والمبنيُّ من الأفعالِ: الفعلُ الماضي وفعلُ الأمر، فالماضي مبنيّ على الفتحِ١ أبدًا ما٢ لم يَعْرِضْ له عَارِض.
والأمرُ مبنيٌّ على ما يُجزمُ به مضارعُه٣.
_________
١ إنَّما بُني الفعلُ الماضي، لأنه الأصلُ في الأفعالِ، وحُرِّك لأنه أشبهَ المضارعَ بوقوعِه صفةً وخبرَ مبتدأ، وبعدَ حرفِ الشرطِ كقولِك: "مررتُ برجلٍ كتب"، "وعبد الله خرج"، "وإنْ قامَ زيدٌ جلسَ عمروٌ"، وفُتحَ، لأنَّ حقَّه السكونُ، وقد فاتَ فعُدلَ إلى أقربِ الحركاتِ إليه وهي الفتحةُ. ولأنَّ الأفعالَ الماضيةَ كثيرةُ الاستعمالِ في الكلامِ، وعادتُهم تخفيفُ ما كَثُر. انظر: (الغرّة المخفيّة ص١٤٩، وشرح ألفية ابن معطٍ ١:٣٠٨) .
٢ في ب "إذا".
٣ بُني الفعلُ الماضي على حركةٍ تفضيلًا له على فعلِ الأمرِ، لوقوعِه موقعَ المضارعِ، وهو بعدَ حرفِ الشرطِ، نحو: "إنْ قمتَ قمتُ"، وصفة، نحو: "مررتُ برجلٍ أكرمَ زيدًا"، وخبرًا، نحو: "زيدٌ قامَ"، وصلة، نحو: "جاءَ الذي قامَ"، وحالًا، نحو: "جاءَ زيدٌ قد قامَ أبوه"، ولا شيىءَ من الأمرِ يقعُ في هذه المواطنِ إلا على تأويلٍ.
وفعلُ الأمرِ للمخاطبِ الفاعلِ إن كان آخرهُ صحيحًا بُني على السكونِ، نحو: "اضربْ"، لأنَّه الأصلُ في البناءِ، وإن كان معتلًا حُذفَ منه حرفُ العلةِ مطلقًا، لأنَّهم لمَّا حملوا المجزومَ الصحيحَ على الأمرِ فسكّنوه، حملوا فعلَ الأمرِ المعتلّ في الحذفِ على المعتلِّ في الجزمِ. وذهبَ الكوفيونَ إلى أنَّه معربٌ مجزومٌ بلامِ الأمرِ المقدرةِ، وأصلُه عندَهم: "لـ" تَضْرِب". أما القائلُ بالبناءِ فاحتجَّ بأمورٍ:
أحدها: أنَّ الأصلَ في الأفعالِ البناءُ، وإعرابها إنَّما هو شرطُ وجودِ حرفِ المضارعةِ في أولِها. والشرطُ منتفٍ هنا، فيجبُ انتفاءُ المشروطِ، لأنَّه إذا حُذفَ حرفُ المضارعةِ أشبهَ الماضي بالتجرّدِ فعادَ إلى البناءِ الذي هو أصلُه.
الثاني: أنه لو لمْ يكنْ مبنيًا لما بُني ما وقعَ موقعَه من الأسماءِ، نحو "صه، ونزال".
الثالث: أنَّ كلَّ معربٍ لا بدَّ أنْ يختلفَ آخرُهُ بأكثرَ من حركةٍ، وفعلُ الأمر ليسَ كذلك.
وقد رُدّ الأولُ والثاني. أما الأولُ: فلأنَّ الشرطَ منتفٍ لفظًا لا تقديرًا، ولأنَّ الخصمَ لا يسلِّمُ أن إعرابَ المضارعِ بالمشابهةِ، وأما الثاني فلأنَّ أسماءَ الأفعالِ بُنيتْ لتضمّنِها معنى لامِ الأمرِ.
واحتجَّ القائلُ بالإعرابِ بأمرين:
أحدهما: القياسُ، وهو أنه تحذفُ حروفُ العلةِ والنونُ من الأمثلةِ الخمسةِ منه، كما تُحذفُ في الجزمِ.
والثاني: أنَّه قدْ جَاءَ الجزمُ باللام محذوفةً كقولِ الشاعرِ: " مُحَمَّد تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ".
والجوابُ عن الأولِ: أنَّ هذه الحروفَ لمَّا حذفَها الجازمُ الظاهرُ لتنزّلِها منزلةَ الحركاتِ حُملَ الأمرُ في الحذفِ على الجزمِ. وعن الثاني أنَّ "تفْد" خبرٌ يُرادُ به معنى الدعاءِ وإنَّما حُذفتْ للضرورة.
والحقُّ: أنَّ الجازمَ أضعفُ من الجارِ، والجارُّ حذفُه نادرٌ، فالجازمُ أولى، وعلى تقديرِ التساوي فالحذفُ غير مطردٍ.
انظر: (الإنصاف في مسائل الخلاف: لابن الأنباريّ ٢: ٥٢٤، والغرّة المخفيّة ص ١٥٠ وشرح ألفية ابن معطٍ ١: ٣٠٨، ٣١٠، ٣١١) .
1 / 454