة الملكوتية.
<108> قال الخزري، إنه لا شك يتمنى أن تتمادي نفسه على مفارقة حواسه وتبقى ملذته بذلك النور، وذاك هو الذي يتمنى الموت.
<109> قال الحبر، لكن مواعدنا اتصالنا بالأمر الإلهي بالنبوة وما يقربها، واتصال الأمر الإلهي بنا بالعنايات والكرامات والمعجزات، فلذلك لا يتكرر في التوراة أنكم ان عملتم هذه الشريعة أعيدكم بعد الموت إلى جنات ولذات، لكنه يقول إنكم تكونون لي خاصة وأكون لكم إلها مدبرا لكم، فيكون منكم من يدخل حضرتي ويصعد إلى السماء كالذين كانوا بأنفسهم يتصرفون بين الملائكة، ويكون أيضا ملائكتي يتصرفون فيما بينهم في الأرض، وترونهم أفرادا وأجنادا يحرسونكم ويحاربون دونكم، ويدوم بقاؤكم في الأرض التي تعين على هذه الدرجة، وهي الأرض المقدسة، ويتعلق خصبها وجدبها وخيرها وشرها بالأمر الإلهي بحسب أعمالكم، فيكون العالم يجري أمره مجرى طبيعيا حاشاكم، بأنكم ستشاهدون مع حلول السكينة بينكم من خصب بلادكم وانتظام أمطاركم لا تتعدي أوقاتها المحتاج إليها، وظفركم بعدوكم دون اعتداد، ما تدرون به أن أمركم ليس يجري على قانون طبيعي، لكم أرادي، كما سترون إن خالفتم من الجدب والقحط والموتان والحيوان المهلك، والدنيا كلها في دعة، فتعلمون ايصقا أن أمركم يدبره أمر أرفع من الأمر الطبيعي، وكان ذلك كله، فهذه شريعة مضمونة المواعد، لا يخاف خلافها. مواعد تلك الشرائع كلها ليست مضمونة إذ هي بعد الموت، ومواعدنا كلها يعمها أصل واحد وهو رجاء القرب من الرب وملائكته، فلا يخاف من وصل تلك الرتبة تلافا. فهذه الشريعة قد عرضت علينا عيانا، ومثلنا مثل أصحاب مترافقين متلازمين في مفازة من الأرض، سافر واحد منهم إلى الهند، ووافق من ملك الهند تكريما وتعظيما لما عرف عنه من أولئك الأصحاب، وكان يعرف آباءهم قديما وكانوا أولياؤه، فأعطاه ذخائر حملها لأصحابه. وكساه حللا، وأرسل معه من حاشيته قوما لم يكن في الظن أنهم سيخرجون من حضرة الملك ولا أن ينزلوا إلى تلك البادية، وأمره بأوامر وعهود من قبول طاعته. فجاء على أصحابه مع أولئك الرسل الهنديين، فرحب بهم هؤلاء الأصحاب، وجدوا في خدمتهم وكرامتهم، وبنوا لهم قصرا سكنوهم فيه، وصاروا هؤلاء الأصحاب يتوسلون للوصول إلى الهند وإلى رؤية الملك بأدون سعي بعناية هؤلاء الرسل الذين كانوا يهدونهم إلى الطريق الأقصر والأرشد، وعرف جميعهم أن من شاء الوصول إلى الهند فإن ذلك سهل عليه إذا التزم طاعة الملك وكرامة رسله الموصلين له إليه، فلم يحتاجوا أن يسألوا لماذا نتكلف هذه الطاعة، إذ العلة ظاهرة عيانا ليتصل بالملك. والاتصال به هي السعادة.
فالأصحاب هم بنو إسرائيل. والمسافر الأول هو موسى. والمسافرون الآخر سائر الأنبياء، والرسل الهنديون السكينة والملائكة، والحلل النور المعقول الذي حل نفسه بالنبوة، والنور المحسوس الذي حل وجهه، والذخائر المرسولة اللوحان بالعشر كلمات.
وتلك النواميس الآخر لم يروا شيئا من هذا، لكن قيل لهم التزموا طاعة ملك الهند كما التزمها أولئك الأصحاب، وستتصلون بالملك بعد الموت. وإلا فسيبعدكم ويعذبكم بعد الموت. فمنهم من قال ما جاءنا أحد يخبر أنه في جنة مذ مات أو في نار. والأكثر أثروا انتظام حالهم واجتماع كلمتهم، والتزموا تلك الطاعة وأطمعوا أنفسهم في الباطن اطماعا قويا محققا متفوقين مستظهرين على عامتهم بالإيمان، فكيف يتظاهر هؤلاء بدعوى ما يحصل لهم بعد الموت على الذين يحصل لهم ذلك في حياتهم، أليس طبيعة الأنبياء والأولياء أقرب إلى البقاء الأبدي من طبيعة من لم يقرب من هذه الدرجة.
<110> قال الخزري، لقد يبعد عن القياس أن يكون الإنسان تارها بطبعه تألفا جسده ونفسه كالبهائم، حاشا الفلاسفة على رأيهم. ثم يقول أهل الأديان أنه يصير حيا للأبد في نعيم بكلمة يقولها بفمه، وربما لم يدر طول عمره غير تلك الكلمة وربما لم يفهم معناها، إن كلمة تنقل من درجة البهائم إلى درجة الملائكة لعظيم، ومن لم يقل تلك الكلمة يصير بهيمة، أو لو كان فيلسوفا عالمه عابدا طول دهره شوقا إلى الله تعالى.
<111> قال الحبر، نحن لا نسلب أحدا جزء فضيلته عند الله خاصة من أي أمة كان. لكن نرى الفضل الاتم للقوم المقربين في حياتهم، فننسب درجاتهم عند الله بعد مماتهم تلك النسبة.
<112> قال الخزري، وألزم هذا المثل في العكس وأنسب درجتهم في الآخرة بدرجتهم في الدنيا.
<113> قال الحبر، أراك تعيرنا بالذلة والمسكنة. وبهما يتفاخر أفضل هذه الملل، وهل يستظهرون إلا بمن قال من لطم خدك الأيمن أعطه الأيسر، ومن أخذ رداك أعطه قميصك، ووصل وأصحابه وشيعته مئين من السنين من الهوان والضرب والقتل إلى الحدود المشهورة عندهم. وأولئك هم الفخر. وكذلك صاحب شرع الإسلام وصحابته حتى ظهروا وظفروا. وبأولئك يفتخر ويستظهر. لا بهؤلاء الملوك الذين عظم شأنهم واتسع مكانتهم وغلظ حجابهم وهال مركبهم، فنسبتنا من الله أقرب منها لو كان لنا ظهور في الدنيا.
<114> قال الخزري، ذلك كذلك لو كان تواضعكم اختيارا، لكنه اضطرارا، وإذا أصبتم الظفرة قتلتم.
<115> قال الحبر، أصبت مقتلي يا ملك الخزر، نعم لو كان أكثرنا كما تقول يلزم الذل خضوعا لله ولشريعته لما أهملنا الأمر الإلهي هذه المدة المديدة، لكن أقلنا على هذا الرأي، وللأكثر أجر لأنه يحمل الذل بين اضطرار واختيار، لأنه لو شاء لصار صاحبا وكفيا لمن يذله بكلمة يقولها دون مونه، ومثل هذا لا يضيع عند الحاكم العدل، فلو حملنا هذا الجلاء والبلاء في ذات الله على ما يجب لكنا فخرا للجيل المنتظر مع المسيح، فكنا نقرب الأجل للفرقان المنتظر، ونحن لا نساوي مع نفوسنا كل من دخل في ديننا بكلمة فقط، لا بأعمال فيها شق على النفس من تطهير وتعليم واختتان وأعمال شرعية كثيرة، والأحرى أن يسير سيرتنا. ومن شرائط الاختتان وأسبابه أن يتذكر دائما أنها علامة إلهية شرعها الله في آلة الشهوة الغالبة لتصير مغلوبة، فلا تصرف إلا كما ينبغي، في وضع البزر حيث ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على ما ينبغي، عسى أن يكون بزرا ناجبا يصلح لقبول الأمر الإلهي، ومن لزم هذا الطريق فقد حصل له ولنسله جزء صالح من القرب إلى الإله. ومع هذا لا يستوي الدخيل في دين إسرائيل مع الصريح، إذ الصرحاء خاصة أهل للنبوة. وغيرهم غايتهم الاقتباس منهم، وأن يصيروا أولياء علما لا أنبياء. وأما تلك المواعد التي أعجبتك فقد تقدم أحبارنا برسم الجنة وجهنم، وكالوها طولا وعرضا، ووصفوا النعيم والعذاب بأكثر استقصاء من وصف الملل القريبة. وإنما كلمتك منذ أقبلت على ما جاء في نصوص كلام الأنبياء، فإنه لا يكثر فيها مواعد الآخرة بفصيح كما كثر في كلام الأحبار. نعم أن في كلام النبوة رجوع التراب من جسد الإنسان إلى التراب، ورجوع الروح إلى الخالق الذي وهبها، وفي كلام النبوة أحيا الموتى في المستأنف وبعثه نبي يسمى אליהו (الخضر) قد بعث فيما مضى ورفعه الله كما رفع غيره. وقيل إنه لم يذق موتا. وفي التوراة دعا من تنبأ بإذن الله ودعا لنفسه بأن تكون ميتته سهلة وأن آخرته كآخرة بني إسرائيل. وقد سأل بعض الملوك وهو طالوت لسموأل نبيا ميتا، فتنبأ له بكل ما يجري عليه كما كان يتنبأ له في حياته، وإن كان فعل هذا الملك منكرا في شريعتنا أعني مسئيلة الموتى، فإنه يدل على القوم كانوا يعتقدون في أيام الأنبياء أن الأنفس باقية بعد فناء الأجساد ولذلك يسألون الميت. وفاتحة صلاتنا التي لم يخل من حفظها النساء ، فضلا عن الخاصة، يا ربي إن الروح التي نفختها في مقدسة أنت خالقها وأنت حافظها وأنت آخذها مني وأنت صارفها علي في الآخرة، فمهما صحبتني أحمدك وأشكرك يا رب العالمين، فسبحانك يا من يرد الروح في الأجساد الميتة. والجنة بعينها الذي يكثر الناس ذكرها، إنما أخذت من التوراة، وفي الرتبة التي أعدت لآدم، لو لم يعص لبقي فيها مخلدا. وكذلك جهنم إنما هو موضع مشهور قريبا من بيت المقدس، خندق لا تنطفي منه النار، توقد فيه العظام النجسة والجيف وسائر النجاسات، واللفظة عبرانية مركبة.
<116> قال الخزري، إذا فلا جديد بعد شريعتكم غير جزئيات أخبار الجنة والنار ورتبتها، وتكرير ذلك والإكثار منه.
<117> قال الحبر، نعم ولا ذاك أيضا جديد، لأن الأحبار قد أكثروا في ذلك، حتى أنك لا تسمع من ذلك شيئا إلا وتجده للأحبار إن طلبته.
المقالة الثانية
<1> ثم إن الخزري كان من أمره ما هو مذكور في تأريخ الخزر من كشفه سر منامه لوزيره، والمنام المتكرر عليه بأن يطلب العمل المرضي عند الله تعالى في جبال ورسان، ومشيهما جميعا الملك ووزيره إلى الجبال القفرة على البحر، وكيف صادفا في الليل تلك المغارة التي كان يسبت فيها القوم من اليهود في كل سبت، وكيف تظاهرا إليهم ودخلا في دينهم واختتنا في تلك المغارة، ورجعا إلى بلدهما مصرين بدين اليهود مسترين في السر لاعتقادهما، حتى تلطفا في كشف السر قليلا قليلا لأقوام من خواصهم، حتى كثروا وأشهروا ضميرهم، وتقوى على بقية الخزر وأدخلوهم في دين اليهود، واستعدوا العلماء والكتب من البلاد، وتعلموا التوراة، وما كان من نجابتهم وظهورهم على أعاديهم، واستفتاحهم البلاد، وما انكشف لهم من الكنوز وما انتهى إليه عسكرهم من الكثرة إلى مئين آلاف مع حبهم في الدين، وتشوقهم إلى بيت المقدس، حتى أقاموا هية القبة التي أقامها موسى ע"ה وتشريفهم لصرحا بني إسرائيل وتبركهم بهم على ما جاء في تأريخهم.
فلما درس الملك التوراة وكتب الأنبياء، اتخذ ذلك الحبر أستاذا وجعل يسأله سؤالات عبرانية، فأول ما سأله عن الأسماء والصفات المنسوبة إلى الله، وما يظهر في بعضها من التجسيم على بعد ذلك عند العقل، وكذلك تبعده الشريعة أيضا بفصيح من القول.
<2> قال الحبر، أسماء الله تعالى جميعا، حاشا الמפורש، هي نعوت وصفات إضافية مأخوذة من انفعالات المخلوقات له بأسباب قضاياه وأقداره، فيسمى רחום عند صلاح حال من كان يشفق الناس من سو حاله فينسبون إلى الله الرحمة والشفقة، وحقها عندنا ضعف نفس وخور طبيعة وليس ذلك في حقه تعالى. بل أنه حاكم عدل، يقضي بفقر إنسان وغنى آخر من غير أن يتغير هو ذاته، فلا يشفق للواحد ولا يغضب على الآخر، وقد نرى مثل هذا في حكام الناس، ترد عليهم المسائل فيقضون بما تقضيه الشريعة، فيسعد قوم وينحس قوم آخرون. فيصير عندنا باعتبار آثاره مرة אל רחום וחנון ومرة אל קנא ונוקם، وهو تعالى لا يتغير من صفة إلى صفة، وبالجملة، فنتقسم الصفات حاشا השם המפורש ית' إلى ثلثة أقسام، إما تأثيرية، إما إضافية، وإما سلبية، فالتأثيرية مأخوذة من الآثار الصادرة عنه بوسائط طبيعية مثل מוריש ומעשיר משפיל אף מרומם وחנון ורחום وקנא ונוקם וגבור ושדי وأشباهها. وإما الضافية فمثل ברוך ומבורך ומהולל וקדוש ורם ונשא تؤخذ من تعظيم الناطقين له، وهذه وإن كثرت لا توجب له كثرة ولا تخرجه عن الوحدانية. وإما السلبية فمثل חי ואחד וראשון ואחרון. وصف بهذه ليسلب عنه أضدادها لا لتثبت له هذه على ما نفهم نحن منها، فإنا لا نفهم نحن حياة إلا بحس وحركة. وقد تعالى عنهما، نصفه بחי لنسلب صفة الجماد والموات من اجل الوهم الذي يسبق إليه أن ما ليس بحي فهو ميت. وليس يلزم هذا عند العقل. بل قد تسلب الزمان مثلا الحياة. وليس يلزم أن يكون ميتا إذ ليس من شأنه قبول الحياة والموت، كما لا يلزم من قولك ال الحجر ليس هو عالم أن تصفه بأنه جاهل. وكما أن الحجر أقل من أن يقبل العلم والجهل كذلك الذات الإلهية أجل من أن يقبل الحياة والموت، وكما لا يقبل النور والظلمة، وكان لو سئلنا هل تلك الذات نيرة أو ظلمة لقلنا على مجاز نيرة، مخافة الوهم أن يقول أن ما ليس بنير فهو ظلم. وأما على الحقيقة فلنا أن نقول لا يقبل النور والظلمة إلا الأجسام، والذات الإلهية فليست بجسم، فلا توصف بنور ولا بظلمة إلا بطريق التشبيه أو لسلب الصفة الناقصة، وكذلك لا يقبل الحياة والموت إلا الأجسام الطبيعية، والذات الإلهية منزهة مرفعة عنهما، فإن قيل حياة ليس كحياتنا فهو غرضنا، إذ لم نفهم نحن قط حياة إلا حياتنا، فكأنه قال لا ندري ما هو، فقولنا אל חי، وאלהים חיים، إنما هي إضافة مقابلة لصفة معبودات الأمم التي هي אלהים מתים لا يصدر عنها فعل. وعلى هذا السبيل أوله أحد لنسلب عنه الكثرة، لا لنثبت له الوحدة المفهومة عندنا. لأن الواحد عندنا ما اتصلت أجزاؤه وتشابهت، كما تقول عظم واحد وعصبة واحدة وما واحد وهو واحد، وتقول في الزمان على طريق التشبيه بالجسم المتصل، يوم واحد، وسنة واحدة. والذات الإلهية منزهة عن الإتصال والانفصال، فنقول واحد لنسلب الكثرة. وكذلك ראשון لنسلب عنه التأخر، لا لنثبت له الإبتداء. وكذلك אחרון لنسلب عنه الفناء لا لنثبت لا إلانتها. وجميع هذه الصفات ليست لازمة للذات ولا تتكثر بها. وأما الصفات المتعلقة بשם המפורש ית'، فهي الإختراعية دون وسائط طبيعية، مثل יוצר ובורא ועושה נפלאות גדולות לבדו، يعني بمجرد قضائه إرادته دون واسطة سبب آخر. ولعل هذا أراد بقوله וארא אל אברהם וגו' באל שדי، يعني بطريق القوة والغلبة كما قال לא הניח איש לעשקם ויוכח עליהם מלכים. ولم يخترع لهم معجزة كما اخترع لמשה. فقال ושמי ה' לא נודעתי להם. أراد ובשמי ה'. لأن الباء في באל שדי تنوب عنها. ففعل مع משה וישראל ما لم يبق شكا في النفوس أن خالق الدنيا هو خالق تلك الأشياء إختراعا مقصودا أولياء مثل מכות מצרים וקריעת ים סוף ואלמן ואלעמוד ענן وغير ذلك ليس لجلالتهم على אברהם יצחק ויעקב بل لأنهم جماعة والشك في نفوسهم. والאבות في غاية من الإيمان ونقا أصدور حتى لو لم يلقوا أبدا إلا الشر لما اختل إيمانهم بالله. فلم يحتج معهم إلى هذا. ونسميه تعالى חכם לבב لأنه ذات عقل. وهو العقل وليس العقل صفة له. وأما אמיץ כח فمن الصفات التأثرية.
<3> قتل الخزري، كيف تفعل في الصفات التي هي أجسم من هذه مثل רואה ושומע ומדבר וכותב את הלוחות ויורד על הר סיני ושמח במעשיו ומתעצב אל לבו.
<4> قال الحبر، ألم أشبهه لك بقاض عدل لا انحراف في أخلاقه فيصدر عن قضاياه إظهار قوم وإسعادهم فيسمى محبا فيهم فارحا بهم. ويقضي على آخرين بهدم ديارهم وتعفيه آثارهم فيوصف بضد هذا أنه مبغض فيهم غاضب عليهم. وأنه لا يخفي عليه شيء مما يفعل ولا مما يقال فهو רואה ושומע. وأنه تنفعل لإرادته الهواء وسائر الأجسام فتتشكل بأمره كما تشكلت السماوات والأرض. فيسمى מדבר וכותב. وكذلك يتشكل من الجسم اللطيف الروحاني الذي يسمى רוח הקודש الصور الروحانية المسماة כבוד ה'. ويتسمى مجازا بה'، وينزل إلى הר סיני. وسنوسعه بيانا إذا تكلمنا في العلوم.
<5> قال الخزري، هب أنك تتخلص في جميع الصفات حتى لا توجب كثرة فما الذي يخلصك من صفة الإرادة تنسبها إليه تعالى، والفيلسوف ينفيها عنه.
<6> قال الحبر، قد قاربنا التخلص أن لم يعارضنا بأكثر من الإرادة، نقول له يا أيها الفيلسوف ما الأمر الذي صير عندك السماوات أبدا دائرة والفلك الأعلى حامل الجميع ولا مكان له ولا ميل في حركاته، وكرة الأرض مركوزة واقفة في وسطه دون ميل ولا سند. وصير نظام الكل على ما هو عليه من الكمية والكيفية والأشكال، ولا بد لك من الإقرار بذلك الأمر إذ لا تخلق الأشياء أنفسها ولا بعضها بعضا، ذلك الأمر صير الهواء متشكلا في الإسماع بالعشر كلمات، وصير الخط منقوشا في الألواح فسمه إرادة أو أمرا أو كيف شئت.
<7> قال الخزري، قد تبين سر الصفات واندرج لي فهم معنى כבוד ה' ומלאכות ה' ושכינה.
<8> قال الحبر، إنها أسماء واقعة على أشياء مرئية عند الأنبياء كما يقال עמוד ענן ואש אוכלת ועב וערפל ואש ונוגה، كما يقول عن الضوء في الجدوات والعشوات وفي يوم جيم إن الضوء شعاع من قبل الشمس، وعلى أنها محجوبة، ويقال إن النور والشعاع من ذات الشمس، وليس كذلك، لكن الأجسام هو المنفعلة بمقابلتها فتستنير بها. كذلك الכבוד شعاع نور إلهي ينفع عند قومه في أرضه.
<9> قال الخزري، قولك ((عند قومه)) قد تبين لي، وأما قولك ((في أرضه)) فيشق علي قبوله.
<10> قال الحبر، لا يشق قبول اختصاص أرض من جملة الأرضين وأنت ترى مواضع ينجب فيها نبات دون نبات، ومعادن دون معادن، وحيوان دون حيوان. ويختص أهله بصور وخلاق دون غيرهم، بتوسط المزاج، فإن بحسب المزاج يكون كمال النفس ونقصانها.
<11> قال الخزري، لكن لست أسمع عن ساكني الشام فضيلة على سائر الناس.
<12> قال الحبر، كذلك جبلكم هذا تقولون إنه ينجب فيه الكرم، لو لم تجرس فيه الدوالي وتفلح الفلاحة الذي ينبغي لها لم يثمر عنبا، فالخصوصية الأولى للقوم الذين هم الصفوة واللباب كما ذكرت. ثم للأرض في ذلك معونه مع الأعمال والشرائع المقترنة بها التي هي كالفلاحة للكرم، لكن لا يصح لهذه الخاصة الإتصال بأمر إلهي في غير هذا الموضع، كما يصح للكرم النجابة في غير هذا الجبل.
<13> قال الخزري، وكيف ذلك وقد نبي من אדם הראשון إلى משה في غير ذلك الموضع، אברהם في אור כשדים، ויחזקאל ודניאל في בבל، וירמיהו في מצרים.
<14> قال الحبر، كل من نبئ إنما نبأ فيها أو من أجلها. فنبي אברהם ليمضي إليها. وיחזקאל وדניאל من أجلها. وقد كانا حضرا في בית ראשון والשכינה التي بحضورها كان يرقى إلى النبوة كل من استعد لها من الصفوة. وأما אדם הראשון فهي كانت تربته وفيها مات على ما نقل إلينا أن في الמערה أربعة זוגות، אדם וחוה، وאברהם ושרה، وיצחק ורבקה، وיעקב ולאה. وهي الأرض المسماة לפני ה'، المقول عنها תמיד עיני ה' אלהיך בה. وعليها وقع التغاير والتحاسد بين הבל وקין أولا لما أرادا أن يعلما من منهما المقبول ليكون خليفة آدم وصفوة ولبابه فيرث الأرض متصلا بالأمر الإلهي، ويكون غيره كالقشور، فجرى ما جرى من قتل הבל، وبقي الملك عقيما، وقيل ויצא קין מלפני ה' يعني من تلك الأرض التي كانوا فيها، فكان נע ונד בארץ، وقال هو הן גרשת אתי היום מעל פני האדמה ומפניך אסתר. وكما قيل ויקם יונה לברוח תרשישה מלפני ה'. إنما هرب من موضع النبوة، فرده الله إليها من بطن الحوت، ونباه فيها. ولما ولد שת متشابها لآدم كما قيل ויולד בדמותו כצלמו، صار مكان הבל كما قيل כי שת לי אלהים זרע אחר תחת הבל כי הרגו קין. واستحق أن يتسمي בן אלהים مثل آدم واستحق تلك الأرض التي هي رتبة دون גן עדן، وعليها وقع تحاسد יצחק وישמעאל، حتى دفع ישמעאל قشرا وأن قيل فيه הנה ברכתי אותו והפרתי אותו והרבתי אותו במאד מאד بالسعادة الدنيائية، ولكن قيل بعده ואת בריתי אקים את יצחק كناية عن اتصال الأمر الإلهي به وسعادة الآخرة، فليس لישמעאל ברית ولا لעשו وإن سعدوا. وعلى هذه الأرض وقع التحاسد بين يعقوب والعيس في البكورة والبركة، حتى اندفع עשו على قوته أمام יעקב على ضعفه. وأما نبوة ירמיהו بמצרים فبها ومن أجلها. وكذلك نبوة משה وאהרן وמרים. وأما סיני وפארן فكلها من حدود الشام. لأنها دون ים סוף، كما قال تعالى ושתי את גבולך מים סוף ועד ים פלשתים וממדבר עד הנהר. فالמדבר هو מדבר פארן وهو המדבר הגדול והנורא ההוא حدها في الجنوب. وהנהר هو פרת حدها في الشمال. وفيها الמזבחות التي للآباء التي أجيبوا فيها بالنار السماوية والنور الإلهي. وقد كانت עקידת יצחק في جبل قفر وهو הר המוריה ثم كشف الغيب في أيام דוד وهو معمور، بأنه الموضع الخاص المهيا للשכינה، وארונה היבוסי يفلح ويحرث فيه كما قال ויקרא אברהם את שם המקום ההוא ה' יראה אשר יאמר היום בהר ה' יראה. وأفصح في דברי הימים أن בית המקדש مبني في הר המוריה، فهناك لا محالة المواضع التي تستحق أن تسمى أبواب السماء. ألا ترى יעקב كيف لم ينسب الروي التي رآها إلى صفاء نفسه ولا إلى دينه وحسن يقينه، لكن نسبها إلى المكان كما قال ויירא ויאמר מה נורא המקום הזה. وقال عنه قبل ذلك ויפגע במקום. يعني الموضع الخاص، وألا ترى كيف نقل אברהם من بلدة لما نجب ووجب اتصاله بالأمر الإلهي وهو لب تلك الصفوة إلى الموضع الذي فيه يتم كماله، كما يجد الفلاح أصل الشجرة طيبة الثمر في برية من الأرض فينقلها إلى أرض مخدومة من شأنها أن ينجب فيها مثل ذلك الأصل فيربيه هناك فيصير بستانيا بعد أن كان بريا، ويصير كثيرا بعد أن كان قليلا، لا يوجد إلا متى اتفق وحيث اتفق. هكذا صارت النبوة في نسله في الشام كثر أهلها طول بقائهم مع القرائن المعينة من الطهارات والعبادات والقرابين، لا سيما بحضور الשכינה. لأن الأمر الإلهي كالمرتقب لمن يستحق أن يتصل به فيصير له إلها، كالأنبياء والأولياء. كما أن العقل مرتقب لمن كملت طبائعه واعتدلت نفسه وأخلاقه أن يحل فيه على الكمال كالفلاسفة، كما أن النفس مرتقبة لمن كملت قواه الطبيعية كمالا مستعدا لفضيلة أزيد فتحل فيه كالحيوان كما أن الطبيعة مرتقبة للمزاج المتعادل في كيفيته لتحله فيصير نباتا.
<15> قال الخزري، هذه جمل علم تحتاج إلى تفصيل ليس نحن الآن بسبيله، وسأسألك عنه في موضع العلم، فصل كلامك في فضائل ארץ ישראל.
<16> قال الحبر، إنها كانت موقوفة لهداية المعمور مقررة لأسباط بني إسرائيل منذ تفرقت الألسن كما قال בהנחל עליון גוים. ولم يصح لאברהם ليتصل بأمر إلهي وأن يتعاهد ويتعاقد معه إلا بعد حصوله في هذه الأرض في مشهد בין הבתרים. فما ظنك بجملة صفوة استحقوا اسم עם ה' وفي أرض خاصة تسمت נחלת ה' في أوقات مفروضة من عنده تعالى لا مصطلح عليها ولا مأخوذة من علوم النجوم ولا غير ذلك بل ما يتسمى מועדי ה' مع طهارات وعبادات وكلمات وأفعال مقدرة من عنده تتسمى מלאכת ה' ועבודת ה'.
<17> قال الخزري، بهذا الإنتظام ينبغي أن يظهر כבוד ה'(؟.)
<18> قال الحبر، ألم تر كيف التزمت الأرض إسباتا كما قال שבת הארץ. ושבתה הארץ שבת לה'. ولا يباح تبائعها بتاتا كما قال כי לי הארץ. وأعلم أن מועדי ה' ושבתות ה' إنما تتعلق بנחלת ה'.
<19> قال الخزري، أليس الأيام مفروضة الابتداء من الصين لأنها أول المشرق للمعمورة؟
<20> قال الحبر، هل ابتدأ السبت إلا מסיני ومن אלוש قبله حيث نزل المن أولا وإلا فهل يدخل السبت إلا على من غابت له الشمس بعد סיני على تدريج إلى آخر الغرب ثم إلى ما تحت الأرض ثم إلى الصين الذي هو شرق المعمورة فيسمى السبت للصين بعد ארץ ישראל تمانية عشر ساعة، إذ الشام كالوسط للمعمورة، فغروب الشمس للشام هو نصف الليل للصين. ونصف النهار للشام هو غروب الشمس للصين. وهذا هو سر الקביעות التي هي مبنية على י"ח שעות كما قال נולד קודם חצות בידוע שנראה סמוך לשקיעת החמה، والقصد به الشام موضع الشريعة، وهو الموضع الذي فيه أنزل آدم من גן עדן في ليلة السبت، ومنه ابتدأ التاريخ אחר ששת ימי בראשית. وابتدأ آدم يسمي الأيام. فكل ما عمرت الأرض واتصل بنو آدم كان عدهم للأيام على ما أصله آدم. ولذلك لم يختلف الناس في السبعة الأيام الجمعية فلا تعارضني بهؤلاء الذين ابتدأوها من وسط نهار آخر المعمورة في الغرب وهو مجيب الشمس لארץ ישראל. وفيه خلق النور الأول، ثم الشمس، لأنه كان نورا وغيب لحينه وصار ليلا للمعمورة، واتصل النظام بتقدم الليل على النهار كما قال ויהי ערב ויהיה בקר. وكذلك وردت الشريعة מערב עד ערב. ولا تعارضني بهؤلاء المحدثين الراصدين سراق العلم ولا يقصدوا السرقة، لكنهم وجدوا علوما مشكوكة مذ طمس عين النبوة، فتحكموا وتعقلوا ووضعوا أوضاعا بحسب ما أعطاهم قياسهم. ومن جملة ذلك أن جعلوا الصين مبتدئ للأيام ضدا للشريعة، لكن ليس بضد تام، إذ يتفقون مع أهل الشريعة في مبتدئ النهار أنه من الصين، وإنما الخلاف بيننا وبينهم في تقديمنا الليل قبل النهار فيجب أن تكون الי"ח ساعة أصلا في تسمية اليوم الجمعي، لأن الشام الذي هو موضع ابتدأ لتسمية الأيام بينه وبين الشمس في وقت ابتدأ التسمية ست ساعات فلا يزال يستمر اسم السبت مثلا على أول اليوم الذي ابتدأت الشمس الدوران من آخر الغرب وراها آدم غاربة وهو في الشام السمي أول السبت، حتى وصلت إلى سمت رأسه بعد י"ח ساعة وصار غربا لأول الصين، وسمي هناك أيضا أول السبت وكان آخر حدود التسمية، لأن ما بعده إنما يتسمى بأنه شرق لمكان المبتدئ للأيام، ولا بد من موضع مشترك يكون آخر غربه وأول شرقه وهو لארץ ישראל أول المعمورة. وليس هذا بحكم الشريعة فقط لكن بحكم الطبيعة أيضا، فإنه لا يمكن أن تكون الأيام الجمعية مسماة تسمية واحدة بعينها للمعمورة كلها إلا بأن نفرض موضعا يكون مبدأ للتسمية، وموضعا مقاربا لا أن يكون بعضه شرقا لبعض، بل بعضه شرقا محضا وبعضه غربا محضا، وإلا فلا يتم للأيام تسمية محصلة إذ كل موضع من دائرة وسط الأرض مشارق ومغارب معا، فتصير الصين شرقا للشام وغربا لأسفل الأرض، وأسفل الأرض شرقا للصين وغربا للغرب، والغرب شرقا لأسفل الأرض وغربا للشام، فلا شرق ولا غرب ولا ابتداء ولا انتهاء ولا أسماء محصلة للأيام، فالنظام المذكور أعطى أسماء محصلة للأيام من أرض الشام، لكن للتسمية عرض على كل حال إض لا يمكن تحصيل الآفاق نقطة نقطة من الأرض، فإن في ירושלם بعينها مشارق ومغارب كثيرة، وإن مشرق ציון مثلا غير مشرق בית המקדש، ودوائر آفاقها مختلفة بالحقيقة التي لا تدركها الحواس، فضلا عن דמשק من ירושלם، فلا بد من القول بأن سبت דמשק قبل سبت ירושלם، وسبت ירושלם قبل سبت מצרים، فلا بد الإقرار بالعرض. فالعرض الذي تختلف فيه الأقطار في تسمية يوم بعينه هو י"ח ساعة لا أكثر ولا أقل، يسمى أهل هذا القطر سبتا، وقد خرج أهل قطر آخر عن السبت القطر بعد القطر حتى تتم י"ח من الوقت الذي ابتدأت فيه تسمية السبت حين تصير الشمس على سمت الشام، وتخف التسمية عن ذلك اليوم، وليس يبقى أحد ممن يسمى ذلك اليوم، يبتدئ بتسمية اليوم الذي يليه فلهذا قيل נולד קודם חצות בידוע שנראה סמוך לשקיעת החמה، كأنه قال נולד קודם חצות יום שבת בירושלם בידוע שנראה ביום שבת סמוך לשקיעת החמה، وذاك أن اسم يوم שבת استمر الי"ח ساعة بعد انفصال تسمية موضع الإبتداء حتى عادت الشمس إلى سمت الشام بعد يوم وليلة ووجب ظهور الهلال لمن كان في أول الصين في عشية يوم السبت، واتفق مع قولهم צריך לילה ויום מהחדש. وقد ارتفع اسم السبت عن المعمورة، وابتدأ اسم الأحد وعلى أن الشام قد خرجت عن اسم السبت وصارت في وسط يوم الأحد، فإنما الغرض الإسم الجمعي الشائع في المعمورة ليقال لمن في الصين ولمن في الغرب في أي يوم عيدتم ראש השנה، فيقولوت السبت مثلا، وعلى أن أحدهما قد كان خرج عن العيد إذ كان في العيد الآخر بإضافة مواضعهما إلى الشام. وأما بتسمية الأيام الجمعية فقد عيدا في يوم واحد بعينه. فقد تعلق علم שבתות ה' وמועדי ה' بالأرض التي هي נחלת ה'، إلى ما قد قرأته من تسميتها وהר קדשו وהדום רגליו وשער השמים وכי מציון תצא תורה. وما كان ما حرص الآباء على سكناهم فيها وهي بأيدي עובדי עבודה זרה، وشوقهم إليها، وحمل عظامهم إليها مثل יעקב وיוסף، ورغبة משה في رؤيتها ومنع من ذلك فكان حرمانا، ثم عرضت عليه من ראש הפסגה فكان أمتنانا، وما كان من رغبة الأمم من فارس والهند ويونان وغيرهم أن يقرب عنهم ويدعي لهم في ذلك البيت المعظم، وما بذلوا من أموالهم على ذلك المكان وأن اعتقدوا نواميس آخر لما لم يقبلهم الناموس الحق، وما لها اليوم من التعظيم على عدم السكينة الظاهرة عنها، وأن جميع القبائل يحج إليها ويحرف عليها حاشانا لتعذيرنا وتعذيبنا، وما ذكر الأحبار من فضلها مما يطول.
<21> قال الخزري، أسمعني من ذلك ما حضرك من نكتها.
<22> قال الحبر، من ذلك قولهم הכל מעלין לארץ ישראל ואין הכל מורידין. وحكمهم على المرأة إذا أبت عن المسير مع زوجها لארץ ישראל תצא בלא כתובה. وبعكس ذلك إذا أبى الرجل المسير مع المرأة لארץ ישראל יוציא ויתן כתובה. وقولهم לעולם ידור אדם בארץ ישראל ואפילו בעיר שרובה גוים ואל ידור בחוצה לארץ ואפילו בעיר שרובה ישראל، שכל הדר בארץ ישראל דומה למי שיש לו אלוה، וכל הדר בחוצה לארץ דומה למי שאין לו אלוה. וכן הוא אומר בדוד כי גרשוני היום מהסתפח בנחלת ה' לאמר לך עבוד אלהים אחרים. לומר לך כל הדר בחוצה לארץ כעובד עבודה זרה. وقد جعلوا لמצרים فضيلة على سائر البلاد، وحكموا على سائر البلاد מקל וחומר وقالوا ומה מצרים שנכרתה עליה ברית אסור، שאר ארצות לא כל שכן. ومن قولهم כל הקבור בארץ ישראל כאלו קבור תחת המזבח. ويحمدون من مات فيها أكثر ممن حمل إليها ميتا، لقولهم אינו דומה קולטתו מחיים כקולטתו לאחר מיתה، بل قالوا فيمن كان يمكنه سكناها ولا يسكنها ثم أمر أن يحمل إليها بعد موته، בחייכם ונחלתי שמתם לתועבה، במיתתכם ותבואו ותטמאו את ארצי. وبلغ من حرج ר' חנניה إذ سئل هل يجوز لפלוני أن يمضي לחוצה לארץ ליבם زوجة أخيه، أن قال אחיו נשא גויה ברוך המקום שהרגו הוא ירד אחריו. ومن تحريمهم بيع عقار لנכרי وتحريمهم بيع نقض الدار وتركها خرابة. وما يتعلق من قولهم אין דנין דיני קנסות אלא בארץ ישראל. وإلا يخرج العبد إلى חוצה לארץ. وغير ذلك كثير. وقولهم אוירה דארץ ישראל מחכים. ومن تحبيبهم الأرض قالوا כל המהלך ארבע אמות בארץ ישראל מובטח לו שהוא בן העולם הבא. وقال ר' זירא للמין المعترض عليه اقتحامه جواز أولوادي في غير مخاصة حرصا على الوجاز لארץ ישראל، דוכתא דמשה ואהרן לא זכו ליה מי ימר דזכינא ליה.
<23> قال الخزري، إنك إذن مقصر في حق شريعتك، إذ لا توم هذا المكان وتجعله دار حياتك ومماتك وأنت تقول רחם על ציון כי היא בית חיינו، وتعتقد أن الשכינה راجعة إليها، ولو لم يكن لها من الفضيلة إلا بقاء الשכינה بها طول خمس مائة عاما لكان للنفوس سكون إليها وخلوص فيها، كما يعرضنا في مواضع الصالحين والأنبياء، فكيف وهي שער השמים. وقد اتفقت الأمم على ذلك، فعند النصارى إن النفوس إليها تحشر، ومنها يعرج بها إلى السماء. وعند الإسلام إنها موضع المعراج، ومن هناك عرج بالأنبياء إلى السماء. وهو موضع الحشر يوم القيامة. وهي للجميع قبلة وحج. وإن سجودك وركوعك نحوها إما رأي وإما عبادة دون فكرة. وقد كان آباؤكم الأولون يختارونها مسكنا على مواضع منشأهم، ويختارون الغربة فيها أكثر من أهلية في مكانهم. هذا وكانت حينئذ لا تسكنها سكينة ظاهرة، بل هي مملوة من الدنآت والدنس وعبادات الأوثان، وهم لا أمل لهم غير لزومها ولا يخرجون منها في أواقت الجلاء والجوع إلا بإذن من عند الله تعالى ثم يرغبون في حمل عظامهم إليها.
<24> قال الحبر، لقد وبختني يا ملك الخزر وهذا الذنب هو الذي منع من تمام وعد الله في בית שני في قوله רני ושמחי בת ציון، فقد كان الأمر الإلهي مستعدا ليردها كأول مرة لو أجابوا كلهم للانصراف وتطيب نفوسهم، وإنما استجاب بعضهم، وبقي أكثرهم وأشرفهم في בבל راضين بالذمة والعبودية ولا يفارقون مساكنهم وأحوالهم. ولعل فيهم لغز שלמה قوله אני ישנה לבי ער، كنى بالنوم عن الגלות، وبنباهة القلب عن بقاء النبوة بينهم، קול דודי דופק دعوة الله لهم للرجوع. שראשי נמלא טל كناية عن الשכינה الخارجة عن ظل الמקדש. وقال פשטתי את כתנתי كناية عن كسلهم عن الإجابة للرجوع. وقال דודי שלח ידו מן החור إلحاح עזרא وנחמיה والأنبياء ע"ס، حتى أجاب بعضهم إجابة غير موفاة فأعطوا بقدر نيتهم، فجأت الأمور مقصرة بتقصيرهم. فإن الأمر الإلهي إنما يتمكن من المر بقدر استعداده له، إن كان قليلا فقليل وإن كان كثيرا فكثير. فلو استعددنا للقاء رب آبائنا بالنية الخالصة لساعدنا منه ما ساعد الآباء بمصر، فما نطقنا השתחוו להר קדשו، وהשתחוו להדום רגליו، המחזיר שכינתו לציון، وغير ذلك، إلا كنطق الزرزور الببغاء لا نحصل ما نقول في هذا ولا في غيره كما قلت يا أمير الخزر.
<25> قال الخزري، كفاني هذا من هذا الغرض، وأريد أن تقرب لي ما قرأته في القرابين مما يشق على العقول قبوله، كقوله את קרבני לחמי לאשי ריח ניחחי، يقول عن القرابين أنها قرابين الله وطعامه وشمامه.
<26> قال الحبر، إن قوله לאשי يسهل كل صعب. يقول إن ذلك القربان واللحم والריח ניחח المنسوبة لي إنما هي לאשי، يعني النار المنفعلة عن أمره تعلى التي طعامها القرابين. ثم يأكل الכהנים بقية نصيبها. وأما الغرض فحسن النظام ويحله الملك حلول تشريف لا حلول تمكن وضع، مثال الأمر الإلهي النفس الناطقة الحالة في بدن طبيعي بهيمي لما اعتدلت طبائعه وانتظمت قواه الريسة والمروسة انتظاما مستعدا لحال أشرف من حال البهائم، استحق حلول الملك العقلي عنده ليهديه ويرشده ويصحبه مهما بقي ذلك النظام. فإذا فسد النظام فارقه فيخيل للجاهل أن العقل محتاج إلى المأكل والمشارب والأرياح لما يراه باقيا ببقائها مفارقا بمفارقتها، وليس كذلك. لكن الأمر الإلهي جواد يريد الخير بالكل، فمتى انتظم شيء واستعد لقبول تدبيره لم يمنعه ولا توقف عن الإفاضة عليه نورا وحكمة وإلهاما. ومتى انخرم نظامه لم يقبل ذلك النور فكان فساده، ويتنزه الأمر الإلهي عن أن يدركه خلال أو اختلال. فجميع ما هو في סדר עבודה من الخدمة والقرابين والتباخير والأغاني والمأكل والمشارب على غاية من التطهير والتقديس يقال فيه עבודת ה' وלחם אלהיך وغير ذلك. إنما هي كناية عن رضائه عن حسن النظام في الأمة والأئمة وقبوله ضيافتهم مثلا وحلوله عندهم تشريفا لهم وهو المقدس المنزه عن الإلتذاذ بطعامهم وشرابهم، وإنما طعامهم لأنفسهم كما أن هضم المعدة والكبد إذا صلح ثم صلح صفوة في القلب، وصفو الصفو في الروح، صلح القلب والروح والدماغ بذلك الغذاء. وصلحت أيضا آلات الهضم وسائر الأعضاء بالأرواح السائرة إليها من الشريانات والعصب والعروق الساكنة، وبالجملة صلح المزاج باسره وكان مستعدا لقبول تدبير النفس الناطقة التي هي جوهر مفارق يقارب جوهر الملائكة المقول عنهم די מדרהון עם בשרא לא איתוהי. فيحل البدن حلول رياسة وسياسة لا حلول مكان، وهي ليس يأكل من ذلك الغذاء شيء لأنه منزه عنه فالأمر الإلهي لا يحل إلا نفسا قابله للعقل، والنفس لا ترتبط إلا بروح حار غريزي. والروح الغريزي لا بد له من ينبوع به يرتبط ارتباط اللهيب برأس الفتيل، ومثال الفتيل هو القلب، والقلب محتاج إلى مادة دم. والدم لا يتكون إلا بآلات الهضم، فاحتاج إلى المعدة والكبد وخوادمها، وكذلك احتاج القلب إلى الرئة والحلق والأنف والحجاب والعضل المحرك لعضل الصدر لخدمة التنفس، لتعديل مزاج القلب بالهواء الداخل والدخان الخارج، واحتاج لنفي فضلات الغذاء إلى آلات من قوى دافعة وآلات البراز والبول، فكان الجسد من جميع ما ذكرنا واحتاج إلى ما ينقل الجسد من مكان إلى مكان لطلب ما يحتاج إليه وللنفور مما يضره، وإلى آلات تغلب إليه وتدفع عنه، فاحتاج إلى اليدين والقدمين، واحتاج إلى مشؤورين مميزين منذرين بما يخاف ويرجئ، محصلين لما كان، مدونين مذكرين بالسلاف ليحذر عن مثله في المستأنف أو ليرجأ فاحتاج إلى الحواس الظاهرة والباطنة. وكان الرأس محلها بتأييد القلب وإمداده. فصار البدن كله منتظما نظاما واحدا راجعا إلى تدبير القلب الذي هو المحل الأول للنفس وإن حلت الدماغ فحلولا ثانيا بتوسط القلب.
وهكذا انتظمت الملة الحية الإلهية كقول יהושע בזאת תדעון כי אל חי בקרבכם. انفعلت النار لإرادة الله عند رضائه عن الملة، فكانت علامة القبول لضيافتهم وهديتهم. لأن النار ألطف وأشرف ما تحت فلك القمر من الأجسام، فكان محلها دسم شحوم القرابين وقتارها ودخان البخورات والأدهان على معهود النار أنها لا تعلق إلا بالدسم والدهن كالحرارة الغريزية التي تعلق باللطيف الدسم من الدم، فأمر تعالى بמזבח העולה وמזבח הקטרת والמנורה ثم الעולות وקטרת הסמים وשמן המאור وשמן המשחה. أما מזבח העולה فلتتصل به النار الظاهرة المشهورة. وמזבח הזהב فلنار هي أخفى وألطف. وأما الמנורה فليتصل بها نور الحكمة والإلهام. والשלחן ليتصل به الخصب والخيرات الجسدية كما قال الחכמים הרוצה שיחכים ידרים، הרוצה שיעשיר יצפין. وكل هذا كرامة للארון والכרובים التي هي بمنزلة القلب والرئة مرفرفة عليه وأحتيج لهذه الآلات وخوادم مثل כיור וכנו وמלקחים وמחתות وקערות وכפות وמנקיות وסירות وמזלגות، وغير ذلك. واحتيج إلى ما يصونها המשכן והאהל ומכסהו وصيانة للكل חצר המשכן وآلاته. حتى أحتيج حملة لهذه الجملة فاختار الله لذلك بني לוי لأنهم المقربون لا سيما من وقت العجل إذ قيل ויאספו אליו כל בני לוי، فاختار لأشرفهم وهي אלעזר أشرف الأشياء وألطفها كما قيل ופקדת אלעזר בן אהרן הכהן שמן המאור וקטרת הסמים ומנחת התמיד ושמן המשחה. هذه التي تعلق بها النار اللطيفة ونور الحكمة والإلهام، نعم ونور النبوة بالאורים وبالתמים. ولأشرف طوائف الלוים بعده وهم بني קהת حمل الأعضاء الباطنة הארון והשלחן והמנורה והמזבחות וכלי הקדש אשר ישרתו בהם. وفيهم قيل כי עבודת הקדש עליהם בכתף ישאו. كما ليس للأعضاء الباطنة عظام تعين في حملها بل القوى والأرواح تحملها مع تعلقها بما يلاصقها. ولمن دونهم بني גרשון حمل الأعضاء اللينة الخارجة مثل יריעות המשכן ואהל מועד מכסהו ומסכה התחש אשר עליו מלמעלה. ولمن دونهم بني מררי حمل الأعضاء الصلبة קרסיו קרשיו בריחיו עמודיו ואדניו. واعينت الطبقتان في حملها بالعجل بحسب حملها שתי העגלות לגרשון, וארבע העגלות למררי כפי עבודתם. وكل ذلك بترتيب ونظام حكمي إلهي. ولست أجزم ولا أقطع وعياذا بالله أن الغرض من هذه الخدمة هذا النظام الذي أقوله، بل ما هو أخفى وأعلى وأنها شريعة من عند الله. ومن قبلها قبولا تاما دون أن يتعقل فيها ولا يتحكم فهو أفضل ممن تعقل وبحث. لكن من زهق عن تلك الدرجة العالية إلى البحث فالأبشه أن يوجه فيها وجه الحكمة من أن يتركها لظنون سوء وشكوك مؤديه إلى الהלכה.
<27> قال الخزري، لقد أغربت يا حبر في تشبيهك إلا أن الرأس وحواسه لم أسمع لها تشبيها ولا لשמן המשחה.
<28> قال الحبر، نعم إن أصل العلم مودع في الארון الذي هو بمنزلة القلب وهي العشر كلمات وفروعها وهي الתורה إلى جانبه كما قال ושמתם אתו מצד ארון ברית ה' אלהיכם. فمن هناك ينفرع العلمان علم الشريعة وحملتها الכהנים، وعلم الوحي وحملته الנביאים، وهم كانوا بمنزلة المشؤورين المميزين المنذرين للأمة المدونين المؤرخين فهم رأس الأمة.
<29> قال الخزري، فأنتم اليوم جسد بلا رأس وبلا قلب.
<30> قال الحبر، بل أنا كما قلت نعم ولا جسد، لكن أعضاء مفرقة بمنزلة העצמות היבשות التي رآها יחזקאל. ولكن يا ملك الخزر هذه العظام التي بقي لها طبع من طبائع الحيوان وقد كانت آلات لقلب ورأس وروح ونفس وعقل خير من أجساد مصورة من الرخام والغص برؤوس وأعين وآذان وجميع الآلات ولم يلحقها قط روح حياة ولا يمكن أن يحل بها وإنما هي تشبيه وتصوير كالإنسان وليست بإنسان.
<31> قال الخزري، هو كما تقول.
<32> قال الحبر، إن الملل الأموات التي رامت أن تتشبه بالملة الحية لم تقدر على أكثر من التشبيه الظاهر أقامت بيوتا لله فلم يظهر لله فيها أثر، تزهدت وتنسكت ليظهر عليها الوحي فلم يظهر، ففسقت وعصت وطغت فلم ينزل بها نار سماوية ولا وباء فجاءه ليحقق أنه عقاب من الله على ذلك العصيان، أصيب قلبهم أعني ذلك البيت الذي يستقبلونه فلم تتغير حالهم، وإنما تتغير حالهم حسب كثرتهم وقلتهم وقوتهم وضعفهم واختلافهم وإئتلافهم على طريق الطبيعة والإتفاق. ونحن متى أصيب قلبنا الذي هو بيت المقدس فقد تلفنا، الذي إذا جبر فقد جبرنا كنا في قلة أو في كثرة وعلى أي حال اتفق، لأن مؤلفنا الإله الحي، وهو مالكنا وماسكنا في هذه الحال على ما نحن عليه من الفرق والتشتت.
<33> قال الخزري، نعم لا يتوهم مثل هذا التفرق على أمة إلا وتستحيل إلى أمة أخرى لا سيما مع طول هذه المدة، وكم أمة تلفت كالت بعدكم، ولم يبق لها ذكر، אדום وמואב وעמון وארם وפלשת وכשדים وמדי وפרס وיון والبرهامة والصابة وغيرهم كثير.
<34> قال الحبر، ولا تظن مساعدتي لك في القول إقرارا مني بأنا بمنزلة الأموات بل لنا اتصال بذلك الأمر الإلهي بالشرائع التي جعلها صلة بيننا وبينه، كالختانة المقول فيها והיתה בריתי בבשרכם לברית עולם. والسبت المقول فيه כי אות היא ביני וביניכם לדורותיכם. حاشا ברית אבות وברית الתורה التي ألزمها مرة في חורב وثانية في ערבות מואב، مع الوعد والوعيد المقرونين بها في פרשת כי תוליד בנים וג' وما اندرج فيها من قوله تعالى אם יהיה נדחן בקצה השמים וגו'. כי אל רחום ה' אלהיך וגו' ومثل פרשת והיה כי יבואו עליך וג' ושבת עד ה' אלהיך וג'. وשירת האזינו، وغير ذلك فلسنا بمنزلة الميت. لكنا بمنزلة المريض المدخول الذي يئس الأطباء من بريه، ويطمع في ذلك من طريق المعجزات وخرق العادات كقوله התחינה העצמות האלה. وكالمثل المضروب في הנה ישכיל עבדי. من قوله לא תאר לו ולא הדר. וכמסתר פנים ממנו يعني أنه من سماجة الظاهر وقبح المنظر بمنزلة الأشياء القذرة التي يستقذر الإنسان إليها فيستر وجهه عنها. נבזה וחדל אישים איש מכאובות וידוע חולי.
<35> قال الخزري، وكيف يكون هذا مثلا لישראל وهو يقول אכן חליינו הוא נשא. وישראל إنما حل بهم ما حل بسبب ذنوبهم.
<36> قال الحبر، إن ישראל في الأمم بمنزلة القلب في الأعضاء أكثرها أمراضا وأكثرها صحة.
<37> قال الخزري، زدني بيانا.
<38> قال الحبر، القلب فيه أمراض متصلة تتداوله من هموم وغموم وحذر وحقد وعداوات وحب وبغض وأخواف ومزاجة مع الإيحان في تقلب وتغير من نفس زائد أو ناقص فضلا عن غذاء ردي أو مشروب ردي، والحركات والرياضات والنوم واليقظة كلها تؤثر فيه وغيره من الأعضاء في الرفاهية.
<39> قال الخزري، قد تبين كيف هو أكثر الأعضاء مرضا فكيف هو أكثرها صحة؟
<40> قال الحبر، أيمكن أن يتمكن منه خلط يحدث فيه فلغموني وسرطان وثولوله وقرحة وخدر واسترخاء كما يتمكن في سائر الأعضاء.
<41> قال الخزري، لا يمكن ذلك لأن بأيسر من هذا يكون الموت ولأن القلب بذكاء حسه لصفو دمه وكثرة روحه يشعر بأدنى سبب موذ فيدفع عن نفسه مهما بقي له رفق للدفع، وغيره لا يشعر شعوره فيتمكن فيه الخلط حتى تتمكن منه هذه الأمراض.
<42> قال الحبر، فشعوره وحسه هو غالب كثرة الأمراض إليه وهو السبب في اندفاعها عنه في أول حلولها قبل أن تتمكن.
<43> قال الخزري، نعم.
<44> قال الحبر، والأمر الإلهي منا بمنزلة النفس من القلب ولذلك قال רק אתכם ידעתי מכל משפחות האדמה על כן אפקוד את כל עונותיכם. هذه الأمراض. وأما الصحة فكقول العلماء מוחל לעונות עמו מעביר ראשון ראשון. لأنه لا يترك عليها ذنوبا كثيرة متركبة فتسبب هلاكنا بالأبتات كما فعل بالאמורי إذ قال כי לא שלם עון האמורי עד הנה. وتركه حتى تمكن مرض ذنوبه فقتله. فكما أن القلب من عنصره وجوهره صاف معتدل المزاج تتصل به النفس الناطقة كذلك ישראל من جهة عنصرهم وجوهرهم وكما يلحق القلب من سائر الأعضاء أمراض من شهوة الكبد والمعدة والأنثين من سوء مزاجهما كذلك نال ישראל الأمراض من تشبههم بالأمم كما قيل ויתערבו בגוים וילמדו מעשיהם. فلا يستبعد أن يقال في مثل هذا אכן חליינו הוא נשא ומכאובינו סבלם. فصرنا متكلفين. والعالم في دعة وراحة والبلايا الحالة بنا سبب لصلاح ديننا وخلوص الخالص منا وخروج الزيف عنا فبخلوصنا وبصلاحنا يتصل الأمر الإلهي بالدنيا كما علمت أن العناصر انساقت ليكون منها المعادن ثم النبات ثم الحيوان ثم الإنسان ثم صفوة آدم، فالكل مناسق من أجل تلك الصفوة ليتصل بها الأمر الإلهي. وتلك الصفوة من أجل صفوة الصفوة كالأنبياء والأولياء. وبذلك أطرد قول القائل תן פחדך ה' אלהינו על כל מעשיך. ثم תן כבוד לעמך. ثم צדיקים יראו וישמחו. لأنهم صفوة الصفوة.
<45> قال الخزري، لقد نبهت وشبهت ولقد أحسنت في التنبيه والتشبيه. لكن كان ينبغي أن نرى منكم العباد والزهاد أكثر منهم في غيركم.
<46> قال الحبر، لقد يعز على نسيانك ما وطأته عندك من الأصول وأقررت أنت بها، ألم نتفق أنه لا يتقرب إلى الله إلا بأعمال مأمور بها من عند الله، أتظن التقرب هو الخشوع والتذلل وما جرى مجراهما.
<47> قال الخزري، نعم مع العدل هكذا أظن قرأته في كتبكم كما قيل ומה ה' אלהיך שואל מעמך כי אם ליראה את ה' אלהיך וגו' ומה ה' אלהיך דורש ממך وغير ذلك كثير.
<48> قال الحبر، هذه وأمثالها هي النواميس العقلية وهي التوطئة والمقدمة للشريعة الإلهية متقدمة لها بالطبع وبالزمان، لا بد منها في سياسة أي جماعة كانت من الناس حتى جماعة اللصوص لا بد فيها من التزام العدل فيما بينهم وإلا لا تدوم صحبتهم. ولما بلغ عصيان ישראל إلى حد تسهلوا بالشرائع العقلية والسياسية التي لا بد منها لكل جماعة كما لا بد لكل فراد من الأمور الطبيعية من أكل وشرب وحركة وسكون ونوم ويقظة، وتمسكوا مع هذا بالعبادات من القرابين وغير ذلك من الشرائع الإلهية السمعية قنع منهم بالدون وقيل لهم يا ليت لو حافظتم على الشرائع التي يلتزمها أقل الجماعات وأدونها من لزوم العدل والخير والإقرار بفضل الله لأن الشريعة الإلهية لا تتم إلا بعد كمال الشريعة السياسية والعقلية. وفي الشريعة العقلية لزوم العدل والإقرار بفضل الله فمن فاته هذا كيف له بالقرابين والسبت والختانة وغير ذلك مما لم يوجبه العقل ولا ينفيه وهي الشرائع التي بها خصوا ישראל زيادة على العقليات وبها حصل لهم فضل الأمر الإلهي فلم يدروا كيف وجبت هذه الشرائع كما لم يدروا كيف اتفق أن ينزل כבוד ה' بينهم وאש ה' אכלת قرابينهم، وكيف سمعوا خطاب الرب وكيف جرى لهم كل ما جرى مما لا تحتمله العقول لولا العيان والمشاهدة التي لا مدفع فيها، فلمثل هذا قيل لهم ומה ה' דורש ממך وעולותיכם ספו על זבחיכם وغير ذلك مما أشبهه، أيمكن أن يقتصر الإسرائيلي على עשות משפט وאהבת חסד ويختصر الמילה والسبت وسائر الشرائع ويفلح.
<49> قال الخزري، لا، بحسب ما قدمته، وإنما يصير على رأي الفلاسفة رجلا فاضلا ولا يبالي بأي وجه تقرب بالتهود أو بالتنصر أو غير ذلك أو بما يخترعه لنفسه. وقد رجعنا إلى التعقل والقياس والتحكم ويصير جميع الناس مجتهدين موجودين على التشرع بما أدى إليه قياسهم وهذا محال.
<50> قال الحبر، فالشريعة الإلهية لا تتعبدنا بالتزهد لكن بالإعتدال وإعطاء كل قوة من قوى النفس والبدن نصيبها بالعدل دون إسراف لأن الإسراف في قوة واحدة تقصير عن أخرى، فمن مال مع قوة الشهوة قصر عن قوة الفكر، وبالعكس. ومن مال مع الغلبة قصر عن غيرها، فليس طول الصيام عبادة لمن كان خامل الشهوات ساقطها ضعيف البدن، بل التنعم هنا نقض وحذر. ولا التقلل من المال عبادة إذا اتفق حلالا هينا لا يشغله اكتسابه عن العلم والعمل، لا سيما لمن كان ذا عيل وبنين وأمال في نفقات ترضى الله. بل التكثر أولى به. وبالجملة فشريعتنا مقسمة بين ال وال وال ... تتقرب إلى ربك بكل واحدة منها. فليس خشوعك في أيام ال بأقرب من الله من فرحك في ... و ...إذا كان فرحك عن فكرة ونية. فكما أن ال محتاجة إلى فكرة ونية. كذلك الفرح بأمره وشريعته يحتاج إلى فكرة ونية لتفرح بنفس الشريعة محبة في مشرعها. وترى ما فضلك به وكأنك في ضيافته مدعو إلى مائدته ونعمه تشكر على ذلك إضمارا وإظهارا. وإن تخطى بك الطرب إلى حد الغناء والرقص فرحا منك بالشريعة خاصة كان ذلك الغناء والرقص عبادة وصلة بينك وبين الأمر الإلهي. وهذا الأمور أيضا لم تتركها شريعتنا مهملة بل مضبوطة، إذ ليس البشر تقسيط مصالح قوى الأنفس والأبدان وتقرير ما تجل الأرض حتى تعطل في ... و.. ويعطي منها ال.. وغير ذلك. ففرض عطلة السبت وعطلة الأعياد وعطلة الأرض والكل ... و... لأن الأمرين متقارنان لأنهما انقضيا بمجرد الإرادة الإلهية لا بإتفاق ولا بطبيعة وكما قال تعالى ... فصار التحفظ بالسبت هو بعينه الإقرار بالربوبية . لكن كأنه إقرار بنطق عملي لأن من اعتقد السبت من إن فيه كان الفراغ من .. فقد أقر بالحدث لا شك. وإن أقر بالحدث أقر بالمحدث الصانع تعالى. ومن لم يعتقده وقع في شكوك القدم ولم يصف اعتقاده لخالق العالم تعالى، فالتحفظ بفرائض السبت أقرب إلى الله من التعبد والتزهد والإنقطاع. فأنظر كيف صار الأمر الإلهي المرتبط ب.. ثم بجمهور صفوته وبالأرض المقدسة يساوق الأمة درجة درجة ويحافظ على النسل حتى لا يشذ منهم شاذ ويضعهم في أحفظ مكان وأطيبه وأخصبه وينميهم ذلك النمو المعجزي حتى ينقلهم ويغرسهم في التربة المشاكلة للصفوة فتسمى ب.. و.. كما تسمى ... و.. و.. تشبيها لهذه المواضع بالسماوات كما قيل .. ولظهر نوره في هذه كظهور نوره في السماء لكن بواسطة قوم يستحقون قبول ذلك النور فهو يفيضه عليهم ويتسمى ذلك منه ... وهي التي رسمت لنا وفرضت علينا أن نعتقدها ونسبح ونشكر عليها في ... لنتصور الإبتداء منه لا منا كما نقول في خلقه الحيوان مثلا أنه لم يخلق نفسه. لكن الله صوره واتقنه إذ رأى مادة تصلح لتلك الصورة. كذلك كان هو تعالى المبادر المبتدئ لإخراجنا من مصر لنكون له عسكرا ويكون لنا ملكا. كما قال... بل قد قال أيضا ...
<51> قال الخزري، لقد تجاوز القول ههنا تجاوزا عظيما وتسامحت الخطابة تسامحا كثيرا إن يكون الخالق يفتخر ببشر.
<52> قال الحبر، هل كنت تستسهل ذلك في خلقت الشمس.
<53> قال الخزري، نعم لعظيم آثارها لأنها بعد الله السبب في الكون وبها ومن أجلها ينتظم الليل والنهار وفصول السنة، وتتكون المعادن والنبات والحيوان، وبنورها الباهر يكون الأبصار والألوان المبصرة، فكيف لا يكون خلقها فخرا لخالقها عند الناطقين؟
<54> قال الحبر، أوليس نور البصائر ألطف وأشرف من نور الأبصار أولم يكن أهل الأرض في عمي وطغيان قبل بني إسرائيل حاشا الأفراد الذين ذكرناهم. فقوم يقولون أن لا خالق، بل لا جزء من العالم أحق بأن يكون مخلوقا من أن يكون خالقا فالكل قديم. وقوم يقولون إن الفلك هو القديم وخالق الكل فيعبدونه. وقوم يدعون بأن النار هي ذات النور والأفعال القوية العجيبة وهي التي ينبغي أن تعبد وأن النفس نار. وقوم يعبدون غير ذلك من شمس وقمر وكواكب وصور حيوانات يتعلقون بصور الفلك. وقوم يعبدون ملوكهم أو علماءهم، وكلهم يصفق أنه لا يظهر في العالم أثر وفعل خارج عن العادة والطبيعة. حتى المتفلسفون الذين لطف نظرهم وصفاء رأيهم وأقروا بسبب أول لا يشبه الأشياء وليس كمثله، أحالوا بقياسهم أن يكون له أثر في العالم لي سيما في الجزئيات، التي ينزهونه ويرفعونه عن أن يدريها فضلا عن أن يحدث فيها حدثا، حتى صفت تلك الجملة التي الستحقت حلول النور عليها وقضى المعجزات لها وخرق العادات، وظهر عيانا أن للدنيا مالكا وحافظا وضابطا، يعلم ما دق وما غل، ويجازي على الخير والشر. فصارت هداية للقلوب وكل ما جاء بعدها لم يقدر أن يشذ عن أصولها، حتى صارت اليوم المعمورة كلها مقرة بالقدم لله والحدث للعالم، وبرهانهم على ذلك بنو إسرائيل وما قضى لهم وما انقضى عليهم.
<55> قال الخزري، إن هذا لفخر عظيم، ومن البيان لسحر، وبحق قيل לעשות לו שם עולם ותעשה לך שם כהיום הזה وלתהלה ולשם ולתפארת.
<56> قال الحبر، ألم تر كيف وطأ דוד في مدح الתורה إذ قدم وصف الشمس في השמים מספרים כבוד אל. فوصف عموم نورها وصفاء جرمها وقوام طريقها وجمال مناظرها، واتبع ذلك بقوله תורת ה' תמימה وما يتبعه، كأنه يقول لا تعجبوا من هذه الأوصاف لأن الתורה أظهر وأبهر وأشهر وأرفع وأنفع، ولوا بني إسرائيل لم تكن الתורה، نعم ولم يفضلوا من أجل .. بل إنما فضل .. من أجلهم، لأن ال.. إنما كانت في الجمهور ...، واختاير .. لتوصيل الخير إليهم على يديه. فنحن لا نتسمى بأمة ..، بل أمة الله كما قيل ..، و... فليس دليل الأمر الإلهي تدقيق الألفاظ ورفع الحواجب وأخفى سواد العين والتكثير بالتحنين والتضرع والحركات والأقوال التي ليس وراءها أفعال، لكن النيات الخالصة التي دليلها أفعال من شأنها أن تشق على الإنسان، لكن يفعلها بغاية الحرص والمحبة كالقصد إلى الموضع الخاص من أي موضع كان، والحج ثلث مرات في السنة، وما يتبع ذلك من الشقاء والنفقات، وهي يمتثله بغاية الفرح والإتخاج وكإخراج ...، وال..، وترك غلات في ال وال.. ونفقات السبوت والأعياد وعطلتها، وإعطاء ال وال و و و، حاشا ال وال، وحاشا كل ما يلزمه على ...، ال، وما يلزمه من ال على الأعراض التي تطرأ عليه من النجاسات، وعلى كل ولادة تكون عنده، وكل .. وكل ..، وغير ذلك كثير. كل ذلك بأمر الله تعالى لا تعقل ولا تحكم، ولا في قدرة البشر تقدير هذا مترتبا متناسبا لا يخاف دخول الخلل منه كأنه قسط ... وقدرهم وقدر غلات أرض الشام نباتا وحيوانا وقدر .. وأمر في ال بهذه النسب علماء منه بأن هذه النسبة إذا انتظمت بقوى ... بوفرهم ولم ينقص ال شيء، ولم يصل الأمر إلى صعف ... أو .. بما جعل أيضا من انصراف الكل في سنة ال كما كان في السنة الأولى من قسمة الأرض إلى تفاصيل ودقائق تضيق الصحف عنها يرى من تدبرها أنها ليست من تدابير بشري، سبحان مدبرها، ... وبقي هذا النظام في الدولتين نحو ألف وثلث مائة عاما ولو استقام القوم لبقي...
<57> قال الخزري، إنكم اليوم في حيرة من هذه اللوازم العظيمة وأي أمة تقدر على حرز هذا النظام؟
<58> قال الحبر، الجماعة التي رقيبها ومعاقبها ومثيبها للحين في ما بينها أعني ال.. ألا ترى قول ... هذا وقد كانت جماعته من التحفظ في حد لم يوجد فيهم عاص في حرم ... أكثر من .. في جملة أكثر من ست مائة ألف، ثم كان من العقاب للوقت على جماعة ما كان، وما كان من عقوبة مريم وال...، وعقوبة ..، وعقوبة..، وعقوبة... وقد كان من معجزات ال.. أن يظهر السخط اليسير على ذنوب ما للوقت في الحيطان وفي الثياب. وإذا قوى ظهر في الأبدان على منازل من القوة والضعف. وال.. موقوفون لهذا العلم الدقيق ولتمييز ما منه إلهي فينتظر به الأسابيع كما انتظر في مريم، وما منه مزاجي متمكن وغير متمكن وهي علم غريب حث عليه تعالى ...
<59> قال الخزري، هل عندك في هذا بعض إقناع وتقريب؟
<60> قال الحبر، قد قلت لك إن لا مناسبة بين عقولنا والأمر الإلهي وينبغي أن لا نروم تعليل مثل هذه العظائم. لكني أقول بعد الإستغفار والتبري من القطع أنه كذلك أنه ربما تعلقت ال.. وال.. من نجاسة الميت لأن الموت هو الفساد الأعظم، والعضو الأبرص كالميت، والمني الفاسد كذلك لأنه كان ذا روح طبيعي متهيئ ليكون نطفة ويتكون منه إنسان ففساده مضاد لخصوصية الحياة والروح، وليس يدرك مثل هذا الفساد للطافته إلا ذوو الأرواح اللطيفة والأنفس الشريفة التي تعلق بالإلهية بالنبوة أو الرؤية الصادقة والخيالات المتحققة. نعم وقد وجد قوم ثقلا في نفوسهم مهما لم يطهروا من جنابتهم وقد جرب أنهم يفسدون بمسهم الأشياء اللطيفة كالنواوير والخمور. وأكثرنا يتغير من قرب الموتى والمقابر. وتشوش نفوسهم مدة في البيت الذي كان فيه الميت. ومن كان غليظ الفؤاد لا يتغير لذلك، كما نرى مثل ذلك في العقليات من يطلب صفاء فكر في العلوم البرهانية، أو صفاء نفس للصلاة والدعاء يجد للأغذية الغليظة ولزيادة المأكول والمشروب ضررا، وكذلك يجد الضرر من مجالسة النساء وصحبة ذوي الهزل والاشتغال بالاشعار الهزلية الغزلية.
<61> قال الخزري، يقنعني هذا عند تشكك النفس لما ذا ينجس هذا الفضل الجوهري أعني المني وكله روح ما لا ينجس البول والبراز على سماغة رائحته ومنظره مع كثرته. وبقي على ...
<62> قال الحبر، قد قلت إنها من خصوصيات ال..، فإنها كانت في ... بمنزلة الروح في جسد الإنسان، تفيدهم حياة إلهية وتكسبهم رونقا وجمالا ونورا في أنفسهم وأبدانهم وهياتهم ومساكنهم، ومتى انقبضت عنهم سخفت آراؤهم وسمجت أبدانهم وتغير جمالهم وإذا انقبضت عن الأفراد ظهر على شخص شخص آثار انقباض نور ال.. عنه، كما ترى أثر انقباض الروح دفعة للفزع والهم يغير البدن ونرى في النساء والصبيان لضعف أرواحهم يعرض في أبدانهم آثار سود وخضر من الخروج بالليل، وينسب ذلك للشياطين، وربما عرض من ذلك ومن رؤية الموتى والقتلى أمراض عسيرة الزوال في البدن والنفس.
<63> قال الخزري، أرى شريعتكم ينطوي فيها كل دقيق وغريب، من العلوم ما ليس كذلك في غيرها.
<64> قال الحبر، بل ال .. كانوا مكلفين ألا يفوتهم علم من العلوم الحقيقية والتخيلية والإصطلاحية حتى السحر واللغات وكيف يوجد دائما سبعون شيخا عالما أن لم تكن العلوم شائعة مبثوثة في الأمة، فمتى ما مات شيخ خلفه آخر مثله. وكيف لا يكون ذلك وكلها محتاج إليها في الشريعة، فالطبيعية منها محتاج إليها في الفلاحة لمعرفة ال..، والتحفظ من ال.. وال..، وفي تمييز النبات وأنواعه كي تبقى على ما خلقت عليه ولا يختلط نوع بنوع علم دقيق، هل الخندروس مثلا من نوع ال..، أو ال.. من نوع ال..، والقنبيط من نوع الكرنب ومعرفة قوى أصولها، ومقدار امتدادها في الأرض، وما يبقى لسنة أخرى، وما لم يبق ليعلم كم يترك بين نوع ونوع في المكان وفي الزمان. ثم في تمييز أنواع الحيوان لهذا الغرض، وغرض آخر في ما له سم وما لا له سم. ثم معرفة ال.. التي هي أدق من كل ما أتى به أرسطاطاليس من معرفة مقاتل الحيوان للإبعاد عن أكل الميتة، وفي القليل الذي بقي عندنا من هذا العلم ما يبهر العقول ثم معرفة العيوب التي من أجلها يتأخر ال... عن الخدمة. وعيوب الحيوان الذي يبعد عن القرابين. ثم في تفرقة أصناف ال... للرجل وللإمرأة وكمية أدوار ال...، وفي تفاصيل ذلك علوم لا يقدر عليها البشر بطريق قياسية دون معونة إلهية.
وفي علم الأفلاك ومسيرها ما صار العبور (עבור?) بعض نتائجه. وجلالة قانون ال... معلومة، وما تأصل فيه لهذه الأمة الضعيفة المادة القوية الصورة، وكيف لا، وهي غير محسوسة بين الأمم لقلتها وذلتها وتشتتها، وتنظمها بقايا الشريعة الإلهية نظاما صاروا به كواحد. ومن أغربها ال... بالأصول المنقولة عن ... من ... الذي لم يختل منذ ألف ومئين سنين، وقد اختلت إرصاد الراصدين من ... وغيرهم، واحتيج فيها إلى إصلاح وزيادات بعد مائة عام. وهذا بقي على صحته لاقترانه بالنبوة. ولو صحبه اختلال في دقيقة في الأصل لكانت اليوم الفضيحة لبعد ما كان يوجد بين ال.. وال.. وكذلك لا شك كانت عندهم ... وغيرها من الكواكب.
وأما علم الموسيقى فتخيل أمة تفضل الألحان وتوقفها على أجل قومها وهم ... ينتحلون الأغاني في البيت المعظم في الأوقات المعظمة، وقد كفوا طلب المعايش بما يأخذون من العشور(עשור?)، فلا شغل لهم غير الموسيقى، والصناعة معظمة عند الناس كما هي في نفسها لا مهجنة ولا ضائعة، والقوم من شرف العنصر وذكاء الطبع حيث هو، ومن رؤساءهم في الصناعة ...و...، فما تظن بالموسيقى هل أحكموها أم لا.
<65> قال الخزري، هناك لا محالة تمت وكملت، وهناك حركت الأنفس كما يقال إنها تنقل النفس من خلق إلى ضده وليس يمكن أن تكون اليوم في نسبة مما كانت إذ صارت هجينة، ويحملها الخدم والمهجورون من الناس، لكنها يا حبر ضاعت على شرفها كما ضعتم على شرفكم.
<66> قال الحبر، وما ظنك بعلوم ... وقد تكلم على جميع العلوم بتأييد إلهي وعقلي وغريزي وكان أهل الأرض يقصدونه لينقلوا علومه إلى الأمم، حتى من الهند. فجميع العلوم إنما نقل أصولها وجملها من عندنا إلى ال.. أولا. ثم إلى... ثم إلى ... ثم إلى الروم. ولبعد العهد وكثرة الوسائط لا يذكر في العلوم أنها نقلت من العبرانية، لكن من اليونانية والرومية والفضل للعبرانية في ذات اللغة وفي ما ضمنت من المعاني.
<67> قال الخزري، وهل للعبرانية فضل إلى اللغات، وهي أكمل وأوسع نرى ذلك عيانا؟
<68> قال الحبر، عرضها ما عرض حامليها، ضعفت بضعفهم، وضاقت بقلتهم، وهي في ذاتها أشرف نقلا وقياسا. أما النقل فإنها اللغة التي أوحى بها إلى .. و.. وبها تلافظا كما يدل على ذلك اشتقاق .. من .. و.. من .. و.. من .. و.. من .. و.. من .. و.. من .. مع شهادة التوراة ونقل الكافة إلى .. إلى .. إلى .. وأنها لغة ..، وبه تسمت عبرانية لأنه بقي عليها وقت ال.. وتشتت الألسنة وقد كان ... سريانيا في .. لأن السريانية لغة .. وكانت له العبرانية لغة خاصة .. والسريانية .. لذلك حملها .. إلى العرب العرابة، فصارت هذه الثلث لغات متشابهة السريانية والعربية والعبرانية في أسمائها وأنحياها وتصاريفها. وأما فضلها قياسا فباعتبار القوم المستعملين لها فيما احتيج إليه من المخاطبة لا سيما مع النبوة الشائعة فيهم والحاجة إلى الوعظ والأغاني والتسابيح، وملوكهم مثل ... و.. و.. و.. أيمكن أن تنقصهم عبارة عند حاجتهم إليها عن شيئ كما تنقصنا نحن اليوم لذهاب اللغة عندنا؟ أرأيت وصف ال.. لل.. وال.. وال.. وغير ذلك إذ احتاج إلى أسماء غريبة؟ ما أكمل ما وجده وما أجمل انتظام الوصف. وكذلك أسماء الأمم وأصناف الطيور والأحجار، واعتبر تسابيح ..، وشكاوى .. وجدله مع أصحابه، ووعظ ... ووعده ووعيده وغيرهم.
<69> قال الخزري، غايتك في هذا وغيره أن تسويها مع غيرها من اللغات في الكمال، فأين الفضيلة الزائدة؟ بل يفضلها غيرها بالأشعار المنظومة المنطبقة على الألحان.
<70> قال الحبر، قد تبين أن الألحان مستغنية عن وزن الكلام وأن بالفراغ والملأ يقدر أن يلحن ... بلحن ... هذا في الألحان ذوات الأعمال. وأما القرضيات المهتوتة الانشادية التي فيها يجمل النظام فاختصرت لفضيلة هي أرفع وأنفع.
<71> قال الخزري، وما هي؟
<72> قال الحبر، لأن المقصود من اللغة تحصيل ما في نفس المخاطب في نفس السامع. وهذا القصد لا يتم على كماله إلا بالمشافهة لأن للمشافهة فضلا على المكاتبة. وكما قيل ... لما يستعان بالمشافهة بالوقوف في موضع القطع، والتمادي في موضع الوصل، وبتشديد النطق وتليينه، وبإشارات وبإيماءات من تعجب وسؤال وخبر وترغيب وترهيب وتضرع، وحركان تقصر عنها العبارة الساذجة. وربما استعان المتكلم بحركات عينيه وحواجبه وجملة رأسه ويديه ليفهم السخط والرضا والتضرع والتجبر على المقادير التي يريد. وفي هذه البقايا التي تبقت لنا من لغتنا المخلوقة المخترعة دقائق ولطائف انطبعت فيها لتفهيم المعاني ولتقوم مقام تلك الاستعمالات المشافهية وهي ال.. التي يقرأ بها ال... يشكل فيها القطع والوصل ويفصل مواضع السؤال من الجواب والابتداء من الخبر والحفز من التواني والأمر من الرغبة يحتمل أن تؤلف في ذلك تواليف. فمن يكون هذا غرضه فإنه لا محالة يدفع المنظوم. لأن المنظوم لا يمكن إنشاده إلا بطريقة واحدة، فيصل على الأكثر في موضع الفصل، ويقف في موضع الوصل، ولا يمكن التحفظ من هذا إلا عن تكلف كثير.
<73> قال الخزري، بحق دفعت فضيلة سماعية بجنب فضيلة معنوية لأن النظم يلذذ المسموع. وهذا الضبط يحصل المعاني لكني أراكم معشر اليهود ترومون فضيلة النظم وتحكون غيركم من الأمم وتدخلون العبرانية في أوزانها.
<74> قال الحبر، وهذا من تكلفنا وخلافنا، أما كفى أطراحنا لهذه الفضيلة المذكورة إلا أنا نفسد وضع لغتنا التي وضعت للألفة فنردها للشتات.
<75> قال الخزري، وكيف ذلك؟
<76> قال الحبر، ألم تر مائة رجل يقرون ال... كأنهم شخص واحد، يقطعون في آن واحد ويصلون قراءتهم كواحد؟
<77> قال الخزري، قد اعتبرت ذلك ولم أر مثله في العجم ولا في العرب، ولا يمكن ذلك في إنشاد الشعر، فأخبرني كيف حصلت هذه الفضيلة في هذه اللغة، وكيف أفسدها الوزن؟
<78> قال الحبر، بأن جمع فيها بين ساكنين ولم يجمع فيها بين ثلث حركات إلا تحاملا فجاء الكلام إلى السكون وأكسب هذه الفضيلة أعني الألفة والنشاط على القراءة وسهل بذلك الحفظ وحصول المعاني في النفس، وأول ما يفسد عروض الشعر أمر هذين الساكنين فيطرح ال.. وال.. يفصير .. و .. سواء. .. و .. سواء في اللحن. .. و .. وكذلك يصير .. و .. سواء على ما بينهما من البون من ماض ومستقبل. وقد كان لنا اتساع في طريق ال.. الذي لا يفسد لغة إذا حرز لكن أدركنا في القول المنظوم ما أدرك أباؤنا في ما قيل عنهم ...
<79> قال الخزري، أسألك هل تعلم سببا لتحرك اليهود عند قراءة العبرانية؟
<80> قال الحبر: ذكر أنه لتنبيه الحرارة الغريزية. وما أظنه إلا من الباب الذي نحن فيه، لما أمكن جملة منهم القراءة פה אחד أمكن أن يجتمع عشرة وأكثر على مصحف واحد. ولذلك صارت مصاحفنا كبارا فيلجأ كل واحد من العشرة إلى الميل مع الأحيان لرؤية الحرف، ثم يعود. ويكون هذا ميلا ورجوعا لكون المصحف في الأرض. ويكون هذا السبب الأول، ثم صارت عادة من الرؤية والمشاهدة والمحاكاة التي هي في طبع الناس. وغيرنا يقرأ كل واحد في مصحفه ويضم مصحفه إلى عينه أو ينضم هو إليه بقدر ما يريد من غير أن يضايقه صاحبه فيه، فليس يحتاج إلى ميل وارتفاع.
ثم فضيلة النقط وضبط الשבעה מלכים وما لنا من تحرير وتدقيق والفوائد الحاصلة من التفرقة بين الקמץ والפתח والצירי والסגל وفائدته في المعاني يفرق بها بين الماضي والمستقبل. مثل שמתי وשמתי ואברכהו ואברכהו. ويفرق بين فعل وصفة مثل חכם وחכם وبين הא الاستفهام وהא المعرفة. مثل העולה היא למעלה. وغير ذلك إلى ما تفيد من حسن انتظام ادراج الكلام في جمع الساكنين حتى تأتي الكلام العبراني قراءة تستوي فيها جماعة دون لحن. وللحن أيضا شروط آخر لأن جهات النطق في العبرانية بالقسمة ثلث ضمة وفتحة وكسرة، وبقسمة ثانية ضمة كبرى وهي קמץ ووسطى وهي חולם وصغرى وهي שרק وفتحة كبرى وهي פתח وصغرى وهي סגול وكسرة كبرى وهي צירי وصغرى وهي חירק، والשבא محركة بهذه كلها بشرائط وهي الحركة وحدها دون زيادة، وغيرها تقتضي ساكنة بعدها، فالקמץ يتبعه ساكن ممدود فلا يتبعه דגש في الوضع الأول وإن اتبعه דגש فلضرورة في الوضع الثاني أو الثالث وساكنه الممدود إما ألف وإما هاء مثل ברא. وربما تبع الساكن الممدود ساكن ظاهر مثل קאם الחולם يتبعه ساكن ممدود وساكنه واو أو ألف مثل לא לו، وربما تبعه ساكن ظاهر مثل שור שמאל. الצירי يتبعه ساكن ممدود وساكنه ألف أو ياء مثل יוצא وיוצאי. وأما الهاء فليست للצרי بالطبع بالوضع الأول. لكن بالوضع الثاني الשרק متروك للثلثة الأوضاع قد يتبعه الممدود وقد يتبعه الדגש والساكن الظاهر وساكنه الواو وحدها مثل לו وללון وלקח. الחרק مثل الשרק مثل לין وלי وלבי. الפתח والסגל لا يتبعهما ساكن ممدود في الوضع الأول وإنما يمدهما الوضع الثاني. أما للاعتماد عليه أو للحن أو لموضع قطع وفصل فالوضع الأول تلتزم شرائطه مهما نظرت إلى حرف حرف وكلمة كلمة ولم تعن بإصلاح إدراج الكلام المؤلف منها من وصل وقطع وكلمة كبيرة وصغيرة وغير ذلك فحينئذ تتضع لك الשבעה מלכים على وضعها الأول دون خلاف والשבא على قدرها دون גיעיא. والوضع الثاني ينظر في حسن تأليف الألفاظ وإدراجه فربما غير من الوضع الأول لإصلاح الثاني والوضع الثالث هو التلحين وربما غير شيئا من الوضعين المتقدمين ولا ينكر في الوضع الأول تتالي ثلث حركات لا يتخللها ساكن ولا דגש بل تتصل حركة שבאية بعد حركة שבאية ثلث وأكثر كما يجوز ذلك في العربية لكن ذلك منكر في الوضع الثاني فمتى اتفقت ثلث حركات في الوضع الأول مد إحداها الوضع الثاني بقدر ساكن مثل משכני לשכני רצפת إذ العبرانية تستثقل توالي ثلث حركات إلا في التقاء مثلين مثل שררך أو א'ה'ח'ע' נהרי נחלי فإن شئت مددت وإن شئت أسرعت. وكذلك جوز الوضع الأول اجتماع حركتين متواليتين ممدودتين بقدر ساكنين ورأى الوضع الثاني أن النطق بذلك يسمج فيسقط أحد المدين ويبقى الثاني مثل .. وكل ما ماثله. ألا ترى .. وأصحابه النطق بها بعكس النقط تمد العين وهي .. وتهمل الفاء وهي .. ومد العين إنما هو لاعتماد لا لساكن لين. ولذلك أبقى .. و.. على الوضع الأول لما اعتمد على الحرف الصغير. وهكذا نرى .. ب..ين وهو فعل ماض فنطلب علة ذلك فنجده في .. أو .. فنقول إن هذا الساكن تمكن في الوضع الثاني من أحل الوقوف والقطع فيطرد لنا هذا حتى نجد .. ب..ين أيضا في .. فنطلب علته فنجده موضع قطع في المعنى وكان يستحق أن يكون .. أو .. لولا ضروريات آخر ألجأت ألا يقع في .. ولا في .. كما نجد أيضا في .. و.. ..ين على غير ذلك من الاطراد مثل .. وكل .. فوجد علة .. مراعاة المعنى إذ لا يستحق .. الوقف فيه لاضطراره إلى ما بعده في تتميم المعنى، إلا قليلا مثل .. فإن معناه تام بالاحالة على ما تقدم فيستحق ال.. لأنه موضع قطع. وأما .. فكان حقه أن يكون .. فصعب نقل الكسرة إلى فتحة كبرى دون تدريج لكن نقلت إلى .. ولعل .. من هذا الطريق من أجل أن أصله .. فنقل ال.. عند الوقف إلى ..
وكذلك نتعجب من .. وكل ما جاء وزنه .. ممدود الفاء وهو ب حتى نتفكر أنه لو لم تمد الفاء لضمت ضرورة نطق العبراني إلى مد العين فيصير .. ويصير بين العين واللام ساكن لين بعد .. وهذا شنيع وليس بشنيع في الفاء إذ لا بد لهن من ساكن. وموضع الساكن فارغ فتلك المدة التي هي .. إنما هي ساكن ظاهر بازا .. لا بازا .. نعم إنه إذا كان في .. و.. رجع .. بازا فرأينا ضرورة المد كما قلنا في ..
كذلك نتعجب من .. و.. وأصحابها لامتداد فائها وهي .. ونتفكر فنرى أنها مقام .. وإنما فتحت من أجل.. ولذلك لم تتغير عند الإضافة كما يتغير .. و.. عند الإضافة لأنها على زنة .. وكذلك نجد .. ب.. مع ساكن لين فنتفكر في المثال الأول الذي هو .. ونرى أن عين الفعل لم يبن على مد بل على ساكن ظاهر مع .. أبدا ونعذر لما لم ينقط ب.. فيقال .. إذ لا تقع فتحة على هاء لينة إلا ب.. وال.. ممدود وعين الفعل ليس بممدود أصلا إلا أن تنقل إليها حركة أو تقع إلى ألف مثل ..
فوجب نقل .. إلى .. لأنه أقل الحركات تمكنا ويشارك ال.. إذا احتيج في الوضع الثاني إلى تمكينه عوضا منه في الوقفات ويكاد ألا يظهر للهاء في .. مكان إلا في القطع أو في اللحن، ويستسهل ال.. معها .. حتى لا تظهر ما ليس كذلك في .. و.. و فلا يتبعها .. ويتقدمها .. لإظهار الألف. وألا ترى استخفافهم بالهاء حتى اسقطوها من الخط واللفظ .. فكيف تمكن بال.. بل إنما تعطي أقل الحركات وهي ال.. هذا في الوضع الأول حتى ينقلها الوضع الثاني إلى ال.. عند القطع.
وكذلك نتعجب من .. و.. و.. وأصحابها لما نراها في الإضافة ب.. وفي غير الإضافة ب.. ونظن الحق كان في عكس هذا. فإذا تفكرنا في لام الفعل المعتلة وهي ال.. أنها محسوبة كالعدم وكان هذه الأسماء إنما هي .. فلم تستحق غير ال.. حتى تأتي ضرورة لإظهارها بساكن لين في .. و.. و.. و.. فصير ال.. ليقوم عند الإضافة مقام ال.. في .. و.. والذي جاء على الوضع الأول ولم يغيره الثاني في النقط لكن في اللفظ .. مفصولة ب.. ومضافة ب.. وربما مدة اللحن مثل .. وهو على وضعه الأول ب.. وربما حفزه اللحن .. وهو على وضعه الأول ب.. ولا إشتباه في .. أنه ب.. ولواضع هذا العلم الدقيق أسرار تخفي عنا وربما وقفنا على بعضها يقصد بها التنبيه على تفاسير كقولنا في .. وفي ما يفرق بين الماضي والمستقبل وبين الانفعال والمنفعل فينقط .. ب.. و.. وينقط .. وإن لم تكن في موضع قطع لفظي فهي في موضع قطع معنوي. وكثيرا ما يحمل ال.. التابع لل.. محمل ال.. وال.. وال.. فيتغير الوضع الأول ولو اتسعت في هذا الباب لطال الكتاب وإنما أعرضت عليك ذوقا من هذا العلم الدقيق وأنه ليس مهملا بل معللا مضبوطا.
<81> قال الخزري: كفاني هذا تعجيبا بهذه اللغة وأرغب أن تنتقل معي إلى صفة المتعبد عندكم، ثم أسألك عن احتجاجكم على القرائين، ثم أطلب منك في الآراء والاعتقادات أصولا، ثم أطلبك بما بقي عندكم من العلوم القديمة.
المقالة الثالثة
<1> قال الحبر: صفة المتعبد عندنا ليس بمنقطع عن الدنيا كي لا يصير كلا عليها وتصير كلا عليه، فيبغض حياته التي هي من نعم الله عليه ويمتن بها عليه كقوله את מספר ימיך אמלא، بل يحب الدنيا وطول العمر، لأنها تكسبه الآخرة، وكل ما زاد حسنة رقي درجة في الآخرة، نعم أنه يود لو يصير في رتبة חנוך الذي قيل فيه ויתהלך חנוך، أو رتبة אליהו ليتفرغ حتى يتفرد لصحبة الملائكة فلا يتسوحش في الوحدة والخلوة، بل هي أنسه. ويستوحش في الملأ لفقده مشاهدة ملكوت السماء التي تغنيه عن الأكل والشرب. فلمثل هؤلاء يحق بالتفرد التام، بل يتمنون الموت إذ قد بلغوا النهاية التي ليس بعدها درجة ترجي زيادتها. وللعلماء المتفلسفة حب في التفرد لتصفو أفكارهم لينتجوا من قياساتهم نتائج حق، حتى يحصل لهم اليقين في ما تبقى عليهم من الشكوك. ويريدون مع هذا لقاء تلاميذ يدعونهم إلى البحث والتذكر كمن ولع بجمع المال، فهو يكره الاشتغال إلا مع من يتاجره فيربح معه. وهذه درجة سقراط ومن أشبهه. وهؤلاء أفراد لا مطمع في درجتهم اليوم. نعم إن بحضرة الשכינה في الأرض المقدسة في الأمة المهيأة للنبوة كان خلق يتزهدون ويسكنون القفار مجتمعين مع من شاكلهم لا متفردين بالجملة، بل يتعاونون على علوم الشريعة وأعمالها المقربة إلى تلك الدرجة بקדושה وبטהרה وهم בני הנביאים وأما في هذا الزمان وهذا المكان وهذا الخلق ואין חזון נפרץ، مع قلة العلم المكتسب وعدم ذلك العلم المطبوع. من حصل نفسه في الانقطاع بالزهادة فقد حصل نفسه في عذاب ومرض نفسي وجسمي فيرى عليه تذلل الأمراض فيظن أنه تذلل بالخشوع والخضوع ويحصل مسجونا يكفر بالحياة ملالا لسجنه وآلامه، لا التذاذا بالتفرد. وكيف لا؟ وهو لم يتصل بنور إلهي يأنس إليه كالأنباء، ولا حصل علوما ما تفي بأشغاله وتلذيذه بقية عمره كالفلاسفة. وهب أنه ورع خير محب في مناجاة ربه في الخلوة والقيام والتضرع والتحنن ما عساه أن يحفظ من الתחנונים والבקשות وهذه المبتدعات إنما لها لذة أيام مهما تطرأ، وكل ما تكررت على اللسان لم تنفعل لها النفس، ولا وجد لها شجا وتحنينا، فيبقى الليل والنهار ونفسه تطلبه بقواها التي طبعت عليها من النظر والسمع والكلام والتصرف والأكل والشرب والنكاح والربح في الأموال والإصلاح على الأهل ومشاركه، الضعفاء ومعاونة الشريعة بالمال إذا رأى اختلالا، أليس يبقى منتشبا نادما على ما ربط نفسه إليه، فيزيد بندامته بعدا من الأمر الإلهي الذي رام قربه.
<2> قال الخزري: فلتصف لي أعمال خيركم الآن.
<3> قال الحبر: إن الخير هو المحافظ على مدينته، يقسط ويقدر على أهلها أرزاقهم وجميع حاجتهم، ويعدل فيهم بحيث لا يغبن أحدهم ولا يعطيه فوق حقه الذي يستحقه، ثم يجدهم في وقت حاجته إليهم مطيعين سريعي الإجابة لدعوته يأمرهم فيأتمرون وينهيهم وينتهون.
<4> قال الخزري: عن خير سألتك لا عن رئيس.
<5> قال الحبر: الخير هو من كان ريسا مطاعا على حواسه وقواه النفسانية والبدنية وسوسها السياسة المدنية كما قيل ומושל ברוחו מלוכד עיר وهو المهيا للرياسة لأنه لو رأس مدينة لعدل فيها كما عدل في بدنه ونفسه، فقمع القوى الشهوانية ومنعها عن الانهمال بعد انصافها واعطائها ما يسد خللها بالطعام القصد والشراب القصد والاسحمام وأسبابه بقصد أيضا، وقمع أيضا القوى الغضبية الطالبة لظهور الغلبة، بعد انصافها وإعطائها حظا في الغلبة النافعة من مناظرات العلوم والآراء وزجر أهل الشر وأعطى الحواس حظها فيما يعود نفعه عليه، فيصرف اليدين والقدمين واللسان في الأمر الضروري وفي الاختيار الأنفع. وكذلك السمع والبصر والحس المشترك تابع لهما. ثم التخيل والوهم والفكر والذكر، ثم القوة الإرادية المصرفة لجميع هذا وهي مصرفة خادمة لاختيار العقل، ولا يدع أحدا من هذه الأعضاء والقوى أن ينهمل في ما يخصه وحده، فيبخس الباقية.
ولما قضى حاجة كل واحدة منها وأعطى الطبيعية ما يكفيها من السكون والنوم، والحيوانية ما يقوتها من اليقظة والحركة في أعمال الدنيا، دعا حينئذ جماعته كالريس المطاع يدعو عسكره المطيع إلى ما يعينه على الإتصال بالرتبة التي فوقها، أعني الرتبة الإلهية التي فوق الرتبة العقلية، فيرتب جماعته وينظمها يحاكي ترتيب משה רבינו ע"ה جماعته حول הר סיני، ويوصي القوة الإرادية أن تكون قابلة مطيعة لما يرد من عنده من أمر، فتمتثله من حينها، فتصرف القوى والأعضاء على ما يأمر دون خلاف، ويوصيها إلا تلتفت إلى شياطين الوهمية والمتخيلة، ولا تقبلهما ولا تصدقهما حتى تشار العقل، فإن جوز ما عندهما قبلته، وإلا عصتهما، فتقبل الإرادية ذلك منه تصمم على امتثاله، فتسدد آلات الفكر وتخلية من كل ما تقدم من الأفكار الدنيائية وتكلف المتخيلة إحضار أبهج الصور الموجودات عندها بمعونة الذكر لتحاكي به الأمر الإلهي المطلوب مثل מעמד הר סיני، وמעמד אברהם وיצחק בהר מוריה ومثل משכן משה ע"ה وסדר העבודה وحلول الכבוד في البيت، وغير ذلك كثير ويأمر الحافظة أن تودع ذلك ولا تنساع ويزجر الوهمية وشياطينها من تشويش الحق وتشكيكه، ويزجر الغضبية الشهوانية عن تمييل الإرادية وتحريفها وإشغالها بما عندهما من غضب وشهوة.
وبعد هذه التوطئة تنهض القوة الإرادية جميع الأعضاء المتصرفة لها بنشاط وحرص وفرح، فتقف في وقت وقوف من غير كسل، وتسجد عند ما يأمرها بالسجود، وتقعد حين القعود، وتشخص الأعين شخوص العبد إلى مولاه، وتقف اليدان عن عبثهما ولا تجتمع الواحدة بالأخرى. وتستوي القدمان للوقوف، وتقف جميع الأعضاء كالباهتة الخائفة لطاعتها لسائسها، لا يهمها إن بها الما أو كلالا، ويكون اللسان مطابقا للفكر إلا يفضل عنه، ولا ينطق في صلاته على سبيل الاعتياد والملكة كالزرزور والببغاء، بل مع كل كلمة فكرة ورؤية فيها، فيصير وقته ذاك لباب زمانه وثمرته، وتصير سائر أوقاته كالطرق الموصلة إلى ذلك، يتمنى قربه إذ فيه يتشبه بالروحانيين ويبعد عن البهيميين، فصارت ثمرة يومه وليلته تلك الثلاثة أوقات الصلاة، وثمرة الأسبوع يوم السبت، إذ كان موقوفا للاتصال بالأمر الإلهي وعبادته בשמחה لا بخشوع كما تبين. وترتيب هذا من النفس تتكدر كل ما بعد وقت الصلاة عنها كما يرد عليها من اشغال الدنيا، لا سيما أن دعت الضرورة إلى صحبة صبيان ونساء وأشرار فيسمع ما يكدر صفاء نفسه من كلمات فاحشة وأعاني تطرب إليها النفس ولا يقدر على ملكها. وعند الصلاة يطهر نفسه مما سلف ويهييها للمستأنف، ثم لا يمر أسبوع على هذا الترتيب إلا وقت سيمت النفس والبدن وقد اجتمعت فضول مكدرة مع طول الأسبوع لا يمكن تطهيرها وتنظيفها إلا باتصال عبادة يوم مع راحة البدن، فيستوفي البدن في السبت ما فاته الستة أيام، ويستعد للمستأنف. والنفس أيضا تتذكر ما فاتها مع شغل البدن، وكأنها ذلك اليوم متعالجة متداوية من مرض متقدم ومستعدة بما يدفع عنها المرض في المستأنف، شبيها بما كان يفعل أيوب في كل أسبوع بأولاده كما قال אולי חטאו בני. ثم يستأنف العلاج الشهري الذي هو זמן כפרה לכל תולדותם، يعني תולדות החדשים، حوادث الأيام كقوله כי לא תדע מה ילד יום ثم يستأنف שלש רגלים، ثم يوم الصوم المعظم الذي فيه التبري عن خطأ سلف، ويستدرك فيه كل ما فاته في أيام الأسابيع الشهور، وتتبرأ النفس من الوساوس الوهمية والغضبية والشهوانية، وتتوب عن مساعدتها بتة فكرا أو فعلا. وإن لم تمكن التوبة عن الفكر لغلبة الخواطر عليها بما سلف لها من حفظ ما سمعت منذ الصبا من اشعار واخبار وغير ذلك تبرأت من الفعل، واعتذرت من الخواطر والتزمت ألا تذكرها باللسان فضلا عن أن تفعلها، وكما قيل זמותי בל יעבר פי. وصيامه ذلك اليوم صياما يقارب به التشبه بالملائكة، لأنه يقطعه بالخشوع والخضوع والوقوف والركوع والتسبيح والتهليل. وجميع قواه البدنية صائمة عن الأمور الطبيعية مشغولة بالشريعة كأنه ليس فيه طبع بهيمي. وكذلك يكون صوم فاضل متى صام، أن يصوم فيه البصر والسمع واللسان فلا يشغلها بغير ما يقرب إلى الله تعالى. وكذلك القوى الباطنة من خيال وفكر وغير ذلك، ويقترن بذلك الأعمال الصالحة.
<6> قال الخزري: الأعمال معلومة.
<7> قال الحبر: الأعمال السياسية والنواميس العقلية هي المعلومة. وأما الإلهية المزيدة على تلك لتحصل في ملة אל חי يدبرها فليست معلومة حتى تأتي من عنده مفسرة مفصلة. نعم ولا تلك السياسية العقلية وإن عرفت ذواتها فليس يعرف تقديرها. لأنا نعرف أن المواساة والمشاركة واجبة، ورياضة النفس بالصوم والخضوع واجب، والجبن قبيح، والإنهمال مع النساء قبيح، وإتيان بعض القرابة قبيح. وبر الوالدين واجب، وما أشبه ذلك. لكن تحديد ذلك وتقديره بحيث يصلح للكل فإنما هو لله تعالى. وأما الأعمال الإلهية فلا مجال فيها لعقولنا وليست مدفوعة عند العقل، لكن العقل مقلد فيها كما يقلد العليل بالطبيب في أدويته وتدابيره. ألا ترى الמילה ما أبعدها عن القياس، ولا مدخل لها في السياسة؟ وقد امتثلها אברהם على صعوبة الأمر عند الطبيعة وهو بن مائة عام، في نفسه وفي ولده. وصارت אות ברית ليتصل به وبنسله الأمر الإلهي، كما قال והקימותי את בריתי ביני ובינך ובין זרעך אחריך לדורותם לברית עולם להיות לך אלהים וגו'.
<8> قال الخزري: وبحق التزمتم هذه الشريعة على ما ينبغي وامتثلتموها بغاية الاهتبال في الحفل والتهيؤ لها والتسبيح عليها وذكر أصلها وعلتها في البركة. وغيركم رام التشبه بكم فحصل على الألم وحده دون اللذة التي يحصل عليها من يتخيل السبب الذي من أجله يحتمل هذا الألم.
<9> قال الحبر: وهكذا سائر التشبيهات لم تقدر أمة من الأمم أن تتشبه بنا في شيء، أترى الذين اتخذوا يوما للراحة مقام السبت، أقدروا أن يحكوه إلا كما تحكي صور الأصنام صور الناس الأحياء.
<10> قال الخزري، قد تفكرت في أمركم ورأيت أن لله سرا في إبقائكم وأنه قد صير الأسبات والأعياد من أقوى الأسباب في إبقاء رمقكم ورونقكم فإن الأمم كانت تقتسمكم وتتخذكم خدمة لفطانتكم وذكائكم ولتصيركم محاربين أيضا، لولا هذه الفصول التي تراعونها هذه الرعاية لأنها من قبل الإله ولعلل قوية مثل זכר למעשה בראשית، זכר ליציאת מצרים، זכר למתן תורה. وكلها أمور إلهية مؤكدة عليكم محافظتها، ولولاها ما لبس أحدكم ثوبا نظيفا، ولا كان لكم اجتماع لتذكر شريعتكم لخمول هممكم بتوالي الذلة عليكم، ولولاها ما تنعمتم يوما واحدا في طول اعماركم. وقد حصل لكم بها سدس العمر في راحة جسم وراحة نفس لا يقدر الملوك عليها، إذ نفوسهم لو تتودع في يوم راحتهم لأنهم إن دعتهم أقل ضرورة في ذلك اليوم للتعب والحركة تحركوا وتعبوا، فليست نفوسهم في دعة تامة ولولاها لكان كسبكم لغيركم، إذ هو معرض للنهب فإنفاقكم فيها ربح لكم دنيا وآخرة، إذ النفقة فيها لذات الله.
<11> قال الحبر: فالخير منا يراعي من الشرائع الإلهية هذه، أعني الמילה والأسبات والأعياد ولوازمها المشروعة من عند الله، والتحفظ بالעריות والכלאים في النبات والثياب والحيوان، والשמטה والיובל، والتحفظ من עבודה זרה وما يتعلق بها من طلب علم غيب من غير النبوة أو الאורים والתומים أو الחלומות، فلا يسمع من زاجر أو منجم أو قراع أو متفاول أو متطائر. والتحفظ من الזבות والנדות، والتحفظ من الحيوان النجس في أكله ومسه، ومن الצרעת، والتحفظ بالدم والشحم لأنها نصيب אש ה' ومراعاة من يلزمه على كل עבירה בשוגג ומזיד من קרבן، حاشى ما يلزمه من פדיון בכור والבכורים والבכורות، وعلى كل والدة تلد عنده קרבן، وما يتطهر من זיבות وצרעת קרבן وמנחה، حاشى ما يلزمه من מעשר ראשון وשני وמעשר עני، والראיון שלש פעמים בשנה، والפסח ولوازمه الذي هو קרבן ה' لازم لكل אזרח מישראל والסוכה والלולב والשופר، وما يحتاج من الآلات والأواني المقدسة المطهرة لهذه الמנחות والقرابين وما يحتاج هو من التطهير والتقديس، ومراعاة الפאה والערלה وקדש הלולים، وبالجملة فيراعي من الأوامر الإلهية ما يمكنه أن يكون صادقا في قوله לא עברתי ממצותיך ולא שכחתי. سوى الנדרים والנדבות والשלמים وما يلزم نفسه من الנזירות. هذه وأمثالها الشرائع الإلهية وتمام أكثرها بעבודת כהנים. وأما الشرائع السياسية فمثل לא תרצח، وלא תנאף، وלא תגנוב، وלא תענה ברעך، وכבוד אב ואם، ואהבת לרעך כמוך، ואהבתם את הגר، وלא תכחשו ולא תשקרו. وتجنب الנשך والתרבית، وتحرى מאזני צדק אבני צדק איפת צדק והין צדק، وترك الלקט والעוללות والפאות وما أشبه هذا. وأما الشرائع النفسانية كאנכי ה' אלהיך، وלא יהיה לך، وלא תשא، مع زيادة ما صح في هذه الشريعة أنه تعالى مشاهد مطلع على ضمائر العباد فضلا عن أعمالهم وأقوالهم. وأنه يجازي على خيرها وشرها وأن עיני ה' משוטטות בכל הארץ. فلا يتحرف الخير ولا يتكلم ولا يفكر إلا ويعتقد أن بحضرته أعينا تراه وتراقبه، وتثيبه وتعاقبه، وتنقد عليه كل معوج من قوله وفعله، فهو يمشي ويجلس كالخائف الخجل المستحي من أعماله أوقاتا، كما أنه يفرح ويبتهج وتعظم نفسه عنده إذا أتى بحسنه، وكأنه يمتن على ربه إذا احتمل مشقه في طاعته. وبالجملة فهو يعتقد ويلتزم ما قيل הסתכל בשלושה דברים ואין אתה בא לידי עברה، דע מה למעלה ממך، עין רואה، ואוזן שומעת، וכל מעשיך בספר נכתבים. ويرى ما قال דוד أصدق حجه הנוטע אזן הלא ישמע אם יוצר עין הלא יביט. وكل ما قال في ה' חקרתני ותדע. ويتفكر في أن جميع أعضائه موضوعة بحكمة وتدبير ونظام وتقدير، ويراها مطيعة لإرادته وهو لا يدري ما الذي ينبغي أن يتحرك منها، مثل أن يريد القيام فيجد جماعة الأعضاء كالأعوان المطيعين قد أقامت جسده وهو لا يدري تلك الأعضاء. وكذلك إذا أراد الجلوس والمشي وسائر النصب. وإلى هذا أشار بقوله אתה ידעת שבתי וקומי ארחי ורעי זרית וכל דרכי הסכנת. وأكثر من ذلك وأدق وألطف أعضاء النطق. ترى الطفل يحكي كل ما يسمعه وهو لا يدري بأي عضو وبأي عضلة وبأي عصبة ينبغي أن يحكي ذلك. وكذلك آلات الصدر في ألحان الغناء يحكيها ويحكمها وهو لا يدري بأي شيء كان خالقها يحضرها ويصرفها له مع الأحيان في حاجته. والأمر كذلك أو قريبا من ذلك، لأنه لا يتصور أمر الخلقة، مثل أمر الصناعة، لأن الصانع يصنع رحي مثلا ويغيب عنها، والرحي تفعل ما له صنعت، والخالق يخلق الأعضاء ويعطيها القوى ويمدها مع اللحظات، ولو توهم عنايته وتدبيره آنا واحدا لفسد العالم بأسره. فإذا كان الخير يتصور جميع هذا في حركاته كلها، فكيف لا تكون حركاته كلها قد أعطي فيها نصيبا للخالق الذي خلقها أولا ويمدها بمعونة دائمة في تمامها، فهو أبدا كان الשכינה معه والملائكة تصحبه بالقوة وأن تقوي في الخير وكان في المواضع المؤهلة للשכינה صحبته بالفعل ورآها عيانا دون درجة النبوءة ، كما كان أخيار الחכמים في בית שני يرون صورة ويسمعون בת קול وهي درجة الأولياء، وفوقها درجة الأنبياء، فيلتزم الخير من توقير الأمر الإلهي الحاضر معه، ما ينبغي أن يلتزم العبد لمولى خلقه وأنعم عليه، وهو مراقبة ليثيبه أو يعاقبه، فلا يستبرد قول الخير قبل دخوله الخلا התכבדו מכובדים، تأدبا مع الשכינה، واعتذاره بعد الخروج ببركة אשר יצר את האדם בחכמה. فما أجل هذه البركة في معناها وما أحكم لفظها لمن تثبتها بعين الحقيقة إذ قدم أولا بحكمة، وختمها بרופא כל בשר ומפליא לעשות، دليل على غريب ما خلقه في الحيوان من القوى الدافعة والماسكة، وشمل جميع الحيوان بقوله כל בשר. ويربط نيته بالأمر الإلهي بحيل، منها فرائض منصوصة ومنها منقولة، فيحمل الתפלין على موضع الفكر والذكر من الرأس، ويبت منها شركة تصل إلى يده ليراها مع الساعات. وתפלין של יד على ينبوع القوى أعني القلب. ويحمل الציצית كي لا تشغله حواسه بالدنيا، وكما قال ולא תתורו אחרי לבבכם ואחרי עיניכם، والمكتوب في الתפלין التوحيد، والوعد والوعيد، وזכר ליציאת מצרים، لأنها الحجة لا مدفع فيها أن للأمر الإلهي اتصالا بالخلق وعناية بهم، وعلما بأعمالهم. ثم يطرق في جميع محسوساته إلى إعطاء نصيب الله فيها. وقد نقل أن أقل المقادير التي يتخلص الإنسان به في التسابيح هو מאה ברכות لا أقل منها المشهورة. ثم يروم مع طول الأيام استتمامها بمشمومات ومأكولات ومسموعات ومرائيات يبارك عليهم. وكل ما زاد كان نافلة مقربة إلى الله، وكما قال דוד: פי יספר צדקתך כל היום תהלתך כי לא דעתי ספורות، يعني أن تسبيحك لا أحصره إلى عدد، بل ألزمه طول عمري ولا أخلي عنه دائما. والאהבה والיראה لا محالة حاصلة في النفس مع هذه القرائن، ومقدرة بتقدير شرعي كي لا تفرط الשמחה في שבתות وימים טובים إلى حد يخرج إلى اللهو والشهوات والبطالة وتعطيل الصلوات في أوقاتها على ما يجب. وكي لا تفرط الיראה إلى حد يوئس من الغفران والصفاح، فيبقى كئيبا طول عمره ويتجاوز ما أمر به من الשמחה برزقه كقوله ושמחת בכל הטוב، فيقل شكره على نعم الله لأن الشكر يتبع الשמחה، فيصير كما قال תחת אשר לא עבדת את ה' אלהיך בשמחה וגו' ועבדת את אויביך. وكي لا تفرط في الקנאה في הוכח תוכיח וגו' ومناظرة العلم فيخرجه إلى الغضب والحقد، وتشتغل نفسه عن الصفاء في أوقات الصلوات، ويمكن من نفسه צדוק הדין تمكينا يكون له جنة وحجابا دون الرزايا والخطوب الجارية في الدنيا إذا تمكن في نفسه عدل خالق الحيوان ورازقه ومدبره بحكمه لا تدرك الأذهان تفصيلها، لكن تدرك جملتها بما ترى من اتقان الخلقة في الحيوان، وما تتضمن من العجائب والغرائب الدالة على قصد حكيم وإرادة عالم قادر، حتى جعل لما دق منها وما جل كل ما احتاج إليه من حواس باطنة وظاهرة وأعضاء، وجعل آلات مطابقة موافقة للأرواح، فصير للأرنب والأيل آلات الهرب وأخلاق الجبن، وصير للسباع أخلاق الجرأة وآلات الخلب والافتراس، فإن تفكر في خلقه الأعضاء ومنافعها ونسبتها من الأرواح رأى في ذلك من العدل والنظام الحكمي ما لا يبقى في نفسه شكاء ولا ريبة في عدل الخالق. فإذا تعرض شيطان الوهم ليعرض عليه الغور على الأرانب إذ هي طعمة للسباع، والذباب للعنكبوت. رد عليه العقل وزجره قائلا كيف أنسب الغور إلى حكيم قد تقرر عندي عدله واستغناءه عن الغور، ولو كان صيد السباع للأرانب وصيد العناكب للذباب بالاتفاق لقلت بحجة الاتفاق، لكني أرى ذلك الحكيم العدل المدبر هو الذي يصير آلات الصيد للأسد من جرأة وقدرة وأنياب ومخاليب، وصير العنكبوت ملهما للحيلة وصير له النسج ملكه دون تعلم ينسج الشباك، وصير له الآلات المشاكلة لهذه الصناعة، وأعد له الذباب معاشا وقوتا كما أعد لكثير من حوت البحر قوتا من حوت آخر، فهل أقول في هذا إنه إلا لحكمة لا أدركها، وأسلم لمن تسمى הצור תמים פעלו. فمن تمكن من نفسه هذا صار كما يقال عن נחום איש גם זו كلما نابته نائبة، قال גם זו לטובה. فيعيش عيشا لذيذا دائما وتخف عليه الأحزان، بل ربما فرح لها إذا تفطن لذنب كان عليه فتمحص بذلك كمن قضي دينه وفرح بخفيف ظهره منه، ويفرح للذخر والأجر المرفوع له، ويفرح لما يكسب الناس من الهداية للصبر والتسليم لله تعالى، ويفرح لما له في ذلك من الثناء والفخر. هذا في الرزايا الخاصة به. وهكذا يفعل في الرزايا العامة إذا أخطرت وساوس الوهم على باله طول الגלות وتشتت الملة وما وصل إليها من القلة والذلة تعزي أولا بצדוק הדין كما قلت، ثم بتمحيص الذنوب، ثم بالذخر والأجر المنتظر לעולם הבא، والاتصال بالأمر الإلهي בעולם הזה. فإن أيأسه شيطانه من ذلك بقوله התחיינה העצמות האלה لعظيم ما دثر أثرنا وجبر خبرنا كما قيل הנה אומרים יבשו עצמותינו וגו'. فيتفكر في كيفية יציאת מצרים وكل ما يقال في כמה מעלות טובות למקום עלינו. فليس يصعب عليه كيف ننجبر، ولو لم يبق منا إلا واحد وكما قيل תולעת יעקב، ما عسى أن يبقى من الإنسان إذا صار תועלת في قبره.
<12> قال الخزري: مثل هذا يعيش في الגלות عيشا لذيذا ويغني ثمرة دينه في الدنيا الآخرة ومن حمل الגלות متسخطا فكاد أن يفسد أولاه وآخرته.
<13> قال الحبر: وما يؤكد لذته ويمكنها ويزيده لذة على لذة التزام الברכות على كل ما يصيب من الدنيا وعلى كل ما يصيبه منها.
<14> قال الخزري: وكيف ذلك والברכות كلفة زائدة؟
<15> قال الحبر: أليس الإنسان الكامل أحق أن يوصف بالالتذاذ بما يأكل ويشرب من الطفل والبهيمة؟ كما أن البهيمة أحق باللذة من النبات، وإن كان النبات في اغتذاء دائم.
<16> قال الخزري: نعم لفضل الحس والشعور باللذة، فإنه لو سيق إلى سكران كل ما يشتهيه وهو بحال السكر فيأكل ويشرب ويسمع الأغاني ويجتمع مع من يحب وتعانقه معشوقته ثم يوصف له جميع هذا إذا صحا، لتأسف لذلك وحسب جميعه خسرا لا ربحا لما لم تجيه تلك اللذات في حال تحصيل وإحساس تام.
<17> قال الحبر: فالتهيؤ للذة والشعور بها وتخيل عدمها قبل ذلك يضاعف اللذات بها وهذا من فوائد الברכות لمن التزمها بنية وتحصيل لأنها تصور نوع اللذة في النفس والشكر عليها لمن وهبها وقد كان معرضا لعدمها فتعظم المسرة بها كقولك שהחינו וקימנו وقد كنت معرضا للموت فتشكر على حيوتك وتراها ربحا ويهون عليك المرض والموت إذ حل لأنك إذا حاسبت نفسك ورأيت أنك مربح مع ربك لأنك أهل للعدم من كل نعمة بطبعك لأنك تراب، ثم أنعم عليك بالحياة واللذة فتشكر. ومتى صرفها عند تحمد وتقول ה' נתן ה' לקח וגו' فتبقى ملتذا طول عمرك. ومن لم يلتزم هذه الطريقة فلا تظن لذته لذة إنسانية لكن لذة بهيمية لا يحصلها كما قلنا في السكران.
وهكذا يحصل الفاضل في نفسه معنى كل ברכה ويتصور غرضها وما يتعلق بها. فيتصور في יוצר המאורות نظام العالم العلوى وعظم تلك الأشخاص وعظيم فائدتها وأنها عند بارئها كأقل الحشرات وإن عظمت في أعيننا لعظيم انتفاعنا بها. والدليل أنها عند بارئها كما قلت إن حكمته وتدبيره في خلقة النملة والنحلة ليست مقصرة عن حكمته وتدبيره للشمس وفلكها بل أثر العناية والحكمة ألطف وأغرب في النملة والنحلة لما وضع فيها من القوة والآلات على صغرها يتفكر في هذا كي لا تعظم في عينه الأنوار فيخدعه الشيطان ببعض آراء أصحاب الروحانيات فيوهمه أنها تضر وتنفع بذواتها وليس كذلك. بل بكيفياتها كالريح والنار. فيكون كما قيل אם אראה אור כי יהל וגו' ויפת בסתר לבי וגו' وكذلك يتصور في אהבת עולם اتصال الأمر الإلهي بالجماعة المتهيئة لقبوله كاتصال النور بالمرآة الصقلة. وأن الشريعة من عنده ابتداء إرادة منه لإظهار ملكوته في الأرض كظهورها في السماء. ولم تقتض الحكمة أن يخلق ملائكة في الأرض بل آدميين من منى ودم وتتغالب فيها الطبائع وتتجاذب الأخلاق بحكم تضاد الإقبال والإدبار كما تبين في ספר יצירה فمتى صفا منهم فراد أو جماعة حلة النور الإلهي ودبره بلطائف وغرائب خارجة عن نظام العالم الطبيعي وتسمى ذلك منه אהבה وשמחה ولم يجد الأمر الإلهي قابلا طائعا لأمره لازما للنظام الذي أمره به بعد الأنوار والأفلاك إلا أفاضل الناس كانوا أفرادا من لدن آدم إلى יעקב ثم صاروا جماعة فحلهم الأمر الإلهي محبة להיות להם לאלהים ونظمهم في الמדבר نظام الفلك ארבעה דגלים نحو أربعة أرباع الفلك، وשנים עשר שבט نحو שנים עשר מזלות، وמחנה לוים בתוך המחנות كما في ספר יצירה והיכל קדש מכוון באמצע והאלהים נושא את כלם وهذا كله دل على אהבה فيسبح عليها ويتلو ذلك قبوله الشريعة بקרית שמע ثم بما تضمنه אמת ויציב من وكيد المعاني لالتزام الתורה كأنه لما تبين له كل ما تقدم وحصله وميزه عقد على نفسه عقدا وأشهد شهادة أنه قد التزمه كما التزمه الآباء قبله وكذلك يلتزمه البنون إلى جابر الدهر كما يقول על אבותינו ועלינו ועל בנינו ועל דורותינו דבר טוב וקיים חוק ולא יעבור ثم يسرد تلك العقائد التي بها تتم عقيدة اليهودية وهي الإقرار بربوبيته تعلى وبأزليته وبعنايته بآبائنا. وبأن الشريعة من عنده وبالبرهان على جميع ذلك وهي الخاتمة وهي יציאת מצרים بقول אמת שאתה ה' אלהינו אמת מעולם הוא שמך ועזרת אבותינו ואמת ממצרים גאלתנו، فمن جمع هذه بنية خالصة كان إسرائيليا حقيقة وحق له أن يطمع بالاتصال بالأمر الإلهي المتصل بבני ישראל دون سائر الأمم وكان مستأهلا للوقوف بين يدي الשכינה وأن يسأل فيجاب فوجب أن יסמוך גאולה לתפילה بغاية الحرص والنشاط كما تقدم، فيقف للصلاة بالشروط التي قدم ذكرها بالברכות التي تعم ישראל لأن الرغبة والدعاء فيما يخص إنما هو من النوافل التي لا تلزم، وقد كان لها موضع في שומע תפילה لمن شاء. فيتصور من ال.ברכה الأولى المسماة אבות فضل الאבות وثبات الברית من الله لهم للدهر لا يحول، بقول ומביא גואל לבני בניהם، ومن الברכה الثانية المسماة גבורות أن له في هذا العالم حكما مستمرا وليس كما يظن الطبيعيون أنه على الطبائع التي جربوها، فيتصور أنه מחיה מתים متى شاء على بعد ذلك عن قياس الطبيعيين، وكذلك משיב הרוח ומוריד הגשם وغير ذلك، وفي الإراديات מתיר אסורים وغير ذلك. وقد تحقق ذلك من آثار بني إسرائيل. فبعد التأمين بאבות وגבורות التي تخيل أنه تعالى يتعلق بهذا العالم الجسماني ينزهه ويقدسه ويرفعه عن أن يلحقه أو يتعلق به شيء من أوصاف الجسمانيات بקדושת השם وهو אתה קדוש فيتصور من هذه الברכה كل ما وصفته به الفلاسفة من التنزيه والتقديس بعد تصريح ربوبيته وملكه بאבות وגבורות فإن بها تحقق عندنا أن لنا مالكا وشارعا، ولولاها لتشككنا في كلام الفلاسفة مع الدهريين، فوجب تقديم אבות وגבורות على קדושת השם، وبعد هذا التعضيم يبدأ بطلب حاجته مشتملا مع جميع ישראל ولا يجوز غير ذلك إلا في النوافل، فالدعاء المجاب إنما هو لجماعة أو في جماعة أو لواحد يقوم مقام جماعة وهو معدوم في وقتنا.
<18> قال الخزري: ولم ذلك؟ أوليس الانفراد للإنسان أفضل وأصفى لنفسه وأخلى لفكره؟
<19> قال الحبر: بل الفضل للجماعة من ودوه، أحدها أن الجماعة لا تدعو في ما به فساد الأفراد. والفراد ربما دعا في ما فيه فساد أفراد آخرين، وربما كان في أولئك الأفراد من دعا في ما فيه فساده هو. ومن شروط الدعاء المجاب، أن يكون في ما ينفع العالم ولا يضره بوجه. ومنها أن قليلا ما تتم صلاة الفراد دون سهو وغفلة. وذلك رسم لنا أن يصلي الفراد صلاة الجماعة، نعم وإن تكون صلاته ما أمكن في جماعة لا أقل من عشرة، كي يتم في البعض ما نقص من البعض بسهو أو غفلة، فينتظم من الجميع صلاة جماعة بنية خالصة، وتحل البركة الجميع، وينال كل واحد من الأفراد نصيبة منها، فإن الأمر الإلهي إنما هو كالمطر يعم قطرا ما إذا استحقه ذلك القطر جملة وربما انطوي فيه كم لا يستحقه من الأفراد وسعدوا بشفاعة الأكثر. وبعكس ذلك يحرم قطر المطر لأن القطر لا يستحقه جملة وربما انطوى فيه أفراد كانوا يستحقونه وحرموا بحرمان الأكثر. هذه أحكامه تعالى الدنيائية، وعنده تعالى الجزاء لأولئك الأفراد في الآخرة، نعم وفي الدنيا وقد يعوضهم بخير عوض وينجيهم بعض النجاة يتميزون به عن جيرانهم، لكن قليلا ما يسلمون من العقاب الشامل سلامة بتة. ومثل من دعا لنفسه مثل من رام أن يصلح على منزلة وحدة، ولم يرد أن يدخل مع أهل المدينة في تعاونهم على أسوارهم، فهو ينفق الكثير ويبقى على الجرر. والذي يدخل مدخل الجماعة ينفق القليل ويبق في أمن، لأن ما قصر عنه الواحد وفي به الآخر، وتقوم المدينة على أكمل ما يمكن، ويصير أهلها قد نالوا كلهم بركتها بنفقه يسيره مع الأنصاف والائتلاف. ومثل هذا يسمى أفلاطون ما ينفق في جانب الشريعة نصيب الكل، فمهما أغفل الفراد نصيب الكل. وهو الذي تصلح به جماعته الذي هو جزء منها، وظن أن يتوفر عليه فقد أخطأ على الكل وأخطأ على نفسه أكثر. فإن الفراد في جماعته كالعضو الواحد في جملة الجسد لو شح الذراع بدمه إذا احتاج إلى الفصاد لفسد الجسد وفسد الذراع بفساده، لكن ينبغي للفراد احتمال المشقة بل الموت بجنب مصالح الكل فأوكد ما ينظر فيه الفراد هو نصيب الكل أن يعطيه ولا يتغافل عنه ولما لم يكن يدركه القياس فرضه الله بال.. وال... وال.. وغير ذلك. وهو نصيب الكل من الأموال.
وأما في الأعمال فالأسبات والأعياد وال.. وال.. وما جرى مجراها. وأما إن الأقوال فالصلوات والبركات والتسابيح. ومن الأخلاق ال.. وال.. وال.. وأولى الطلبات بالتقديم طلبة العقل والإلهام إذ به يصل الإنسان إلى التقرب إلى ربه. فقدم ... مقرونا بما بعده أعني ... ليكون تلك ال.. وال.. وال.. في طريق ال.. وال.. كقوله .. ولما لم يكن للآدمي بد من الزلل وجب الدعاء في الصفح عن الخطأ في علمه وعمله في .. و.. ويصل بهذا الدعاء نتيجة الصفح وعلامته وهو الفرج مما نحن فيه فيبدأ .. ويختم ب.. ثم يدعو في صحة الأبدان والنفوس ويقرن بهذا الدعاء حضور قوتها لحفظ قوتها في .. ثم يدعو في جمع الشمل في .. ويقرن به ظهور العدل وانتظام الحال بقول ..، ثم يدعو في نفي الخبث وقطع الشرك في ..، ويقترن به الحوطة على الصفوة الخالصة في قوله .. ثم يدعو في إعادة .. وتصييرها محلا للأمر الإلهي. ويقترن به الدعاء في .. وفرج من الحاجات الدنيائية. ثم الدعاء في قبول الدعاء ب.. ويقترن به الدعاء في حضور ال.. مرئية بالعين كما كانت للأنبياء وللأولياء وللمخرجين من مصر فيدعو ... ويختم ... ويتخيل ال.. متمثلة إمامة ويسجد نحوها كما كان يسجدون .. عند رؤيتهم ال.. ويركع ركعة .. في .. التي تتضمن الإقرار بفضله تعالى والشكر عليه معا. ويقرنها ب.. التي هو الخاتمة ليكون التوديع والانفصال عن حضرة ال..
<20> قال الخزري: لم يبق لي موضع اعتراض إذ أرى جميع الأغراض مضبوطة محكمة والذي كنت أنقده وهو قلة ما أرى في أدعيتكم من ذكر الآخرة قد حججتني فيه بأن من يدعو في الاتصال بالنور الإلهي في حياته حتى يدعو أن يراه بعينه ويدعو في درجة النبوة ولا أقرب للإنسان إلى الله منها، فلا محالة أنه قد دعا في أكثر من الآخرة أن حصل له فالآخرة حاصلة له، لأن من اتصلت نفسه بالأمر الإلهي وهي مشغولة بأعراض الجسم والأمة فأحرى وأغدر أن تتصل به إذا انفردت وتركت هذه الآلات الدنسة.
<21> قال الحبر: أزيدك في ذلك بيانا بمثال، رجل قدم على سلطان فقربه السلطان تقريبا كثيرا ومكنه من الدخول إليه متى شاء وكان هو يدل على السلطان حتى يكلفه النزول عنده في منزلة وحضور ضيافته فيحضر ويرسل أخص وزراية إليه ويفعل معه ما لا يفعله مع غيره، ومتى سها هذا الرجل أو أخطأ وانقطع عنه السلطان فإنما يدعو ويرغب في العودة إلى العادة لينزل عنده ولا يقطع وزراه من زيارته، وكان أهل البلد كلهم إنما يدعون ويرغبون أن يكون السلطان إذا سافروا أن يصحبهم في الطريق من يسلمهم من اللصوص والحيات وآفات الطريق، وكانوا يثقون بأن السلطان يسعفهم في هذا وأنه يعني بهم في سفرهم وأن لم يعن به في حضرهم وكان يتفاخر بعضهم على بعض أن السلطان يعني به أكثر من غيره قياسا منه بأنه يعظم السلطان أكثر من غيره. وكان هذا الرجل الغريب قليلا ما يذكر السفر ولا يدعو من يشيئعه. فلما حان سفر هذا الرجل قال له أهل البلد أنك لهالك في هذا الطريق المغرور إذ ليس لك من يشيعك. فقال لهم ومن ذا الذي يشيعكم أنتم، قالوا له السلطان الذي دعونا ورغبنا في تشييعه لنا منذ حصولنا في هذه المدينة ولم نرك أنت تدعو في مثل هذا أبدا. فقال لهم يا مجانين ومن يدعوه في وقت الأمن، أليس أحرى أن يرجوه في وقت الحذر ولولم يفه بذلك وهو الذي يجيبه في وقت الرفاهية أليس حقيقا أن يجيبه أكثر في وقت الضرورة وأن أدعيتم عنايته بكم لتعظيمكم له، هل فيكم من التزم له التزامي، وعظمه تعظيمي، وحمل من المشقة من أجل التزام أوامره حملي، وتحفظ من الدنس عند ذكره تحفظي، والتزم من توقير اسمه وكتابه ما التزمته. وكل ما فعلته بأمره وتعليمه وأنتم عظمتموه قياسا وتخرصا ولن يضيع لكم، فكيف يفردني أنا في سفري لما لم أفصح بذلك افصاحكم وثقت بعدله. وهذا المثل إنما هو لمن تعسف ولم يقبل من الأحبار وإلا فأدعيتنا مملوة من ذكر ... وكلام الأحبار المنقول عن الأنبياء معمور بتحديد ... و.. كما بينت لك.
فقد وصفت لك أعمال الفاضل في وقتنا هذا فكيف تتخيله في ذلك الزمان السعيد وفي ذلك المكان الإلهي وفيما بين أولئك القوم الذين عنصرهم .. و..و.. وهم صفوتهم مطبوعين على ال.. رجالا ونساء لا كراهة في ألسنتهم في تصرف الفاضل بينهم فلا تتدنس نفسه بكلمات فاحشة يسمعها منهم، ولا تتعلق بثيابه وجسمه نجاسة ..و..و..وأموات و.. وغيرها لالتزامهم ال.. وال..، لا سيما لمن كان ساكن مدينة السكينة، فلا يلقى إلا طوائف متدرجين في ال.. من ..و..و..و..و..و..و..و.. أو يرى من الجمهور .. في ال..، فلا يسمع إلا ..، ولا يرى إلا.. لا سيما أن كان .. أو .. يعيش من ..، ويلازم بيت .. من طفوليته مثل ..، وقد كفى طلب المعاش، فيلتزم .. طول عمره، ما الذي تظن بعمله وبصفاء نفسه وبصلاح عمله.
<22> قال الخزري: هذه درجة النهاية ليس بعدها إلا درجة الملائكة وبحق يطمع في النبوة بمثل هذا الالتزام، لا سيما مع حضور ال..، ومثل هذه تكون العبادة التي تغني عن الزهادة والانقطاع، وأريد منك الآن بعض شفاء فيما عندك في القرائين فإني أراهم مجتهدين في التعبد أكثر من الربانيين وأسمع حججهم أرجح وأكثر مطابقة لنصوص ال..
<23> قال الحبر: ألم نتقدم بالقول إن التحكم والتعقل والتخرص في الشريعة لا يؤدي إلى رضا الله وإلا فالثنوية والدهريون وأصحاب الروحانيات والمنقطعون في الجبال ومحرقي أولادهم بالنار كلهم مجتهدون في التقرب إلى الله. وقد قلنا إنه لا يتقرب إلى الله إلا بأوامر الله نفسها، لأنه تعالى يدري تقديرها وتقسيمها وأزمنتها وأمكنتها، وما يتبع هذه اللوازم التي بتمامها يكون الرضا والاتصال بالأمر الإلهي، كما كان في ..الذي قال في كل صناعة منها ..،..،.. وفي كل واحدة منها .. يعني بلا زيادة ولا نقصان. وليس في شيء من تلك الأعمال ما يطابق عقولنا وقياساتنا، وختمها بقول .. وأقترن بتمامها حلول ال.. لما تمت الأمران اللذان هما عمد الشريعة. أولهما أن تكون الشريعة من الله. والثاني أن تمتثل بالنية الخالصة من الجماعة، فقد كان ال.. من أمر الله، وكان عمله من قبل جميع الجماعة كقوله .. بغاية الحرص والرضا فوجب تمام التنتيج التي هي ال,, كما قال .. وقد مثلت لك بخلقة النبات والحيوان وقلت أن الصورة التي بها يتجوهر نبات دون نبات وحيوان دون حيوان ليست من الطبائع بل أثر من الله تعلى يسمونه العلماء طبيعة. نعم أن الطبيعة تستعد بقبول ذلك الأثر بحسب نسبها من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، فيصير هذا نخلة وهذا دالية وهذا فرسا وهذا أسدا. وتلك النسب لا نقدر نحن على تقديرها. ولو قدرنا على ذلك لقدرنا على عمل دم ولبن مثلا ومني من رطوبات نقدر مزاجاتها حتى نقدر على خلق حيوانات تحلها الروح، أو كنا نقدر أن نعمل ما يقوم مقام الخبز من أشياء ليست غاذية بتقديرنا الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، لا سيما أن عرفنا النسب الفلكية وتأثيرها المعينة بزعم أهل النجوم في كل ما يراد أظهاره في هذا العالم. وقد رأينا خزي كل من رام شيئا من هذه الطرق من الكيمياويين وأهل الروحانيات. ولا تعترضني بما يقتدر الناس عليه من خلق الحيوانات مثل اتخاذ النحل من لحم البقر والبعوض من الخمر، فإن ذلك ليس من تقديرهم وعلمهم، وإنما هو من تجاريب وجدوها كما وجدوا الجماع يكون عنه الولد وليس للإنسان في تلك أكثر من وضع البزر في أرض مهياة لقبوله ونجابته فيها. وتقدير النسب التي تستحقه الصورة الإنسانية إنما هو لمن خلقها. وكذلك تقدير الملة الحية المستحقة لحلول الأمر الإلهي بينها إنما هو لله وحده. فليسمع ذلك التقدير والتقسيط منه ولا يتعقل على قوله كما قال .. فكيف ترى الحيلة في التشبه بآبائنا حتى نقتدي بهم ولا نتعقل نحن في الشريعة.
<24> قال الخزري: لا سبيل إلى ذلك إلا بنقل أخبارهم وأسناد آثارهم أن يوجد من يوثق بذلك من جماعة أثر جماعة لا يجوز على مثلهم الاصطلاح.
<25> قال الحبر: بهلة الطريق كان تحمل ال.. وفروعها وشروحها من لدن .. مصححه في الصدور أو في المصاحف.
<26> قال الخزري: فكيف ترى أن يوجد خلاف من مصحف أو في مصحفين أو ثلاثة؟
<27> قال الحبر: ينظر إلى أكثر المصاحف، فإن الكثرة لا يجوز عليها الكذب، ويترك الافراد، وكذلك يفعل في الناقلين إذا اختلف، الأقل يرجع إلى رأي الأكثر.
<28> قال الخزري: فما تقول في حرف يوجد في المصاحف يخالف القياس مثل ... ، ويرد .. وغير ذلك كثير لا يعد ولا يحد.
<29> قال الحبر: إن أحللت القياس على هذا وإشباهه فقد غيرت الكتب كلها، في الحروف أولا، ثم في الكلمات، ثم في الصلات، ثم في التنقيط، ثم في الألحان، وتتغير المعاني. وكم .. يقدر الإنسان أن ينقل معناه إلى الضد بنقل أحد هذه التوابع، فكيف كلها؟
<30> قال الخزري: فكيف تظن أنه أودع ... كتابه عند ...؟
<31> قال الحبر: لا محالة أنه سفر ساذج خلو من التنقيط والالحان كما نرى ال.. اليوم. إذ لا يجوز الاصطلاح عليها في الجمهور كما لا يجوز الاصطلاح على الفطير في .. وسائر شرائعه التي هي ..، التي تستقر في نفوس .. حقيقة .. بتلك الأعمال المستمرة التي لا يجوز أن يتواطأ عليها في سنة من السنين، فلا يكون عليها متعرض.
ولا محالة أنه كان محفوظا في الصدور بالفتحة والضمة والكسرة والإمالة وال.. والألحان، في صدور ال.. لحاجتهم إلى ال..، وفي صدور الملوك لما ورد عليهم ...، وفي صدور ال.. لحاجتهم إلى الأحكام، وفي صدور ال.. لحاجتهم إليها فيما قيل ..، وفي صدور الأتقياء .. وفي صدور أهل الريا لطلب الاستظهار فوضعوا ال.. وال.. علامات لتلك الهيات التي حملوها نقلا عن .. فما الذي تظن بالذين ضبطوا ال.. بال.. أولا، ثم بالتنقيط، ثم بالألحان، ثم بال.. مع تحصيل ال.. وال..، حتى عدوا حروفها وصححوا أن .. قاسمة ال..، وتحصيل كل ما شذ من .. خارجا عن القياس. أترى في عملهم فضول وبطالة أم اجتهاد في واجب.
<32> قال الخزري: بل اجتهاد في واجب مع الحياطة على الشريعة كي لا يتطرق إلى تغييرها مع العلم البارع إذ يظهر من وضع التنقيط وال.. نظام لا يصدر إلا عن علم مؤيد لا يناسب علومنا بوجه وليس يمكن أن يصير مقبولا من الجمهور إلا عن جملة مرتضين أو واحد مرتضي وليس يمكن أن يقبل جمهور من واحد أن لم يكن نبيا أو مؤيدا بأمر إلهي لأن العالم الغير مؤيد يدعي من قاربه في علمه أن يعمل مثل عمله.
<33> قال الحبر: فالتقليد إذا واجب علينا وعلى القرائين وعلى كل من يقر أن هذه ال.. الموجودة المقرة على هذه الهيئة هي ..
<34> قال الخزري: هكذا يقول القرئيون. وأما بعد حصول ال.. تامة فهم في غنى عن التقليد.
<35> قال الحبر: فسبحان الله فهذا ... الساذج احتيج في ألفاظه والنطق به من التقليد إلى كم طائفة من منقط وملحن ومفسق وممسر فكم بالحرى احتيج في معانيه، إذ المعنى أكثر اتساعا من الألفاظ. أترى إذ قال لهم ... مثلا، لم يتشكك الناس هل أراد شهور القبط وهم المصريون الذين كانوا بينهم، أم أراد شهور السوريانيين الذين كانوا قوم ... في .. وهم الكسدانيون، أم شهورا شمسية، أم قمرية، أم شهورا قمرية بحيث يوفقها مع السنين الشمسية كما جاء في علم ال..، وددت أن يقنعني القرائيون في الجواب على هذا ومثاله فأرجع إلى مذهبهم فإني محب في الاجتهاد، وأن يقنعوني إذا سألتهم عما يحل به الحيوان ما معنى الزبحية، ولعله نحر وقتل كيف ما اتفق ولما ذا حرمت ... وما الذي بين ذباحه وسلاخه وسائر صنعته. ووددت أن يبين لي الشحم المحرم وهو متصل بالحلال في الماسريقا والمبعر وغير ذلك من تنقية اللحم، ويعطيني الحد الذي بين الحلال والحرام بحيث لا اختلف فيه مع صاحبي. وكذلك ال.. المحرمة عندهم هل لها حد. ولعل واحدا يعزل طرف الذنب وحده وآخر يعزل القطنة بأسرها، ووددت أن يبين لي الطائر الحلال من الحرام، حاشى المشهورين أعني ...، ومن أين له إلا تكون الدجاجة والأوزة والبراكة والحجلة من ال.. ووددت أن يعطيني حدود... إن كان بيته أو داره أو ملكه إن كانت له دور كثيرة أو دربه أو ربضه أو مدينته أو تخم مدينته، إذ لفظة ... يشترك بهذه وأكثر منها. ووددت أن يرسم لي حد ال... المحظورة في السبت، وما الذي يمنع من القلم والمحبرة لتصحيح ال...، ويبيح رفع السفر الثقيل والمائدة وسائر المطاعم وإطعام الضياف وتكلف كل ما يتكلف المضيف لضيافه وهم في راحة وهو في عذاب، وأكثر من ذلك خدمه ونساءه وقد قيل .. وبما ذا يحرم ركوب خيل ال.. في السبت، وبما ذا تحرم التجارة. ووددت أن يحكم بين خصمين من ... وأجلي ما في ال.. مشكل فضلا عن المشكل لأن التعويل إنما كان على .. ووددت أن أرى فتاويه وأحكامه في جميع المواريث من ..، بل كيفية ال.. وال.. وال.. ويبين لي من أين لزمته صلاة الله. ومن أين اعتقد أن ثم ميعادا ووعيدا وثوابا وعقابا بعد الموت، وكيف يقضون في الشرائع المتنافية، كال.. مع ال..، وال.. مع ال..، .. وغير هذا مما يطول ذكره جملة فكيف تفصيله. هل سمعت يا ملك الخزر عن تأليف للقرائين في شيء مما ذكرت مسندا مقبولا مقلدا لا اختلاف فيه بينهم من .. أو من تنقيط أو من ألحان أو من .. أو من أحكام.
<36> قال الخزري: لم أر ولا سمعت عنهم لكني أراهم مجتهدين.
<37> قال الحبر: ذلك مما قلته لك من التعقل والتحكم والمتعلقون في العبادة ل.. أكثر اجتهادا من .. المأمور بها. لأن هؤلاء قد استراحوا بتقليدهم واطمأنت نفوسهم كالمتصرف في المدينة فلم يتأهبوا لمناقضة مناقض. وهؤلاء كالماشي في القفار لا يدري ما يلقي، فهو مستعد بسلاح متأهب لقتال معلم للحرب مدرب فيها فلا يعجبك ما تراه من حزمهم ولا يكسلك ما ترى من تراخي المقلدين أعني الربانيين فإن أولئك طلبوا حصنا يتحصنون فيه، وهؤلاء راقدون متعودون في فرشهم في مدينة حصينة قديمة.
<38> قال الخزري: كل ما قلته لازم.
<39> قال الحبر: إن الشريعة حثت أن تكون תורה אחת ומשפט אחד. وبحسب قياساتهم تكثر الشرائع بحسب قياس كل واحد منهم، نعم الواحد لا يبقى على شرع واحد لأنه يظهر إليه في كل يوم رأي جديد ويزيد علمه ويلقي من يرده بحجه فيجب أن ينتقل بانتقال الرأي فإن وجدناهم متفقين فلنعلم أنهم مقلدون لواحد أو لجماعة تقدمتهم فيجب أن ننكر عليهم الاتفاق فنقول لهم كيف اتفقتم في شريعة كذا والرأي يترجح في كلام الله إلى وجوه كثيرة. فإن قالوا إن هكذا كان يعتقد ענן أو בנימין أو שאול أو غيرهم لزمتهم حجة التقليد لمن هو أقدم وأولى بالتقليد أعني ال...، لأنهم جماعات وأولئك أفراد وقياس ال... مسند إلى نقل عن الأنبياء. وأولئك قياس مجرد فقط، وال... متفقون، وأولئك مختلفون، وال... أقوالهم من ... ولو كان حكمهم من مجرد قياسهم لوجب قبوله. وأولئك ليسوا هكذا. ويا ليت شعري ما ذا جوابهم في مسألة ...، وأرى عملهم تابعا للربانيين في ... ثم يتعرضون عليهم عند رؤية هلال ... كيف صمتم ... في ... إلا يختزون وهم لا يدرون هل ذلك الشهر ... أم .. إذا كبسوا. وهل هو ... أو ... إذا لم يكبسوا، فهلا قالوا أنا الغريق فما خوفي من البلل نحن لا ندري هل الشهر .. أو ... أو..، فكيف نتعرض على من نتبع آثارهم ونتعلم منهم هل تصومون في التاسع أو العاشر من أيام الشهر.
إن شريعتنا مربوطة ...، أو ... بحضرة ... ونحن مأمورون بالطاعة لل.. المفوض في كل جيل كما قال ... ثم ... قرن عصيان ال... وال... بأعظم الجنايات في قوله... واتبعه ...، مهما النظام باق من ال... وال... وسائر الطواف التي بهم يتم النظام ويتصل بهم الأمر الإلهي لا محالة، أما بنبوة وأما بتأييد وإلهام كما كان في ... ولا يجوز على مثل أولئك تواطؤ ولا اصطلاح. وبذلك لزمت شريعة ال... وال... وشريعة ال... وجاز أن نقول ... وغير ذلك ولو كانت سننا خرجت بعد ال... لما تسمت فرضا ولا لزمتنا ...، لكن يقال فيها أنها .. أو .. فأكثر شرائعنا مسنده إلى ... وهكذا ينبغي أن يكون قوم كفوا مؤنة المعاش أربعين عاما ومؤنة اللباس وال.. وهم من الكثرة حيث هم، و... حاضر معهم، وال.. لا تبارحهم. وقد أمرهم بجمل شرائع، أليس من المحال ألا يسألوا في جزئياتها مع الأحيان وينقلوا تفسيرها وتفصيلها. وقد نرى ... وهو قد قال لهم آخرا ... فمن شاء أن يكذب هذا ال... فينظر إلى القرائيين، ومن شاء أن يصدقه فينظر علوم ال... والتلمود، وهي قليل من كثير من العلوم الطبيعية والإلاهية والرياضية والفلكية، فيرى أنه يحق لهم الفخر على جميع الأمم، بعلومهم، وبعض شرائعنا ... بالشروط المذكورة. وقد صحبت النبوة ... نحو أربعين عاما وقد أثنى ... (..؟؟ عليه السلام) في نبوته على أهل ... وعلى خيرهم وعلمهم ودينهم، فإن لم نقلد أولئك فمن نلقد. وقد نرى ما شرع بعد ... وصارت شريعة مثل ... إذ قدس ...، وعمل ال... في غير ال..، وعمل ال.. وما رتب ... من نظام ال... في البيت وصار شرعا مستمرا، وما عمل ... في ال..، وما كتب ... لجماعته في ... من ...، وما أقاموا مقام ال... وعلقوا أمامها ال.. لما علموا أن ال... مدفون هناك.
<40> قال الخزري: كيف يستقيم هذا مع ..
<41> قال الحبر: إنما قيل هذا للجمهور كي لا يتعقلوا ويتحكموا وضعوا لأنفسهم شرائع من قياساتهم كفعل القرائيين، ويحث على القبول من الأنبياء بعد ... ومن .. وال...، كما يقول في ال...، وقال في ال... وال ... إن يكون حكمهم مطاعا، فصار قول...، يعني ما أمرتكم به ... وما أمرتكم على ... على الشروط المثبتة للنبوة، أو ما اتفق عليه ال... وال... من ... فإنهم مؤيدون بال...، ولا يجوز عليهم اصطلاح على ما يخالف الشريعة لكثرتهم، ولا يجوز عليهم الوهم لعلمهم الواسع الموروث والطبيعي والمكتسب لما نقلوا عن ال... مكلفون تحصيل جميع العلوم ولا سيما وقليلا ما فارقتهم النبوة ما يقوم مقامها من ... وغير ذلك.
فهب إنا نسلم للقرائيين في ما يعترضون علينا من مفهوم لفظ ... أنه من الأحد ثم نقول أن أحد ال... أو ال... أو الملوك المرضيين مع رأي ال... وجميع ال...رأى أن الغرض من ذلك العدد إنما هو تصيير خمسين يوما ...، ومراعاة ... التي هي ...، فأعطانا مثلا بأول يوم من الجمعة قائلا إن كان الابتداء ... من يوم الأحد فتنتهون إلى يوم الأحد لنقيس منه أنه إن كان الابتداء من يوم الاثنين فإلى يوم الإثنين و...مخلي إلينا متى رأينا أنه يصلح ابتداءنا به وعددنا به، فرتب ذلك أن يكون ثاني يوم ال... ولا يكون في ذلك نقض لل... ووجب التزامه شريعة، إذ كان .... بالشروط المذكورة. وعساه كان بوحي من الله تعالى والأمر ممكن. ونتبرأ من تشجيب المشجبين.
<42> قال الخزري: لقد قطعت يا حبر بهذه الكليات التي لا أقدر أن أنكرها عن جزئيات كانت في نفسي من حجج القرائيين كنت أظن أن أفحمك بها.
<43> قال الحبر: إذا صحت الكليات فلا تبال بالجزئيات فكثيرا ما يدخلها الوهم، ثم لا نهاية لها لأنها تتشعب ولا ينفك المتناظران من شجبها وهذا كمن تقرر عنده عدل الخالق وإن حكمته شاكلة فلا يلتفت إلى ما يظهر في الدنيا من الغور. وكما قال ... وكمن صح عنده بالبرهان بقاء النفس بعد فناء الجسد وإنها ليست جسمية لكن جوهر مفارق للجسد كالملائكة فلا يلتفت إلى ما يعترضه الوهم من عدم أفعال النفس عند النوم وعند المرض المستغرق للفكر ومن اتباعها لمزاج البدن وغير ذلك من الأفكار المشجبة.
<44> قال الخزري: مع هذا لست أقنع حتى أتشفى من مناظرتك بالجزئيات وإن كان علي في ذلك نقد بعد إقراري بالكليات التي أوردتها.
<45> قال الحبر: قل ما شئت.
<46> قال الخزري: أليس القصاص بينا في ال.. في قوله..
<47> قال الحبر: ألم يقل أثر ذلك ...، أليس هذا الدية، وهلا قال من قتل فرسك أقتل فرسه، لكن قال خذ فرسه إذ لا منفعة لك في قتل فرسه، وكذلك من قطع يدك وخذ دية يده إذ لا منفعة لك في قطع يده. لا سيما وينطوي في هذه الأحكام ما يناقضه العقل من ... كيف لنا تقدير ذلك، وربما مات أحدهما من جرحه ولم يمت الآخر من مثلها. وكيف لنا حتى تخرص مثلها؟ وكيف نقلع عين أعور في حق من كانت له عينان فيبقى الواحد أعمى والآخر أعور وال.. تقول ... وما ضرورتي أن أناظرك في هذه الجزئيات بعد تقديمي ضرورة التقليد مع صدق المقلدين وجلالتهم وعلمهم واجتهادهم.
<48> قال الخزري: مع هذا لقد يعجبني تحفظهم من النجاسات.
<49> قال الحبر: ال... وال.. معنيان متضايفان لا يوجد أحدهما إلا بوجود الآخر فحيث لا ... لا ... لأن معنى ال... إنما هو أمر يحرم على صاحبه الدنو بشيء من أمور ال.. مما يوهل لله كال... ومأكلهم وملابسهم وال... والقرابين و... وغير ذلك كثير. وكذلك معنى ال.. أمر يحرم على صاحبه الدنو بأمور كثيرة مشهورة. وأكثر ذلك متعلق بحضرة ال... وقد عدمناها. وما عندنا من تحريم مباشرة ال.. وال.. ليس من قبل ال..، لكن شريعة مجردة من الله. وكذلك ما عندنا من ابعاد مؤاكلتها والاسترهاب من قربها إنما هي تحظيرات وسياجات كي لا تكون طرقه لمباشرتها. وأما فرائض ال.. فساقطه عنا لأنا في ... و... فضلا عن كل ما نتصرف فيه من ال... وال.. وال... وال.. وال.. وغير ذلك. وكذلك تحرم علينا ال.. وليس من قبل نجاستها، لكن شريعة مجردة في تحريم ال.. وشوط ال.. زائد. ولولا قولهم .. لما لزم لزوما شرعيا لكن لزوم .. وتنظيف. فإن كان التزامهم هذا لمعنى النتظيف فلا بأس بذلك، من غير أن يلزموا شرعا، وإلا فقد حصلوا متحكمين عن جهل منهم ومغيرين في الشرع ومسببين لل.. أعني شتات المذاهب الذي هو أصل فساد الملة، وخروجها عن ... و.. فإن كل ما نسهل نحن من ال.. وإن كان سمجا يسهل وبجنب ما يسبب رأيهم من ال..، حتى يكون في دار عشرة أناس بعشرة مذاهب، فإن لم تكن الشرائع عنده مضبوطة إلى حدود لا تتجاوزها لم يثق أن يدخل فيها ما ليس منها ويخرج عنها بعض ما فيها، لأنه يأخذ بقياسه وذوقه فيسهل على ال... من ذهب وفضة وبخور وخمر، وفي الحقيقة إن الموت دون ذلك أجود. ويصعب عليه أن ينال من الخنزير ولي في دواء وهو في الحقيقة من ال... الخفيفة يلزم فيها .. وكذلك كان يسهل على ال.. أكل الزبيب والعنب أكثر من الשכר من نبيذ العسل أو نبيذ التفاح. وفي الحق ضد هذا إذ التحريم إنما هو لما خرج من الدالية فقط، وليس الغرض تحريم الשכר كما يقع في الظن، بل السر هو في علم الله وعم أنبيائه وأوليائه، ولا يمكن تجهيل الناقلين والقياسيين في هذا، لأن لفظه ... مشهورة معلومة. ونقلوا أن .. و.. المقول في ال.. يقتضي أنواع المسكر كلها. وإن .. و.. المقول في ال.. إنما هو عن عصارة العنب فقط، فللشرائع حدود مستقصاه في العلم وإن سمجت عند العمل. والمتحري يتجنبها من غير أن يحرمها مثل .. الذي هو مباح لأنا لسنا على ثقة من موت ذلك الحيوان. ولقائل أن يقول أنه سيبرأ فيحل. والטרפה من حيوان ظاهر الصحة محرم لأن به علة قاتلة ولا بد لا يمكن أن يعيش بها، ولا أن يبرأ منها فحرم. وعند اللذة والتعقل تأتي هذه الأحكام بالعكس، فلا تتبع ذوقك وقياسك في فروع الشرائع فتوقعك في شكوك تدعو إلى الמינות. ولن تتفق مع صاحبك في شيء منها فإن لكل واحد من الناس ذوقا وقياسا. وإنما ينبغي أن تنظر إلى الأصل من المنقول والمكتوب والقياسات المستعملة بالقانون المنقول لرد الفروع إلى الأصول. فما أخرجتك إليه فأعتقده ولو نافره وهمك وظنك كمو ينافر الظن والوهم عدم الخلاء، والقياسات العقلية قد نفت الخلاء، وكما ينافر الظن إمكان التقسم للجسد إلى ما لا نهاية والقياس العقلي يوجب ذلك، وكما ينافر الوهم كرية الأرض وكونها جزء من مائة وستين من قرصة الشمس. وكل ما في براهين إلهية من ما ينافره الوهم، فكل ما أحل العلماء لم يكن لذوق ولا لما يظهر إليهم ببادئ الرأي بل بنتائج العلم الموروث والمنقول عندهم وكل ما حرموا كذلك. فمن أجز عن علمهم يأخذ كلامهم بالذوق أنكر عليهم كما تنكر العامة أقوال الطبيعيين والفلكيين، وهم إذا تقصو حدود الفقه وأعطوا الحلال والحرام محض الفقه عرضوا عليك ما يسمج من تلك الحدود، كما يسمجون أكل בשר כס כס وأخذ مال بحيل فقهية واستعمال السفر في السبت بحيل من الערוב، واستحلال النساء بحيل يحل بها الزواج وحل الإيمان والنذور بأصناف الערמות التي يجوزها النظر الفقهي مجردا عن الاجتهاد الديني والأمران يحتاج إليهما معا، لأنك إن أفردت النضر الفقهي جاز في حدوده أنواع من التحيل لا يمكن ضبطها. وإن تركت الحدود الفقهية التي هي سياج الشريعة وعولت إلى الاجتهاد كان سببا للמינות وتلف الكل.
<50> قال الخزري: أما هكذا فإني أقر للرباني الذي يجمع هذين الوجهين بفضله على القرئي في الظاهر والباطن ويحصل مع هذا طيب النفس على شريعته لأنها منقولة عن أسناد موثوقين بأن علمهم من عند الله تعالى فإن القرئي لو بلغ اجتهاده ما بلغ فإنه لا تطيب نفسه إذ يدري أن اجتهاده تقايس وتحكم فلا يثق أن عمله ذاك هو المرضى عند الله تعالى ويدري أن في الأمم كثيرا من يجتهد أكثر من اجتهاده. لكن بقي على مسائلتك في الערוב وهي رخصة في شريعة السبت، كيف يستحل ما حظره الله تعالى بتلك الحيلة الهينة الهجينة.
<51> قال الحبر: وعياذنا بالله تعالى إن يتفق جماهير فضلا وعلما على ما يحل عروة من عرى شريعة الله تعالى، بل هم الذين يؤكدون ويقولون ועשו סייג לתורה. ومن جملة السياجات التي سيجوا أن حرموا الהוצאה والהכנסה מרשות יחיד לרשות רבים وبالعكس، ما لم تحرم ذلك الתורה. ثم طرقوا في ذلك السياج طرقة الرخصة كي لا ينزل اجتهادهم بمنزلة شريعة وكي يكون مرفقا للناس في التصرف، ولا ينالوا ذلك المرفق إلا بإذن. والإذن هو عمل الערוב ليكون إمازة بين المباح جملة وبين السياج وبين المحظور.
<52> قال الخزري: لقد أقنعني هذا، لكني لم يقو عندي صناعة الערוב حتى تكون تؤلف بين שתי רשויות.
<53> قال الحبر: إذا فلم تقو عندك الشريعة كلها، أيقوي عندك استحلال المال والملك والأهل والعبيد بأخذ الקנין، وبالצואה، وتطليق المرأة وتحريمها بعد كونها حلالا بقول כתבו וחתמו ותנו גט، وإباحتها بعد تحريمها بقول תהא לי מקודשת. وكل ما في תורת כהנים مما يتعلق تمامه بعمل ما أو كلام ما، وצרעת הבגד והבית المتعلقة بقول الכהן טמא أو טהור. وجميع المشكنة إنما تعلقت الקדושה فيها בהקמת משה الמשכן، والמשיחה בשמן המשחה. وكذلك الכהנים إنما تعلقت الקדושה بهم بالמלואים والתנופה. والלוים بالטהרה والתנופה. وتطهير الטמאים במי נדה التي هي אפר פרה ואזוב ושני תולעת، וחטוי הבית בשתי צפרים חיות. وتلك الصناعة وغفران الذنوب في יום הכיפורים. وتطهير القدس من الטמאות בשעיר עזאזל مع الأعمال المقترنة به. وبركة בני ישראל برفع אהרן يديه، والتكلم بقول יברך ה'. وكان يحل مع كل فعل من هذه الأفعال الأمر الإلهي، لأن أعمال الشريعة كالأكوان الطبيعية جميعها مقدرة من عند الله تعالى، وليس تقديرها في قدرة بشري كما ترى الأكوان الطبيعية تقدر وتتزن وتتناسب في امتزاجها من الطبائع الأربع فبأيسر أمر تتم وتتهيء وتحلها الصورة التي تستحقها من حيوان ونبات، ويحصل لكل مزاج الصورة التي يستأهلها وبأيسر شيء يفسد. ألا ترى البيضة يفسدها أقل عرض من حر مفرط أو برد أو حركة فلا تقبل صورة الفروج ويتممها تسخين الدجاجة لها ثلاثة أسابيع، فتحله الصورة على الكمال، فمن ذا الذي يقدر أن يقدر الأعمال حتى يحلها الأمر الإلهي إلا أن يكون الله وحده. وفي مثل هذا ضل الكيماويون والروحانيون. أما الكيماويون فزعموا أنهم سيقدرون النار الطبيعية بأوزانهم حتى تكون لهم ما يردون، وتقلب لهم الأعيان، كما تفعل نار الحر الغريزي في الحيوان الذي يقلب الغذاء دما ولحما وعظما وسائر الأعضاء فيرومون إيجاد مثل هذه النار وغلطتهم تجارب وجودها بالاتفاق لا من تقديرهم، كما وجد الإنسان يتكون مع وضع المنى في الرحم والروحانيون لما سمعوا من لدن آدم إلى بني إسرائيل ما كان ينقضي لهم بالقرابين من ظهور الآثار الإلهية ظنوا أن الابتداء إنما هو من التحذق والبحث وأن الأنبياء إنما كانوا علماء متحكمين يدبرون تلك الغرائب بقياسهم، فطمعوا أن يقدروا هم أيضا قرابين في أوقات معلومة وإرصاد نجومية بحسب ما أدى إليه قياسهم مع أعمال وبخورات حتى عملوا مصاحف للكواكب وغير هذا مما يحرم ذكره، ودون هؤلاء أصحاب الשמות لما سمعوا عن نبي نبئ أنه نطق بكذا وكذا وانقضت له معجزة كذا ظنوا أن ذلك الكلام هو السبب في تلك المعجزة، فراموا تلك الهيئات ليس المستعمل كالمطبوع الأعمال الشريعية تشاكل الطبيعية لست تدري حركاتها وتحسبها عبثا حتى ترى النتيجة فتفوض إلى مدبرها ومحركها وتسلم له كما لو أنك لم تسمع بجماع ولا عرفته ولا عرفت نتيجته ورأبت نفسك شرهة إلى أخس عضو في المرأة وأنت ترى ما في قربها من الخساسة وما في الانذعان إلى المرأة من الدناة لعجبت ولقلت ما هذه الحركات إلا عبثا وجنونا حتى إذا رأيت مثالك قد نشأ ما امرأة أعجبك الأمر وتخيلت أنك من أعوان الخلقة وأن الخالق قصد بك عمارة الدنيا. وهكذا أعمال الشريعة المقدرة من عند الله تعالى تذبح الكبش مثلا، وتتلوث في دمه وفي سلخه وفي تنظيف أحشائه وغسله وتعضيته ورش دمه، وإصلاح حطبه وإيقاد ناره ونضده ولو لم يكن من أمر الله تعالى لاستخففت بهذه الأعمال ولرأيت أنها مبعدة من الله تعالى لا مقربة، حتى إذا تم على ما ينبغي ورأيت النار السماوية، أو وجدت في نفسك روحا آخر لم تعهده، أو منامات صادقة أو كرامات عرفت أنها نتيجة ما قدمت والأمر العظيم الذي به اتصلت وعليه حصلت ولم تبال إن مت بعد اتصالك به إذ إنما موتك فناء جسدك فقط. وأما النقس التي حصلت في تلك الرتبة فلا انحطاط لها عنها، ولا بعد عن تلك الدرجة.
فتبين من هذا أن لا قرب إلى الله تعالى إلا بأوامر الله تعالى ولا سبيل إلى العلم بأوامر الله إلا من طريق النبوة لا بتقايس ولا بتعقل، ولا صلة بيننا وبين تلك الأوامر إلا بالنقل الصحيح. والذين نقلوا إلينا تلك الشرائع لم يكونوا أفرادا، بل كثرة وعلماء وأجلاء ومتصلين بالأنبياء، ولو لم يكونوا غير الכהנים والלוים والשבעים זקנים الذين كانوا حملة الתורה ولم ينقطعوا من لدن משה.
<54>
<55> قال الحبر: فنحن اليوم إذا أحذق منهم وأعرف إذ نحفظ الתורה بزعمنا.
<56> قال الخزري: كذلك أقول.
<57> قال الحبر: فلو كلفنا تقريب قربان أكنا ندري كيف نذبحه ولأي جهة، وקיבול דמות והפשטו ונתוחו وكم عضوا يعضي وكيف يرش الدم وמנחתו ונסכו والשירות عليه، وما يلزم الכהנים من קדושה וטהרה ומשיחה ولياس وهيات، وكيف يأكلون الקדשים وأزمنتها وأمكنتها وغير ذلك مما يطول.
<58> قال الخزري: لسنا ندري هذا دون إمام أو نبي.
<59> قال الحبر: ألا ترى أهل בית שני كيف بنوا الמזבח سنين حتى أعان الله تعالى في بنيان البيت ثم في بنيان السور، أتظن أنهم كانوا يقربون جزافا كيف ما اتفق؟
<60> قال الخزري: ليس يمكن أن يكون עולה אשר ריח נחוח وهي شريعة ليست عقلية إلا وتتم جميع أجزائها بإذن الله تعالى وبأمره لا سيما وقد علموا شرائع יום הכפורים وما أعظم من الסוכה، وكلها تحتاج إلى علم دقيق ومعلم حاضر.
<61> قال الحبر: فمن يدري هذه الدقائق من الתורה يخفى عنه عمل الסוכה وشريعة לא יבוא עמוני ומואבי.
<62> قال الخزري: فما عسى أن أقول وفي וימצאו כתוב؟
<63> قال الحبر: الحق الصحيح وهو أن مؤرخ الמקרא لم يعن بالخفيات لكن المشهورات المعلنات فلم يذكر مع יהושע شيئا من علمه المنقول عن الله تعالى وعن משה ע"ה، بل إنما ذكر يوم وقوف الירדן ويوم وقوف الشمس ويوم الמילה لشهرتها عند الجمهور. وكذلم من أخبار שמשון وדבורה وגדעון وשמואל وדוד وשלמה. ولم يذكر من علومهم ولا مما كان لهم من الآثار في الشريعة شيئا لكن ذكر من أخبار שלמה طعامه العظيم وغناه الجسيم ولا يذكر من نوادر علمه غير אז תבאנה שתים נשים זונות. لما انقضى الأمر بحضرة الجمهور. وأما حكمه مع מלכת שבא وغيرهم فلم يذكرها، إذ لم يكن غرض المدون أن يذكر حاشى المشهور عند الجمهور الذي حملته الكافة. وأما الأخبار الخاصة التي كانت تحملها الخاصة فكلها تلفت عنا إلا القليل أو الخطب الفصيحة من النبوة التي استعذب الناس حفظهم لجلالة معناها وفصيح لفظها. فهكذا لم يؤرخ من أخبار עזרא وנחמיה ע"ה غير المشهور في الجمهور فكان يوم عمل الסכות يوما مشهورا عن وעלי זית وעלי הדס وעלי תמרים. فكان וימצאו כתוב كناية عن سمع العامة والجمهور وتحركهم لعمل الסוכות. وأما الخواص فلم يخفهم دقيق الشرع فضلا عن جليله فقصد المؤرخ تشنيع ذلك اليوم كما قصد في يوم تطليق الעמוניות والמואביות فإنه يوم أثر عظيم في تطليق الناس أمهات أولادهم وهو أمر يشق ويصعب. وما أظن أمة تأتي لمثل هذا طاعة لربها غير هذه الصفوة، فلهذه الشهرة قيل וימצאו כתוב. يعني أنه لما وصل القارئ على العامة إلى לא יבא עמוני ומואבי تحرك الناس وكان سبب هول عظيم في ذلك اليوم.
<64> قال الخزري: أريد أن تجلب لي ذوقا من كيفية النقل الدالة على صحته.
<65> قال الحبر: إن النبوة صحبت أهل בית שני طول أربعين عاما من الشيوخ المؤيدين بقوة الשכינה التي كانت في בית ראשון. إذ كانت النبوة المكتسبة ارتفعت بارتفاع الשכינה، فصارت لا ترجي إلا في النادر وعن قوة عظيمة مثل אברהם وמשה ע"ה والמשיח المنتظر وאליהו وأمثالهم الذين هم وذواتهم محل الשכינה وبحضورهم يكتسب الحاضرون درجة النبوة فبقي للقوم في رجوعهم إلى البيت חגי وזכריה وעזרא وغيرهم. وبعد أربعين عاما كان جمهور الחכמים المسمين אנשי כנסת הגדולה وعددهم لا ينحصر لكثرتهم، وهم الذين صعدوا مع זרובבל، أسندوا رؤياتهم إلى الأنبياء كما قيل ונביאים מסרוה לאנשי כניסת הגדולה، وبعده عصر שמעון הצדיק כהן גדול ومن تبعه التلاميذ والأصحاب. وبعده אנטגנס איש סוכו مشهور، ومن تلاميذه צדוק وביתוס الذين كانوا أصلا للخوارج وبهم سموا الצדוקין والביתוסין. وبعده יוסף בן יועזר חסיד שבכהונה وיוסף בן יוחנן وأصحابهما. وفيه قيل משמת יוסף בן יועזר בטלו האשכולות שנאמר אין אשכול לאכול וגו'. لأنه لم يحفظ عليه ذنب منذ صباه إلى وفاته ז"ל. وبعده יהושע בן פרחיה وأمره شهير. وישו הנוצרי كان من تلاميذه. وנתאי הארבלי معاصر له. وبعده יהודה בן טבאי وשמעון בן שטח وأصحابهما. وفي زمانهما نشأ أصل مذهب القرائيين لما جرى للחכמים مع ינאי. وكان כהן وكانت أمه متهمة بأنها חללה وعرض به أحد من الناس من جمهور الחכמים بأن قال له: ינאי המלך، רב לך כתר מלכות הנח כתר כהונה לזרעו של אהרן. فأدخله أصحابه على الחכמים ليستفه إليهم وينفيهم ويبددهم ويقتلهم. فقال: لأصحابه إذا أنا أتلقت الחכמים من لنا بعلم الתורה؟ فقالوا: הרי תורה שבכתב حاضرة كل من شاء أن يتعلم يأتي ويتعلم ولا تبال بתורה שבעל פה، فقبل منهم ونفى الחכמים وفي جملتهم שמעון בן שטח، وكان صهرة وأختل الרבנות مدة قليلة وراموا التشرع بالقياس فعجزوا، حتى انصرف שמעון בן שטח وسائر تلاميذه من الاكسندرية وعاد النقل إلى أوله تأصل للقرائيين أصل بقوم يدافعون תורה שבעל פה ويتحيلون بالحجج كما تراهم اليوم. وأما الצדוקין والביתוסין وهم الמינים المدعو عليهم في الصلاة. وأما أصحاب ישו فهم الמשמעדים الداخلون في المعمودية المبطسون في الירדן. وأما القرائيون فمجتهدون في الأصول متحكمون في الفراع، وربما تعدي الفساد إلى الأصول لكن جهلا منهم لا قصدا. ثم تلا هذا שמעיה وאבטליון ومن تلاميذهما הלל وשמאי. وكان من أمر הלל ما شهر من علمه وحلمه، وهو من זרע דוד وعاش مائة وعشرين عاما. وكان له من التلاميذ آلاف وفي مختاريهم قيل שמונים תלמידים היו לו להלל הזקן، שלשים ראויים שתשרה עליהם שכינה، ושלשים ראויים לעבר את השנים، ועשרים בינונים. גדול שבהם יונתן בן עוזיאל، קטן שבהם יוחנן בן זכאי שלא הניח מקרא ומשנה ותלמוד להלכות והגדות וכל מדות חכמים וכל מדות סופרים וכל דבר ודבר שהוא מדברי תורה שלא למדו. ואמרו עליו שלא שח שיחת חולין מימיו، ולא הניח אדם בבית המדרש ויצא ולא קדמו אדם לבית המדרש ולא שין בבית המדרש לא שנת קבע ולא שנת עראי ולא הלך ארבע אמות בלא תורה ובלא תפלין ולא מצאו אדם יושב ודומם אלא יושב ודורש ולא פתח אדם לתלמידיו אלא הוא ולא אמר דבר שלא שמע מפי רבו ולא אמר הגיעה עת לעמוד מבית המדרש וכן היה ר' אליעזר תלמידו נוהג אחריו. وهذا רבן יוחנן בן זכאי عاش مثل استاذه مائة وعشرين عاما. وحضر חרבן בית שני. من تلاميذه ר' אליעזר בן הורקנוס الذي له פרקי ר' אליעזר المشهورة في إلهية وفي مساحة الأفلاك والأرض وكل شيء غريب في علم النجوم. ومن تلاميذه ר' ישמעאל בן אלישע כהן גדול وهو ר' ישמעאל של היכלות והכרת פנים ומעשה מרכבה، لأنه علم أسرارها حتى استحق درجة قريبة من النبوة، وهو القائل פעם אחת נכנסתי להקטיר קטורת וראיתי את אכתריאל יה ה' צבאות وسائر الהלכה. ومن تلاميذه أيضا ר' יהושע المشهور الذي جرت له مع רבן גמליאל الأخبار المشهورة. وר' יוסי وר' אלעזר בן ערך المقول فيه אלו היו כל חכמי ישראל בכף מזנים ואלעזר בן ערך בכף שניה מכריע הוא את כלם. وفي هذه الأعصار حاشى هؤلاء المشاهير وحاشى جمهور الחכמים وحاشى الכהנים والלוים الذي كانت תורתם אומנותם، لا يزال الשבעים סנהדרין وعلمهم، وبإذنهم كان ولي الوالي ويعزل المعزول مثال ما قيل אמר ר' שמעון בן יוחאי: כך מקובל אני מפי שבעים זקנים ביום שהושיבו את ר' אלעזר בן עזריה בישיבה. وتوابع الשבעין מיאין. وتوابع الميأين آلاف، إذ لا يمكن أن يصفوا سبعون كاملا إلا عن מיאין دونهم. وبعد هؤلاء ר' עקיבה وר' טרפון وר' יוסי הגלילי وأصحابهم وجميعهم بعد الחרבן. ووصل רבי עקיבה إلى حد قريب من النبوة حتى كان يتصرف في عالم الروحانيين كما قيل عنه ארבעה נכנסו לפרדס אחד הציץ ומת ואחד הציץ ונפגע אחד הציץ וקצץ בנטיעות ואחד בא בשלום ויצא בשלום. ומנו? ר' עקיבה. فكان الذي مات ممن لم يحتمل مشاهدة ذلك العالم إلا أنحل تركيبه والآخر جن وتوسوس الوسواس الإلهي فلم ينتفع الناس به. والثالث أفسد العمليات لما أشرف على العقليات قائلا إن هذه الأعمال إنما هي آلات وأدوات موصلة إلى هذه الدرجة الروحانية وأنا قد وصلتها فلا أبالي بأعمال الشريعة، ففسد وأفسد، وضل وأضل، وكان ר' עקיבה هو الذي يتصرف في العالمين من غير أذاء يلحقه. وقد قيل عنه ראוי היה שתשרה עליו שכינה כמשה אלא שאין השעה ראויה לכך، وهو من جملة הרוגי מלכות وهو الذين حين قتل كان يسأل تلاميذه هل هو وقت קרית שמע ليقرأها، فقالوا له רבינו עד כאן، فقال لهم כל ימי הייתי מצטער על מקרא זה בכל לבבך ובכל נפשך ואפילו הוא נוטל את נפשך، עכשיו שבא לידי לא אקימנו؟ והיה מאריך באחד עד שיצאו נשמתו.
<66> قال الخزري: مثل هذا يعيش عيشا لذيذا ويموت موتا لذيذا ثم يحيى الحياة الأبدية في لذة متصلة.
<67> قال الحبر: ثم بعدهم في عصر واحد ר' מאיר وר' יהודה وר' יוסי وשמעון בן עזאי وר' חנניה בן תרדיון وأصحابهم. وبعد هؤلاء רבי وهو רבינו הקדוש وهو ר' יהודה הנשיא. ومعه ר' נתן وר' יהושע בן קרחה وغيرهم كثير وهم آخر روأة الמשנה المسمين תנאים، وليس بعدهم إلا الאמוראים وهم أهل التلمود. ودون الמשנה في سنة תק"ל למנין שטרות، وهي سنة ק"נ לחרבן בית שני بعد תק"ל سنة لارتفاع النبوة، اندرج فيها كل ما ذكرنا. هذه نكت قليلة من كثيرة من أخبارهم وآثارهم. وقد عنوا بالמשנה عنايتهم بالתורה من نظمهم لها وترتيبها وعدد الסדרים والפרקים والהלכות وحرز الروئيات ما يبعد عن الظن أن يكون أمرا مصطلحا عليه، وينطوي فيها من فصيح اللغة العبرانية ما لم يشتق من لغة الמקרא كثير، وأما إيجاز كلامهم وحسن نظامها وجودة تصنيفها وحصر وجوه المعاني مع الجزم والقطع دون تشكك وظن ففي حد يرى متأملها بعين الحقيقة أن البشر يقصر عن تأليف مثلها إلا مع تأييد إلهي وما يعاديها إلا من يجهلها ولم يشتغل بقراءتها وتصفحها ويسمع من آثار الחכמים الأخبار العامية الدرشية فيقضي لهم بالفتور والنقصان كمن يقضع بالنقصان على من لقيه دون خبرة وطول صحبه، ومن مثالات أسنادهم إلى النبوة قولهم אמר ר' נחום הלבלר מקובל אני מרבי מיאשא שקבל מאביו שקבל מן הזוגות שקבלו מן הנביאים הלכה למשה מסיני. ومن تحفظهم من نقل الأفراد قول بعضهم لولده موصي عند وفاته בני חזור לך בארבעה דברים שהייתי אומר، אמר לו: ואתה למה לא חזרתה בך? אמר לו: אני שמעתי מפי רבים והם שמעו מפי מרובין، אני עמדתי בשמועתי והם עמדו בשמועתם، אבל אתה שמעתה מפי יחיד، מוטב להניח את דברי יחיד ולאחוז את דברי מרובים. وهذه نكت قليلة ونقطة من بحر من دلائل فضل روأيات الמשנה. وأما روايات التلمود ونقاليه فيطول الكلام فيهم وفي طرائقهم ونوادرهم وأمثالهم وإن فيها ما لا يستحسن اليوم، فقد كان في تلك الأعصار مستعملا مستحسنا.
<68> قال الخزري: كذلك أرى في جزئيات أخبارهم ما يخل بما تصف من كلياتها من تخريجهم آيات الתורה إلى وجوه يبعدها القياس وتشهد النفوس بأنه لم يكن القصد من ذلك الפסוק ما ذكروه مرة في الأحكام ومرة في الדרשות. وكذلك ما لهم من הגדות وמעשיות تستبعدها العقول.
<69> قال الحبر: أرأيت ما لهم من التحرير والتحري في شرح الמשנה والבריתא، وما ينتهون فيها من التدقيق والتحقيق دون مسامحة في لفظه فكيف في معنى؟
<70> قال الخزري: رأيت ما يفوق كل جدل بل ذلك البرهان الذي لا تعقب وراءه.
<71> قال الحبر: أفيقاس على من يدقق هذا التدقيق أنه يجهل من الפסוק ما ندريه نحن؟
<72> قال الخزري: ذلك محال بل الأمر على أحد وجهين إما أنا نحن لا ندري طرق تفسيرهم للתורה، وإما الذين يفسرون الהלכה ليسوا هم المفسرين للתורה. وهذا الوجه الثاني محال وقليلا ما نرى لهم تفسير פסוק يطابق القياس وظاهر اللفظ كما أنا لا نرى لهم تفسير הלכה إلا في غاية المطابقة للقياس.
<73> قال الحبر: لكن نقول أحد أمرين إما أن لهم أسرار خفيت عنا في طرق تفسير الתורה كانت عندهم نقلا في استعمال שלש עשרה מדות. وإما أن غلبهم للפסוקים طريق الأسناد المسماة عندخم אסמכתא يجعلونها علامة لنقلهم كما جعلوا ויצו ה' אלהים על האדם לאמר מכל עץ הגן אכל תאכל علامة على שבע מצות שנצטוו בני נח - ויצו אלו הדינין، ה' זה ברכת השם، אלהים זו עבודה זרה، על האדם זו שפיכות דמים، לאמר זה גילוי עריות، מכל עץ הגן זה גזל، אכל תאכל זה אבר מן החי. ما أبعد ما بين هذه الغراض وهذا الפסוק، لكن عند القوم نقل هذه الשבע מצות وعلقوها بهذا الפסוק كالסימן تسهيلا لحفظها. وعسى الوجهين عندهم في تفسير الפסוקים أو ثم وجوه غابت وتقليدهم واجب مذ صح علمهم ودينهم واجتهادهم وجمهورهم العظيم الذي لا يجوز فيه التواطؤ فلا نرتاب بقولهم وإنما نرتاب بأفهامنا كما نفعل في الתורה وما ينطوي فيها من كلام لا تحتمله نفوسنا ولا ريب عندنا في شيء منه، وننسب التقصير إلى أنفسنا.
وأما الהגדות فمنها استعمال توطئة ومقدمة لغرض يريدون تأكيده وتأييده مثل אמרו כשירד רבון העולמים למצרים، لتأكيد الإيمان بأن יציאת מצרים إنما كانت قصدا من الله، لا باتفاق ولا بوسائط من حيل الناس وروحانيات كواكب وملائكة وجن وكل ما يختلج بالبال المفكر، بل بأمره تعالى وحده. فقالوا على طريق ما يقولون כביכול. يعنون بعد أن يتفق كذا وكذا لكان كذا وكذا، وعلى أن هذا ليس في التلمود ولا يوجد إلا في بعض الסדורין لكن مع هذا متى وجدت مثله فإلى هذا ينحو كما قال מיכיהו لאחאב: ראיתי את ה' יושב על כסאו וגו' ויאמר ה' מי יפתה את אחאב וגו' ויצא רוח וגו'. وسائر القول ولم يكن في الحقيقة أكثر من قوله הנה נתן ה' רוח שקר בפי כל נביאיך אלה وغير ذلك مقدمة وتوطئة خطابية موثقة مؤكدة لهذا القول أنه حق. ومنها أوصاف من مشاهدات روحانيات رأوها ليس بمستغرب على أولئك الفضلاء أن يروا صورا منها خيالية لعظيم تفردهم وأصفاء أذهانهم. ومنها صور لها حقيقة من خارج كما رآها الأنبياء. وكذلك בת קול التي صحبتهم في בית שני درجة دون الחזון والקול. فلا يستبعد قول ר' ישמעאל שמעתי בת קול שמנהמת כיונה وغير ذلك، إذ تبين من مشهد משה وאליהו ע"ה ما يجعل هذا من الممكن، فإذا جاء به الخبر الصادق وجب قبوله. فيأول في قوله אוי לי שחרבתי את ביתי ما يأول في וינחם ה' ויתעצב אל לבו. ومنها ما هي أمثال مضروبة على أسرار علوم منع كشفها إذ لا منفعة فيها للجمهور وهي معرضة للبحث والتفحيش للأفراد وظفر بها من استحقها واحد في عصر أو في أعصار. ومنها محالية الظاهر ويتبين غرضها بأيسر نظر مثل قولهم שבעה דברים נבראו קודם לעולם: גן עדן ותורה וצדיקים וישראל וכסא הכבוד וירושלים ומשיח בן דוד، نظيرا لقول العلماء أول الفكرة آخر العمل. فلما كان قصد الحكمة في خلقة الدنيا الתורה التي هي جسد الحكمة وحملتها هم الצדיקים وبينهم يحل כסא הכבוד، والצדיקים بالحقيقة لا يكونون إلا من صفوة وهم ישראל ولا يليق بهم إلا أخص المواضع وهي ירושלים، ولا ينظمهم إلا أشرف الناس وهو משיח בן דוד، ومالهم ومسيرهم إلى גן עדן، وجب أن توضع هذه مخلوقة بالقوة قبل العالم. ومن المحالية الظاهر أيضا ما ذكر من עשרה דברים נבראו בין השמשות פי הארץ ופי הבאר ופי האתון וגו' للتوفيق بين الشريعة والطبيعة إذ الطبيعة تقول بالعادة والشريعة تقول بخرق العادة. والتوفيق بينهما أن العادات التي انخرقت إنما هي بالطبيعة. لأنها في الإرادة القديمة مشروطة بها مبنية عليها מששת ימי בראשית، ولست أنكرك يا ملك الخزر أن يكون في التلمود أمور ليس أقدر على أقنعك فيها ولا على ضمها إلى مضمار. وهي التي ضمها التلمود اجتهاد التلامذة لما كان عندهم أن אפילו שיחת חכמים צריכה תלמוד. وما كان يتحرون ألا يقولوا إلا ما سمعوه من أستاذيهم مع اجتهادهم أن يرووا كل ما سمعوه من أستاذيهم ويتحرون في ذلك لفظهم بعينه وربما لم يفهموا معناها فقالوا أن هكذا روينا وسمعنا. وربما كان للأستاذ في ذلك أغراض خفيت عن تلاميذه فوصل الأمر إلينا فاستخففنا به لما لم ندر غرضه. ولكن جميع هذا في ما لا يحل ولا يحرم فلا نبالي به ولا يخل في التأليف مع الوجوه التي ذكرنا.
<74> قال الخزري: لقد طيبت نفسي ومكنت إيماني بالنقل وأريد الآن أن تعرض لي ذوقا من علومكم بعد أن تزيدني بيانا في أسماء الله تعالى وتوسع لي في ذلك قليلا بعون الله.
المقالة الرابعة
<1> قال الحبر: אלהים صفة لمالك أمر ما وحاكمه وقد يكون في الكل إذا أريد به مالك العالم بأسره. وقد يكون في الجزء إذا أريد به قوة من قوى الفلك أو طبيعة من الطبائع أو حاكم من الناس. وإنما أنبني هذا الاسم على الجمع من شائع الاستعمال الجاري بين الأمم الذين كانو يتخذون أصناما يعتقدون كل واحد منها عندهم إله، فسيمون الجملة אלהים ويحلفون بها وكأنها حاكمة عليهم، فهي متكثرة بتكثر القوى المدبرة للبدن والقوى المدبرة للعالم، فإن القوى كناية عن أسباب الحركات، فإن كل حركة فعن قوة غير قوة الحركة الأخرى. فإن فلك الشمس وفلك القمر ليس يجريان بقوة واحدة لكن بقوى مختلفة، ولم يلتفتوا إلى القوة الأولى التي عنها صدرت جميع هذه القوى، أما لأنهم لم يقروا بها، وأدعوا أن جماعة هذه القوى هي المكني عنها بإله، وأن النفس أيضا إنما هي جماعة القوى المدبرة للبدن. وإما أقروا بالله لكنهم استبعدوا الانتفاع بعبادته وزعموا أنه أنزه وأرفع من أن يعرفنا فضلا عن أن يعني بنا - تعالى الله عن قولهم - فصاروا لا يعبدون أمرا واحدا لكن كثيرا يسمونها אלהים، جملة تعم الأسباب دون تفصيل. والتحرير والتفصيل إنما هو في الاسم المكتوب بיוד הא ואו הא יתברך ויתרומם. فهو اسم علم مشار إليه بالصفات لا بالمكان، بعد أن كان مجهولا أن كان يسمى אלהים على العموم فسمي ה' على الخصوص. كان سائلا سأل أي אלהים هو الذي ينبغي أن يعبد: الشمس أو القمر أو السماء أو البروج أو أحد الكواكب أو النار أو الهواء أو الملائكة الروحانيون أو غير ذلك، فإن لكل واحد منها تأثيرا وحكما، وكل واحد منها سبب في الكون والفساد. فيكون الجواب ה' كقولك فلان اسم علم مثل ראובן وשמעון بعد أن يفهم من لفظ ראובן وשמעון حقيقة ذواتهما.
<2> قال الخزري: وكيف أشخص من لا إشارة إليه لكن استدل عليه من آثاره؟
<3> قال الحبر: بل يشار إليه بالمشاهدة النبوية وبالبصيرة، لأن الاستدلال مضلل، ومن الاستدلال تحدث الزندقة والمذاهب الفاسدة. وكان الثنويه أداهم إلى القول بسببين قديمين إلا الاستدلال. وكان الدهرية أداهم إلى القول بقدم الفلك وأنه سبب نفسه وسبب غيره إلا الاستدلال. وكذلك عباد النار وعباد الشمس الاستدلال أداهم إلى ذلك، لكن طرق الاستدلال أداهم اختلفت، فمنها مستقصاه ومنها مقصرة واحفلها استقصاء الفلاسفة. وطرق الاستدلال أدتهم إلى القول برب لا يضرنا ولا ينفعنا ولا يدري صلواتنا وقرابيننا ولا طاعتنا ولا عصياننا، وأن العالم قديم كقدمه، فليس عند واحد منهم اسم علم لله مشار إليه، لكن عند من سمع خطابه وأمره ونهيه، وثوابه عند الطاعة وعقابه عند المعصية فهو يسميه باسم علم كناية عن ذلك الذي خطابه وحقق عنده أنه خالق العالم بعد عدمه، فأولهم آدم ما كان ليدري الله أولا خطابه وثوابه وعقابه واختراعه له חוה من ضلع من أضلاعه، فتحقق أن ذلك هو خالق العالم، وأشار إليه بالقول والصفات وسماه ה'. ولولا هذا لبقي على اسم אלהים لا يتحقق ما هو هل واحد أم اكثر. هل هو عالم بالجزئيات أم لا. ثم קין وהבל إنما عرفاه بعد تقليدهما لأبيهما بالمشاهدة النبوية. ثم נח. ثم אברהם وיצחק وיעקב إلى משה. ومن بعده الأنبياء فسموه هم ה' بمشاهدتهم. وسماه القوم المقلدون لهم بتقليدهم لهم ה'. من حيث يتصل أمره وتدبره بالناس. ويتصل الأصفياء من الناس به حتى يشاهدونه بواسطة ما يتسمى כבוד وשכינה وמלכות وאש وענן وצלם وתמונה وמראה הקשת وغير ذلك مما يدلهم أنهم مخاطبون من عنده تعالى فيسمون ذلك כבוד ה'. وربما سموه ה' وربما سموا الארון ה'، كقول קומה ה' عند القيام، وשובה ה' عند النزول. وעלה אלהים בתרועה ה' בקול שופר، وهم يريدون ארון ה'. وربما سموا النسبة التي بين ישראל وبينه والإضافة ה'، وفي ذلك قيل הלא משנאיך ה' אשנא. ואויבי ה' يريدون עם ה'، أو ברית ה'، أو תורת ה'، إذ لا إضافة بينه وبين ملة من الملل. إذ إنما يفيض نوره على الصفوة فهم مقبولون منه وهو مقبول منهم. وبذلك يتسمى هو אלהי ישראל ويتسمون هم עם ה' وעם אלהי אברהם. وهب أن بعض الملل قد اتبعوه وعبدوه سماعا وتقليدا، أين قبوله هو لهم واتصاله بهم ورضاه عن طاعتهم وسخطه لعصيانهم، نراهم متروكين مع الطبيعة والاتفاق، يسعدون وينحسون بحسبهما لا بأمر يتحقق أنه بأمر الهي وحده. وكذلك خصصنا بقوله ה' בדד ינחנו ואין עמו אל נכר. فصار هذا الاسم خاصا بنا إذ لا يعرفه حق معرفته غيرنا، وهو اسم علم لا يحتمل הא المعرفة كما تزاد على אלהים فيقال האלהים. وهذا الاسم من جملة الفضائل التي خصصنا بها وسره مستور. وأما فضيلة الحروف الخاصة به فهي الناطقة لأنها أحرف אהו"י التي هي علة ظهور جميع الحروف إذ لا ينطق بحرف من الحروف مهما لم تحضر قوة هذه، أعني الفتحة للألف والهاء، والضما للواو والكسر للياء، فهي كالأرواح. وسائر الحروف كالأجسام.
وأما יה فمثله. وأما אהיה فيشبه أن يكون من هذا الاسم، ويشبه أن يكون مشتقا من היה، أراد به صرف الأذهان عن الفكرة في حقيقة الذات الممتنعة معرفتها، فلما سأله ואמרו לי מה שמו أجابه قائلا ما بالهم يطلبون ما لم يمكنهم إدراكه، شبيها بقول الملاك למה זה תשאל לשמי והוא פלאי، لكن قل لهم אהיה، وتفسيره אשר אהיה. يعني الحاضر الذي أحضركم متى طلبتموني فلا يطلبوا أعظم دليلا من وجودي معهم، فليسموني هكذا، فقال אהיה שלחני אליכם. وقد تقدم وجعل برهانه لמשה مثل هذا بقوله כי אהיה עמך וזה לך האות، الآية أني مرسلك أني أحضرك في كل مكان، وتابعه بما يشاكل هذا بقوله אלהי אבותיכם אלהי אברהם אלהי יצחק ואלהי יעקב المشهورين بالأمر الإلهي معهم أبدا. وأما אלהי האלהים، فكناية عن كون جميع القوى الفاعلة مفتقرة إلى رب ينظمها ويصرفها. وאדני האדנים مرادف له.
أما אל فمشتق من אילות، وعنه صدرت القوى فهو منزه من الاشتباه بها، وساج قول מי כמוך באלים جمع אל. وأما קדוש فكناية عن التنزيه والترفيع عن أن يليق به صفة من صفات المخلوقات وأن سمي بها على المجاز، ولذلك سمع ישעיהו קדוש קדוש קדוש. إلى ما لا نهاية، يعنع أنه منزه ومرفع ومقدس ومبرأ عن أن يلحقه شيء من نجاسات الأمة التي حل نوره فيما بينهم، ولذلك رآه על כסא רם ונשא. فيكنى بקדוש عن الروحاني الذي لا يتجسم ولا يتشبث بجانبه شيء مما يتعلق بالمجسمات فيقال קדוש ישראל كناية عن الأمر الإلهي المتصل به، ثم بجمهور ذريته اتصال تدبير وسياسة لا اتصال لصوق ومماسة. وليس بمباح لكل من شاء أن يقول אלהי وקדשי إلا على سبيل المجاز بطريق التقلبد. وأما على حقيقة فإنما يقوله نبي أو ولي ممن يتصل به أمر إلهي، ولذلك يقال للنبي חל נא את פני יהוה אלהיך، وقد كان المقصود بهذه الأمة أن تكون نسبتها من الأمم كنسبة الملك من الناس كقوله קדושים תהיו כי קדוש אני ה' אלהיכם.
وأما אדני المكتوب אלף דלת נון יוד فهو كالإشارة إلى شيء وإن كان في حقه منزها عن الإشارة، لأن الإشارة إنما هي لجهة دون جهة. فقد يشار إلى الأشياء المنفعلة عنه المتصرفة له تصريفا أوليا كما يشار إلى العقل فيقال أنه في القلب أو في الدماغ فيقال هذا العقل وذاك العقل، ولا إشارة بالحقيقة إلا إلى ما يتحيز بمكان، وعلى أن الأعضاء كلها تتصرف للعقل فإن كان ذلك بواسطة القلب أو الدماغ، فآلته الأولى يشار إليها أن العقل هناك، كذلك يشار إلى السماء، لأنها آلة تتصرف بمجرد إرادته تعالى دون أسباب آخر متوسطة بينهما، ولا يشار إلى شيء من المركبات لأنها آلات متصرفة بتوسط أسباب آخر تتسلسل إليه تعالى فإنه سبب الأسباب، فيقال היושבי בשמים. כי האלהים בשמים. وربما قيل على المجاز יראת שמים. וירא שמים בסתר. ומן השמים ירוחמו. وكذلك يشار إلى עמוד האש وעמוד הענן ويسجد نحوه ويقال أن الرب هناك لأن ذاك العامود تصرفه بمجرد إرادته، وليس كسائر الغمام والنيران المتفقة في الجو من أسباب آخر, وكذلك يشار إلى אש אוכלת בראש ההר التي رأتها العامة، وإلى الصورة الروحانية التي رأتها الخاصة ותחת רגליו כמעשה לבנת הספיר. وسميت אלהי ישראל. وكذلك يشار إلى ארון הברית فيقال عنه אדון כל הארץ، لظهور العجائب معه وعدمها دونه، كما سميت العين مبصرة، والمبصر به غيرها، أعني النفس. وقد يشار إلى الأنبياء والعلماء الفضلاء لأنهم كالآلات الأولى لإرادة الله يتصرفون بمشيئة ولا يخالفون شيئا من أمره. وتظهر العجائب بهم. وبمثل هذه الإشارة قالت الأحبار את ה' אלהיך תירא לרבות תלמידי חכמים. وحقيق من هو في مثل هذه الدرجة أن يتسمى איש אלהים. صفة مركبة من الناسوت واللاهوت كأنك قلت الإنسان الإلهي. فعند المخاطبة لشيء إلهي مشار إليه يقال אדני بאלף דלת נון יוד، كأنه يقول يا مولاي. ويشير إلى ما يحيز مكان مجازا كقول יושב הכרובים، وיושב ציון، وשוכן ירושלם، فتكثرت الصفات، والذات واحدة، لاختلاف محل القابل، كاختلاف الشعاعات والشمس واحدة. وهذه المثال ليس بمطابق بالكلية إلا لو كانت الشمس غير مدركة فتوجد الشعاعات ولا يدرك سببها إلا بطريق الاستدلال.
ولا بد من التوسع قليلا في الكلام ههنا لأنه موضع اعتراض كيف يشار إلى مكان من لا مكان له ثم يعتقد في المشار إليه أنه السبب الأول، فنوطئ في جواب ذلك توطئة، فنقول إن الحواس تدرك من المحسوسات أعراضها لا جواهرها. فما تدرك من الرئيس الذي تعتقد تعظيمه، بل قد تراه في الحرب في زي ما، ثم تراه في المدينة في زي آخر، وتراه في منزله في زي ثالث، وتقول إن هو السلطان بقضاء العقل لا بقضاء الحس. وربما رأيته صبيا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ورأيته صحيحا ثم مريضا. وقد تبدلت مرائاته وملموساته وأخلاطه وأخلاقه. وأنت تقضي أنه هو هو. وإنما قضيت على أنه خاطبك وأمرك نهاك وذلك منه إنما هو العقل أو النفس الناطقة. وقد ثبت أن ذلك الجزء منه جوهر غير متحيز فلا إشارة إليه وأنت قد أشرت إليه وقضيت بأنه السلطان. بل جسم يحركه من شاء وينفعل من انفعالات من الاتفاق والإرادة كالسحاب الذي اتفق في الجو تحمله ريح وتسوقه أخرى وتجمعه ريح وتفرقه ريح أخرى. وكان قبل ذلك جسما لا ينفعل إلا بإردة نفس ذلك السلطان. فكان كعمود الغمام الإلهي الذي لا تبدره الأرياح. مثال آخر: الشمس نراها دائرة بسيطة بقدر الترس وفي شكلة مضية حارة ساكنة. والعقل يقضي بأنها كرة بقدر كرة الأرض نحو קס"ו مرة وأنها ليست حارة ولا ساكنة لكن متحركة حركتين متضادتين مشرقية ومغربية بشرائط يطول شرحها. فلم توضع للحواس قوة لإدراك جوهر الأشياء بل قوة خاصية لإدراك أعراض تابعة يستدل منها العقل على جوهرها وسببها فلا يقف على الماهية والمعنى إلا العقل الصحيح. فكل ما هو عقل بالفعل كالملائكة يدرك المعاني والماهيات إلا بلطائف صنع الله تعالى بخصوصيات وقوى وضعها في الحواس مشاكلة لأعراض المحسوسات ملازمة أبدا في جميع النوع فلا يختلف بصري مع بصرك أن تلك الصفيحة المدورة المنيرة المسخنة هي الشمس، وإن كانت هذه الصفات منفية عند العقل لا يضر ذلك بالنظر من حيث استدللنا بها على مرادنا كما ينتفع البصير العاقل يطلب ناقته بقول الأعمش الأحول أرى في موضع كذا غرنوقتين فيعلم البصير أنه إنما رأى الناقة وأن عمشه خيل له أنه غرنوق وحوله خيل له أنه اثنان فانتفع البصير بشهادة الأعمش وعذره في سوء عبارته لسوء نظره. فهكذا الحواس والقوة الخيالية عند العقل وكما تلطف الخالق تعالى في وضع هذه النسبة بين الحس الظاهر والمحسوس الجسماني كذلك تلطف وفي وضع نسبه بين الحس الباطن والمعنى غير المجتسم، فجعل لمن شرف من خلقه عينا باطنة ترى أشياء بأعيانها لا اختلاف فيستدل منها العقل على معنى تلك الأشياء ولبابها. ومن خلقت له تلك العين هو البصير بالحقيقة ويرى جميع الناس كالعمي فيهديهم ويرشدهم، ويوشك أن تكون تلك العين هي القوة المتخيلة مهما خدمت القوة العقلية فترى صورا عظيمة هائلة تدل على حقائق لا ريب فيها. وأعظم الدليل على حقيقتها اتفاق جميع ذلك الصنف على تلك الصور أعني جميع الأنبياء فأنهم يشاهدون أشياء يشهد فيها بعضهم لبعض كما نفعل نحن في محسوساتنا فنشهد بحلاوة العسل ومرارة الحنظل. وإن رأينا من خالفنا قلنا إنه خارج عن الأمر الطبيعي، فهؤلاء لا محالة يشاهدون ذلك العالم الإلهي بالعين الباطنة فيرون صورا مشاكلة لطبائعهم وما ألفوا فيصفونها بالصفات التي شاهدوها مجسمة وتلك الصفات حقيقة بالإضافة إلى ما يطلبه الوهم والخيال والحس وليست بحقيقة بالإضافة إلى الذات التي يطلبها العقل كما مثلنا في الرئيس. فإن من قال هو الطويل الأبيض لابس الديباج الذي على رأسه العلم وما أشبه ذلك لم يكذب. ومن قال ليس هو ذلك لكن العاقل المميز الأمر الناهي في بلد كذا في عصر كذا على أمة كذا لم يكذب أيضا، فيشاهد النبي بالعين الباطنة أكمل الصور التي شاهدها كصورة رئيس أو قاض متقعد على كرسي في حال أمر ونهي وتوليه وعزل فيعلم أنها صورة تشاكل رئيسا مطاعا. وإذا رأى صورة حامل سلاح أو حامل آلات كتابة أو مشمر لعمل أمر ما علم أنها صورة تشاكل الخادم المطيع، فلا يشق عليه تشبيه آدمي بالخالق. وأما باعتبار العقل فيشبهه أولا بالنور لأنه أشرف المحسوسات وألطفها وأشدها أحاطه واشتمالا بأجزاء العالم. فإذا تفكر في الصفات التي لا بد منها مجازا أو حقيقة مثل حي وعالم وقادر ومريد ومدبر وناظم ومعطي كل شيء حقه وحاكم عادل لم يجد في مشاهدتنا أشبه به من النفس الناطقة وهي الإنسان الكامل وهي هو من حيث هو إنسان لا من حيث هو جسم، فإنه يشترك في ذلك مع النبات، ولا من حيث هو حيوان، فإنه يشترك أيضا في ذلك مع البهائم، وقد شبه المتفلسفون العالم بإنسان كبير، والإنسان بعالم صغير. فإن كان هذا وكان الله روح العالم ونفسه وعقله وحياته كما تسمى بחי העולם، فقد صح التشبيه بطريق العقل، فكيف وللنبوة بصر أجلى من القياس، فذلك البصر أدرك الملأ الأعلى عيانا ورأى عمار السماء من الروحانيين المقربين وغيرهم في صورة آدم، وإليهم الإشارة في قوله تعالى נעשה אדם בצלמנו כדמותנו، يعني إني قد درجت الخلقة وسقتها على ترتيب الحكمة من العناصر إلى المعادن إلى النبات إلى حيوان الماء والهواء، ثم إلى حيوان الأرض ذوات الحواس الذكية والإلهامات العجيبة. وليس بعد تلك الرتبة إلا رتبة تقارب الجنس الإلهي الملائكي، فخلق آدم في صورة ملائكته وخدمة المقربين إليه بالرتبة لا بالمكان، إذ تعالى عن المكان، فعلى كلا التشبيهين لا يمكن أن يكون مثاله عند الخيال إلا صورة أجل الناس يصدر عنه النظام والرتبة لسائر الناس على درجات كما عنه تعالى ترتيب العالم ونظامه، فيرى في حين العزل والتولية والحكم على ممالك עד די כרסון רמיו ועתיק יומין יתב. وفي حين الغضب والأهمام بالإقلاع יושב על כסא רם ונשא، وשרפים עומדים ממעל לו. وفي حين الإقلاع المركبة التي رآها יחזקאל، وحصل جميع هذا في الخيال خارج موضع النبوة وهو كما حددخ מים סוף עד ים פלשתים، وينتظم فيه مثل מדבר סיני وפארן وשעיר وמצרים أيضا، فإن لذلك المكان خصوصية إذا اتفق لها قابل مع الشرائط الشرعية المأمور بها، ترات تلك الصور عيانا بالبصر במראה ולא בחידות، משה الמשכן وסדר עבודה وארץ כנען بأجزائها، ومشهد ויעבר ה' על פניו، ومشهد אליהו في ذلك الموضع بعينه فهذه الأشياء التي لا تدرك قياسا أبطلتها فلاسفة يونان لإبعاد القياس ما لم ير مثله، وأثبتها الأنبياء لما لم يمكنهم إنكار ما شاهدوا بالعين الروحانية التي فضلوا بها، وكانوا جماعات وفي أعصار مختلفة لا يجوز عليهم الإصطلاح، وأقر لهم العلماء الذين أدركوهم وشاهدوهم في حال نبوتهم. ولو شاهد فلاسفة يونان الأنبياء في حال نبوتهم ومعجزاتهم لأقروا لهم ولطلبوا وجوها قياسية في كيفية حصول هذه الرتبة للإنسان. وقد فعل ذلك بعضهم لا سيما المتفلسفون من أهل الأديان, فإلى مثل هذا تقع الإشارة بאדני بאלף דלת נון יוד لأمر إلهي حاضر كأنه يقول له يا مولاي. وמלאכות ה' كناية عن الرسالة. والملاك قد يكون مخلوقا لوقته من الأجسام العنصرية اللطيفة، وقد يكون من الملائكة السرمديين، ولعلهم الروحانيون الذين يزعمهم الفلاسفة ولا لنا دفعهم ولا علينا قبولهم. والشك فيما رأى ישעיהו وיחזקאל وדניאל هل هو من المخلوقين أو من الصور الروحانية الثابتة. وכבוד ה' هو الجسم اللطيف التابع لإرادة الله المتشكل بحسب ما يريد عرضه للنبي هذا بحسب الرأي الأول. وأما بحسب الرأي الثاني فيكون כבוד ה' جملة الملائكة والآلات الروحانية כסא وמרכבה وרקיע وאופנים وגלגלים وغير ذلك مما هو ثابت باق. فهو يتسمى כבוד كما تسمى ثقلة الرئيس כבודה. ولعل هذا كان مطلوب משה ע"ה بقول הראני נא את כבודך. أنعم له بذلك بشرط أن يتحفظ من رؤية المقدمة التي لا يحتملها بشري وكما قال וראית את אחורי. وفي ذلك الכבוד ما يحتمل البصر النبوي نعم وفي توابعه ما يحتمله أبصارنا مثل الענן وאש אוכלת مما هو مألوف عندنا وفيه ألطف فألطف إلى أن يبلغ إلى درجة لا يدركها النبي وأن تقحمها أنحل تركيبه، كما عندنا في قوة الأبصار فمن بصره ضعيف لا يرى إلا في الضوء اليسير الذي يبقى بعد عشاء كالخفاش والعمش وضعفاء البصر لا يرون إلا في الظل ومن هو أقوى بصرا يرى في الشمس. لكن نفس الشمس حين صفائها لا يقدر البصر على النظر إليها. وأن تكلف ذلك عمي. فهذا هو כבוד ה' وמלאכות ה' وשכינת ה' في الأسماء الشرعية لكن ربما استعيرت للأحكام الطبيعية فقيل מלא כל הארץ כבודו، ומלכותו בכל משלה. وأما على الحقيقة فلا ظهور للכבוד وللמלכות إلا على أوليائه وأصفيائه وأنبيائه الذين بهم يتحقق الزنديق أن لله حكما وملكا في الأرض وعلما بجزئيات أعمال العباد فحينئذ يقال حقيقة מלך ה'، وנראה כבוד ה'، وימלוך ה' לעולם אלהיך ציון، وאמרו לציון מלך אלהיך، وכבוד ה' עליך זרח.
فلا يستبعد كل ما قيل ותמונת ה' יביט، ויראו את אלהי ישראל، وמעשה מרכבה، نعم ولا שיעור קומה لما في ذلك من تحصيل هيبته في الأنفس، وكما قال ובעבור תהיה יראתו על פניכם וגו'.
<4> قال الخزري: أوليس إذا حصل في العقل ربوبيته ووحدانيته وقدرته وعلمه وصدور الكل عنه وحاجة الكل إليه واستغناءه عن الكل، يحصل الهيبة منه والحب له ويغنى عن هذا التجسيم؟
<5> قال الحبر: هذا دعوى المتفلسفين، والذي نرى من النفس الآدمية أنها ترهب عند حضور المفزعات محسوسة ما لا تهرب إذا حدثنا عنها، كما ترغب في الصورة الجميلة الحاضرة المرئية ما لا ترغب إذا حدثنا عنها. ولا تصدق المتعقل إذا زعم أنه يتصل له الفكر على ولا وعلى نظام حتى يحصل جميع المعاني المحتاجة في الإلهية بمجرد عقله دون إسناد إلى محسوس ولا ضباط بمشاهدة مثل، إما من لفظ، وإما من خط، وإما من صورة مرئية أو خيالية، ألا ترى أنك لا تقدر على تحصيل معاني صلاتك بالفكر وحدة دون قراءة، ولا تقدر أن تعد إلى مائة مثلا بمجرد الفكر دون النطق، لا سيما إن أردت أن تؤلف المائة من أعداد مختلفة، فلالا الحس الذي يضبط ذلك النظام العقلي المثالات وحكايات لم ينضبط، فهكذا تنتظم للنبي عظمة الله وقدرته ورحمته وعلمه وحياته ودوامه وسلطانه وغناه عن الكل، وحاجة الكل إليه، وانفراده وتقدسه بما يراه دفعة في آن واحد من عظم تلك الصورة المخلوقة له وبهاها والحيات والآلات الدالة على القدرة كاليد المرفوعة، والسيف المصلت، والنيران والرياح والبروق والرعود المتصرفة بأمره، والكلام الصادر عن ذلك الأنذارات والأعلام بما كان ويكون، ووقوف الناس والملائكة بين يديه خاضعين، وصدور حاجتهم كلهم من عنده، يغنيهم ولا ينقصهم. ويعز الذليل ويذل العزيز. ويبسط يده للتائبين، ويدعوهم מי יודע ישוב، ويحتمي، ويتعصب على الأشرار، ويعزل ويولي، وبين يديه אלף אלפין ישמשונה וגו'. هذا كله وأمثاله يراه النبي في لحظة وتحصل الهيبة، والمحبة مغروزة في نفسه طول عمره، ويمشي عاشقا هيمانا طول دهره رغبة في أن يترأى له مرة ثانية أو ثالثة. وقد استعظمت لשלמה المرتان كقوله האל הנראה אליו פעמים. أيحصل مثل هذا لفيلسوف بفكره؟
<6> قال الخزري: لا يمكن ذلك، لأن الفكر إنما هو كالحديث ولا يمكن وصف شيئين معا، وإن أمكن ليس يمكن السامع تحصيلها معا، فإن الجزئيات التي أراها من المدينة وأهلها في ساعة واحدة ليس يحملها ديوان كبير، وقد حصل لي في حين واحد حب في المدينة أو بغض، ولو تلي علي ذلك في ديوان لم يحصل في نفسي، والفكر يتشوش بما يطرأ عليه من الوهم والخيال وأشياء تقدمت فلا يصفو له شيء تام.
<7> قال الحبر: لكنا كالعمش الذين لا يحتملون أبصار ذلك النور، فنقتدي بالبصراء الذي تقدمونا القادرين على رؤيته، فكما أن البصير لا يمكنه أن يرى الشمس ويدل غيره عليها ويدركه في النظر إليها إلا في أوقات غوبة النهار وفي مواضع مشرفة تشرق عليها الشمس، كذلك البصير بالنور الإلهي له أوقات ومواضع فيها يرى ذلك النور. فالأوقات هي أوقات الصلوات لا سيما في أيام الתשובה. والمواضع هي مواضع النبوة.
<8> قال الخزري: فأراك مقرا بأرباب الساعات والأيام والمواضع كالمنجمين؟
<9> قال الحبر: وكأنا ندافع في آن للعلويات تأثيرا في الأرضيات بل نقر أن مواد الكون والفساد من قبل الفلك لكن الصور من قبل مدبرها ومصرفها وجاعلها آلات لإقامة كل ما شاء من المتكونات من غير أن ندري تفصيلها. والمنجم يدعي التفصيل والتحصيل، ونحن ننكر عليه ذلك ونقطع أنه لا يدرك ذلك بشري فإن وجدنا من ذلك العلم شيئا مسندا إلى علم إلهي شريعي قبلناه، وبذلك تطيب الأنفس على ما ذكر من العلم النجومي الחכמים ז"ל طمعا أنه محمول عن قوة إلهية فهو حق، وإلا فكله تخرص وقرعة في السماء أصدق منها قرعة التراب، فإذن من يرى تلك الأنوار هو النبي الحق، والموضع الذي ترى فيه القبلة حقا، لأنه موضع إلهي، والشريعة التي تأتي من قبلة هي شريعة حق.
<10> قال الخزري: بل الشرائع التي بعدكم إذا أقرت بالحق ولم تنكره فكلهم يفضل ذلك الموضع ويقول إنه معراج الأنبياء، وباب السماء، وموضع الحشر، وإن النفوس إليه تحشر، وإن النبوة في بني إسرائيل بعد تفضيل آبائهم، والإقرار بמעשה בראשית، والמבול، وأكثر ما في الתורה، ويحجون إلى ذلك الموضع المعظم.
<11> قال الحبر: إنما كنت أشبههم بالגרים الذين لم يقبلوا جميع فروع الشرائع لكن أصولها، لولا تناقض أفعالهم مع أقوالهم وأن تفضيلهم لموضع النبوة بالقول مع استقبالهم مواضع كانت للأوثان في مواضع اتفق إن كان فيها جمهورهم لم ير فيها أثر إلهي مع أبقائهم رسوم العبادات القديمة وأيام حجها ومناسكها ولم يغيروا غير الصور التي كانت هناك محوها ولم يمحوا رسومها، حتى كدت أقول إن قوله تعالى ועבדת שם אלהים אחרים עץ ואבן، وتكريره مرارا إنما هو إشارة أي الذين يعظمون الخشبة والذين يعظمون الحجر، ونحن مع الأيام نستحيل إليهم בעונותינו، نعم إن اعتقادهم ليس إلا للإله مثل قوم אבימלך وقوم נינוה ومتفلسفين في جانب الله، وقائد كل واحدة من الطائفتين يقال إنه أدرك تلك الأنوار الإلهية في معدنها، أعني في ארץ ישראל، وإن من هناك عرج به إلى السماء وأمر أن يهدي أهل المعمورة كلها، وكانت قبلتهم تلك الأرض فلم يلبث الأمر إلا قليلا حتى صارت قبلتهم حيث جمهورهم. أليس هذا بمنزلة من أراد أن يهدي الناس كافة إلى موضع الشمس لكنهم عمش لا يقدرون عليه ولا يدرون مجراها، فحملهم إلى قطب الجنوب أو الشمال وقال لهم ههنا الشمس استقبلوها تروها، فلا يرونها، وكان القائد الأول موسى عليه السلام قد أوقف الجمهور عند הר סיני ليروا النور الذي رآه هو، لو قدروا عليه كقدرته، ثم دعا الשבעים זקנים ورأوه، كما قال ויראו אל אלהי ישראל.
ثم جمع الשבעים الثواني فحلهم من نور النبوة ما ناسبوه به، كما قال ויאצל מן הרוח אשר עליו ויתן על שבעים איש הזקנים. فيشهد بعضهم لبعض فيما يرونه وما يسمعونه، وتنتفي الظنون السوء من الأمة أن يظن النبوة دعوى من ادعاها من الأفراد إذ لا يجوز الاصطلاح على تلك الجماهير لا سيما إذ كثروا وصاروا جماعات مستوين مع אלישע في علم يوم رفع אליהו ע"ה في قوله הידעת כי היום ה' לוקח את אדניך. وكلهم شاهد لמשה ע"ה مؤكد شريعته.
<12> قال الخزري: لكنهم أقرب إليكم من الفلاسفة.
<13> قال الحبر: بعيد ما بين المتشرع والمتفلسف. لأن المتشرع يطلب الرب لمنافع عظيمة، حاشى منفعة العلم به. والمتفلسف إنما يطلبه ليصفه على حقيقته، كما يطلب أن يصف الأرض أنها مثلا في مركز الفلك الأعظم وليست في مركز فلك البروج وغير هذا من المعارف، وأنه لا يضر الجهل بالله إلا كالجهل بالأرض لمن قال إنها سطح. والمنفعة عنده إنما هيأ علم الأشياء على حقائقها يتشبه بالعقل الفعال فيصير هو هو، كان صديقا أو زنديقا لا يبالي إذا تفلسف. ومن أصول اعتقاده לא ייטיב ה' ולא ירע، وإن يعتقد القدم للدنيا فلا يرى أنها كانت قط عدما حتى خلقت بل لم تزل ولن تزال، وأن الله تعالى خالقها على المجاز لا على مفهوم اللفظ، وإنما يريد بخالق صانع أنه سببه وعلته ولم يزل المعلول مع العلة، إن العلة بالقوة فالمعلول بالقوة، وإن كانت بالفعل فالمعلول بالفعل. والله تعالى علة بالفعل فمعلوله بالفعل مهما هو علته، لكنهم وإن بعدوا هذا البعد فإنهم يعذرون إذ لم يمكنوا من العلم الإلهي إلا بطريق القياس، فهذا ما أدى إليه قياسهم. فمنصفوهم يقولون للمتشرعين ما قال سقراط: "يا قوم إن حكمتكم هذه الإلهية لست أنكرها، لكني أقول لست أحصرها، وإنما أنا حكيم بحكمة إنسانية." وأما هذه الملل فبقدر ما قربوا بعدوا، وإلا فإن ירבעם وشيعته أقرب إلينا وكانوا עובדי עבודה זרה وهم ישראל مختتنون محافظون على السبت وسائر الشرائع، حاشى قليل مما دعتهم ضرورة سياسية إلى الخلاف فيها، وهم مقرون بאלהי ישראל المخرجهم من مصر، كما قلنا في عاملي العجل في الמדבר. فغاية ما فضلهم هؤلاء بنفي الصور. وأما منذ حرفوا القبلة وطلبوا الأمر الإلهي حيث لا يوجد، حاشى تغييرهم لأكثر الشرائع السمعية فقد بعدوا جدا.
<14> قال الخزري: ينبغي أن يفرق بين شيعة ירבעם وبين شيعة אחאב تفاريق. فإن עובדי הבעל هم עובדי עבודה זרה بالبتات. وفي ذلك قال אליהו: אם ה' האלהים לכו אחריו ואם הבעל לכו אחריו، وفيهم تشكك الחכמים كيف أكل حتى יהושפט من طعام אחאב، ولا يقعوا في مثل هذا في شيعة ירבעם، ولا وقع أنكار אליהו في עבודת העגלים إذ قال קנא קנאתי לה' אלהי צבאות، فإن شيعة ירבעם لה' אלהי ישראל كان جميع أعمالهم، وأنبياؤهم נביאי ה'. وأنبياء אחאב נביאי הבעל. وقد أقام الله יהוא ليمحو أثر אחאב واجتهد ذلك الاجتهاد في تلك الحيلة بقوله אחאב עבד את הבעל מעט יהוא יעבדנו הרבה، حتى محا أثر الבעל، ولم يعترض للעגלים، فأصحاب العجل الأول وشيعة ירבעם وأصحاب الבמות وפסל מיכה لم يكن جميعهم إلا قصدا لאלהי ישראל، لكن مع المعصية يستحق أهلها القتل كمن يتزوج أخته لضرورة أو لشهوة، لكن يمتثل شروط الزوجية على ما أمر الله بها، أو كمن يأكل الخنزير لكن يتحفظ بالذبيحة ومن الدم وغير ذلك من شروط المأكل على ما أمر به.
<15> قال الحبر: لقد نبهت على موضع شك، وليس عندي فيه شك، فقد خرجنا عن غرضنا في الصفات، فلنعد إليها، وأزيدك بيانا بمثال من الشمس التي هي واحدة، لكن تختلف نسب الأجسام القابلة لها، فأكملها قبولا لنورها الياقوت والبلار مثلا والهواء الصافي والماء، فيتسمى في هذه نور ثاقب، ويتسمى في الحجارة اللامعة والسطوح الصقيلة نور لامع مثلا، وفي الخشب والأرض وغير ذلك نور لائح، وفي جميع الأشياء عموما نور مطلق دون تخصيص. فالنور المطلق هو بمنزلة قولنا אלהים كما قد تبين. ونور ثاقب هو بمنزلة ה' اسم علم خاص بالنسبة التي بينه وبين أكمل مخلوقاته في الأرض أعني الأنبياء التي أنفسهم شفافة قابلة لنوره ينفذ فيها كنفوذ نور الشمس في البلار والياقوت، وهذه الأنفس لها معدن ومقطع من لدن آدم كما قد تبين تناسق الصفوة واللب جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن. وتخرج عامة الدنيا حاشى ذلك اللب قشورا وأوراقا وصموغا وغير ذلك فيتسمى إله هذا اللب خاصة ה'، ولاتصاله بآدم نقل اسم אלהים بعد فراغ מעשה בראשית إلى ה' אלהים، كما قالوا ז"ל: שם מלא על עולם מלא، وكمال العالم إنما كان بآدم الذي هو لب كل ما تقدمه. والمعنى المراد بאלהים ليس ينكره عاقل، إنما يقع الأنكار في ה'، إذ النبوة غريبة نادرة في الأفراد فكيف في جماعة. ولذلك أنكر פרעה وقال לא ידעתי את ה' كأنه فهم من لفظ ה' מפורש، ما يفهم من النور الثاقب فدل على إله يتصل نوره بالناس وينفذ فيهم، فقال له زيادة אלהי העברים، إشارة إلى الאבות الذين شهروا بالنبوة والكرامات. وأما אלהים فتراه اسما شائعا في מצרים في قول פרעה الأول ليوسف אחרי הודיע אלהים אותך، وقال איש אשר רוח אלהים בו. كما لو إن انسانا واحدا يرى الشمس وحده ويدري مشارقها ومواضع جريها، وكنا نحن لم نرها قط لكن نتصرف في ظل في غيم، فنرى منازلة مضية أكثر من منازلنا، لعلمه بمجري الشمس فيضع لها كوى وروازن بحسب ما يريد. وكذلك نرى زرعاته وغرساته تنجب، ويقول لنا أن ذلك لعلمه بالشمس، لأنكرنا ذلك وقلنا ما الشمس وإنما ندري نحن الضوء ومنافعه كثيرة، لكن تغينا بالاتفاق. فيقول هو أنا يجيني منه ما شئت ومتى شئت لأني عالم سببه وكيف جريه، فإذا أعددت له ووطئت وتحفظت بجميع أعمالي في الأوقات المعلومة عندي لم أخب من منافعه كما ترون.
واسم ה' هو المكني عنه بפנים في قوله פני ילכו، אם אין פניך הולכים. وهو الغرض المطلوب في قوله ילך נא ה' בקרבנו. ومعنى אלהים يدرك بالقياس لأن العقل يؤدي إلى أن للعالم حاكما وناظما ويختلف الناس فيه بحسب قياساتهم، وأولى الآراء فيه رأي الفلاسفة. وأما معنى ה' فلا يدرك قياسا لكن مشاهدة بذلك البصر النبوي الذي به يصير الإنسان يكاد أن يفارق نوعه ويتصل بنوع ملكي وتصير فيه רוח אחרת كما قيل ונהפכת לאיש אחר، ויהפך לו אלהים לב אחר، ורוח לבשה את עמשי، היתה עלי יד ה'، ורוח נדיבה תסמכני، كناية عن רוח הקודש الملابسة للنبي حين النبوة وللנזיר وللמשיח إذا مسح للכהנה أو للמלוכה حين ما يمسحه النبي، أو حين ما يؤيده الله ويرشده لأمر ما، أو حين ينبأ الכהן بعلم الغيب عند سؤاله في الאורים والתמים. فحينئذ تنفك للإنسان الشكوك المتقدمة التي كان يشككها في אלהים ويستخف بتلك القياسات المستعملة ليحصل منها علم الربوبية والوحدانية. فحينئذ يحصل الإنسان عابدا عاشقا لمعبوده مستهلكا في حبه لعظيم ما يجده من لذة الاتصال به والضر والأذى بالبعد عنه. بخلاف المتفلسفين الذين لا يرون في عبادة الله إلا حسن أدب وقول الحق في تعظيمه على سائر الموجودات، كما ينبغي أن تعظم الشمس على سائر المرايات، وأن ليس في الكفر بالله أكثر من خساسة النفس راضية الكذب.
<16> قال الخزري: قد بتين لي الفرق بين אלהים وה'، وفهمت ما بين אלהי אברהם وאלהי أرسطوطاليس، وأن ה' ית' يتشوق إليه شوقا ذوقا ومشاهدة. وאלהים يمال إليه قياسا. وذلك الذوق يدعو من أدركه إلى الاستهلاك في حبه، والموت دونه. وهذا القياس يرى أن تفضيله واجب مهما لم يضر، ولا احتمل من أجله مشقة. فليعذر أرسطوطاليس إذا استخف بأعمال الناموس، إذ يتشكك هل يعلم الله ذلك.
<17> قال الحبر: وبحق احتمل אברהם ما احتمله في אור כשדים، ثم التغرب، ثم الמילה، ثم إطراح ישמעאל، ثم همه بذبح יצחק إذ شاهد ما شاهد من الأمر الإلهي ذوقا لا قياسا، ورأى أنه لا يخفي عنه شيء من جزئياته، ورآه يجازيه على خيره مع اللحظات، ويهديه إلى مراشده، حتى لا يقدم ولا يؤخر إلا بإذنه. فكيف لا يستخف بقياساته القديمة. وكما דרשו الחכמים ז"ל في ויוצא אותו החוצה: אמר לו צא מאצטגנינות שלך. يعني أنه أمره أن يترك علومه القياسية من النجوم وغير ذلك، ويلتزم طاعة من أدرك ذوقا كما قيل טעמו וראו כי טוב ה'، فبحق تسمي ה' بאלהי ישראל إذ هذا النظر معدوم في غيرهم، وتسمى بאלהי הארץ إذ لها خصوصية من هوائها وأرضها وسمائها معينة على ذلك مع القرائن التي هي كالفلاحة والتوطئة لأنجاب هذا الصنف، وكل ما اتبع الناموس الإلهي فإنما هو تابع لذوي هذا البصر وتطيب نفوسها على تقليدها على سذاجة كلامهم وغلظ أمثالهم، ما لا تطيب على تقليد الفلاسفة على رقة حكاياتهم، وحسن نظام تواليفهم، وما يلوح عليها من البرهان، لكن لا تتبعهم الجماهير، كان النفوس وحي إليها بالحق، كما قيل נכרים דברי אמת.
<18> قال الخزري: أراك تنحي على الفلاسفة وتنسب إليهم ضد ما شهر عنهم، حتى من اعتزل وتزهد قيل إنه تفلسف وأخذ برأي الفلاسفة، وأنت تسلبهم كل عمل صالح.
<19> قال الحبر: بلى إن الذي قلت هو أصل عقيدتهم، إن السعادة القصوى للإنسان إنما هو العلم النظري وحصول الموجودات معقولات بالعقل بالقوة، فيصير عقلا بالفعل ثم عقلا مستفادا مقاربا للعقل الفعال فلا يخاف الفناء. وهذا لا يتم إلا بافناء العمر في البحث ودوام الفكر. وهذا لا يتم مع شغل الدنيا. فلذلك رأوا بالزهد في المال والجاه واللذة والبنين كي لا تشغله عن علم. فمتى حصل الإنسان عالما بتلك الغاية المطلوبة من العلم فلم يبالي بما يعمل فإنهم لا يتورعون ليجازا على تورعهم ولا يرون أن على أخذهم مالا حراما أو قتلهم كانو يعقبون عليه. لكن أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر بطريق الأولى والأفضل والتشبه بالخالق الذي وضع الأمر على الطريق الأصلح، فانتجوا النواميس وهي سياسات غير لازمة، لكن مستثني بها إلا إن كانت ضرورة. وليس الشريعة كذلك، إلا في أجزاء سياسية قد تبين في العلم الشريعي ما يحتمل الاستثناء وما لا يحتمله.
<20> قال الخزري: لقد طمس هذا النور الذي تصفه طموسا يستبعد ظهوره، ودثر دثورا لا يظن بغبرة.
<21> قال الحبر : إنما طمس في عين من لا يرانا بعين البصيرة، فيستدل من ذلتنا ومسكنتنا وشتاتنا على طمس نورنا، ويستدل من ظهور غيرنا وظفره بالدنيا واستيلاؤه علينا على أن له نورا.
<22> قال الخزري: لست أستدل بهذا، فإني أرى الملتين المتضادتين ظافرتين وليس يمكن أن يكون الحق في طرفي النقيض لكن في أحدهما، أو ليس في واحد منهما، وقد فسرت لي في הנה ישכיל עבדי ما دل على أن الذلة والخضوع أليق بالأمر الإلهي من الظهور والتجبر. وهذا أيضا مشهور عند الملتين فإن النصارى ليس يستظهرون بالملوك والجبابرة والأغنياء لكن بأولئك التابعين لישו طول تلك المدة المديدة التي لم يقم فيها دينه وكانوا أولئك ينتفون ويختفون ويقتلون حيث ما وجد منهم واحد، وحملوا على نصرة دينهم عجائب من الذل والقتل فهم الذين يتبارك بهم وتفضل مواضعهم ومصارعهم وتبني الكنائس على أسمائهم. وكذلك أنصار صاحب الإسلام قد حملوا من الذل كثيرا حتى نصروا، وبأولئك يستظهرون وبهم وبذلتهم وموتهم شهداء يفتخرون، لا بالأمراء المستظهرين بأموالهم وسعة أحوالهم، بال بالذين يلبسون الخلق ويأكلون الشعير ولا يشبعون. لكن يا حبر اليهود كان منهم هذا مع غاية الاعتزال والانقطاع إلى الله تعالى، فلو رأيت اليهود يفعلون هذا لذات الله لفضلتهم على الملوك الداودية، لأني أعلم ما علمتني في قول ואת דכא ושפל רוח וגו' وأن نور الله إنما يحل بنفوس المتواضعين.
<23> قال الحبر: حق لك أن تعيرنا بهذا. لأنا حصلنا على الذل دون نتيجة. لكن إذا تفكرت في المتفخرين منا الذين كانوا يقدرون على دفع الذل عن أنفسهم بكلمة يقولونها دون كلفة، ويحصلون أحرارا ويصولون على مستعبديهم، فلا يفعلون ذلك محافظة على دينهم، أليست هذه صلة، تشفع وتستغفر ذنوبا كثيرة؟ ولو كان الذي تطالبني به لما لبثنا في هذه الحالة، مع إن لله فينا سرا وحكمة كالحكمة في البزرة التي تقع في الأرض فتتغير وتستحيل في الظاهر إلى الأرض والماء والزبل وليس يبقى لها أثر محسوس على ما يظن الناظر إليها، وإذا بها هي التي تحول الأرض والماء إلى طبعها وتنقلها درجة درجة حتى تلطف العناصر وتردها إلى مثل نفسها، وتدفع قشورا وأوراقا وغير ذلك، حتى إذا صفا اللباب وصلح ليحله ذلك الأمر الإلهي وصورة البزر الأول أثمرت تلك الشجرة مثل الثمر الذي منه كان بزرها. فهكذا دين موسى كل من جاء بعده يستحيل إليه في الحقيقة، وإن كان في الظاهر دافعا له، فهذه الملل إنما هي توطئة ومقدمة للמשיח المنتظر الذي هو الثمرة، ويصير كلهم ثمرة إذا أقروا له، وتصير الشجرة واحدة، وحينئذ يفضلون الأصل الذي كانوا يرذلونه، وكما قلنا في הנה ישכיל עבדי. ولا تلتفت إلى بعد هؤلاء عن الأوثان، واجتهادهم في التوحيد فتفضلهم، وترى ישראל في عين النقيصة لاتخاذهم المعبودات في دولتهم فتنقصهم، والتفت إلى ما ينطوي عليه الكبير منهم من الزندقة، بل قد يصرحون بها ويقولون فيها الأشعار المشهورة المحفوظة من أن لا مالك لأعمال الناس ولا مجازي ولا معاقب عليها، ما لم يذكر قط عن ישראל. وإنما كان القوم طالبي منافع تلك الطلاسم والروحانيات زيادة على دينهم، وهم محافظون على شرائعهم، لشهرة المنفعة بتلك العبادات حينئذ، وإلا فلم لم يستحيلوا إلى أديان الأمم الذين جلوهم وسبوهم، حتى מנשה وצדקיה وأفسق من كان في ישראל لم يرض ترك دين ישראל، نعم كانت لهم أهواء في زيادة منافع من ظفر وبركة مال بتلك الخواص التي كانت عندهم مغربة مما نهي الله عنها. ولا كان لها اليوم تلك الشهرة لرأيتنا اليوم نحن وهم منخدعين لها، كما ننخدع للبقايا الباردة من نجوم ورقي وعزائم وتغاريب بعيدة من الطبيعة، مع إبعاد الشريعة لها.
<24> قال الخزري: أريد الآن تلوح لي بشيء من بقايا العلوم الطبيعية التي قلت إنها كانت عندهم.
<25> قال الحبر: منها ספר יצירה لאברהם אבינו ע"ה، فيه غموض، وشرحه طويل، دل على الوحدانيا والربوبية بأشياء مختلفة متكثرة من جهة، لكنها متحدة متفقة من جهة أخرى. واتفاقها من جهة الواحد الذي ينظمها، فمنها ספר וספור וספר. أراد بספר التقدير والتقسيط في الأجسام المخلوقة، لأن التقدير حتى يكون الجسم منظوما متناسبا يصلح لما خلق أنا يكون بالعدد. وأما المساحة والكيل والوزن وتناسب الحركات ونظام الموسيقة، فكلها بالعدد. ספר كما ترى البناء لا يصدر عنه بين إلا وقد تقدم تصوره في نفسه. وأراد بספור النطق لكنه نطق إلهي، قول דברי אלהים חיים يقترن به حضور إلهية والشكل الذي نطق به كقول יהי אור، יהי רקיע. فما فرغ القول حتى حضر العمل وهو ספר يعني به الخط. وخط الله هي مخلوقاته. وكلام الله هو حطه. وتقدير الله هو كلامه. فصار ال وال وال في حق الله شيئا واحدا وفي حق الإنسان ثلاثة، فإنه يقدر بذهنه وينطق بفمه ويكتب بيده ذلك الكلام ليدل بهذه الثلاثة على شيء واحد من مخلوقات الخالق، ويصير تقدير الإنسان وخطه ولفظه علامات دالة على الشيء، لا نفس الشيء. وأما تقدير الله وكلامه فهو الشيء بعينه وهو خطه، كما لو تخيلت دباغا يفكر في صناعته والحرير يطاوعه فيتلون بالألوان الخاطرة بباله ويتركب التركيبات التي يريدها، فيكون ذلك الديباغ بأمره وبخطه. فلو كنا نقدر إذا لفظنا بإنسان أو خططنا جسم إنسان أن نحضر صورته لكنا قادرين على النطق الإلهي والخط الإلهي ولكنا خالقين، كما نقدر بعض القدرة في التصوير العقلي، لكن اللغات والخطوط تتفاضل، منها ما أسماها شديدة المطابقة لمسمياتها، ومنها بعيدة. واللغة الإلهية المخترعة التي لقنها الله آدم، وألقاها على لسانه وفي خاطره هي لا محالة أكمل اللغات وأشدها مطابقة لمسمياتها، وكما قال וכל אשר יקרא לו האדם נפש חיה הוא שמו، يعني أنه يستحق ذلك الاسم ويطابقه وينبئ عن طبيعته، فوجب تفضيل לשון הקדש، وإن الמלאכים أشد انفعالا لها من غيرها. ومن هذه النسبة يقال في الخط إن أشكال حروفه ليست جزافا واتفاقا، بل لغرض يطابق المقصود من حرف حرف، فلا يستبعد بهذا النظر تأثير الשמות وما جرى مجراها من طريق اللفظ والخط، وقبلهما التقدير أعني فكرة النفس الخالصة المتشبهة بالملائكة.
فيجتمع الשלשה ספרים ספר וספור וספר بشيء واحد، فيحدث ذلك الشيء المقدر كما قدره ذو النفس الخالصة وكما نطق به وكما خطه. وكذلك قال هذا الكتاب عن الله تعالى: ברא את עולמו בשלשה ספרים ספר וספור וספר وكلها في حقه تعالى واحد، وذلك الواحد مبدأ שלשים ושתים נתיבות פליאות חכמה، والتي هي עשר ספירות وעשרים ושתים אותיות، أشار إلى خروج الموجودات إلى الفعل أنها تتميز بالكمية والكيفية. والكمية عدد. وسر العدد إنما هو في العشرة كما قال עשר ספירות בלימה، עשר ולא תשע، עשר ולא אחת עשרה، ولها سر مكتوم . لم وقف الحساب على عشرة لا زائد ولا ناقص.
ولذلك أتبعه بقول הבן בחכמה וחכם בבינה בחון בהם וחקור מהם ודע וחשוב וצור והעמד דבר על ברורו והשב יוצר על מכונו ןמדתן עשר שאין להם סוף. ثم ذكر تميزها بالكيفية وقسم الעשרים ושתים אותיות ثلاثة أقسام: שלש אמות وשבע כפולות وשתים עשרה פשוטות، فقال שלש אמות אמ"ש סוד גדול מופלא ומכוסה שממנו יוצאים רוח מים אש שבהן נברא הכל. وجعل تناسب هذه الأحرف مع تناسب العالم الأكبر والأصغر أعني الإنسان وتناسب الزمان واحدا. وسماها עדים נאמנים עולם ונפש ושנה. أعلمنا أن النظام واحد عن ناظم واحد تعالى وتقدس وإن اختلفت الموجودات وتباينت، فاختلافها عن موادها التي هي مختلفة منها العالي ومنها الأسفل ومنها الكدر ومنها الصافي. وأما من قبل واهب الصور ومعطي الهيآت والنظام فالحكمة فيها كلها واحدة، والعناية متفقة منتسقة على نظام واحد في العالم الأكبر وفي الإنسان وفي نظام الأفلاك وهي التي قال عنها إنها עדים נאמנים علد وحدانيته עולם ונפש ושנה. وصير نظامها على التقريب على هذا المثال:
שלוש אמות א' מ' ש'
בעולם אויר מים אש
בנפש גויה בטן ראש
בשנה רויה קור חום
שבע כפולות ב' ג' ד' כ' פ' ר' ת'
בעולם שבתי צדק מאדים חמה נוגה כוכב לבנה
בנפש חכמה עושר ממשלה חיים חן זרע שלום
בשנה שבת חמישי שלישי ראשון ששי רביעי שני
שתים עשרה פשוטות ה' ו' ז' ח' ט' י' ל' נ' ס' ע' צ' ק'
בעולם טלה שור תאומים סרטן אריה בתולה מאזנים עקרב קשת גדי דלי דגים
בנפש אבר לראות אבר לשמוע אבר להריח אבר לדבר אבר לטעום אבר לתשמיש אבר לעשות אבר להלוך אבר להרהר אבר לכעוס אבר לשחוק אבר לישן
בשנה ניסן אייר סיון תמוז אב אלול תשרי מרחשון כסלו טבת שבט אדר
אחד על גבי שלשה، ושלשה על גבי שבעה، ושבעה על גבי שנים עשר.
وفي هذه الأعضاء موضع تشكك مثل כליות יועצות وטחול שוחק وכבד כועס وקיבה ישנה. ولا ينكر للكلي قوة في جودة الرأي إذ نرى مثل ذلك الأنثيين لأنا نرى الخصيان أضعف عقولا من النساء، ولما عدموا الأنثيين عدموا اللحية وجودة الرأي. وأما טחול שוחק فلأن بقوته الطبيعية ينقي الدم والرئة من العكر والكدر، وبنقائهنا يكون الطرب والضحك. وأما כבד כועס فللمرار المتولد فيه. وأما الקיבה فكناية عن آلات الغذاء. ولم يذكر القلب لأنه رئيس، ولا الحجاب والرئة لأنهما خادمان له خاصة وليسا خادمين لجميع البدن إلا بطريق العرض لا بقصد أولى. والدماغ داخل في تفصيل الحواس الناشئة منه وكيف وإن للأعضاء التي دون الحجاب الفاصل سرا، لأنها هي الطبيعة الأولى، والحجاب فاصل بين عالم الطبيعة وعالم الحيوان. كما أن العنق حاجز بين عالم الحيوان وعالم النطق، كما ذكر أفلاطون في طيماوس. فالمعادن الأولى إنما هي من عالم الطبيعة وهناك أصل الكون، فإن من هناك ينبعث الזרע وهناك يتخلق الجنين فيما بين أربع طبائع، ومن هناك أكثار تعالى الأعضاء المقربة החלב והדם ויותרת הכבד ושתי הכליות. ولم يكثر قلبا ولا دماغا ولا رئة ولا حجابا. والسر أغمض والشرح محظور. وقد قيل אין דורשין בספר יצירה إلا بشروط، قليلا ما تتفق.
ثم قال שבע כפולות שש צלעות לששה צדדים והיכל קדוש מכוון באמצע ברוך כבודו ממקומו، הוא מקומו של עולם ואין עולם מקומו. إشارة إلى الأمر الإلهي المؤلف بين المتضادات وشبهه بالنقطة والمركز من الجسم ذي الست جهات والثلاث امتدادات، ومهما لم تفرض الوسط لم تنفرض الأطراف فنبه على المناسبة التي بين هذه وبين القوة الحاملة للكل، وبها تأتلف المثادات بالمناسبة المفروضة في עולם ונפש ושנה، فإنه جعل لكل واحد منها شيئا ضابطا لأجزائه ناظما لها فقال תלי בעולם כמלך על כסאו، גלגל בשנה כמלך במדינה، לב בנפש כמלך במלחמה. תלי اسم الجوزهر أشار به إلى عالم العقل، لأن الجوزهر به يكني عن الأشياء الخفية التي لا تدرك بالحس. وأراد بגלגל فلك الشمس المائل لأن به تنتظم أجزاء السنة. ولب ناظم الحيوان وملك أجزائه. وأراد أن الحكمة في الثلاثة واحدة والأمر الإلهي واحد والخلاف بينها إنما هو باختلاف هيولاها فشبه الأمر إذا دبر الروحانيين מלך על כסאו الذي تنقضي أوامره بأيسر إشارة عند خاصته وخدمة العارفين به من غير حركة منه ولا منهم. وشبهه إذا دبر الأفلاك كملك بمدينة لأنه يحتاج إلى أن يظهر في أقطار المدينة ليظهر على كل جزء منها سلطانه وهيبته ومنافعه.
وشبهه إذا دبر الحيوان كמלך במלחמה لأنه بين الأضداد يروم تغليب موالفيه وقمع مخالفيه. والحكمة واحدة، فليست الحكمة في الأفلاك بأعظم من الحكمة في أقل الحيوان وإنما شرفت تلك بأنها من مادة صافية ثابتة لا يفنيها إلا الذي اخترعها، والحيوان من مادة متأثرة منفعلة يؤثر فيها الأضداد المتعاقبة عليها من حر وبرد وغير ذلك ويفنيه الزمان، لولا الحكمة التي تلطفت له بالذكورة والأنوثة حتى يبقى النوع مع تلاف الأشخاص، وذلك بإدارة الفلك والشروق والغروب كما نبه هذا الكتاب عليه. وقال إن لا فرق بين خلقة الأنثى والذكر إلا ما بين ظهور أعضاهما واختفاها. وقد بين ذلك في التشريح أن أعضاء الأنثى هو أعضاء الذكر إلا أنها منكوسة معكوسة إلى الباطن، كما قال זכר באמ"ש ונקבה באש"ם. חזר גלגל פנים ואחור، אין בטובה למעלה מענג ואין ברעה למטה מנגע. يعني أن حروف אמ"ש وאש"ם وענג وנגע واحدة، وليس بينها إلا التقدم التأخر، كما أن الشروق والغروب للفلك واحد في حقه، وفي حقنا نحن إقبال وإدبار. ثم لجزء في الأعضاء التي دون الحجاب معادن الطبائع الأربع بقوله שני לועזים ושני עליזים שני נועצים ושני עליצים עשאן כמין מריבה ערכן כמין מלחמה מקצת אלו מצטרפין על אלו. אלו תמורת אלו، אלו כנגד אלו، אם אין אלו אין אלו וכולן אדוקין זה בזה. والإشارة مفهومة جملة وإن عصر تفصيلها من حاجة الحيوان إلى الأضداد وكيف تنتج سلامته من هذا الحرب. ولولا هذا الحرب ما كانت سلامته هذه. هذا بعد ترتيبه المخلوقات وتقديمه الأشرف وهي רוח אלהים חיים، قال אחת רוח אלהים חיים، שתיים רוח מרוח، שלש מים מרוח، ארבע אש ממים. ولم يذكر الأرض لأنها الجسد والمادة للمتكونات لأن جميعها أرض، لكن يقال هذا جسد ناري وهذا جسد هوائي وهذا جسد مائي. ولذلك قدم שלש אמות אש ומים ורוח. فقدم רוח אלהים وهي רוח הקודש، منها تنخلق الملائكة الروحانيون وبها تتصل الأنفس الروحانية، وبعدها الهواء المدرك، وبعده الماء الذي فوق الרקיע لم يدركه قياس الفلاسفة فلم يقروا به. ولعل مخرجا يخرجه إلى أنه كره الزمهرير وحيث تنتهي السحاب، وبعده الأثير مكان النار الطبيعية كما قال אש ממים. كما يخرج ורוח אלהים מרחפת על פני המים، أنه أراد بهذا الמים المادة الأولى غير مكيفة بل תהו ובהו، حتى تكيفت بإرادة الله المحيطة بها، وكنى عنها بרוח אלהים. وتشبيه المادة الطبيعية بالماء أحق تشبيه، لأن ما كان أرق من الماء لا يأتي منه جسد طبيعي متماسك، وما كان أغلظ من الماء لا تستوي أفعال الطبيعة في جميع أجزائه إذ هي متماسكة، وإنما يصلح الجسد الأرضي لصناعة فإن الصناعات إنما تحيط بسطوح المادة لا بجميع أجزائها. والطبيعة إنما تحتوي على جميع أجزاء الشيء، فما من مكون إلا وقد كان في قوام الماء مائعا سائلا وإلا لم يتسم كونا طبيعيا بل صناعيا أو متركبا اتفاقيا. وإنما تفعل فيه الطبيعة مهما كان مائيا تشكله كيف شاءت، ثم تترك عما احتاجت أن يصلب فيصلب وقال عن مثل ذلك עשה מתהו ממש ועשה את שאינו ישנו וחצב עמודים גדולים מאויר שאינו נתפש. وقال أيضا מים מרוח חקק וחצב תהו ובהו ורפש וטיט עשאן כמין ערוגה הציבן כמין חומה סככן כמין מעזיבה יצק מים עליהם ונעשו עפר، وقال أيضا תהו זה קו ירוק שמקיף את העולם כלו، בהו אלו אבנים המפולמות המשוקעות בתהום שמביניהם יוצאים מים. ولوح بشيء من سر الاسم المعظم יוד הא ואו הא المطابق للذات الإلهية المتواحدة التي ليست لها ماهية لأن ماهية الشيء غير وجود الشيء، والله تعالى وجوده ماهيته، لأن ماهية الشيء حده، والحد مؤلف من جنسه وفصله، ولا جنس ولا فصل للعلة الأولى، فوجب أن يكون هو هو، وكما وصف أن سبب تكثر الأشياء هو دوران الفلك بقول חזר גלגל פנים ואחור. وشبه ذلك بامتزاج الحروف المفردة אלף עם כלם וכלם עם אלף، בית עם כלם וכלם עם בית، חוזרות חלילה، נמצא כל הדבור ברל"א שערים كيف تكثرت بتثليث الحروف وتربيعها، שלש אבנים בונות ששה בתים، ארבע בונות עשרים וארבעה בתים، צא וחשוב מה שאין הפה יכול לדבר ומה שאין האוזן יכולה לשמוע، كذلك احتاج إلى أن يبحث من أين تكثرت الأشياء قبل دوران الفلك، والخالق واحد هو هو، وللفلك مثلا ست جهات، ففرض في النطق العقلي أسماء للخالق، وإكثار له في النطق الجسمي الحروف الألطف التي هي كالأرواح لسائر الحروف وهي הו"י. وقال إن الإرادة إذا نفذت بهذا الاسم المعظم كان ما أراد تعالى، ولا محالة أنه والملائكة ناطقون النطق العقلي وعالمون بما يكون في العالم الجسمي قبل خلق العالم، وكيف يفيض النطق والتمييز منه على الناطقين الذين سيخلقون في العالم فوجب أن يكون العالم الجسماني ينخلق بأمر يشاكل الجسمانية بالاسم المعظم العقلي المشاكل للاسم الجسماني יהו יוה הוי היו ויה והי. وجب من كل واحد جهة من جهات العالم وقام الفلك، وهذا مما لا يقنع إما لأن المطلوب أغمض من أن يدرك، وإما لأن أذهاننا تقصر، أو للأمرين جميعا. وعن مثل هذا بحث الفلاسفة فأداهم إلى أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، ففرضوا ملكا مقربا فاض عن الأول. ثم قالوا إن هذا الملك له صفتان، إحداهما علمه بوجوده بذاته والأخرى علمه أن له سببا، فوجب عنه شيئان ملك وفلك الكواكب الثابتة. وهذا أيضا بما عقل من الأول وجب عنه ملك ثان، وبما عقل من ذاته وجب عنه فلك زحل، وهكذا إلى القمر، ثم إلى العقل الفعال. وقد قبل الناس هذا وانخدعوا له، حتى قالوا إنه برهان لما نسب إلى فلاسفة يونان. وهذا دعوى محضة لا إقناع فيها ويعترض بكم وجوه، أحدها لم وقف هذا الفيض التقصير من الأول ثم يقال لم لم يجب عن عقل زحل لما فوقه شيء ما وهن عقله للملك الأول شيء آخر فتصير فيوض زحل أربعة. ومن أين لنا أن من عقل ذاته يجب عنه فلك، ومن عقل الأول يجب عنه ملك، فمتى ادعى أرسطوطاليس أنه يعقل ذاته ينبغي أن يطالب بأن يفيض عنه فلك. وإن ادعى أنه يعقل الأول أن يفيض عنه ملك إنما ذكرت لك هذه المبادئ ليلا تهول عندك الفلسفة فتظن أنك لو اتبعتها لأرحت نفسك بالبرهان الشافي، بل مبادئهم كلها ما لا يحمله عقل ولا يضبطه قياس. ثم لا اتفاق بين اثنين منهم، إلا المقلديو الذين يقلدون أستاذا واحدا إما أبودقليس أو فيتايغورش أو أرسطوطاليس أو أفلاطون وغيرهم كثير لا يتفق واحد منهم مع صاحبه.
<26> قال الخزري: وما الحاجة إلى حروف הו"י أو إلى ملك وفلك وغير ذلك مع الإقرار بالإرادة والحدث وأن الله خلق الأشياء الكثيرة العدد دفعه على أجناسها كما رسم في סדר בראשית. ثم وضع فيها قوة البقاء والإنتاج، ويمدها مع اللحظات بالقوة الإلهية كما نقول מחדש בטובו בכל יום תמיד מעשה בראשית.
<27> قال الحبر: أحسنت يا ملك الخزر، ولله أنت، هذا هو الحق والإيمان بالحق وترك الفضول. لكن ربما كان هذا النظر لאברהם אבינו إذ تحقق الربوبية والوحدانية قبل أن يوحى إليه، وإذ أوحى إليه ترك جميع قياساته ورجع يطلب رضا الله من عنده بعد أن أعلمه كيف الرضا بأي شيء يدرك وفي أي مكان، وقد דרש الחכמים في قوله ויוצא אותו החוצה - צא מאצטגנינות שלך، يعني أخرج عن علم النجوم وعن كل علم طبيعي مشكوك. وقد قال أفلاطون عن النبي الذي كان زمان مارينوس الملك، أنه قال للفيلسوف المغثر بالفلسفة بوحي عن الله أنك لا تصيل إلي بهذه الطريق لكن بمن جعلته واسطة بيني وبين خلقي، يعني الأنبياء والناموس الحق. واندرج في هذا الكتاب في سر العشرة الآحاد التي هي متفقة في المشارق والمغارب من غير أن يبعث عليها طبع ولا يرجحها عقل، بل لسر إلهي، قوله עשר ספירות בלימה בלום פיך מלדבר בלום לבך מלהרהר ואם רץ לבך שוב למקום שלכך נאמר רצוא ושוב. ועל דבר זה נכרתה ברית. ומדתן עשר שאין להם סוף נעוץ סופן בתחלתן ותחלתן בסופן כשלהבת קשורה בגחלת דע וחשוב וצור שהיוצר אחד ואין בלעדיו ולפני אחד מה אתה סופר. وخاتمة الكتاب וכשהכין אברהם אבינו וצר וחקק וצרף ויצר וחקר וחשב ועלתה בידו נגלה עליו אדון הכל וקראו אהובי וכרת לו ברית בין עשר אצבעות ידיו והוא ברית לשון ובין עשר אצבעות רגליו היא ברית מילה וקרא עליו בטרם אצרך בבטן ידעתיך.
<28> قال الخزري: أريد أن تعرض علي ذوقا من علوم الחכמים المطابقة للطبيعة.
<29> قال الحبر: قد نبهت على علمهم الإرصاد الصحيحة بدليل علمهم بתקופת לבנה التي هي כ"ט י"ב תשצ"ג منقولة عن בית דוד، ولم يختل إلى هذه الغاية. وתקופת חמה المحققة التي بها كانوا يراعون ألا يقع פסח إلا بعد תקופת ניסן، وكقول بعضهم כד חזית דמשכה תקופת טבת עד שיתסר בניסן עברה לההיא שתה، كي لا يقع פסח في فصل الشتاء، والله قد أمر ووكد بقوله שמור את חדש האביב. والתקופה المشهورة عند الجمهور ليست هي المحققة لكنها تقريب بقسمة السنة لأربعة أرباع كل ربع צ"א يوما وسبع ساعات ونصف. وقد يقع פסח بحسابها في فصل الشتاء، وقد طالبت الناصرى اليهود وزعمت أن أصل دينهم قد ذهب، وليس هم على أصل إذ يقع لهم פסח قبل حلول فصل الربيع بحسب حسابهم بالתקופה المشهورة التي בפרהסיא، ولم يأبهوا إلى תקופת חמה المصححة التي هي بصنعه غير مشهورة، وإن بحسب حسابها بلا يقع פסח بوجه من الوجوه إلا وقد حلت الشمس رأس الحمل ولو يوما واحدا، ولم يختل هذا منذ آلاف أعوام وهو حساب مطابق لرصد البتاني وهو أحق التعاديل وأصحها ، وهل يصح תקופה חמה وתקופת לבנה محررة إلا عن علم إلهية بأصح ما يكون؟ وما قدمنا من سر נולד קודם חצות وغير ذلك. وقد بقي من العلم الخاص بذلك كتاب يتسمى بפרקי ר' אליעזר فيه مساحة الأرض وكل واحد من الأفلاك وطبائع الكواكب والبروج والصور وبيوتها وحظوظها وسعودها ونحوسها وصعودها وهبوطها وشرفها ووبالها ومدد حركاتها، وهو من חכמי משנה المشاهير. وשמואל من חכמי תלמוד القائل נהירא לי שבילי רקיעא כשבילי דנהרדעא. ولم يشتغلوا به إلا لمعنى الشريعة إذ لم يتم تحقيق مسير القمر واختلافات مسيره لتحقيق وقت اجتماعه بالشمس وهو الמולד ومدة محاقه قبل الמולד وبعده إلا بأكثر علم إلهية. وكذلك علم التحاويل أعني الתקופות الأربع على التحقيق لا يتم إلا بعلم الحضيض والأوج. والمطالع على اختلافاتها، ومن تكلف هذا فلا بد أن ينجر معه سائر علم الفلك. وأما مه يوجد لهم من العلم الطبيعي مما أنجر في أثناء كلامهم بالاتفاق لا بقصد لتعليم هذا العلم لغرائب وعجائب فما ظنك بالكتب التي كانت لعلمائهم موضوعة في نفس العلم.
<30> قال الخزري: ما الذي اتلف تلك المقصودة وأبقى هذه الاتفاقية؟
<31> قال الحبر: لأن تلك كان يحملها خواص من الناس يتسمى هذا منجم وهذا طبيب وهذا مشرح مثلا. وأول ما يتلف من الأمة المنتحسة الأخص فيهم ثم ما هو أعم منه فتلف الخواص وتلفت علومهم ولم يبق إلا الكتب الشرعية التي تحتاج إليها العامة وتحملها كثرة ويكثر انتساخها والعناية بها، فما اندرج في كتب الفقه من تلك العلوم احتمى وبقي بكثرة حامليها وعنايتهم بها، من ذلك كل ما ذكر في הלכות שחיטה وהלכות טריפה، ففيها من العلوم ما غاب أكثره عن جالينوس، وإلا فلم لم يذكر في العلل ما نراه عيانا مما نبهت الشريعة عليه من علل الرئة والقلب مثل סמוך ללב وסמוך לדופן، واتصال الאונות ونقصانها وزيادتها ويبس الرئة وذوبانها. فمن علمهم بتناسب الأعضاء النفسانية مع الطبيعية قولهم שני קרומים יש למוח וכנגדם בביצים، وقولهم כמין שני פולים יש מונחין על פי הקדרה מן הפולים ולפנים - מוח، מן הפולים ולחוץ - חוט השדרה.
وقولهم תלתא קני הוו חד פאריש לליבא וחד פאריש לריאה וחד פאריש לכבדא. ومن علمهم بالعلل القاتلة والعلل السالمة قولهم חוט השדרה אם עורו קיים מוחו לא מעלה ולא מוריד، ומי שנתמזמז מוחו אינו מוליד. وقولهم קרום שעלה מחמת מכה בריאה אינו קרום، وقولهم גיד הנשה אינו נוהג בעוף מפני שאין לו כף. ومن غريب فقههم כשרה שינקה מן הטריפה קיבתה אסורה، טרי]ה שינקה מן הכשרה קיבתה מותרת שהוא בלום במעיה. ومما حرموا عن علم صحيح وقياسنا ينبؤ عنه، חמשה קרומים אסורים: קרום של מוח، קרום שעל ביצה، קרום שעל גבי הטחול، קרום שעל הכליות، קרום שעל העוקץ، כולם אסורים באכילה. ومن بديع فقههم في الטרפות أنهم حددوا الارتفاع الذي إن دفعت البهيمة منه إلى أسفل حرمت משום ריסוק אברים، يعني تتهتك الأعضاء التهتك الذي يؤدي إلى الموت. ثم قالوا הניח בהמה למעלה ובא ומצאה למטה אין חוששין משום ריסוק אברים משום דאמדה אנפשה، يعني أن البهيمة تقدر لنفسها وتتأهب للوثبة فلا يضرها كما يضر إذا دفعت لأن الطبيعة في الوثوب حاضرة، وفي الوقوع هاربة فارة. ومن غريب قولهم أيضا وتجربتهم חרותה בידי שמים כשרה בידי אדם טריפה משום צימוק ריאה. ובדיקותה במים פושרים מעת לעת אי הדרא בריאה כשרה ואם לאו טריפה. وقولهم ריאה ככוחל כשרה، כדיותא טריפה. מאי טעמא? שחור אדום הוא אלא שלקה. ירוקה כשרה وقولهم ריאה שהאדימה מקצתה כשירה، האדימה כלה טריפה. ור' נתן הבבלי שהביאו לפניו ילוד שהוא ירוק، אמר להם המתינו עד שיפול דמו בו، يعني ألا يختن حتى ينتشر دمه في لحمه، ففعلوا ذلك وعاش الطفل بعد أطفال كثيرى كانوا يموتون لتلك الإمراة أثر الختانة، והביאו לפניו ילוד שהוא אדום ואמר המתינו לו עד שיבלע דמו בו، فامتثل ذلك وعاش وسمي נתן הבבלי على اسمه. وقولهم חלב טהור סותם טמא אינו סותם. ومن دقيق فتواهم מחט שנמצא בעובי בית הכוסות נמצא עליה קורט דם בידוע שהיא קודם שחיטה، לא נמצא עליה קורט דם בידוע שהיא לאחר שחיטה. למאי נפקא מינה? למקח וממכר، لأنه لا يمكن أن يصير على الأبرة קורט דם לאחר שחיטה، إذ لا يجري الدم في الميت، فليس له أن يرجع على الذي اشترى منه البهيمة. وإن وجد קורט דם فله أن يرجع عليه ويقول إنك بعت مني ميتة. ومثل ذلك הגליד פי המכה בידוע ששלשה ימים קודם שחיטה، לא הגליד המוציא מחבירו עליו הראיה. ومن العلامات في עוף טהור: מותחין לעוף חוט שלמשיחה אם חולק שתים לכאן ושתים לכאן בידוע שהוא עוף טמא، שלש לכאן ואחת לכאן בידוע שהוא עוף טהור. وقولهم כל עוף הקולט מן האויר ואוכל טמא. השוכן עם הטמאים ונדמה להם טמא כזרזיר אצל העורב. وقولهم סימן הולד בבהמה דקה טינוף، ובגסה שליה، ובאשה שפיר ושליה. ومن غريب قولهم ولفظهم في سموم بعض ذوات المخالب قولهم דרוסת חתול ונץ ונמייה בגדיים וטלאים، ודרוסת חולדה בעוף. وقولهم אין דריסה לשועל، ואין דריסה לכלב، אין דריסה אלא בצפורן לא בשן، אין דריסה אלא ביד לא ברגל، אין דריסה אלא מדעת، אין דריסה אלא מחיים. يعني أن الخالب لم يسم الحيوان إلا بمخالب اليدين وعن قصد من الحيوان لا باتفاق، ومن تنشب مخالبه في لحم البهيمة دون قصد افتراس. وأغرب من هذا قولهم מחיים يعني أنه لو اتفق أن تقطع يد المفترس ومخالبه مغروزة في لحم البهيمة لم يكن منه דריסה، وذلك أنه لم يلق سمه إلا عند الانفصال عنه وإخراج مخالبه من لحم البهيمة، ولذلك قال מחיים بعد قولهم מדעת. وقولهم נטלה הכבד ונשתייר בה כזית במקום מרה ובמקום שהיא חיה כשרה. وقولهم מגלא כשר בריאה פסול בכוליא. מים זכים ונקב כשר בכוליא פסול בריאה. وقولهم הגלודה שנשתייר בה כסלא על פני כל השדרה כשרה، وفي الמשנה مسطور من הלכות טרפות. ومن عيوب الבכורות وعيوب الכהנים مما يطول ذكره فكيف شرحه. وذكر تشريح العظام وأوجز كلام وأبين لفظ ومعنى. ومن مليح نوادرهم قالوا יצאו בני מעיה ולא נקבו כשרה. ثم قال לא שנו אלא שלא הפך בהם אבל הפך בהם טריפה שנאמר הוא עשך ויכוננך מלמד שברא הקדוש ברוך הוא כונניות באדם כיון שנהפך אחת מהם אינם יכולין לחיות. وما لهم من تفريق بين دم נדה، טהרה، وזבה، وבתולין، والدم الكائن عن قروح وبواسير وغير ذلك. وكميات أدوار الנדות، وكذلك זיבות الذكور، والغرائب التي لهم في الצרעת مما يغمض عن أذهاننا.
المقالة الخامسة
<1> قال الخزري: لا بد من التحامل عليك أن تسمعني كلاما قريبا مخلصا في الأصول والعقائد على طريقة المتكلمين الجدليين، ويحل لي سماعها كما حل لك علمها، إما لأعتقدها، وإما للرد عليها. إذ قد فاتتني تلك الدرجة العالية من خلوص الاعتقاد دون بحث. وقد تقدمت لي شكوك وظنون ومفاوضة فلاسفة وأهل ملل وأديان مختلفة، الأولى بي العلم والتحذق في رد الآراء الفاسدة من الجهل. وإنما يجمل التقليد مع طيب النفس، وأما مع خبثها فالبحث أولى، لا سيما إذا أخرج البحث إلى تحقيق ذلك التقليد، فحينئذ تجتمع للإنسان الدرجتان، أعني العلم والتقليد معا.
<2> قال الحبر: ومن لنا بنفس صبورة غير منخدعة للآراء التي تمر بها من آراء الطبيعيين والمنجمين والمطلسمين والسحراء والدهريين والمتفلسفين وغيرهم؟ فلا يصل إلى الإيمان إلا وقد جاز على مراتب كثيرة للزنادقة، والعمر قصير والصناعة طويلة إلا الأفراد يقع لهم الإيمان بالطبع وتنبو عنهم هذه الآراء كلها ويقع في نفوسهم للحين مواضع أغلوطاتهم وأرجو أنك من أولئك الأفراد، فإن كان ولا بد فلست أسلك بك طريق القرائيين الذين ارتقوا إلى العلم الإلهي دون درج، لكني الخص لك عيونا تعينك في التصور للهيولة المشتركة ثم الأستقصات ثم الطبيعة ثم النفس ثم العقل ثم العلم الإلهي ثم أعطي إقناعات في استغناء النفس الناطقة عن الجسد، ثم المعاد، ثم في القضاء والقدر بغاية الإيجاز والاختصار. فأقول إن المحسوسات إنما أدركنا كميتها وكيفيتها بحواسنا وقضى العقل بأنها محمولات في موضع، وذاك الموضع يصعب تصوره، وكيف لنا نتصور شيئا لا كمية له ولا كيفية # <.....> أعراض لا تقوم بأنفسهما، ولا بد لهما من حامل، وسمت الفلاسفة هذا الحامل هيولي، وقالت إن العقل يدركها إدراكا ناقصا لنقصانها في ذاتها، لأنها ليست موجودة بالفعل لا تستحق صفة من الصفات، وإن كانت بالقوة فالصفة جسمانية. قال أريسطوطاليس كأنها تستحي من أن تظهر عريانة، فهي لا تظهر إلا لابسة صورة. وقد ظن بعض الناس أن الמים المذكور في أول בראשית كناية عن هذه الهيولي، وأن רוח אלהים מרחפת על פני המים إنما هي إرادة الله ومشيئته النافذة في جميع أجزاء الهيولي يفعل فيها ما شاء، كيف شاء، متى شاء، كما يصنع الفخاري بالطينة التي لا صورة فيها، وكنى بعدم الصورة والنظام بחשך תהו ובהו. ثم إن الإرادة والحكمة الإلهية اقتضت إدارة الفلك الأعلى الذي يدور دوره في كل כ"ד ساعة، ويدير معه جميع الأفلاك بأن يحدث في هذه الهيولي التي هي حشو فلك القمر تغايير بحسب حركات الأفلاك. وأولها احتما الجو القريب من فلك القمر لقربه من موضع الحركة فصار نارا أثيرا وهو عند الفلاسفة النار الطبيعية لا لون لها ولا إحراق، لكنها جسم لطيف شفاف خفيف سموه فلك النار، ثم فلك الهواء، ثم فلك الماء، ثم كرة الأرض التي هي المركز، ثقلت وغلظت لبعدها عن موضع الحركة. فهذه الأربع عناصر من إمتزاجاتها تكون المتكونات.
<3> قال الخزري: وأراها عندهم حادثة بالاتفاق، كقولهم إنه اتفق لما قرب من الفلك جدا أن يكون نارا، وما بعد أن يكون أرضا، وما توسط كان بحسب القرب إلى المحيط أو إلى المركز إما هواء إما ماء.
<4> قال الحبر: بل الضرورة تضمهم إلى الإقرار بالحكمة في انفصال جوهر عن جوهر. فإنه لم ينفصل النار عن جوهر الهواء، والهواء عن الماء، والماء عن الأرض بالأقل والأكثر والأشد والأضعف كل بصورة خاصة بكل واحد منها جعلت هذا نارا وهذا هواء وهذا ماء وهذا أرضا. وإلا فللقائل أن يقول شحنت الفلك كلها أرضا بعضها أرق أرضية من بعض. وللآخر أن يقول بل كلها نارا لكن كل ما انحدر كان أغلظ نارية وأبرد. ونحن نرى التقاء عنصر بعنصر وكل واحد منها يحرز صورته وجوهريته، نرى الهواء والماء والأرض في موضع واحد تتماس ولا تتشابه حتى تستحيل بعضها إلى بعض بأسباب اخر تحيلها، فيقبل الماء صورة الهواء، والهواء صورة النار، فحينئذ يستحق الأستقس اسم صاحبه فتميز الجواهر بصورها حاشى أعراضها يدعو الفلاسفة إلى القول بأن هناك عقلا فعالا إلهيا يعطي هذه الصور كما يعطي صور النبات والحيوانات وهي كلها من الأربع عناصر. وليس تميز الدالية من النخلة بأعراض لكن بصور جعلت جوهر هذا غير جوهر هذا وإنما ينفصل بأعراض دالية من دالية ونخلة من نخلة بأن هذه مثلا سوداء وهذه بيضاء وهذا أحلى من هذه وهذه أطول وأقصر وأغلظ وأرق وغير ذلك من الأعراض. وليس في الصور الجوهرية أقل وأكثر، فليس فرس أقل فرسية من آخر ولا إنسان أكثر إنسانية من آخر. لأن حدود الفرسية والإنسانية حاصلة لجميع أشخاصهما. فالفلاسفة أقروا ضرورة بأن هذه الصور إنما يعطيها أمر إلهي يسمونه عقل واهب الصور.
<5> قال الخزري: هذا لعمرك الإيمان إذا اضطرتنا ضرورة العقل إلى الإقرار بمثل هذا. فما دعانا إلى القول بالاتفاق؟ ولم لا نقول إن الذي جعل هذا فرسا وهذا إنسانا بالحكمة التي لا ندرك نحن تفصيلها هو الذي صور النار نارا والأرض أرضا للحكمة التي رآها تعالى لا للاتفاق من قرب الفلك أو من بعده؟
<6> قال الحبر: وهذه الحجة الشريعية وبرهانها بنو إسرائيل وما قلب لهم من الأعيان وما اخترع لهم من الأكوان وإذا ارتفع هذا البرهان استوى معك مناظرك بأن الدالية مثلا إنما نبتت هناك بما اتفق أن يقع في ذلك المكان بزر العنب وصورة البزر إنما كانت من دوران الفلك نسبة ما امتزجت بها العناصر امتزاجا ما جاء منه ما تراه.
<7> ؟
<8> ؟
<9> قال الخزري: وإن خرجنا قليلا من الغرض عسى أن تلخص لي غرض هذا المزمور.
<10> قال الحبر: إنه يناسق مع מעשה בראשית ابتدأ עוטה אור כשלמה يشير إلى יהי אור ויהי אור. נוטה שמים כיריעה إلى יהי רקיע. המקרה במים يشير إلى המים אשר מעל השמים، ثم ما يحدث في الجو من السحاب والرياح والنيران والبروق والصواعق، وإنها كلها بإذن كما قال כי בם ידין עמים. فعبر عن هذا بقوله השם עבים רכובו המהלך על כנפי רוח. עושה מלאכיו רוחות משרתיו אש לוהט. يعني أنها رسلة حيث شاء بما شاء. وكل ذلك متعلق بالרקיע. ثم انتقل إلى יקוו המים ותראה היבשה بقوله יסד ארץ על מכוניה وإن الماء بطبعه محيط فوق الأرض يغطيها كلها كالثوب سهلا وجبالا كما قال תהום כלבוש כסיתו על הרים יעמדו מים. لكن القدرة والحكمة أخرجته عن ذلك الطبع وحصرته إلى الأعماق حيث البحار حتى يكون ههنا موضع نشو الحيوان وظهور الحكمة فقال מן גערתך ינוסון كناية عن انحصارها في البحار وتحت الأرض، وإلى هذا يشير بقوله לרוקע הארץ על המים لأنه قول يضاد في الظاهر لقوله תהום כלבוש כסיתו. فهذا بحسب طبع الماء وذاك بحسب القدرة والحكمة وكما قال גבול שמת בל יעבורון בל ישובון לכסות הארץ وكل هذا مقصود لمنافع الحيوان كما يدفع الإنسان بحيله وصناعاته أكثر مياه الأودية بالأسداد وغير ذلك ليأخذ من الماء مقدار حاجته للرحى والسقي وغير ذلك. كذلك أشار ههنا بقوله המשלח מעינים בנחלים لتكون ישקו כל חיתו שדי إذا خلقت الחיה ويكون عليهم עוף השמים ישכון إذا خلق الעוף. ثم انتقل إلى תדשא הארץ بقوله משקה הרים מעליותיו كناية عن ואד יעלה מן הארץ لمنافع آدم وذريته. فما قيل מצמיח חציר לבהמה ليلا يحقر بالחציר لأنه من منافع الحيوان الأهلي بقرا غنما ودواب كنى عنها بעבודת האדם يعني الفلاحة ليستخدم هو بها ليستخرج لباب النبات لنفسه كما قال להוציא לחם מן הארץ نظير قوله הנה נתתי לכם את כל עשב זורע זרע، يعني لبابها للإنسان وقشورها لسائر الحيوان كما قال ולכל חית הארץ ולכל עוף השמים את כל ירק עשה לאכלה. وذكر الأغذية الثلاث التي تستخرج بالفلاحة وهي דגן ותירוש ויצהר. وكلها לחם. ثم ذكر منافعها יין ישמח לבב אנוש. ثم שמן - להצהיל פנים משמן، وלחם الذي هو الخبز خصوصا לבב אנוש יסעד. ثم عطف على منفعة نزول المطر للأشجار بقوله ישבעו עצי ה'. ومنفعة الشجر العالية للحيوانات كما قال אשר שם צפרים יקננו. كما أن الجبال الشامخة منافع لحيوانات آخر كما قال הרים גבוהים ליעלים، סלעים מחסה לשפנים. أنطوي جميع هذا في ذكر الיבשה. فانتقل إلى יהי מאורות بقوله עשה ירח למועדים. وذكر منافع الليل وإن الليل مقصود من قبله لا بالاتفاق، لا عبث في فعله ولا في الأعراض التابعة لفعله، لأن الليل إنما هو مدة عدم الشمس، لكنه مع هذا مقصود لمنافع كما قال תשת חשך ויהי לילה وما يتبعه من القول في ذكر الحيوان المؤذي للإنسان وتصرفه في الليل وكمونه بالنهار. والإنسان والحيوان المؤالف للإنسان بعكس ذلك, كما قال יצא אדם לפעלו ולעבודתו עדי ערב. فقد إنجرت له الحيوانات الأرضية كلها في ذكر الأنهار ثم في ذكر الأنوار وإنجر معها ذكر الإنسان، ولم يبق إلا ذكر الحيوان المائي وأكثر أحواله مجهولة. والحكمة فيها ليست ظاهرة إلينا كظهورها في هذه. فسبح على ذكر هذه التي الحكمة فيها ظاهرة بقوله מה רבו מעשיך ה'. ثم عطف على ذكر البحر وما فيه واتبعه بقوله יהי כבוד ה' לעולם ישמח ה' במעשיו كناية عن قوله וירא אלהים את כל אשר עשה והנה טוב מאד كناية عن יום השביעי וישבת ויברך ויקדש لما انكملت الأفعال الطبيعية التي تنقضي في زمان وانتهت بالإنسان إلى رتبة الملائكة المستغنية عن القوى الطبيعية إذ هي عقول لا يحتاج في أفعالها إلى زمان كما نرى العقل يتصور في آن واحد السموات والأرض فهو عالم الملكوت وعالم الراحة إذا اتصلت النفس به استراحت. ولذلك قيل في السبت أنه מעין עולם הבא.
ولنرجع إلى كلامنا على رأي أهل القياس أن العناصر لما امتزجت امتزاجات مختلفة بحسب اختلاف المواضع والأهوية والنسب الفلكية استحقت صورا مختلفة من عند معطي الصور. فكان جميع المعادن ... أن قواها وخواصها وجواهرها مزاجية فقط مستغنية عن صور إلهية، وأن الصور إنما تحتاج في النبات والحيوان التي تنسب إليها النفس. ولما امتزجت امتزاجا ألطف استحقت صورة أشرف تظهر فيها الحكمة الإلهية أكثر، فكان النبات الذي له بعض شعور وإدراك وغرا إلى الأرض فهو يغتذي من الأرض الطيبة الندية والماء العذب، وينقبض عن ضد ذلك، ويكبر حتى إذا أولد المثل وعمل بزرا وقف عمله وطلب ذلك البزر مثل ذلك العمل للحكمة الغريبة المغروزة فيه المسماة عندهم طبيعة، وهي قوة تعني بحفظ النوع إذ لا يمكن بقاء الشخص بذاته لأنه مركب من أشياء مستحيلة فكان كل ما له هذه القوى للنمو والتوليد والاغتذاء لا يتحرك الحركة المكانية فهو الذي تدبره الطبيعة على قول الفلاسفة. وبالحق أن الله يدبرها في رتبة ما وملكة ما سم إن شئت تلك الرتبة طبيعة أو نفسا أو قوة أو ملكا. ولما لطف المزاج أكثر واستعد لظهور الحكمة الإلهية فيه أكثر، استحق زيادة صورة حاشى القوة الطبيعية حتى ينال أغذيته من بعد وتكون جميع أعضائه مضبوطة لا تتحرك إلا بإرادته ويكون أملك لأجزائه من النبات الذي لا يقدر أن يحتجب مما يؤذيه ولا يقصد إلى ما ينفعه والريح تلعب به فكان الحيوان ذو الآلات المحركة له في المكان وسميت الصورة الموهوبة له زائدا على الطبيعة نفسا واختلفت الأنفس اختلافا متفاوتا بحسب تغالب الطبائع الأربع مع قصد الحكيم لحيوان حيوان لحاجة جملة العالم إليه وإن لم ندر نحن ما المنفعة في أكثرها كما لا ندري منافع آلات المركب ونظنها عبثا ويدريها صاحب المركب ومنشئه، بل كما نجهل منافع كثير من عظامنا وسائر أعضائنا لو نثرت بين أيدينا لما علمنا منفعة عظم عظم وعضو عضو على إنا بها نتصرف ونتحقق أنه إن نقصنا واحدا منها لنقصت أفعالنا وافتقرنا إليه. وهكذا جميع أجزاء العالم معلومة مضبوطة عند بارئها עליו אין להוסיף וממנו אין לגרוע. فوجب اختلاف الأنفس فوجب أن تكون آلات كل نفس مشاكلة لها فيعطي الأسد آلات الخلب بالأنياب والمخالب مع الجرأة، ويعطي الأيل آلات الهرب مع الجبن، وكل نفس تتشوق إلى تصريف قواها على ما هيئت له ولم تتعادل الطبائع في شيء من الحيوان البهيمي، فلم يتشوق إلى قبول صورة زائدة على النفس الحيوانية, لكن تعادلت في الإنسان وتشوقت إلى صورة زائدة ولا بخل عند الأمر الإلاهي فأفاض عليه صورة زائدة تسمى العقل الهيولاني المنفعل. والناس أيضا يختلفون لأن أكثرهم منحرف الطبائع فيميل عقله مع ذلك الانحراف، إن كان مع الصفراء فمعه الطيش والتهور، وإن مال إلى السوداء فمعه التأني والثبوت، والأخلاق تتبع المزاج، حتى إذا وجد الإنسان متعادل الطبائع وأضداد الأخلاق عنده في ملكه مثل كفتى الميزان العدل في يد الوزان يميلها حيث شاء بزيادة الصنج ونقصانها، فذلك الإنسان لا محالة فارج/غ القلب من الشهوات المفرطة وتشوق إلى رتبة فوق رتبته وهي الرتبة الإلهية فهو يقف حائرا فيما ينبغي له أن يأتيه في تغليب طبائعه وأخلاقه فلا يعطي القوة الغضبية سؤالها ولا الشهوانية ولا غيرها إلا مستشيرا مسترشدا أن يلهمه الله إلى الإرشاد، فذلك هو الذي يفيض عليه روح إلهي نبوي أن استحق النبوة، وإلهامي أن كان دون ذلك، وكان وليا لا نبيا إذ لا بخل عنده تعالى بل يعطي كل شيء حقه، ويسمي الفلاسفة معطي هذه الرتبة العقل الفعال ويجعلونه ملكا دون الله وأن عقول الآدميين إذا اتصلت به فهي جنتها وبقاءها الأبدي.
<11> قال الخزري: عسى لهذه الجملة تفصيلا موجزا.
<12> قال الحبر: يتبين وجود النفس بالحركات والإحساس للحيوان مخالفة للحركات الاستقصية فسمى سببها نفسا أو قوة نفسانية وتنقسم القوة النفسانية إلى ثلاث، ما اشترك فيه الحيوان والنبات وهي القوة النباتية، وما اشترك فيه الإنسان وسائر الحيوان وهي القوة الحيوانية، وما خص به الإنسان فيسمي قوة نطقية، ويتبين أمر النفس الكلية الجنسية بإعتبار الأفعال أنها من قبل الصور الحاصلة في المادة، لا من قبل المادة من حيث هي مادة، فإن السكين ليس يقطع من حيث هو جسم لكن حيث له صورة السكين، وكذلك الحيوان ليس يحس ويتحرك من قبل ما هو جسم لكن من قبل ما له صورة الحيوانية وهي المسماة بالنفس، فسميت هذه الصور كمالات لأن بها تكمل هويات الأشياء فالنفس كمال، وثم كمال أول وكمال ثان ، فالأول هو مبدأ للأفاعيل، والثاني ذات الأفاعيل الصادرة عن المبدأ، والنفس كمال أول لأنها مبدأ لا صادر عن المبدأ، والكمال إما كمال لجسم وإما كمال لجوهر ليس بجسم. فالنفس كمال # <...> لجسم طبيعي، والجسم الطبيعي إما آلي وإما غير آلي أعني أن تتم أفعاله بآلات أو دون آلات، فالنفس كمال لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة أي مصدر للأفعال الحيوانية بالقوة ومتهيئ لها، ويتبين أن النفس ليست صادرة عن امتزاج استقصات البدن، لأن الشيء الحادث عن امتزاج مفردات إما أن يغلب فيه أحد المفردات أو أكثر من واحد فتكون الصورة الحاصلة بحسب ذلك وإما أن تتغالب المفردات حتى لا يبقى واحد منها على صورتها فيحدث من ذلك صورة نت وسائطها، والنفس ليست من قبيل شيء من مفردات البدن، فليست إلا صورة من خارج كالنقش من قبل الطابع في الطينة المؤلفة من الماء والتراب فإنه ليس النقش من قبيل صور الماء والتراب. وأول القوى القوة الغاذية وهي كالمبدأ، والمولدة كالغاية، والمنمية كالواسطة، والرابطة بين المبدأ والغاية، وللمولدة سبوق وتقدم وإن طرت متأخرة فإنها تستولي أولا على المادة المهيأة لقبول الحياة، وتلبسها صورة المقصود بخدمة المنمية والغاذية، ثم تترك التدبير لهما إلى وقت التوليد، فالمولدة مخدومة والغاذية خادمة والمنمية خادمة ومخدومة، وللغاذية، الأربع قوى المشهورة الخادمة لها كل متحرك بإرادة حاس متحرك، وإلا كان الحس عبثا، والحكمة لا تعطي شيء عبثا ولا ضارا، ولا تمنع ضروريا ولا نافعا حتى ذوات الأصداف وإن الباطنة فأولها الحاسة المشتركة لأن المنافي والملائم إنما يدركان بالتجربة، فوجب وضع قوة متصورة ليحفظ بها صور المحسوسات وهي الحاسة المشتركة، والقوة المتذكرة الحافظة لتحفظ بها المعاني المدركة من المحسوسات، والقوة المتخيلة يستعيد بها ما أمحى عن الذكر. والقوة المتوهمة ليقف على صحيح ما يستنبط التخيل وسقيمه ضربا من الوقوف الطري حتى يعيده إلى الذكر. والقوة المحركة لاجتلاب ما يحتاج إليه من قرب وبعد ودفع الضار. وجميع قوى الحيوان إما مدركة وإما محركة. والمحركة هي الشوقية وهي ضربان إما محركة لطلب مختار وهي القوة الشهوانة وإما محركة لدفع مكروه وهي الغضبية. والمدركة ضربان إما ظاهرة كالحواس الظاهرة وإما باطنة كالحواس الباطنة. والمحركة إنما تفعل بحكم المتوهمة باستخدام المتخيلة وهي الغاية من الحيوان البهيمية إذ لم يوضع له القوة المحركة ليصلح بها أسباب الحس والتخيل بل الحاسة المتخيلة وضعت له لتصلح أسباب الحركة. والناطق بعكس ذلك أعطى الحركة لإصلاح النفس الناطقة العاملة الدراكة الحواس الخمس معلومة ومدركاتها معلومة بتوسطها يدرك أيضا الشكل والعدد والعظم والحركو والسكون تبين وجود الحاسة المشتركة من حكمنا على العسل مثلا إذا رأيناه أنه حلو. وهذا إنما هو بأن عندنا قوة مشتركة للحواس الخمس وهذه القوة هي المتصورة وتفعل في اليقظة وفي النوم. ثم قوة تركب ما اجتمع في الحس المشترك وتفرق بينهما وتوقعع الاختلاف فيها من غير أن تزول الصور عن الحس المشترك، وهذه هي المتخيلة وقد تصدق وقد تكذب. وأما المتصورة فصادقا أبدا. ثم القوة الوهمية وهي قوة حاكمة تقضي على شيء ينبغي أن يطلب وعلى شيء بأنه ينبغي أن يهرب عنه، وليس في المتصورة ولا في المتخيلة حكم وقضاء بل تصور فقط.
ثم القوة الحافظة مذكرة لمعاني ما أدركته الحواس مثل أن الذئب عدو والولد حبيب، فالمحبة والأضرار والتصديق والتكذيب للوهمية. وأما الحافظة المذكرة فتحفظ ما صدقت الوهمية. والقوة المتخيلة إذا استعملتها الوهمية سميت متخيلة. وإذا استعملتها الناطقة سميت مفكرة. والتصور في مقدم الدماغ والتخيل في وسطه. والتذكر في مؤخره. والتوهم في جميعه وأكثره في حيز التخيل. وكل هذه القوى مائتة فانية بفناء آلاتها. ولا بقاء إلا للناطقة على أنها قد تستخلص لنفسها لباب هذه القوى ضربا من الاستخلاص فتوجدها بذاتها. هذا تلخيص أقوال القوم في ما دون النفس الناطقة. وقالوا في الناطقة أنها العقل الهيولني، أو العقل بالقوة شبيه بالهيولي التي هي قرينة عدم بالفعل، وهي كل شيء بالقوة وتحصل فيها الصور المعقولة إما بإلهام إلهي وإما باكتساب. والتي بالإلهام هي المعقولات الأولى التي اشترك فيها جميع الناس الذين على المجري الطبيعي. والتي بالاكتساب فهي القياس والاستنباط البرهاني كتصور الحقائق المنطقية مثل الأجناس والأنواع والفصول والخواص والألفاظ المفردة والمركبة بالضروب المختلفة من التراكيب والقياسات المؤلفة الحقيقية والكاذبة والقضايا المنتجة نتائج ضرورية برهانية أو جدلية أو خطابية أو سوفسطانية أو شعرية وكتحقيق الأمور الطبيعية كالهيولي والصورة والعدم والطبيعة والمكان والزمان والحركة والأجرام الفلكية والأجرام العنصرية والكون والفساد المطلقين، وكون المواليد الكائنة في الجو والكائنة في المعادن والكائنة على אדים الأرض من نبات وحيوان وحقيقة الإنسان وحقيقة تصور النفس لنفسها وتصور الأمور الرياضية من العددية والهندسية المحضة والهندسية النجومية والهندسية اللحنية والهندسية المناظرية وتصور الأمور الإلهية كمعرفة مبادئ الوجود المطلق من حيث هو وجود ولواحقه كالقوة والفعل والمبدأ والعلة والجوهر والعرض والجنس والنوع والمضاد والمجانسة والإتفاق والاختلاف والوحدة والكثرة وإثبات مبادئ العلوم النظرية من الرياضية والطبيعية من المنطقية التي لا يتوصل إليها إلا بهذا العلم كإثبات المبدع الأول والمبدع الأول والنفس الكلية وكيفة الإبداع ومرتبة العقل من المبدع ومرتبة النفس من العقل ومرتبة الطبيعة من النفس ومرتبة الهيولي والصورة من الطبيعة ومرتبة الأفلاك والنجوم والكائنات من الهيولي والصورة ولما ذا جبلت على هذا الاختلاف والتقدم والتأخر ومعرفة السياسة الإلهية والطبيعة الكلية والعناية الأولية وقد تستفيد هذه النفس الناطقة صورة من الحس بأن تعرض على ذاتها ما في المتصورة والحافظة باستخدام المتخيلة والوهمية فتجد تلك الصور يشترك بعضها مع بعض في صفات وتفترق في صفات آخر، ومن تلك الصفات صور ذاتية ومنها عرضية، فتفصلها وتركبها وتستنبط الأجناس والأنواع والفصول والخواص والأعراض ثم تركبها تركيبا قياسيا فتنتج منها فوائد النتائج بإعانة العقل الكلي المفيد لها وأن استعانت أولا بالقوى الحسية فهي غير محتاجة إليها في تصور هذه المعاني في ذاتها وفي تركيب القياسات منها لا عند التصديق ولا عند التصور وكما أن القوى الحسية إنما تدرك بتشبه من المحسوس كذلك القوى العقلية إنما تدرك بتشبه من المعقول بتجريد الصورة عن المادة والإتصال بها، إلا أن القوة الحاسة لا تفعل بإرادة كما تفعل الناطقة، بل تحتاج إلى القوة المحركة ومعونة الوسائط الموصلة الصور إليها. وأما القوة العاقلة فتعقل بذاتها وتعقل ذاتها متى شاءت، ولذلك قيل القوة الحاسة منفعلة والعاقلة فاعلة. وليس العقل بالفعل غير صور المعقولات مجردة في ذات العقل بالقوة. ولذلك قيل إن العقل بالفعل عاقل ومعقول معا. ومن خواص العقل أن يوحد الكثير ويكثر الواحد بالتركيب والتحليل، والعقل وإن ظهر فعله بزمان في تركيب القياسات بالرؤية والفكرة فإن تحصيله لنتيجة لا يتعلق بزمان، بل ذات العقل مرفع عن الزمان. والنفس الناطقة إذا أقبلت على العلوم سمي فعلها عقلا نظيرا. وإذا أقبلت على قهر القوى البهيمية سمي فعلها سياسة وسمي عقلا عمليا. وقد تسعد القوة النطقية في بعض الناس من الإتصال بالعقل الكلي بما ينزهها عن استعمال القياس والرؤية وتكفي المؤنة بالإلهام والوحي وتسمى خاصيتها هذه تقديسا. فتسمى روحا مقدسا. ومن براهين جوهرية النفس وإنها ليست جسما ولا عرضا إنها صورة الجسم لا تتقسم بذاتها كتقسم الجسم ولا بالعرض كتقسم العرض بتقسم حاملة فإن اللون والرائحة والطعم والحرارة والبرودة قد تتقسم بذاتها. والصورة العقلية إنما هي المعقول. والمعقول من الإنسان مثلا لا يقبل القسمة إذ لا يتصور نصف إنسان ولا جزء من إنسان إنسانا كما تتصور جزء من الجسم جسما وجزء من اللون لونا، وكذلك اللون والجسم من حيث هما معقولان فلا يتصور فيهما قسمة. فلا نقول نصف لون معقول ونصف جسم معقول كما نقول نصف ذاك الجسم محسوس ونصف اللون المحمول عليه المشار إليه، ولا يقال نصف النفس الناطقة التي في زيد كما نقول نصف بدنه إذ لا تتميز ولا تتحيز بجهة من الجهات ولا يشار إليها. فإذا لم تكن جسما ولا عرضا قائما بالجسم حالا فيه، وقد ظهر وجودها بما يصدر عنها من الأفعال. فلم يبق إلا أن تكون جوهرا قائما بذاته متصفا بصفات الملائكة والجواهر الإلهية وآلاتها الأول الصور الروحانية المتشكلة في وسط الدماغ من الروح النفساني بالقوة المتخيلة تصيرها فكرية إذا تحكمت فيها وركبتها تركيبات وفصلتها تفصيلات تؤدي إلى انتاج علم. وقد كانت قبل ذلك تخييلية إذ كانت تتحكم فيها القوة الوهمية كما يعرض في الأطفال وفي البهائم وفي ما انحرف مزاجه بمرض حتى تتعامى تلك الأشكال على النفس فلا تتآتي لاستيفها النظر في الرأي المقصود فيأتي الرأي ناقصا وهميا كله أو بعضه، ومن الدلائل على مفارقة النفس الجسد واستغناءها عنه أن القوى الجسمية تضعف بمدركاتها القوية كالعين عند الشمس والأذن عند الصوت القوى بفساد آلاتها. والنفس الناطقة ليست كذلك، بل تقوى كلما أدركت علما أقوى. ومن ذلك أن الهرم ينال البدن ولا ينال النفس، بل تقوي بعد الخمسين سنة والبدن في الإنحطاط.
ومن ذلك أن أعمال البدن متناهية وأفعال النفس غير متناهية إذ الصور الهندسية والعددية والحكمية غير متناهية. والدليل على وجود جوهر عقلي مفارق للأجسام يقوم للنفس مقام الضوء للبصر وأن النفس إذا فارقت الأجسام اتحدت به أن النفس لم تحصل علمومها بالتجربة لأن ما حصل بالتجربة ليس يحكم عليه قطعا، لأنه ليس يقطع الإنسان حكما إن كل إنسان لا يحرك أذنيه كما يقطع أن كل إنسان حساس، وكل حساس حي، وكل حي جوهر، وإن الكل أكثر من الجزء، وغير ذلك من المعقولات الأول. لأن اعتقادنا صحة الآراء ليس يصح بتعلم وإلا فستسلسل إلى ما لا نهاية له فهو إذن من فيض إلهي يتصل بالنفس الناطقة وهذا الفيض ما لم يكن له هذه الصورة العلية الكلية لم يمكن أن ينقشها في النفس الناطقة وكل ما فيه صورة عقلية في ذاته فهو جوهر غير متجسم فإذا هذا الفيض جوهر عقلي لا متجسم قائم بذاته وتصور النفس للصورة كمال لها وإنما يحصل عند الإتصال بهذا الجوهر العقلي، لكن عاق عن ذلك الإتصال شغل البدن، فلا يصح الإتصال التام إلا برفض جميع قوى البدن، فإنه لا مانع لها عن الإتصال به غير البدن، فإذا فارقته بقيت مكملة متعلقة به، آمنة من الفساد، متصلة بهذا الجوهر الشريف المكنى بالعلم الأعلى وغير هذا من القوى فإنما فعله بالبدن فيذهب بفساد الآلة لكن النفس الناطقة قد تصورتها وأخذت لبابها كما تقدم.
<13> قال الخزري: أرى لهذا الكلام الفلسفي فضل تدقيق وتحقيق على سائر الكلام.
<14> قال الحبر: وهذا الذي كنت أخافه عليك من الانخداع وسكون النفس إلى آرائهم لما صح عنهم البرهان في العلوم الرياضية والمنطق طابت النفوس على كل ما قالوه في الطبيعة وفي ما بعد الطبيعة، وظن أن كل ما قالوه برهان، فهلا شككت في دعاواهم في الأربعة عناصر أولا، وطلبتهم بعالم النار الذي يدعون أن هناك النار الأثيرية لا لون لها فيمنع لون السماء والكواكب، ومتى أدركنا نحن نار عنصرية بل كيفية حارة في الغاية إن حلت أرضا كانت جمرا وإن حلت هواء كانت لهيبا وإن حلت ماء كانت مغلي. ومتى شاهدنا جسما ناريا وهوائيا داخلين في مادة النبات والحيوان حتى نقضي أنه مركب من الأربعة كلها نار وهواء وماء وأرض، هب أنا أدركنا الماء والأرض واستخالتهما ودخولهما في مادة النبات وللهواء ولحرارة الشمس معونة في الكون بطريق الكيفية لا بجسم نار ولا بجسم هواء، أو متى رأيناها تنحل إلى الأربع بأعيانها أن أحنل جزء إلى شبيه التراب فليس ترابا بل رماد يصلح لدوء ما. والجزء المنحل إلى شبيه بالماء فليس بماء لكن عصاره أو رطوبه سميه أو غذائية لا ماء شروب. والجزء المنهل إلى شبيه بالهواء كان بخارا أو قتارا لا هواء يصلح أن يتنفس به. وهذه أيضا ربما استحالت إلى حيوان أو إلى نبات أو انعقجت في أجزاء الأرض، وصارت من استحالة إلى استحالة، وفي النادر يقع لها الاستحالات إلى عنصر خالص. نعم أن يعد التتبع يخرج لنا الإضطرار بالقول بالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وأنها كيفيات أول إذ لا يخلو منها أو من وسائطها جسم من الأجسام وأن العقل يحل المركبات إليها ويركبها منها ويضع لها جواهر حاملة فيقول نارا وهواء وماء وأرضا بالتصور والقول لا بأنها كانت قط بسيطة خارج الذهن وتركب منها كل مكون، وكيف يقولون هذا وهم يقولون بالقدم، فلم يزل الإنسان متكونا من منى ودم، والدم من الأغذية والأغذية من النبات، والنبات كما قلنا من بزور، والماء الذي يستحيل غذاء مشاكلا له بمعونة من الشمس والهواء والأرض. نعم ولجميع الكواكب ونسب الأفلاك تأثير ومعاون فيه، فهذا الشك في العناصر على رأيهم.
وأما على رأي الشريعة فإن الله قد اخترع العالم كما هو وحيوانه ونباته مصورا، فلم يحتاج إلى تقديم بسائط وتركيب مركبات. وفي إيجاب الحدت تسهيل كل صعب وتوطئة كل متعذر إذا تخيلت أن هذا العالم لم يكن، ثم كان بمشية الله حين شاء وكيف شاء لم تشق في البحث كيف تكونت الأجسام، وكيف ارتبط بها النفس، ولم تشمز نفسك من قبول الרקיע وהמים אשר מעל השמים، والشياطين التي تذكرها الأحبار، والأخبار المنتظرة من ימות המשיח وתחית המתים وהעולם הבא. فما حاجتنا إلى هذا التحيل في بقاء النفس بعد فناء الجسد. والمخبر الصادق المقلد قد حقق عندنا المعاد ودعها تكون روحانية أو جسمانية. وإن تتبعت طريق المنطق لإثبات الآراء فيها ولإحالتها فنى العمر دون نتيجة، ومن لنا بصحة ما أوردنا بأن النفس جوهر عقلي لا يتحيز بمكان ولا يدركه كون ولا فساد، وبما ذا تتميز نفسي عن نفسك، أو عن العقل الفعال وسائر العلل، والعلة الأولى، ثم كيف لا تتحد نفس أرسطوطاليس ونفس أفلاطون ويدري كل واحد منهما صاحبه ومعتقده وضميره وجميع الفلاسفة، ثم كيف لا يعقلون معقولاتهم دفعة واحدة كما هي عند الله وعند العقل الفعال، وكيف يدركهم النسيان، ولم يحتاجون إلى فكر في معقولاتهم جزئا بعد جزء. ثم كيف لا يجد الفيلسوف نفسه إذا نام وإذا سكر وإذا تبرسم وإذا أصابته ضربة في دماغه وإذا شاخ وهرم، وما الذي نقضي على من بلغ علم الفلاسفة وعرضه وسواس سوداني أو برسام نفسي ونسى جميع علمه، أليس ذاك هو هو بعيه أم نقول أنه غيره، ثم نفرض أنه برئ من علته بتدريج وجعل يتعلم من قبل وشاخ ولم يدرك العلم الأول. هل تصير له نفسان مفارقتان الواحدة دون الأخرى. ثم نفرض أن تبدل مزاجه إلى حب الغلبة والشهوات، أنقول أن له نفسا في النعيم ونفسا في العذاب؟ وأي الحدود من العلم هو الذي تصير به نفس الإنسان مفارقة للجسد غير تألفه. إن كان بجميع علم الموجودات، فكثير ما يبقى على الفيلسوف لا يدريه مما في السماء وفي الأرض وفي البحر. وإن كان يقنع بالبعض فكل نفس ناطقة مفارقة. لأن المعقولات الأولى مغروزة فيها. وإن كان إنما تفارق النفس بتصور المعقولات العشر وما فوقها من مبادئ الفكر وتنحصر فيها الموجودات كلها بأن يأخذها منطقية دون تقص لجزئياتها، فعلم قريب يدرك من يومه وبعيد أن يصير الإنسان ملكا من يومه، وإن كان ولا بد من تقصيها والإحاطة بها منطقية وطبيعية فأمر غير مدرك فهو تألف هالك لا محالة على رأيهم.
ولقد انخدعت لخيالات فاسدة وطلبت ما لم يمكنك منه خالقك ولم يجعل في غريزة البشر إدراكه بقياس لكن جعل غلك في غريزة المصطفين من صفوة الخلق بالشرائط التي ذكرناها تحصل لهم تلك النفوس التي تتصور العالم بأسره وترى ربها وكلائكته وترى بعضها بعضا ويعلم بعضها ضمائر بعضها كما قال גם אני ידעתי החשו، ونحن لا ندري كيف ذلك وبما ذا، إلا أن يأتينا من طريق النبوة. ولا كان علم الفلاسفة في ذلك حقا لأدركوها، إذ يتكلمون في النفوس وفي النبوة وهم كسائر البشر. نعم أنهم فضلوا بالحكمة الإنسانية كما كان يقول سقراط لأهل أتينيا، يا قوم أني لست أنكر حكمتكم الإلهية، لكني أقول أني لست أحسنها، وأما أنا حكيم بحكمة إنسانية . وأنهم لمعاذير لما لجوا إلى قياساتهم لعدم النبوة والنور الإلهي عندهم، أتقنوا العلوم البرهانية إتقانا لا غاية وراءه، وانفردوا لذلك ولا خلاف بين شخصين في تلك العلوم، ويكاد ألا اتفاق بين شخصين في ما تكلفوا بعد ذلك من الآراء في ما بعد الطبيعة. نعم وفي كثير من الطبيعة وإن وجدت جملة متفقين على رأي واحد، فليس ذلك لبحث ونتيجة وقف عليها رأيهم، بل أنهم شيعة أحد المتكلمين يقلدونه. كشيعة فيتاغورا وشيعة أبندقليس وشيعة أرسطوطاليس وشيعة أفلاطون وغيرهم، وأصحاب المظلة والمشائين وهم من شيعة أرسطوطاليس، ولهم في المبادئ آراء تسخف العقل ويسخفها العقل، كتعليلهم في دوران الفلك أنه يطلب كمالا ينقصه ليكون محاذيا لكل جهة، ولما لم يمكن ذلك دائما ولكل جزء طلبه على التعاقب. ومثل تخرصهم في الفيوض الفائضة عن الأول تعالى، وكيف لزم عن العلم والأول ملك، وعن العلم بنفس فلك، وتدرجت إلى י"א رتبة ووقفت الفيوض عند العقل الفعال، ولم يلزم عنه لا ملك ولا فلك. وأشياء هي في الإقناع دون ספר יצירה. وفي جميع ذلك الشكوك، ولا اتفاق بين فيلسوف وصاحبه، لكن يعذرون على كل حال ويشكرون على ما انتجوا من مجرد قياساتهم، وقصدوا الخير، وعملوا النواميس العقلية وزهدوا في الدنيا، فهم على كل حال مفضلون إذ لا يلزمهم قبول ما عندنا، ونحن يلزمنا قبول المشاهدة والتواتر الذي هو كالمشاهدة.
<15> قال الخزري: عسى نكت مختصرة من الآراء التي تخلصت عند الأصوليين وهم المسمون عند القرائيين بأصحاب علم الكلام.
<16> قال الحبر: لا فائد في ذلك غير التحذق في الكلام، والعون على ما قيل הוי זהיר ללמוד מה שתשיב את אפיקורוס. لأن العالم الساذج كالأنبياء مثلا قليلا ما يقدر أن يفيد أحدا بطريق التعليم ولا يرد على مسألة بطريق الكلام، وصاحب الكلام يظهر عليه رونق علم حتى أنه يفضله السامع على ذلك الساذج الخير الذي علمه عقائد لا يصرفه عنها صارف. وغاية ذلك المتكلم في كل ما يتعلمه وما يعلمه أن يحصل في نفسه وفي نفس متعلميه العقائد التي في نفس ذلك الساذج المطبوع. وربما أفسد علم الكلام كثيرا من عقائد الحق عليه بما يورده من الشكوك والآراء المنتقلة، كالذين نراهم من الذين يقريون الأعاريض ويدققون وزنها، ونسمع جعجعة وكلمات حائلة في علم هين على المطبوع يذوق وزن الشعر ولا يجوز عليه زحف بوجه. وغاية أولئك أن يصيروا مثل هذا الذي يظهر جاهلا بالعروض لأنه لا يقدر أن يعلمه، وأولئك يقدرون على تعليمه. نعم وإن هذا المطبوع يعلم مطبوعا آخر بأقل إشارة وكذلك القوم المطبوعون للتشرع والتقرب إلى الله تعالى نتقدح في نفوسهم شرارات من كلمات الأخيار وتصير لهم أنوار في قلوبهم. وغير المطبوع هو الذي يحتاج إلى علم الكلام، وربما لم ينفعه ، بل ربما أضر به.
<17> قال الخزري: لم أطالبك بما يجال في هذا المعنى وإنما أطلب نكتة أصولية في الدين تذكره لي، إذ قد قرعت سمعي وتشوقت نفسي إليها.
<18> قال الحبر: فأول ما ينبغي إثبات الحدث للعالم، القول في إبطال قدم العالم، إن كان الماضي لا أول له فالأشخاص الموجودة في سالف الدهر إلى وقتنا هذا لا نهاية لها. وما لا نهاية له لا يخرج إلى فعل، فكيف خرجت تلك الأشخاص إلى الفعل وهي لا نهاية لها كثرة، لا محالة أن للماضي أولا وللأشخاص الموجودة عددا يتناهي، لأن في قوة العقل أن يعد ألافا وألاف ألاف مضاعفة إلى ما لا نهاية له، هذا في القوة، وأما أن يخرجها إلى حد الفعل فلا. لأن ما يخج إلى الفعل يعد واحدا، فذلك العدد الخارج إلى الفعل ذو نهاية لا محالة، وأما ما لا نهاية له فكيف يخرج إلى الفعل، فللعالم إذا ابتداء، ولدورات الفلك عدد متناه، ومن ذلك أن ما لا نهاية له لا نصف له ولا ضعف ولا نسبة عددية، ونحن ندري أن دورات الشمس جزء من اثنى عشر من دورات القمر. وكذلك سائر حركات الأفلاك بعضها عند بعض فيصير هذا بعض هذا، وليس في ما لا نهاية له بعض، فكيف يصير هذا مثل ذاك لا نهاية له وهو دونه أو فوقه، أعني أنه أزيد عددا أو أنقص عددا. ومن ذلك كيف انتهى ما لا نهاية له إلينا، إن كان قبلنا من الخلق ما لا نهاية لعددهم، فكيف انتهى العدد إلينا، وما تناهى إلى شيء فلا بد له من ابتداء، وإلا فكل واحد من الأشخاص يحتاج في وجوده انتظار وجود أشخاص قبله لا نهاية لها فلا يوجد أحد.
فصل: العالم حادث لأنه جسم. والجسم لا يخلو عن الحركة والسكون، وهما عرضان حادثان عليه متعاقبان، فالطارئ عليه حادث لا محالة لطريانه، والسابق حادث لأنه لو كان قديما لما انعدم، فكلاهما حادثان. وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث إذ لم يسبق الحوادث. والحوادث حادثة فهو حادث.
فصل: لا بد للحادث من سبب يحدثه، لأن لا بد للحادث من وقت يختص به يمكن أن يفرض له قبل وبعد، فاختصاصه بوقته دون ما قبله وبعده يضطر إلى المختص.
فصل: الله أزلي قديم لم يزل. لأنه إن كان محدثا افتقر إلى محدث يتسلسل ذلك إلى ما لا نهاية ولا يتحصل، أو ينتهي إلى محدث قديم هو الأول، وهو مطلوبنا.
فصل: الله أبدي لا يزال. لأن ما ثبت له القدم انتفى عنه العدم. لأن حدوث العدم محتاج إلى سبب كما أن حدوث الحدث محتاج إلى سبب، فإنه لا ينعدم الشيء من قبل نفسه لكن من قبل ضده، ولا ضد له ولا مثل. لأن ما هو مثله في جميع الوجوه فهو هو لا يوصف باثنين. وأما الضد المعدم فلا يمكن أيضا أن يكون قديما، لأن هذا قد تبين قدم وجوده ولا يمكن أن يكون حديثا، لأن كل حادث إنما هو معلول لهذا القديم فكيف يعدم المعلول علته.
فصل: الله ليس بجسم. لأن الجسم لا يخلو عن حوادث. وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. ومن المحال تسميته عرضا، لأن العرض قيامه بالجسم الحامل. فالعرض معلول للجسم تابع له محمول عليه، والله تعالى لا يتحيز ولا يختص بجهة دون أخرى، لأن هذا من شروط الجسم.
فصل: الله تعالى عالم بما غل وما دق، ولا يعزب عن علمه شيء، إذ تبين أنه خلق الكل ورتبة ونظمة كما قال הנוטע אוזן הלא ישמע אם יוצר עין הלא יביט. وقال גם חשך לא יחשיך ממך וגו'، כי אתה קנית כליותי וגו'.
فصل الله تعالى حي إذ قد ثبت به العلم والقدرة. فقد ثبت له الحياة. لكن ليس كحياتنا المحددة بالحس والحركة. لكن حياة معناها العقل المحض وهي هو وهو هي.
فصل: الله تعالى مريد. لأن كل ما صدر عنه في الإمكان أن يصدر ضده أو عدمه، أو قبل الوقت الذي صدر أو بعده. وقدرته على الحالين سواء، فلا بد من إرادة ترد القدرة إلى أحدهما دون الآخر. ولقائل أن يقول أن علمه يغني عن قدرة وإرادة، إذ علمه مخصوص لأحد وقتين وأحد الضدين، وعلمه القديم هو السبب في كل حادث على ما هو، وهذا يطابق الفلسفة.
فصل: إرادته تعالى قديمة مطابقة لعلمه. فلا يطرأ عليه شيء ولا يتغير عنده. وهو تعالى حي بحياة ذاتية لا مكتسبة. وكذلك قادر بقدرة ومريد بإرادة، لأن من المحال وجود الشيء ونقيضه معا. فلا يقال قادر بلا قدرة قولا مطلقا.
<19> قال الخزري: هذا كاف للتذكرة، ولا محالة أن هذا الذي ذكرته في أمر النفس والعقل وهذه العقائد إنما هو منقول من حفظك لما قاله غيرك. وأنا لا أطلب إلا ذوقك وعقيدتك. وقد قلت لي أنك معرض للبحث في هذا وأمثاله، وأظن أن لا محيد لك عن البحث في مسألة القدر والاختيار إذ هي مسألة عملية، فلتقل لي فيها رأيك.
<20> قال الحبر: ليس ينكر طبيعة الممكن إلا متعسف ممار يقول ما لا يعتقد، لأنك ترى من استعداده لما يرجوه ويخافه ما يدلك على أنه يعتقد أن الأمر ممكن، وينفع فيه الاستعداد. ولو اعتقده ضروريا لاستسلم ولم يستعد بسلاح لعدوه ولا بقوت لجوع مثلا، فإن زعم أن ذلك الاستعداد ضروري أيضا لمن يستعد، وترك الاستعداد ضروري لمن لا يستعد، فقد أقر بالأسباب المتوسطة وإن بها قوام المتأخرة وسيصادف الإرادة في جملة الأسباب المتوسطة، وأن أنصف ولا يتعسف فسيقر بأنه يجد نفسه مخلي بينه وبين إرادته في الأمور الممكنة له، إن شاء فعلها وإن شاء تركها، وليس في هذا الاعتقاد اخراج شيء عن حكم الله تعالى، بل الكل راجع إليه على وجوه مختلفة على ما أبين.
أقول: أن جميع المعلولات منسوبة إلى العلة الأولى على ضربين، إما على القصد الأول، وإما على طريق التسلسل، مثال الضرب الأول النظام والترتيب الظاهر في الحيوان والنبات وفي الأفلاك الذي لا يمكن العاقل المتأمل أن ينسبه إلى اتفاق، بل إلى قصد صانع حكيم يضع كل شيء موضعه ويعطيه حظه. ومثال الثاني إحراق هذه النار مثلا لهذه الخشبة، لأن النار جسم لطيف حار فعال، والخشبة جسم متخلخل منفعل، ومن شأن اللطيف الفعال أن يفعل في منفعله، والحار اليابس أن يسخن ويفني رطوبات المنفعل حتى تتفرق أجزاؤه، وأسباب هذه الأفعال وهذه الانفعالات إذا طلبتها لم يعزب عليك إدراكها، وربما وجدت أسباب أسبابها حتى تنتهي إلى الأفلاك، ثم إلى علل الأفلاك، ثم إلى العلة الأولى. فبحق قال القائل إن الكل من قدر الله تعالى. وبحق قال آخر بالاختيار والاتفاق من غير أن يخرج شيئا من ذلك عن قدر الله. وإن شئت قربت تصور ذلك بهذه القسمة التأثيرات إما الإلهية وإما طبيعية وإما اتفاقية وإما اختيارية. فالإلهية أن السبب الأول نافذة ولا بد لا سبب لها غير مشيئة الله تعالى. وأما الطبيعية فعن أسباب متوسطة مهيئة لها ومبلغتها آخر كمالها مهما لم يعق عائق من قبل أحد الثلثة أقسام. وأما الاتفاقية فعن أسباب متوسطة أيضا، لكنها بالعرض لا بالطبع ولا بنظام ولا عن قصد ولا لها تهيؤ لكمال ما تبلغه وتقف عنده، ويستثني فيها بسائر الأقسام الثلثة. وأما الاختيارية فسببها إرادة الإنسان في حال اختياره. والاختيار من جملة الأسباب المتوسطة وللاختيار أسباب تتسلسل إلى السبب الأول تسلسلا غير ضروري لكون الإمكان موجودا. والنفس مخلاة بين الرأي ونقيضه تأتي أيهما شاءت، فوجب أن تحمد أو أن تذم على ذلك الاختيار ما لا يجب ذلك في سائر الأسباب المتوسطة فإنه لا يلام سبب اتفاقي ولا طبيعي وعلى أن الإمكان حاضر في بعضها، كما لا تلوم الطفل والنائم إذا أذاك وكان في الإمكان خلاف ذلك، إلا أنك لا تلومه لارتفاع الفكر عنه.
أترى الذين ينكرون الممكن ليس يغضبون على من يؤذيهم قصدا، وهل يستسلمون إلى من يسرق ثيابهم فيؤذيهم بالبرد كما يستسلمون إلى الريح الشمالية إذا هبت في يوم قر حتى تؤذيهم، أم يزعمون أن ذلك الغضب قوة كاذبة غرزت عبثا ليغضب الإنسان على شيء دون شيء آخر. وكذلك أن يحمد ويستحسن ويحب ويبغض وغير ذلك فليس للاختيار من حيث هو اختيار سبب ضروري، لأنه يرجع ذلك الاختيار اضطرارا فيصير كلام الإنسان ضروريا مثل نبضه وفي هذا إنكار العيان # <.....> مهما كنت في ملك العقل ولم تملكك أعراض آخر، ولو كانت الحوادث مقصودة قصدا أوليا عن العلة الأولى لكانت مخلوقة لحينها مع اللحظات، ولجاز أن نقول في العالم بأسره في كل حين أنه الآن خلقه الخالق ولم يكن للطائع فضل على العاصي إذ كلاهما طائعان فاعلان ما أنهضا إليه وحملا عليه إلى شناعات عظيمة تلحق هذا الاعتقاد، وأشدها إنكار العيان كما قلنا. وأما الشناعة اللاحقة بمن يقول بالاختيار لإخراجه بعض الأمور عن قدر الله تعالى فيحتج عليها بما تقدم أنه ليس يخرجها عن قدر الله بالجملة بل يردها إليه بطريق التسلسل، وتلحقه بعد ذلك شناعة أخرى وهي إخراجه تلك الأمور عن علمه، لأن الممكن المحض مجهول بطبعه، وقد خاض في ذلك المتكلمون، فخرج لهم أن العلم به بالعرض وليس العلم بالشيء سببا لكون ذلك الشيء، فلا ينكر علم الله للكائنات وهي مع ذلك ممكنة أن تكون ولا تكون، إذ ليس العلم بما سيكون هو السبب في كونه، كما أن العلم بما كان ليس سببا لكونه بل دليل عليه، كان العلم لله، أو للملائكة أو للأنبياء أو للكهنة. ولو كان العلم سببا للكون لوجب حصول قوم في גן עדן لعلم الله أنهم صالحون من غير أن يطيعوا. وآخرون في جهنم لعلمه أنهم عاصون من غير أن يذنبوا، ولوجب أن يشبع الإنسان من غير أن يأكل لعلم الله أنه سيشبع في وقت كذا، فتسقط الأسباب المتوسطة، ولو سقطت لإرتفع وجود المخلوقات المتوسطة، فقد ساج/ساغ قول והאלהים נסה את אברהם لإخراج طاعته من القوة إلى الفعل ليكون سببا لسعادته، يقول יען אשר עשית את הדבר הזה וגו' כי ברך אברכנו וגו'. ولما كانت الحوادث مضطرة هل هي إلهية أم غيرها من الأقسام، وكان في الإمكان أن تكون كلها إلهية آثر الجمهور نسبها إلى الله، لأن ذلك أوثق وأقوى في الإيمان. لكن لمميز أن يميز قوما من قوم، وشخصا من شخص، وزمانا من زمان، ومكانا من مكان، وقرائن من قرائن آخر. فيرى أن الحوادث الإلهية إنما ظهرت على الأكثر في أرض مخصوصة وهي المقدسة، وفي قوم مخصوصين وهم بنو إسرائيل، وفي ذلك الزمان، ومع القرائن التي اقترنت بها من فرائض وسنن، ظهر بانتظامها المرغوب، وظهر بانخرامها المكروه. ولا تغنى الأمور الطبيعية والإتفاقية بمغنى في وقت الانخرام، ولا تضر في وقت الانتظام، ولذلك صار بنو إسرائيل حجة في كل ملة على الزنادقة الذين يرون رأي أفيقوروس اليوناني في زعمه أن جميع الأمور إنما تقع بالإتفاق، إذ لا يظهر فيها قصد قاصد، وشيعته يسمون أصحاب اللذة، إذ يرون أن اللذة هي الغاية المطلوبة، وأنها الخير بإطلاق. ومطلوب المتشرع من الشارع أن يكون مرضيا عنده يفوض اختياراته إليه تعالى، طالبا إلهامات إن كان وليا، أو معجزات وكرامات إن كان نبيا أو جماعة مرضية، مع القرائن المذكورة في الתורה من الأزمنة والأمكنة والأفعال، فلا يبالي بالأسباب الطبيعية والإتفاقية كل المبالاة، ويعلم أن شرها مدفوع عنه، إما لإلهام يسبق له في التوطئة لذلك الشر، وإما بكرامة تصنع له في حين ذلك الشر، وإما خير الأسباب الإتفاقية فليس يمتنع على الفاسق فضلا عن الخير، وسعادات الأشرار إنما هي بتلك الأسباب الإتفاقية والطبيعية ثم لا دافع لنحسها إذا حل. وأما الأخيار فيسعدون بتلك الأسباب، ثم يأمنون من نحسها.
وقد كدت أن أخرج عن غرضي، فلأرجع إليه.
وأقول أن דוד ע"ה قد أتي بثلاثة أقسام في أسباب الموت، بقوله כי אם ה' יגפנו، وهو السبب الإلهي. או יומו יבא ומת وهو السبب الطبيعي. או במלחמה ירד ונספה وهو السبب الإتفاقي بالعرض. وترك القسم الرابع أعني الإختياري، لأنه لا يختار ذو عقل الموت، وإن كان שאול قد قتل نفسه فليس لإختياره الموت، لكن لمنافرته عذاب العدو له وعبثه به. ومثال هذه الأقسام في النطق لأن نطق الأنبياء في حين ملابسة רוח הקדש لهم في جميع كلامهم مقصود من الأمر الإلهي وليس إلى النبي تغيير كلمة من كلماته. والنطق الطبيعي هي الإشارات والإماءات المشاكلة للمعاني التي يراد التبعير عنها، وتبعث عليها النفس دون اصطلاح متقدم. وأما اللغات المصطلح عليها، فمركبة من الأمر الطبيعي والإختياري. وأما النطق الإتفاقي فهو نطق المجانين حين جنوهم لا ينتظم منه معنى ولا ينتهي إلى غرض مقصود. والنطق والإختياري هو كلام النبي في غير وقت النبوة، أو كلام العاقل المفكر يؤلف خطبه، يختار كلامه بحسب ما يراه لائق مقصوده، ولو شاء لبدل كل كلمة منها بغيرها، بل لو شاء لترك معنى وأخذ عيره. وقد تنسب جميع هذه الأقسام إلى الله تعالى بطريق التسلسل، لا بأنها عن قصد أول منه، وإلا فكلام الطفل وكلام الموسوسين وخطبة الخطيب وشعر الشاعر كلام الله - تعالى عن ذلك. وأما احتجاج العاجز على الحازم بقوله أنه قد سبق في علم الله ما سيكون، فليس بحجة،لأنه بمنزلة قوله لو قال أن الذي سيكون لا بد له أن يكون، يقال له نعم، ولكن ليس تمنع هذه الحجة من الأخذ بالرأي الأفضل فتستعد بالسلاح لعدوك، والقوت لجوعك، إذا صح عندك أن سلامتك أو هلاكك إنما يتم بالأسباب المتوسطة، ومن جملتها بل أكثرها أخذك بالحزم والعزم أو بالعجز والتواني، ولا تحتج بما يجري على الأقل وفي النادر وبطريق الاتفاق والعرض من هلاك الحازم وسلامة المنهمل والغافل، لأن اسم الأمن معنى محصل غير معنى اسم الغرر، وليس يفر العاقل إلى موضع غرر من موضع أمن، كما يفر من موضع غرر إلى موضع أمن. وما جرى في موضع الغرر من سلامة يقال أنه نادر. وما يجري في موضع الأمن من هلاك يقال أنه أمر خراج عن الطبع. فالأخذ بالحزم واجب، ومن أسباب الحزم رأيي هذا لمن اعتقده، ومن أسباب الانهمال الرأي المناقض لهذا الرأي.
والكل راجع بالتسلسل إلى الله تعالى. وأما الذي يكون بقضاء مجرد وذلك في الكرامات والمعجزات فهو يغني عن الأسباب المتوسطة وربما ألجأ إليها، كعصمة משה ע"ה من الجوع طول أربعين يوما دون الاستعداد بقوت. وهلاك قوم סנחריב دون سبب باد بل بأسباب إلهية ليست عندنا أسبابا لجهلنا بها. وفي تلك يقال أنه إن كان القضاء حقا فالجهد محال لأنه لا ينفع فيها الاستعداد، وذلك في الاستعدادات المحسوسة، وأما الاستعدادات النفسانية وهي أسرار الشريعة لمن علمها وأحكمها، فهي نافعة غالبة للخير ودافعة للشر. فإذا أخذ الإنسان بالحزم في الأسباب المتوسطة بعد التفويض فيما خفى عنه إلى الله بالنية الخالصة أصاب ولم يخب. وأما التغرير الصحيح اتكالا عند أمره بالطاعة لمن سبق في علمه أنه سيعصيه أو سيطيعه، فليس بعبث لأنا قد قدمنا وبينا أن العصيان أو الطاعة إنما يتم بالأسباب المتوسطة، فكان سبب طاعة الطائع الأمر بالطاعة. وهكذا سبق في علمه عصيان العاصي بالأسباب المتوسطة إما بصحبة أشرار أو بغلبة مزاج سوء أو ميل إلى دعة وراحة، وكان في وعظه تخفيف في عصيانه، فإن من المشهور أن للوعظ تأثيرا في النفس على كل حال، وأن العاصي تنفعل نفسه بسماع الوعظ وأن أقل انفعال، لا سيما إذا كان الوعظ لجمهور، فإن فيهم على كل حال قابلا، فقد نفع فليس بعبث.
أول المقدمات التي بها قوام هذا الرأي: الإقرار بالسبب الأول، وأنه صانع حكيم، ليس في أفعاله عبث، بل جميعها بحكمة ونظام لا يشوبها اختلال، وقد تقرر هذا في النفوس من استقراء جل الخلقة وما تأصل منها في نفس المتأمل حتى حصل له الإيمان بأن لا خلل في أفعاله، وإن ظهر إليه في الأقل خلل لم يختل إيمانه بذلك، بل نسبه إلى جهل نفسه وقلة تحصيله.
والمقدمة الثانية: الإقرار بأسباب متوسطة، لكن ليست فاعلة بل أسباب على طريق المادة أو على طريق الآلات، فإن المنى والدم مادة للإنسان، وأعضاء التناسل تؤلف بينهما، والأرواح والقوى آلات تتصرف بإرادة الله، فيتم شكله وتخطيطه ونموه واغتذاؤه، حتى في الشيء المخترع قد يحتاج فيه إلى السبب المتوسط، كالتراب الذي كان مادة آدم، فلا غنى عن الإقرار بالأسباب المتوسطة.
المقدمة الثالثة: أن الله يعطي كل مادة أحسن ما يمكنها قبوله من الصور وأحكمها، وأنه تعالى جواد لا يمنع لطفه وحكمته وتدبيره عن شيء، وأن حكمته في البرغوث والباعوض مثلا ليست مقصرة عن حكمته في نظام الأفلاك، لكن اختلاف الأشياء من قبل موادها، فليس لك أن تقول لم لم يخلقنا ملكا، كما ليس للدودة أن تقول لم لم يخلقنا إنسانا.
المقدمة الرابعة: الإقرار بأن للوجود رتبا عالية ودونا. وأن ما له إدراك وشعور وحس أعلى مما ليس له ذلك لقربه من رتبة السبب الأول الذي هو عقل بذاته. وأن أخس النبات أعلى رتبة من أشرف معدن. وأخس بهيمة أعلى رتبة من أشرف النبات. وأخس إنسان أعلى رتبة من أشرف بهيمة. وكذلك أخس متشرع بشريعة الله تعالى أعلى رتبة من أشرف جاهلي. لأن الشريعة التي هي من عند الله تكسب النفوس سير الملائكة وهيأتهم. وذلك ما لا يدرك بالاكتساب. والدليل على ذلك أن المداومة على أعمال تلك الشريعة تنهض إلى درجة الوحي التي هي أقرب الرتب الإنسانية إلى الإلهية. فالمتشرع العاصي خير من جاهلي، لأنه قد اكسبته شريعة الله سيره ملكوتية أشرف بها على رتبة الملائكة. وإن كان عصيانه قد شوشها عليه وأفسدها، فإنه قد بقي له منها آثار، وبقي في نار التشوق إليها، لكنه مع ذلك لو خير لم يكثر أن يصير في رتبة الجاهلية. كما أن الإنسان إذا مرض وتعذب بآلامه لو خير أن يصير فرسا أو حوتا أو طائرا متنعما بغير ألم، ويفرق بينه وبين العقل الذي يقربه من رتبة الإله لما اختار ذلك.
والمقدمة الخامسة: أن نفوس السامعين تتأثر لعظة الواعظ إذا وعظ بأمور مقبولة، فللوعظ بالحق منفعة على كل حال، وإن لم يرد العاصي من فعل الشر، ينقدح في نفسه من ذلك الوعظ شرارة يرى أن ذلك الفعل شر. وهذا جزء من التوبة ومبدأ لها.
المقدمة السادسة: أن الإنسان يجد نفسه قدرة على فعل الشر وتركه في الأمور الممكنة له، وما تعذر عليه إنما تعذر عليه لعدم الأسباب المتوسطة، أو لجهل الإنسان بها. مثال ذلك فقير غريب عديم السياسة يروم الترؤس على طائفة، فيعتذر عليه، ولو حضرت الأسباب ويكون هو عالم بتناولها، لتم مرغوبه كما يتم مرغوبه فيما أسبابه حاضرة ويدريها ويديرها، مما يرأس في منزله على بنيه وخدمه، وأكثر من ذلك أعضاءه يحركها كيف شاء ويتكلم بما شاء. وأكثر من ذلك فكره وتخيله يتخيل البعيد والقريب متى شاء وكيف شاء لأنه يملك أسبابه المتوسطة، ولذلك لا يتفق أن يغلب الضعيف القوي في الشطرنج، فليس يقال في حرب الشطرنج سعادة وحرمان كما يقال في حرب رئيسين متحاربين، لأن أسباب حرب الشطرنج حاضرة بأسرها فيغلب العالم بتناولها أبدا، وليس يخاف سببا طبيعيا يستثني به، ولا سببا اتفاقيا، إلا نادرا من قبل غفلة، والغفلة داخلة في الجهل كما قلنا. ومع هذا فإن للسبب الأول ينسب جميع بالطريق المذكورة، وأما على القصد الأول ففي حوادث بني إسرائيل طول بقاء الשכינה بينهم. وأما بعد ذلك فالأمر مشكوك إلا في قلوب المؤمنين هل هذه الحوادث قصد أول من الله تعالى أم هي من أسباب فلكية أو اتفاقية ولا حجة قاطعة. لكن الأولى أن ينسب الجميع إليه تعالى لا سيما مع عظم، كالموت والهزائم والسعادة والحرمان وما أشبه هذا.
خاتمة الكتاب
<21> قال الحبر: هذا وأمثاله مما يحسن البحث عنه وعن كيفية أحكام الله في عباده، وتعليقها بما علقها النبي من פוקד עון אבות על בנים לשונאי ועושה חסד לאלפים לאוהביו ולשומרי מצותיו. وتنظير ذنب ذنب إلى عقوبه مما جاء في الמקרא وفي آثار الחכמים، وما يرد من ذلك بالתשובה وما لا يرد. وشروط الתשובה ما يأتي من الامتحان على سبيل المحنة والتجربة، وعلى سبيل الاقتصاص من ذنب متقدم. وعلى سبيل التعويض في الدنيا، وعلى سبيل التعويض في الآخرة، أو لذنوب الآباء وما يأتي من نعمة لحسنة متقدمة. أو من أجل זכות אבות، أو لامتحان ولتجربة. وامتزاج هذه الوجوه وغيرها مما يغمض وضوحه ويوشك أن ينكشف عند البحث. وأكثر الأسباب في צדיק ורע לו רשע וטוב לו. وما لم ينكشف يسلم فيه إلى علم الله تعالى وعدله. ويقر الإنسان وجهله في هذه الأسباب الجلية فضلا عن الخفية. وإذا وصل بمناظرته إلى الذات الأولى وما يجب لها من الصفات تبرأ عنها ورأى أن دونها حجاب نور يبهر الأبصار فيعتذر علينا إدراكها لقصور أبصارنا وبصائرنا، لا لخفائه ولا لنقصانه، فإنه أبهر وأشهر وأظهر عند ذوي الأبصار النبوية من أن يحتاج فيها إلى استدلال وغايتنا من ميز حقيقته أن نميز في الطبيعيات ما لم يكن فيه سبب شيء من الطبائع فننسبه إلى قوة غير جسمانية بل إلهية كما يقول جالينوس في القوة المصورة ويفضلها على سائر القوى ويرى أنها ليست من قبل المزاج بل لأمر إلهي. وفي المعجزات أن نرى قلب الأعيان وخرق العادات واختراع موجودات لم تكن دون حيلة متقدمة. وذلك الفرق بين ما عمل على يد משה ע"ה وبين عمل الחרטומים בלטיהם التي لو فتش عليهم لوجدت الحيلة كما قال ירמיהו: הבל המה מעשה תעתועים בעת פקדתם יאבדו، يعني أن تفقدتها وفتشت عليها تلاشت كالشيء المدلس. والأمر الإلهي كل ما فتشت عليه وجدته كالذهب الإبريز. فإذا وصلنا هذه الرتبة قلنا أن هناك لا محالة أمرا ليس بجسماني يدبر جميع الجسمانيات تعجز أذهاننا عن البحث عنه، فلنعتبر في أفعاله ونتوقف عن وصف ذاته، فإنه لو أدركنا حقيقته لكان ذلك نقصا فيه. فلا نبالي بقول الفلاسفة الذين يقسمون العالم الإلهي إلى رتب. فكلها عندنا رتبة إلهية منذ ننفصل من التجسيم فليس إلا إله مدبر للأجسام. والذي دعا الفلاسفة إلى تكثير الإلهات اعتبارهم حركات الأفلاك حصلوها ووصلوها لأكثر من أربعين ورأوا أن لكل حركة منها سببا غير سبب الأخرى وأخرج لهم النظر أن تلك الحركات إرادية لا قسرية ولا طبيعية. فوجب أن تكون كل حركة عن نفس ولكل نفس عقل. وذلك العقل هو ملك مفارق للمادة. فسموا تلك العقول الله وملائكة وعللا ثواني وغير ذلك من الأسماء، وآخر رتبها وأقربها إلينا العقل الفعال. زعموا أنه مدبر هذا العالم والأدنى، ثم العقل الهيولاني، ثم النفس، ثم الطبيعة، ثم القوى الطبيعية والحيوانية. وقوة عضو عضو. وهذا كله تدقيق يفيد التحذيق لا التحقيق، والمنخدع له على كل حال زنديق، فدع استشهاد القرائين بوصية דוד ע"ה لولده ועתה שלמה בני דע את אלהי אביך ועבדהו. واستدلالهم من ذلك على أنه يحتاج إلى معرفة الله حق المعرفة وحينئذ تجب عبادته. بل إنما حث على تقليد والده وأجداده في اعتقاد אלהי אברהם وאלהי יצחק وאלהי יעקב الذي صحبتهم عنايته وأنجز لهم مواعده في كثرة النسل ووراثة الشام وحلول السكينة وغير ذلك، ومثل قوله אלהים אשר לא ידעום، وאשר לא ידעתם، لم يرد بذلك المعرفة بحقيقتها، بل التي لم تروا منها لا خيرا ولا شرا، فلا ترجونها ولا تخافونها.
<22> ثم إنه كان من أمر هذا الحبر أنه عزم على الخروج من بلاد الخزر قاصدا ירושלם ת"ו فعز على الخزري فخاطبه على ذلك قائلا ما الذي يطلب اليوم في الشام والسكينة معدومة منها، والتقرب إلى الله مدرك في كل مكان بالنية الخالصة والتشوق الشديد، ولما تتكلف الغرر في البر والبحر والأمم المختلفة.
<23> فقال الحبر: أما السكينة الظاهرة عيانا فهي التي عدمت، إذ لا تتجلى إلا لنبي أو لجمهور مرضي في موضع الخاص وهو المنتظر من قوله כי עין בעין יראו בשוב ה' ציון، وقولنا في صلاتنا ותחזינה עינינו בשובך לנוך לציון. وأما السكينة الخفية الروحانية فهي مع إسرائيلي صريح، زكي الأعمال، طاهر القلب، خالص النية لرب إسرائيل، وأرض الشام خاصة برب إسرائيل والأعمال لا تتم إلا بها. وكثير من شرائع الإسرائيلية تسقط عن من لا يسكن الشام. والنية لا تخلص والقلب لا يطهر إلا في المواضع التي يعتقدها خاصة لله. ولو كان ذلك تخييلا وتمثيلا فكيف وذلك حقيقة كما تقدم بيانه، فيهيج الشوق نحوها وتخلص النية فيها، لا سيما لمن قصدها من بعد، لا سيما لمن سلفت له ذنوب ويروم الاستغفار، ولا سبيل إلى الקרבנות التي كانت مشروعة من الله لذنب ذنب من זדון وשגגה، فيأنس إلى قول الחכמים גלות מכפרת עון. لا سيما إن كان الاغتراب إلى موضع رضاء. وأما التغرير في بر وفي بحر فليس بتغرير داخل في לא תנסו את ה'، بل تغرير كما يغرر مثله لو كانت له سلعه يرجو أن يربح فيها ولو غرر أكثر من هذا بجنب شوقه ورجاء الغفران لكان معذورا في تعرضه للمهالك، بعد أن حاسب نفسه وشكر على ما مضى من عمره وقنع به، وحبس بقية أيامه على رضا ربه. حمد وشكر، وإن أهلكه بذنوبه رضي وصبر، وتحقق أنه استغفر بموتته أكثر ذنوبه. ورأيي أرجح رأيا من الذين يغررون بأنفسهم في الحروب ليذكروا بالشجاعة والسبق أو ليأخذوا أجرة كبيرة، وإنه أخف تغريرا من الذين يصادرون الحرب للأجر في الجهاد.
<24> قال الخزري: قد كنت أراك تحب الحرية، وأراك الآن تستزيد عبودية من لوازم تلزمك إذا سكنت الشام من شرائع ليست لازمة لك ههنا.
<25> قال الحبر: إنما أطلب الحرية من عبودية الكثيرين الذين أطلب رضاءهم ولا أدركه، ولو جهدت مدى عمري فيه، ولو ادركته لم ينفعني، أعني عبودية الناس وطلب رضاءهم.
وأطلب عبودية واحد يدرك رضاءه بأيسر مؤنة، وهو نافع في الدنيا والآخرة، وذلك رضاء الله تعالى، فعبوديته هي الحرية، والتذلل له هو العز الحقيقي.
<26> قال الخزري: إذا اعتقدت كل ما ذكرته فقد علم الله تعالى نيتك، والنية خالية مع الله عالم النيات وكاشف الخفيات.
<27> قال الحبر: هذا حق إذا تعذر العمل. وأما الإنسان مخلي بينه وبين أمله وعمله. فالإنسان ملوم إذ لا يجلب الأجر الظاهر إلى العمل الظاهر. ولذلك قيل והרעותם בחצוצרות ונזכרתם לפני ה' אלהיכם והיו לכם לזכרון، وזכרון תרועה، ليس أن الله محتاج إلى التذكير والتنبيه، لكن لأن الأعمال محتاجة إلى كمال وحينئذ تستحق المجازئة كما تحتاج معاني الصلاة إلى النطق بها على أكمل ما يكون من التحنن والضراعة متى وفيت النية والعمل على ما يجب كانت المجازئة عليها، فيصير ذلك على معهود الناس كأنه تذكير وדברה תורה כלשון בני אדם. وإن كان العمل دون النية أو النية دون العمل خاب السعي، اللهم إلا فيما لم يمكن. فاحضار النية والاعتذار عن العمل نافع بعض منفعة، مثل اعتذارنا في صلاتنا ומפני חטאינו גלינו מארצנו، وما أشبه ذلك. وفي تنبيه الناس وتحريكهم إلى محبة ذلك الموضع المقدس أجر وتأكيد للأمر المنتظر كقوله אתה תקום תרחם ציון כי עת לחננה כי בא מועד، כי רצו עבדיך את אבניה ואת עפרה יחוננו، يعني أن ירושלם إنما تبنى إذا تشوق ישראל إليها غاية الشوق حتى يحنوا على حجارتها وترابها.
<28> قال الخزري: إن كان هكذا فمنعك إثم، ومعونتك حسنة، أعانك الله وكان لك ناصرا ووليا وعنك رضيا بمنه وשלום.
تم الكتاب بعون الله تعالى وحسن عونه ولواهب العون حمدا بلا نهاية
صفحة غير معروفة