وليكن بين الرقيق والغليظ قدر ما لا تَعجزه عنه الكف ولا تلتقي عليه الأنامل. فالتوسط هو المحمود، وبحسب قدر اليد والتمكن من ذلك.
ومما جاء من الشعر في الرمح قولُ المعرِّي:
وذي ظمأٍ وليس به حَيَاةٌ ... تيقَّن طُولَ حامله فَطَالا
توهَّم كلَّ سَابِغَةٍ غَديرًا ... فرنَّق يَطْلُبُ الحَلَق الدِّخالا
ملأتَ به صُدورًا من أُناسٍ ... فلاقت عن ضغائنها اشتغالا
ومن أبدع ما قيل فيه قَوْلُ شيخنا القاضي الشريف أبي القاسم الحسني ﵀:
وأصمَّ ممطولِ الكُعوب إذا اقتضى ... مُهَجَ الكماة فَدَيْنُه لا يُمْطَلُ
متوقِّد حتى أقول: أَذَابِلٌ ... بيديَّ منه أم ذُبالٌ مُشْعَل
لولا التهاب النَّصل أيْنع عُودُه ... مما يُعَلُّ من الدِّماء وينهَلُ
فاعجب له إن النَّجيع بطَرْفه ... رَمَدٌ ولا يَخفى عليه مَقْتَلُ
والشِّعرُ فيه كثير.
الباب السابع عشر
ذكر القِسيِّ والنَّبل
وقد فضَّلَ الله تعالى القوسَ على جميع الأسلحة، وجعل التشاغُل بأمورها من التجارات المرْبحة، والآراء المنجحة.
عن رسول الله ﷺ أنه قال) ما مدَّ الناسُ أيديَهُم إلى شَيْء من السِّلاح إلا وللقَوْسِ عليه فضيلةٌ (وقال ﷺ:) من اتّخذَ في بيته قوسًا نَفَى اللهُ عنه الفَقْرَ ما دامتْ في بيته (.
وكان ﷺ يخطب عند الحرب وهو متكئٌ على قوسه.
وقال ﷺ:) مُنتهَى المؤمنِ القَوسُ والنَّبْل (.
فصل
والترغيب في الرماية كثير. عم عُقْبةَ بن عامرٍ قال: سمعت رسول الله ﷺ وهو على المنبر يقول:) وأَعِدُّوا لهم ما استطعتم من قوة، أَلاَ إنَّ القوَّةَ الرَّمْيُ (.
وكان ﷺ يعجبه أن يكون الرجل راميًا فارسًا سابحًا.
وقال ﷺ:) علموا أبناءكم الرمي فإنه نِكاية للعدُوِّ (.
وقال ﷺ لقوم من الأنصار رآهم يرمون:) ارمُوا يا بني إسماعيل! فقد كان أبوكم راميًا (.
وقال ﷺ:) من رَمَى بسهم في سبيلِ اللهِ مُخطئًا أو مَصيبًا كان لهُ من الأجْر كرقبةٍ أعْتقها مِنْ وَلَدِ إسماعيل (.
وقال ﷺ:) إن الله ليُدخِلُ بالسَّهم الواحدِ ثلاثةَ نَفَرٍ الجنَّةَ: صانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صُنعه الخير، والرامِيَ له، والمُمِدَّ به (.
وعن علي بن أبي طالب ﵁ أنه قال: ما سمعت رسول الله ﷺ فَدَى أحدًا غيرَ سَعْد بن أبي وقَّاص، فإنه قال له يوم أُحُد:) فداكَ أبي وأمي (. وفي ذلك اليوم قال رسول الله ﷺ لسعد ولأبي طلحةَ وقتَادةَ وغيرهم من الرُّماة:) اثبتوا! فلن يزال النصر معنا ما ثبتُّم (. وكان عدد الرماة في ذلك اليوم خمسة عشر راميًا.
والأحاديث في هذا المعنى أكثر من أن تحصى. ولله دَرُّ الشاعر إذ يقول:
فمن شاءَ يسلكُ سُبْل العنايهْ ... ويحصُلُ من عزها في نهايهْ
ويَحْظَى بكل ثواب جزيل ... فلا يتعدَّ طريق الرمايهْ
فإن بها في الدُّنَى رِفعةً ... ونصرًا لدين نبيِّ الهدايهْ
فصل
كان لرسول الله ﷺ قوس من نَبْع تسمى) الصَّفراء (، وقوس من شوحطٍ تسمى) الرَّوْحاء (وقوس أخرى من شوحط تسمى) البيضاء (، وقوس أخرى تسمى) الكَتُوم (.
والقِسِىُّ جنسان: قوس اليد، وهي العربية، وتنقسم على أنواع، وقوس للرِّجل، وهي الإفرنجية وتنقسم كذلك) إلى (أنواع.
فالقوس العربية أَنْسَبُ للفارس، لأنها أسْرعُ وأقلُّ مئونةً؛ والقوس الإفرنجية أنْسَبُ للراجل، لأنها أبلغُ وأكثرُ مَعَونةً، ولا سيَّما في الحصار والمراكب البحرية وشبه ذلك، وهي خاصَّةٌ بأهل الأندلس، بها يصيدون، وعنها يَرْمُون، وفيها يتنافسون، وعليها يعتمدون فُرسانًا ورجالًا، وهي التي نَصِفُ هنا إن شاء اللهُ تعالى.
فصل
1 / 47