حجة النبي
الناشر
المكتب الإسلامي
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٣٩٩
مكان النشر
بيروت
تصانيف
٧٤ - يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف (٨٣)
_________
(٨١) قال النووي: فيه أن سلوك هذا الطريق في الرجوع من عرفات سنة وهو غير الطريق الذي ذهب في إلى عرفات
(٨٢) وحينئذ قطع أي تلبيته كما في حديث الفضل وغيره
(٨٣) قال النووي: " وهو نحو حبة الباقلاء وينبغي أن لا يكون أكبر ولا أصغر فإن كان أكبر أو أصغر أجزأه "
وفي " النهاية ": " الخذف هو رميك الحصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها "
قلت: وقد جاءت هذه الكيفية في بعض الأحاديث عن غير واحد من الصحابة منهم عبد الرحمن بن معاذ التميمي قال:
خطبنا رسول الله ﷺ ونحن بمنى قال: ففتحت أسماعنا حتى أن كنا لنسمع ما يقول ونحن في منازلنا. قال: فطفق يعلمنا مناسكنا حتى بلغ الجمار فقال: بحصى الخذف ووضع أصبعيه السبابتين أحدهما على الأخرى
الحديث
أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والبيهقي والسياق له بسند صحيح. وفي الباب عن حرملة بن عمرو في " أمالي المحاملي " (٥ / ١٢٠ / ١) " وفوائد الملخص " (٧ / ١٨٤ / ٢) وابن عباس في " طبقات ابن سعد " في " الطبقات " (٢ / ١٢٩) وهو عند مسلم في رواية له (٤ / ٧١)
ولكن هل المراد بهذه الكيفية هو الإيضاح وزيادة البيان لحصى الخذف الذي ينبغي أن يرمى به أم المراد التعليم والالتزام بها دون غيرها من الكيفيات؟ كل من الأمرين محتمل لكن الأول هو الأظهر حتى أن النووي لم يذكر غيره أما ابن الهمام فقد ذكر في " الفتح " الاحتمال الثاني ورده وجزم بأن المراد الأول وعليه فليس في السنة كيفية للرمي ينبغي التزامها فكيف تيسر له رمي
وهنا تنبيهات:
الأول: أنه لا يجوز الرمي يوم النحر قبل طلوع الشمس ولو من الضعفة والنساء الذين يرخص لهم أن يرتحلوا من المزدلفة بعد نصف الليل فلا بد لهم من الانتظار حتى تطلع الشمس ثم يرمون لحديث ابن عباس رضي الله عن هـ أن النبي ﷺ قدم أهله وأمرهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس " وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وصححه الترمذي وابن حبان وحسنه الحافظ في " الفتح " (٣ / ٤٢٢) ولا يصلح أن يعارض بما في البخاري أن أسماء بنت أبي بكر رمت الجمرة ثم صلت الصبح بعد وفاة النبي ﷺ لأنه ليس صريحا أنها فعلت ذلك بإذن منه ﷺ بخلاف ارتحالها بعد نصف الليل فقد صرحت بأن النبي ﷺ أذن بذلك للظعن فمن الجائز أنها فهمت من هذا الإذن الإذن أيضا بالرمي بليل ولم يبلغها نهيه ﷺ الذي حفظه ابن عباس رضي الله عن هـ
الثاني: أن هناك رخصة بالرمي في هذا اليوم بعد الزوال ولو إلى الليل فيستطيع أن يتمتع بها من يجد المشقة في الرمي ضحى والدليل حديث ابن عباس أيضا قال: كان النبي ﷺ يسأل يوم النحر بمنى فيقول: لا حرج فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ قال: اذبح ولا حرج قال: رميت بعد ما أمسيت. فقال: لا حرج. رواه البخاري. وغيره. وإلى هذا ذهب الشوكاني ومن قبله ابن حزم قال في " المحلى ":
إنما نهى النبي ﷺ عن رميها ما لم تطلع الشمس من يوم النحر وأباح رميها بعد ذلك وإن أمسى وهذا يقع على الليل والعشي معا
فاحفظ هذه الرخصة فإنها تنجيك من الوقوع في ارتكاب نهي الرسول ﷺ المتقدم عن الرمي قبل طلوع الشمس الذي يخالفه كثير ن الحجاج يزعم الضرورة
الثالث: أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة حل له كل شيء إلا النساء ولو لم يحلق لحديث عائشة رضي الله عن ها: " طيبت رسول الله ﷺ بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والإحرام حين أحرم وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت ". رواه أحمد بسند صحيح على شرط الشيخين وأصله عندهما. وبهذا قال عطاء ومالك وأبو ثور وأبو يوسف وهو رواية عن أحمد. قال ابن قدامة في " المغني " (٣ / ٤٣٩): " وهو الصحيح إن شاء الله تعالى " وإليه ذهب ابن حزم بل قال: يحل له ذلك بمجرد دخول وقت الرمي ولو لم يرم
وأما اشتراط الحلق مع الرمي كما جاء في بعض المذاهب وغير واحد من كتاب المناسك فهو مع مخالفته لهذا الحديث الصحيح فليس فيه حديث يصلح للمعارضة أما حديث " إذا رميتم وحلقتم - زاد في رواية: وذبحتم فقد حل لكم كل شي إلا النساء " فهو ضعيف الإسناد مضطرب المتن كما بينته في " الأحاديث الضعيفة " (رقم ما بعد الألف)
الرابع: أنه يجوز له أن يلتقط الحصى من حيث شاء كما قال ابن تيمية ﵀ وذلك لأن النبي ﷺ لم يحدد لذلك مكانا وغاية ما جاء فيه حديث ابن عباس (وفي رواية: الفضل بن عباس) قال: قال لي رسول الله ﷺ غداة العقبة (وفي رواية: غداة النحر وفي أخرى: غداة جمع) وهو على راحلته: هات القط لي فلقطت له حصيات نحوا من حصى الخذف فلما وضعتهن في يده قال: مثل هؤلاء ثلاث مرات وإياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين. أخرجه النسائي وابن ماجه وابن الجارود في " المنتقى " (رقم ٤٧٣) والسياق له وابن حبان في صحيحه والبيهقي وأحمد (١ / ٢١٥، ٣٤٧) بسند صحيح فهذا مع كونه لا نص فيه على المكان فهو يشرع بأن الالتقاط كان عند جمرة العقبة على الرواية الثانية وكذا الأولى وعليها أكثر الرواة وكأن ابن قدامة لاحظ هذا المعنى فقال في " المغني " (٣ / ٤٢٥) " وكان ذلك بمنى "
فما يفعله كثير من الحجاج من التقاط الحصيات في المزدلفة وحين وصولهم إليها خلاف السنة مع ما فيه من التكلف لحمل الحصيات لكل يوم
واعلم أنه لا مانع من رمي الجمرات بحصيات قد رمي بها إذ لم يرد أي دليل على المنع وبه قال الشافعي وابن حزم رحمة الله عليهما خلافا لابن تيمية
ثم في حديث الفضل بن عباس رضي الله عن هما أن من الغلو في الدين الرمي بحصى أبكر من حصى الخذف وهو فوق الحمص ودون البندق فماذا يقال فما يفعله بعض الجهالة من رميهم الجمرات بالنعال؟ أصلح الله شأن المسلمين وعرفهم بسنة نبيهم الكريم ووفقهم للعمل بها إن أرادوا السعادة الحقة في الدنيا والأخرى
[٧٨]
1 / 78