44

تاريخ النقد الأدبي عند العرب

الناشر

دار الثقافة

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٩٨٣

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

الرواة؛ غير أن اعتماد مقياس واحد للتمييز بين مختلف ألوان الشعر يعد خطرًا على النقد وعلى التذوق معًا، ولابد من أن يضيق به الدارسون ذرعًا، حتى هؤلاء الرواة أنفسهم لن يحسنوا الصبر على لون واحد فيما يرونه. إذ ما أسرع ما يحدث تضييق المقاييس تقلبًا في الذوق بين الحين والحين، فكيف إذا كان المعتمد مقياسًا واحدًا؛ وقد ذكر ابن قتيبة أن الأصمعي نفسه كان يروي قول الشاعر (١): يا تملك يا تملي ... صليني وذري عذلي ذريني وسلاحي ثم ... شدي الكف بالغزل ويعلل روايته له واختباره " بخفة رويه "، فكيف يكون حال غير الأصمعي وهو لا يملك مقياسًا يلزمه الإعجاب بالفحولة وعدم اللين. وقد صور الجاحظ هذا التقلب في الأذواق لدى الرواة أنفسهم فقال: " وقد أدركت رواة المسجديين والمربديين: ومن لم يرو أشعار المجانين ولصوص الأعراب ونسيب الأعراب والأرجاز الأعرابية القصار وأشعار اليهود والأشعار المصنفة، فإنهم كانوا لا يعدونه من الرواة. ثم استبردوا ذلك كله، ووقعوا على قصار الأحاديث والقصائد والفقر والنتف من كل شيء. ولقد شهدتهم وما هم على شيء أحرص منهم على نسيب العباس بن الأحنف، فما هو إلا أن أورد عليهم خلف الأحمر نسيب الأعراب فصار زهدهم في نسيب العباس بقدر رغبتهم في نسيب الأعراب، ثم رأيتهم منذ سنيات وما يروي عندهم نسيب الأعراب إلا حدث السن قد ابتدأ في طلب الشعر أو فتياني متغزل " (٢) .

(١) الشعر والشعراء: ٢٩. (٢) البيان والتبين ٣: ٣٢٣.

1 / 54