16
وكل ضروب الفسق؛ حاثا على مكارم الأخلاق، داعيا الناس لاتباعه، مؤمنا بالبعث والحساب والخلود، هاتفا: «والله إن وراء هذه الدار دارا يجزى فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب فيها المسيء بسيئاته.» ثم لا يلبث أن «يبشر قومه بقرب قيام الوحدة السياسية»، فيشير إلى أبنائه وحفدته الذين أصبحوا له عزوة وشد أزر، ويقول: «إذا أحب الله إنشاء دولة، خلق لها أمثال هؤلاء.»
17
أولئك الأبناء الذين كاد يقدم أحدهم ذبيحا (ابنه عبد الله أبو النبي عليه السلام) كما كاد يفعل جده البعيد إبراهيم (عليه السلام) مع ولده إسماعيل (عليه السلام).
وفي أمر عبد المطلب يقول المسعودي: «تنازع الناس في عبد المطلب، فمنهم من رأى أنه كان مؤمنا موحدا، وأنه لم يشرك بالله عز وجل ... وكان عبد المطلب يوصي بصلة الأرحام وإطعام الطعام ويرغبهم ويرهبهم، فعل من يراعي في المتعقب معادا وبعثا ونشورا.»
18
هذا بينما يتحدث الأستاذ العقاد عن صراع الهاشميين وأبناء عمومتهم على الرئاسة، وعن عبد المطلب بوجه خاص فيقول: «وقد تنافس بنو هاشم وبنو أمية على هذا الشرف، فأسفرت المنافسة بينهم عن فارق ملحوظ في الطباع؛ ملحوظ الأثر في خلائق الأسرتين من أيام الجاهلية إلى ما بعد الإسلام بعدة قرون ... لقد كان بنو هاشم - أسرة النبي
صلى الله عليه وسلم - أصحاب رئاسة، وكانت لهم أخلاق رئاسة ... وكان عبد المطلب متدينا صادق اليقين، مؤمنا بمحارم دينه ... وكان في الحق نمطا فريدا بين أصحاب الطبائع التي فطرت على الاعتقاد ومناقب النبل والإيثار. كانت مناقبه مطلبية تدل عليه ولا تصدر عن غيره، وكانت كلها مزيجا من الأنفة والرصانة والاستقلال ... وأدعياء التاريخ خلقاء أن يسألوا أنفسهم هنا سؤالين، لا يغفلهما أحد يفقه معنى تمحيص الخبر، وأولهما في هذا السياق: «لماذا يخترع الرواة هذه الأخبار عن عبد المطلب دون غيره؟» وثانيهما: لماذا لم يخترعوها ولا اخترعوا أمثالها عن حرب بن أمية؟ وكل ما تفرقت فيه الروايات من أمر عبد المطلب قد استقرت على صفة لا تفترق فيها روايتان، وهي «صدق التدين والإيمان بمحارم الدين».»
19
هذا بينما يقول الحافظ السيوطي: «إن أجداده (عليهم السلام) من آدم إلى مرة بن كعب مصرح بإيمانهم ...» وقد ذكر في عبد المطلب «أنه كان على ملة إبراهيم (عليه السلام)؛ أي لم يعبد الأصنام ...»
صفحة غير معروفة