43

تاريخ النقد الأدبي عند العرب

الناشر

دار الثقافة

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٩٨٣

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

(ب) وأن غلبة صفة الشعر تستدعي عددًا معينًا من القصائد التي تكفل لصاحبها التفرد، فالقصيدة الواحدة كما هي مرئية كعب بن سعد الغموي لا تجعل من صاحبها فحلًا. ويتفاوت هذا العدد، على قاعدة لا ندريها، فهو خمس قصائد أو ست أو عشرين. ونقل ابن رشيق نصًا عن الأصمعي يذكر فيه كيف يصبح الشاعر فحلًا، ويبين ذلك النص المجال الثقافي للشاعر ولكنه لا يضيف إليه عنصرًا آخر من موهبة أو غيرها، قال الأصمعي: " لا يصير الشاعر في قريض الشعر فحلًا حتى يروي أشعار العرب ويسمع الأخبار ويعرف المعاني وتدور في مسامعه الألفاظ، وأول ذلك ان يعلم العروض ليكون ميزانًا له على قوله، والنحو ليصلح به لسانه وليقيم إعرابه. والنسب وأيام الناس ليستعين بذلك على معرفة المناقب والمثالب وذكرها بمدح أو بذم " (١) . وليس من شك في أن هذه الفحولة تعني طرازًا رفيعًا في السبك وطاقة كبيرة في الشاعرية وسيطرة واثقة على المعاني وإن لم يفصح الأصمعي عن ذلك كله. ومن غريب ان هذه الفحولة لا تلتبس بروح الفروسية لدى الأصمعي، فليست هي وحسب " قوة النفس " على الموت حين يعبر عنها في الشعر، غير أنها اتجهت هذا الاتجاه في المفهوم عند أبي عبيدة فقد كان إذا سمع شعر قطري بن الفجاءة قال: " هذا الشعر! لا ما تعللون به نفوسكم من أشعار المخنثين " (٢) . فالفحولة بهذا المعنى ضد " التخنث "، وتلك عودة إلى مقياس خلقي ربما لم يقره الأصمعي، وإن كان هناك شبه ما بين صفتي " التخنث " و" اللين ". وأيًا كانت الفروق القائمة بين تصور الأصمعي وأبي عبيدة للفحولة فإن صفة " القوة " هي المقياس المشترك لديهما ولدى سائر هؤلاء العلماء

(١) العمدة ١: ١٣٢. (٢) أمالي المرتضى ١: ٦٣٨.

1 / 53