مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم قال عبد الله الفقير إلى رحمته، علي بن عبد الرحمن بن هذيل، وفقه الله: الحمد لله الذي من علينا بالإيمان، وسخر لنا الأنعام في محكم القرآن، وخلق الفَرَس عربيًا لكناية عبده الأوثان، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وآله ما تعاقب الملوان، والرضى عن خلفائه أبي بكر وعمر وعلي وعثمان.
أما بعد: كتب الله النصر المؤيد، والعز المؤبد، والثناء المخلد، للمقام الكبير السني، الجليل السمى العالي، مقام مولانا وعصمة ديننا ودنيانا، ظهير الدين وعماد المؤمنين، وخليفة رب العالمين، الخليفة الإمام، الملك الهمام، العلي أمره، الرفيع بين أقدار السلاطين قدره، الجواد الباذل، الأطول الفاضل، التقي الصالح، ذي الدين المتين، والعقل الراجح، والمجاهد الأمضى، الصدر الأرضى، الأسعد الظاهر، الأشرف الطاهر، المفتخر به هذا العصر على غيره من الإعصار، الذي رفع قدره على جميع الأقدار، وجعل نجاره من السادة الأخيار، البررة الأنصار، الشهير المناقب، العلي المراتب، أمير المسلمين المستعين بالله أبو عبد الله محمد، بن مولانا الهمام الأوحد، الأشرف الأمجد، المثيل الخطير، الشهير الكبير، الكريم المآثر، السامي المفاخر، أمير المسلمين المستعين بالله، المجاهد في سبيل الله، المقدس المرحوم، أبي الحجاج يوسف، بن مولانا الإمام الخليفة الأعظم، والملجأ الأعصم، ظل الله الممدود على عباده، وسيفه المسلول في سبيل جهاده، وستر الله المسدول على بلاده، كافل الأمة، وغياث الرحمة، ذو الجهاد المقبول والغزوات الشهيرة، الحسن السيرة، السليل السريرة، بل الصالح السريرة، السلطان المعظم، الكبير الممجد، أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، الغني بالله، المنصور بعون الله، المقدس المرحوم، أبي عبد الله محمد، بن مولانا أمير المسلمين، وخليفة رب العالمين، السلطان الكبير المجاهد، الكريم المناقب والمحامد، قامع الكفار، وفتاح الأقطار، المعظم الكبير الأضخم، المرحوم المقدس المنعم، أبي الحجاج يوسف، بن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، فخر الملوك والسلاطين، معز الإسلام وأهله، المخصوص بالسعادة في أمره كله، المعظم الهمام، الأطول الباسل، الجلود الفاضل، المقدس المرحوم المنعم، أبي الوليد إسماعيل بن نصر؛ وصل الله سعودهم، وحرس وجودهم، وسنى لهم في كل مرام غرضهم ومقصودهم.
ومولانا - نصره الله - ملك الدنيا الذي وقع عليه الإجماع والإصفاق، والتأم الاتفاق، وتحدث بسيرته الجميلة الرفاق، فتشوقت إليه الشام والعراق؛ واليمن مكتنف بسلطانه، والظفر مبتسم عن سنانه، والنجح عاقد لوائه، والحمد نسج ردائه. فجعل الله - سبحانه - شعاره الجهاد، وشيمته سلوك سبيل الرشاد، وعادت به جزيرة الأندلس في حرز من نزعات الفتن، وحفظ من لزبات الإحن، واتضح بهذا القطر الأندلسي دين الإسلام، ببركة هذا البطل الهمام، معمور الأرجاء، موفور النعماء، مضمون النماء، مصون السراء، محجوب الضراء، والحمد لله الذي شرف دولته على جميع الدول، وجعل ملوك الأرض لها الأتباع والخول.
وإن من أعظم الفوائد قدرًا، وأشرف المعاني ذكرًا، وأنجح المساعي أمرًا، أن يرفع فن من العلم نبيل، إلى مقام ملك جليل؛ فذلك هو الذي أوجب على العبد تأليف هذا الكتاب وتلخيصه، وتهذيبه وتمحيصه، يشتمل على جلاد وكفاح، وخيل وسلاح، وما يختار من صفاتها، ويكره ويذم من شياتها، وجميع ما يختص بأحوال المركوب، ويتضمن تعليم الركوب، وتتميم المطلوب. وجمعت هذا الكتاب من جملة تواليف، وانتقيته من غير ما تصنيف، ككتاب) يقظة الناعس لتدريب المجاهد الفارس (و) كتاب تهذيب الإمعان، في الشجاعة والشجعان (و) كتاب راحة القلوب والأرواح، في الخيل والسلاح (و) كتاب الدمياطي في الخيل (و) كتاب رسالة الفرس (و) كتاب طبائع الحيوان (لأرسططاليس؛ إلى غير ذلك من التواليف التي لنزارة المنقول منها هنا لم تكتب، ومن الأجزاء لصغر جرمها لم تنسب. فجاء بحمد الله تعالى في فنه كافيًا، وفي معناه أسلوبًا شافيًا، تذكرة لمن عنى بالجهاد، وتبصرة لأرباب الطعان والجلاد. وسميته) حلية الفرسان، وشعار الشجعان (، وقسمته عشرين بابًا:
1 / 1
الباب الأول في خلق الخيل، وأول من أتخذها، وانتشارها في الأرض الباب الثاني في فضائل الخيل وما جاء في ارتباطها والباب الثالث في حفظ الخيل وصونها، وما قيل في الوصية بها والباب الرابع فيما تسميه العرب من أعضاء الفرس، وما في ذلك من أسماء الطير والباب الخامس فيما يستحب في أعضاء الفرس من الصفات، وما يستحسن أن يكون شبيهًا به من الحيوان والباب السادس في ألوان الخيل وذكر الشيات والغرر والتحجيل والدوائر والباب السابع فيما يحمد من الخيل وصفه جيادها، وأسماء العتاق والكرام منها والباب الثامن في عيوب الخيل خلقة وعادة والباب التاسع في اختيار الخيل واختبارها والفراسة فيها والباب العاشر في تعليم ركوب الخيل على اختلاف حالاتها والباب الحادي عشر في المسابقة بالخيل والحلبة والرهان والباب الثاني عشر في أسماء خيل رسول الله وفحول خيل العرب ومذكوراتها والباب الثالث عشر في ذكر ألفاظ شتى وتسميات أشياء تخص بها الخيل والباب الرابع عشر في ذكر نبذة من الشعر. إيثار العرب الخيل على غيرها وإكرامهم لها وافتخارهم بذلك والباب الخامس عشر في ذكر السيوف والباب السادس عشر في ذكر الرماح والباب السابع عشر في ذكر القسي والنبل والباب الثامن عشر في ذكر الدروع والباب التاسع عشر في ذكر الترسة وشبهها والباب العشرون في ذكر السلاح والعدة على الإطلاق؛ وهو الأخير من أبواب الكتاب، جعل الله ذلك من المقاصد النافعة، وكتبها عنده في النيات الصالحة الشافعة، فهو ولي التوفيق، والهادي إليه، لا رب سواه.
الباب الأول
خلق الخيل
وأول من أتخذها، وانتشارها في الأرض
قال على بن أبي طالب ﵁: قال رسول الله ﷺ:) لما أراد الله تعالى أن يخلق الخيل قال للريح الجنوب: إني خالق منك خلقًا فأجعله عزًّ الأوليائي، ومذلة لأعدائي، وحمى لأهل طاعتي، فقالت الريح: أخلق، فقبض منها قبضة فخلق فرسًا، فقال له: سميتك فرسًا، وخلقتك عربيًا، وجعلت الخير معقودًا بناصيتك، والغنائم مَحُوزَة على ظهرك، والعز معك حيثما كنت، آثرتك على غيرك من الدواب، وجعلتك لها سيدًا، وعطفت عليك صاحبك، وجعلتك تطير بلا جناح، فأنت للطلب، وأنت للهرب، وسأحمل على ظهرك رجالًا يسبحوني ويكبروني ويهللوني، تسّبِح إذا سبحوا، وتهلل إذا هللوا، وتكبرَّ إذا كبروا، قال: فليس من تسبيحه ولا تكبيرة ولا تهليلة يهللها صاحبها فيسمعها إلا وتجيبه نمثلها. ثم قال: فلما سمعت الملائكة صفة الفرس وعاينوا خَلقها، قالت: أيْ ربي! نحن ملائكتك نسبِّحك ونكبرك ونهللك فماذا لنا؟ فخلق الله للملائكة خيلًا بلقا، لها أعناق كأعناق البُخْت، أمدَّ بها من شاء من أنبيائه ورسله، أرسل الفَرَس إلى الأرض واستوت قدماه عليها صهل، فقال: بوركت من دابة! أُذلُّ بصهيلك المشركين، وأرعبُ به قلوبهم، وأَملأ آذانهم، وأُذلُّ به أعناقهم، ثم لما عَرَض على آدم ما خلق من شيء فسماه باسمه، وقال له: اختر من خلقي ما شئت، فاختار الفرس، فقال له: اخترتَ عزك وعز ولدك، خالدًا ما خلدوا، وباقيًا ما بقُوا؛ بركتي عليك وعليهم، ما خلقتُ خلقًا أحب إليّ ومنهم، ثم وسمه بغُرَّة وتحجيل، فصار ذلك من لدنه (.
قال مؤلف كتاب الحيوان:) الفرس من طبعه الزهو في المشي، ويحب سائسه ويعجب راكبه، ولا يحب الأولاد، وهو غيور، ويعرف المصيبة (. وذكر الأصمعي أن رجلًا معتوها جاء إلى أبي عمرو بن العلاء، فقال: يا أبا عمرو، لم سميت الخيل خيلًا؟ فبقي أبو عمرو ليس عنده فيها جواب، فقال: لا أدري! الرجل: لكني أدري! فقال علِّمنا نعلم! قال: لاختيالها في المشي، فقال أبو عمرو لأصحابه بعد ما ولَّي الرجل: اكتبوا الحكمة وارووها عن معتوه.
فصل
1 / 2
عن ابن عباس ﵁ قال: كان داود نبي الله وخليفته في أرضه يحب الخيل حبًا شديدًا، فلم يكن يسمع بفرس يُذكَر بعِتْقٍ أو حسن أو جرْى إلا بعث نحوه، حتى جمع ألف فرس، لم يكن يومئذ في الأرض غيرها، فلما قبض الله داود، وورثه سليمان وجلس في مقعد أبيه قال: ما ورثنَّي داود مالًا أحب إلى من هذه الخيل، فأضْمَرَها وصنَعها ودعا بها ذات يوم، فقال: اعرضوها عليَّ حتى أعرفها بشياتها وأسمائها وأنسابها، قال: فأخذ في عرضها حتى صلى الظهر، فمر به وقت العصر وهو يعرضها، ليس فيها إلا سابق رائع، فشغلته عن الصلاة، حتى غابت الشمس وتوارت بالحجاب، ثم أنتبه فذكر الصلاة، فاستغفر الله تعالى وقال: لا خير في مال شَغَل عن ذكر الله وعن الصلاة! رُدُّوها عليَّ! وقد عُرض منها تسعمائة وبقيت مائة، فردوا التسعمائة، فطفق يضرب سُوقها وأعناقها أسفًا على ما فاته من وقت العصر. وبقيت مائة فرس لم تكن عُرضت عليه؛ فقال: هذه المائة أحبُّ إليَّ من التسعمائة التي فتنتني عن صلاتي؛ فأمسكها، قال الله تعالى: ووهبنا لداودَ سليمانَ نِعْمَ العبد إنه أوَّاب، إذا عُرض عليه بالعشيَّ الصافناتُ الجياد، فقال: إني أحببت حُبَّ الخير عن ذِكر حتى توارت بالحجاب، رُدُّوها عليَّ، فطفق مَسْحًا بالسوق والأعناق (. والمائة التي لم تشغله عن ذكر الله تركَها، فلم يزل معجبا بها حتى قُبض. فالخيل إلى هذه الغاية من نسل تلك المائة الباقية.
وقال ابن الكلبي: يقال إنه اخرج الله تعالى إليه مائة فرس من البحر لها أجنحة، وكان يقال لتلك الخيل الخير؛ فكان سليمان ﵇ يراهن بينها ويجُريها؛ ولم يكن شيء أعجب إليه منها.
وروى أن ابن عباس ﵁ قال: أول ما انتشر في العرب من تلك الخيل أن قومًا من الأزْد من أهل عُمَان، قدموا على سليمان ابن داود ﵇ بعد تزويجه بلقيس ملكة سبأ، فسألوه عما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم، حتى قضوا من ذلك ما أرادوا، وهموا بالانصراف؛ فقالوا: يا نبي الله! إن بلدنا شاسع، وقد أنْفَضْنا من الزاد، فَمُرْ لنا بزاد يبلغنا إلى بلدنا، فدفع إليهم سليمان فرسًا من خيل داود، وقال: هذا زادكم! فإذا نزلتم فاحملوا عليه رجلًا، وأعطوه مِطْرَدًا، واحتطبوا وأورُوا ناركم، فإنكم لن تجمعوا حطبكم وتُوروا ناركم حتى يأتيكم بالصيد. فجعل القوم لا ينزلون منزلا إلا حملوا على فرسهم رجلًا بيده مطرد، واحتطبوا وأوْرَوْا نارهم؛ فلا يلبثون إلا قليلًا حتى يأتيهم صاحبهم بصيد من الظباء والحُمر والأرْوَى، فيأتيهم بما يكفيهم وفضلًا عن ذلك، فقال الأزديون: ما لفرسنا هذا اسم إلا) زاد الراكب (؛ فكان ذلك أول فرس انتشر في العرب من تلك الخيل. فأصل فحول العرب من نتاجه. وزعم آخرون أن سليمان بن داود ﵇ لما كان يمسح أعناقها وسُوقها طار منها ثلاثة أفراس عند قتله إباها؛ فوقع فرس في ربيعة، وفرس في خُشَيْن، وفرس في بهراء، فحملوهم على خيولهم وكانت هُجْنًا، فلما نُتِجَتْ تلك الأفراس طارت فرجعت إلى البحر، وتناتجت الخيل بعضها من بعض.
وروى الواقدي أن أول من ركب الخيل إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. قال: وإنما كانت الخيل وحشًا لا تطاق أن تُركب، حتى سُخَّرت لإسماعيل، فكان أول من رَسَنها وركبها ونتجها. عن ابن عباس ﵁ قال: كانت الخيل وحشًا كسائر الوحوش، فلما أذن الله ﷿ لإبراهيم وإسماعيل ﵉ برفع القواعد من البيت قال الله تعالى: إني معطيكما كنزًا ادخرته لكما، ثم أوحى الله تعالى إلى إسماعيل أن أخرج فادْعُ بذلك، فخرج إسماعيل إلى أجياد، وكان موضعًا قريبًا منه، وما يدري ما الدعاء ولا الكنز، فألهمه الله ﷿ الدعاء، فلم يبق على وجه الأرض فرس بأرض العرب إلا أجابته فأمكنته من نواصيها، وذللها الله له. قال ابن عباس: فاركبوها واعتقِدوها فإنها ميامين، وإنها ميراث أبيكم إسماعيل.
فصل
في وجوه اتخاذها:
1 / 3
عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: الخيل ثلاثة: هي لرجل أجْر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزِرْ؛ فأما الذي هي له أجر فرجل أتخذها في سبيل الله، فلو عرض له نهر فسقاها منه كان له بكل قطرة تدخل بطونها أجر، ولو عرض له مَرْج فرعت فيه كان له بكل شيء يدخل في بطونها أجر، وبكل خطوة تخطوها أجر، حتى ذكر الأجر في أرواثها وأبوالها؛ وأما الذي هي له ستر فرجُلٌ اتخذها تجمُّلا وتكرمًا، ولم ينس حق الله في ظهروها ولا رقابها؛ وأما الذي هي عليه وزر فرجل أتخذها أشرًا وبطرًا ورئاء الناس، ولم يؤد حق ظهورها ولا بطونها.
وعن خَبَّاب قال، قال رسول الله ﷺ: الخيل ثلاثة: فرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان. فأما فرس الرحمن فما أتُّخذِ لله في سبيل الله وقوتل عليه أعداء الله، وأما فرس الإنسان فما استطرق عليه، وأما فرس الشيطان فما روهن وقومر عليه.
وعن أَنَس بن مالك قال: لما استقرت الدار بالحجاج بن يوسف ووَضَع الحربَ خرجنا حتى قدمنا) واسط (. وذكر اجتماعه بالحجاج وعرض الحجاج خيله عليه، فقال ﵁: الخيل ثلاثة أفراس: فرس يتخذه صاحبه) و(يريد أن يجاهد عليه، ففي قيامه عليه وعلفه إياه وأدبه له، أحسبه قال: وكسْحِ مذوده، أَجْرٌ في ميزانه يوم القيامة؛ وفرس يصيب أهلها من نسلها يريدون وجه الله فقيامهم عليها وعلفهم إياها وأدبهُمَ لها وكسح روثها أَجْرٌ في ميزانهم يوم القيامة، وأهلها معانون عليها؛ وفرس للشيطان، فقام أهلها عليها، وذكر غير ذلك، وزْرٌ في ميزانهم يوم القيامة.
قال رسول الله ﷺ: عليكم بإناث الخيل، فأن ظهورها حِرْز، وبطونها كنز. وقيل لبعض الحكماء: أي الأموال أَثْرَى؟ قال: فرس، يتبعها فرس، في بطنها فرس.
وقال عَدِيُّ بن الفضل: سأل رجل النبي ﷺ أي المال خير؟ قال: سكة مأبورة، أو مهرة مأمورة. والسكة المأبورة السطر من النخل والمهرة المأمورة الكثيرة الولد. وزعمو أن دار أمير المؤمنين عليّ، التي بالكوفة كانت لعُرْوَةَ بن الجعد، فباعها بفرس أنثى فأصاب) من (تلك الفرس مالا كثيرًا؛ وسيأتي ذكر عروة بعد هذا.
وعن عمرَ بن أبي أَنَس قال: قال سعد: يا رسول الله! إن لي خيلًا، فقال رسول الله ﷺ: احبسها واحمل عليها الفحول، واحبس الإناث منها، تنل الدرجاتِ العلا من الجنة، فكان سعد يفعل ذلك.
وكان خالد بن صَفْوان يقول في اتخاذ الدواب: أما الخيل فللرعب والرهب، وأما البراذين فللجَمال والدَّعة، وأما البغال فللسفر البعيد، وأما الإبل فللحمل، وأما الحمير فللدبيب وخفة المئونة.
الباب الثاني
فضائل الخيل
وما جاء في ارتباطها
أقسم الله تعالى بالخيل في كتابه العظيم لفضلها عنده، فقال سبحانه:) والعادياتِ ضَبحا (إلى قوله) إن الإنسان لربه لكنود (. قال المفسرون: العاديات هي الخيل؛ والضَّبح حلوقها إذا عَدتَ.) فالموريات قَدحْا (: أي أورت النار بحوافرها.) فأثَرْن به نَقعا (: النقع الغبار وقيل التراب.) فوسَطن به جمعا (: أي توسطن جمعًا من الناس أغارت عليهم.) إن الإنسان لربه لكنود (: أي كفور.
وسماها أيضًا في كتابه بالخير، فقال سبحانه على لسان نبيه سليمان ابن داود:) إني أحببت حبَّ الخير عن ذكر ربي (.
وفضَّلها رسول الله ﷺ على الرجال في السُّهمان؛ فجعل للفرس سهمين وللرجل سهمًا واحدًا. وجاءت في فضلها عنه ﷺ أحاديث كثيرة.
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال:) الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة (. وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم والنسائي.
وروى مسلم أيضًا عن عُروة قال رسول الله ﷺ:) الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، قيل: يا رسول الله! وما ذلك؟ قال: الأجر والغنيمة (. وعروة المذكور هو ابن أبي الجَعْد البارقي. وكان النبي ﷺ أعطاه دينارًا يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة، فكان لو أشترى التراب ربح فيه.
قال شبيب بن غَرْقدة: رأيت في دار عروة بن أبي الجعد تسعين فرسًا رغبةً منه في رباط الخيل. قال محمد بن المنتشر: كان له فَرسَ أخذه بعشرين ألفًا.
1 / 4
وعن جَرير بن عبد الله قال: رأيت النبي ﷺ يفتل ناصية فرسه بإصبعيه ويقول:) الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة (.
قالوا: وفي فتله ﵇ ناصيةَ فرسه الفضلُ في خدمة الرجل دابتَه المعَّدة للجهاد، وفيه دليل أن الجهاد باق ثابت إلى يوم القيامة، وفيه بقاء الإسلام والمجاهدين الذابين عنه إلى يوم القيامة.
وعن أبي كبشة قال: قال رسول الله ﷺ:) الخيل معقودة في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها؛ والمنفق عليها كالباسط يَدَه بالصدقة (. وفي لفظ آخر:) الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها؛ فامسحوا بنواصيها، وادعوا الله لها بالبركة (.
وعن سَوَادة بن الربيع الجَرمي قال: أتيت رسول الله ﷺ، فأمر لي بذوْدٍ، وقال لي:) عليك بالخيل، فأن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة (.
وعن أسماء بنت يزيد أن رسول الله ﷺ قال:) الخيل في نواصيها الخير معقود أبدًا إلى يوم القيامة، فمن ربطها عُدَّة في سبيل الله، فأن شبعها وجوعها، وريها وظمأها، وأرواثها وأبوالها، فلاح في موازينة يوم القيامة؛) ومن ربطها رياء وسمعة، وفرحًا ومرحًا، فأن شبعها وجوعها، وريها وظمأها، وأرواثها وأبوالها، خسران في موازينه يوم القيامة «.
والناصية الشعر المسترسل على الجبهة، وقد يكنى به عن النفْس؛ يقال: فلان مبارك الناصية، أي النفس.
وعن أَنس بن مالك قال: لم يكن شيء أحب إلى رسول الله ﷺ بعد النساء من الخيل.
وعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:) من حبس فرسًا في سبيل الله كان سِترْهَ من النار (.
وعن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال:) من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديقًا بوعد الله، كان شبعُه وريه وروثه حسناتٍ في ميزانه يوم القيامة (.
وروى ابن سعد في الطبقات قال، قال رسول الله ﷺ:) المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها؛ وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكيَّ المسك (.
وحكى عبد الرحمن بن زياد أنه لما نزل المسلمون مصر كانت لهم مراغة للخيل فمر حُديج بن صومي بأبي ذَرٍّ ﵁ وهو يمرغ فرسه الأجدل، فقال: ما هذا الفرس يا أبا ذر؟ قال: هذا فرس لي لا أراه إلا مستجابًا، قال: وهل تدعو الخيل فتجاب؟ قال: نعم! ما من ليلة إلا والفرس يدعو فيها ربه يقول: اللهم إنك سخَّرتني لأبن آدم، وجعلت رزقي بيده، فاجعلني أحب إليه من أهله وماله، اللهم ارزقه مني وارزقني على يديه.
وروى أبو الحسن الإسكندر أن رسول الله ﷺ قال:) لقي عيسى بن مريم إبليس لعنه الله، فقال: يا إبليس! إني سائلك عن شيء فهل أنت صادقي فيه؟ قال: يا روح الله! سلني عما بدا لك، فقال: أسألك بالحي الذي لا يموت! ما الذي يُسِلُّ جسمك ويقطع ظهرك؟ قال: صهيل فرس في سبيل الله، وفي قرية من القرى أو حصن من الحصون؛ ولست أدخل دارًا فيها فرس في سبيل الله (.
وعن عطاء الخراساني قال: إن الله ليأجُرُ العبد على حبه الخيلَ وإن لم يرتبطها.
وقال ﷺ:) من همَّ أن يرتبط فرسًا في سبيل الله بنَّية صادقة أُعطى أجر شهيد (.
وعن عُبادة بن الصامت أنه سمع رسول الله ﷺ يقول:) إن الفرس ليستنُّ في طيلَة، وصاحبُه نائم على فراشه، فلا تبقى له خطيئة إلا وقعت (.
وعنه ﷺ أنه قال:) من ارتبط فرسًا في سبيل الله كان له مثل أجر الصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر؛ والباسط يده بالصدقة) كذلك (ما أنفق على فرسه (.
وعنه ﷺ أنه قال:) من كثرت سيئاته وقلت حسناته فليربط فرسًا في سبيل الله، ومن ارتبط في سبيل الله كان كمن نصر موسى وهارون، وقاتل فرعون وهامان (.
وعن قيس بن باباه قال: سمعت سلمان ﵁ يقول سمعت رسول الله ﷺ،) ما من مسلم إلا حق عليه أن يرتبط فرسًا) في سبيل الله (إذا أطاق ذلك (.
1 / 5
ولم تكن العرب تَعُدُّ المال في الجاهلية إلا الخيل والإبل، وكان للخيل عندها مزية على الإبل، فلم تكن تَعْدِل بها غيرها، ولا ترى القوة والعزَّ والمنعة بسواها، لأن بها كانوا يدافعوا عن غيرها مما يملكون، ويمنعون حريمهم، ويحمون من وراء حوزتهم وبيضتهم، ويغاورون أعداءهم ويطلبون ثأرهم، وينالون بها المغانم، فكان حبهم لها، وعظم موقعها عندهم، على حسب حاجتهم إليها، وغنائهم عنها، وما يتعرفون من بركتها ويُمْنها؛ إلى أَن بعث الله تعالى نبيه محمدًا ﷺ، وأكرم أمته بما هداهم له من دينه، وأمتنَّ عليهم به منه، فاختار لنبيه ﵊ إعداد الخيل وارتباطها لجهاد عدوه؛ فقال سبحانه:) وأَعِدُّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباِط الخيل، تُرْهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم (.
عن رسول الله ﷺ في هذه الآية:) وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم (قال: الجن؛ ولن يخَيَّلَ الشيطان إلى إنسان في داره فرس عتيق.
فاتخذ رسول الله ﷺ الخيل وارتبطها وأحبها، وحض المسلمين على ارتباطها، وأَعْلَمَهُمْ ما لهم في ذلك من المثوبة والأجر، فسارَعوا إلى ذلك وازدادوا حرصًا عليها وفي إمساكها، رغبة في الأجر والتماس البركة والخير في العاجل والآجل، في اقتنائها وتثميرها واستبطانها، وتنافسوا فيها، وغَالوْا، لما جعل الله فيها من أنواع البركات وجماع الخيرات.
قيل: ومن فضائل الخيل أنها أَصبر البهائم وأشدها شدة، وأخف الدواب كلها مئوية في العلف والمشرب عند ضيق الأمر في ذلك، إذ كان يكفيها في السرايا والمفاوز والأسفار القليل منه، ثم قسنا عليها في شدتها: فوجدنا أشد البهائم وأقواها على الأحمال الثقال الإبل، فأصَبْنا البعير البازل الشديد أكثر ما يحمل ألف رطل، فإذا حَمَل هذا المقدار لم ينهض إلا بعد الجهد والحيلة، ورأيناه لا يجري بحمله؛ وكذلك سائر البهائم التي توصف بالشدة لا تجري بأحمالها. ووجدنا ما يوصف من الوحش بشدة الْعَدْو لو حَمَل ثقيلًا لم يؤد عُشْر جريه؛ فوقفنا على أن الفرس يحمل من فارسه وآلته وسلاحه وتجِفافه وزاده وعلفه، وعَلَمٍ إن كان في يد صاحبه في يوم ريح، زُهاء ألف رطل، ويجري به يومًا جَريدًا لا يكاد يمل ولا يخَوْىَ بجوع ولا عطش؛ فعلمنا أنه لا شيء من البهائم أشد ولا أصبر ولا أجود ولا أفضل ولا أكرم ولا أقوى من الخيل.
وأنزل الله ﷿ في ارتباط والاتفاق عليها آيتين من القران العظيم، قوله تعالى:) مَنْ ذا الذي يُقْرضُ اللهَ قرضنًا حسنًا فيضاعفَه له أضعافًا كثيرة (، وقوله سبحانه:) الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وَعَلاَنِيَةً فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (. قال أبو أمامة، وأبو الدرداء، ومكحول، والأوزاعي، ورباح ابن يزيد: هم الذين يرتبطون الخيل في سبيل الله.
وعن ابن عباس:) الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية (: قال: نزلت في عَلَف الخيل.
وروى أن أبا ذَرٍّ أشار إلى بعض خيل كانت في الجَّبانة وقال: أصحاب هؤلاء هم الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية وكان أبو هُرَيْرَةَ إذا مر بفرس سمين تلا هذه الآية، وإذا مر بفرس أعجَف سكت.
الباب الثالث
حفظ الخيل
وصونها والوصية بها
أعلم أن الأمم الماضية لم تزل تُكْثر من الاعتناء بالخيل والتشريف لها، والثقة بها، والتعويل عليها في حروبها، والافتخار بِرَبْطِها؛ وإن كانت العرب زادت في فضلها ومزيتها ما فاتوا به الأمم، فلم تكن في الجاهلية ولا في الإسلام تصون شيئًا من أموالها كصيانتها ولا تكرِمُه ككرامتها، لما كان لهم فيها من التباهي والتفاخر، والتنافس والتكاثر، والقوة والمنعة، والعز والرفعة.
1 / 6
وكان نبينا ﷺ من أرغب العرب في الخيل وأصونهم لها، وأشدهم إكرامًا وعُجبًا بها، حتى إنه كان ليأنس بصهيلها، ويفضلها على الرجال فيما يُسهمه لها ويراهن عليها، وينهي عن استنتاج كرائمها من حمار أو هجين لا يشبه أصُلُهُ أصولها، غيرة منه عليها، وإشفاقًا من فساد أًنسالها، وقد كان ﵊ وصَّيِ بها، وعوتب على اشتغاله في وقت من الأوقات عن تفقُّدها. جاء عن إسماعيل بن رافع:) إن النبي ﷺ أصبح ذات يوم فقام إلى فرسه فمسح عنقه ووجهه بطرف ردائه أو بكُمَّ قميصه، فقيل له: يا رسول الله! صنعت اليوم ما نراك صنعته؟ فقال: إني بتُّ الليلة وجبريل يعاتبني في سياسة الخيل (.
وعن عائشةَ ﵂:) إنها خرجت ذات غَدَاةِ، والنبي ﷺ يمسح فرسه بثوبه، فقالت: يا رسول الله! بثوبك؟ فقال: ما يُدْريك؟ لعل جبريل قد عاتبني فيه الليلة؛ قالت: فولَّني عَلَفَهُ، فقال لها: لقد أردت أن تذهبي بالأجر كلَّه! أخبرني أن ربي يكتب لي بكل حبة حسنة (.
قيل:) وبَيْنا رسول الله ﷺ ليلة) تَبُوكَ (إذ قام إلى فرسه الظَّرب فعلق عليه شعره، وجعل يمسح ظهره بردائه، فقيل: يا رسول الله! أتسمح ظهره برادئك؟ قال: نعم، وما يدريكم؟ لعل جبريل أمرني بذلك، مع أني قد بت الليلة وأن الملائكة تعاتبني في حسَّ الخيل ومسحها، وقال: أخبرني خليلي جبريل أنه يكتب لي بكل حبة أَوْفَيْتُها إياه حسنه، وأن ربي يَحُطُّ عني بها سيئة؛ وما من امرئ من المسلمين يرتبط فرسًا في سبيل الله فيوفيه عَليقه يلتمس له قوة إلا كتب الله له بكل حبة حسنة، وحط عنه بها سيئة (.
وعن محمد بن عُقْبَةَ عن أبيه عن جده قال: أتينا تميمًا الداريَّ وهو يعالج عليق فرسه بيده، فقلنا له: يا أبا رُقَيَّة! أما لك من يكفيك هذا؟ قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله ﷺ يقول:) من ارتبط فرسًا في سبيل الله فعالج عليقه بيده كان له بكل حبة حسنة (.
وعن عمر بن عبد العزيز ﵁ قال: ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال:) من كان له فرس عربي فأكرمه أكرمه الله، وإن أهانه أهانه الله (.
وعن مجاهد قال:) أبصر رسول الله ﷺ إنسانًا ضرب فرسه، فقال: هذه مع تلك؟ لتمسَّك النار، فَكُلَّمَ فيه، فقال: لا: إلا أن يقاتل في سبيل الله؛ فجعل الرجل يحمل عليه ويقول: أشهدوا! أشهدوا! (.
وكانت العرب لقدر الخيل عندها وإعزازها إياها تَقْتَصُّ من لطمه الفرس وتُعَيِّر بذلك، وتطلب الثأر فيه كما تطلبه في أنفسها؛ ولا تلطم بلطمة البعير؛ ذكر ذلك حَمَّاد الراوية عن سماك بن حرب، قال الجراح الهْمداني في ذلك:
ونهدةٍ يُلطم الجاني بلطمتها ... كأنهَّا ظل برد بين أرماح
ونهى عمر بن عبد العزيز ﵁ عن ركض الخيل إلا في حق. وعن الوضين بن عطاء قال: قال رسول الله ﷺ:) لا تقودوا الخيل بنواصيها فَتذَلوها (. وقال ﷺ:) ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها، أو قال: أكفالها، وقلِّدُوها، ولا تقلدوها الأوتار (. وكانوا يقلدون الخيل أوتار القِسىَّ لئلا تصيبها العين، فنهاهم ﵇ عن ذلك، وأعلمهم أن الأوتار لا ترد من قضاء الله شيئًا. وقيل نهاهم عن ذلك خوفًا على الخيل من الاختناق. وقيل الأوتار الذُّحول، وهي الدماء: أي لا تطلبوا عليها الذحول التي وتُرِتْم بها في الجاهلية. والقول الأول أصح.
وعن أنس بن مالك عن رسول الله ﷺ قال:) لا تَهْلُبوا أذناب الخيل، ولا تجُزُّوا أعرفها ونواصيها، ودِفاؤها في أعرافها، وأذنابها مذابُّها (.
وقال ﷺ:) لا تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فأن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشقِّ الأنفس، وجعل لكم الأرض، فعليها فاقضوا حاجاتكم (.
وقال مكحول: قال رسول الله ﷺ:) أكرموا الخيل وجَلَّلوها (.
ونهى ﷺ عن خِصاء الخيل.
1 / 7
عن ثور بن زيد قال: لما غزا النبي ﷺ تَبُوكَ أصاب فرسًا) من جدس (؛ فَحَمَلَ عليه رجلًا من الأنصار، وأمره إذا نزل أن ينزل قريبًا منه، شوقًا إليه وشَهْوَةً لصهيله، فلما قدم النبي ﷺ لقي الأنصاري، فقال: ما فعل الفرس؟ قال: خصيناه، قال) قد مثَّلت به، مثلتَ به، مثلت به! أعرافها أَدْفاؤها، وأذنابها مذابُّها، التَمِسوا نسلها، وباهُوا بصهيلها المشركين (.
وعن علي ﵁:) إن النبي ﷺ أهديت له بغلة فركبها، فقلت: لو حملنا الحمير على الخيل فكانت لنا مثل هذه! فقال ﵇: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون (.
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ:) عاتبوا الخيل فإنها تعتب (. أي أدبوها وروضوها للحرب والركوب، فإنها تتأدب وتقبل العتاب.
ويحكى عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: يا بني! إذا سافرت فلا تنم على دابتك، فأن النوم عليها يُسرع في دَبَرِها، وإذا نزلت أرضًا مُكْلِئَةً فأعطها حظها من الكلأ؛ وأبدأ بسقيها وعلفها قبل نفسك.
فوجب إكرام الخيل، وصونها، والاعتناء بها، والمنافسة فيها والمحافظة عليها، وتَفَقُّدُ أحوالها، والتصرف فيما يصلحه من سياستها، وعلى الرجل الشريف) في (محاولةُ أمور فرسه بيده، ولا غضاضة تلحقه بالتصرف في شأنه، بل يلحقه الذم بالتفريط في أمره، ويستحق اللوم على التنزه عنه لكبره والاتكال به على غيره، فينبغي للفارس ألا يغفل عن تفقد فرسه وموضعه ومربطه ومراغته، وجميع أحواله في سياسته وعلفه وسَقْيه، ولتكن أكثر عنايته بالنظر إلى قوائمه في كل الأحوال، يجسُّها بيده، فأن رأى تفززًا في عصبة أو أمارة نفخ أو امتلاء، أو علامة دم أو أدنى علَّةٍ، فليبادر بعلاجها وملاطفتها في بدئها، ولا يتعبه معها، ولا يجُرْهِ يومئذ، فقد تبدو العلل يسيرة لا تكاد تَبِين، فربما حمل عليه فعادت كبارًا، أو كان منها سبب مُتْلِف، وعلاجها في ابتدائها أقرب، وأمرها أيسر.
وليحذر كل الحذر من سقيه وأعلافه الشعير إثر الإعياء والتعب، وليمهل حتى يسكن ويجف عرقه ويهدأ هدوءًا تامًا. وكذلك يحذر من علف الشعير الكثير مع طول الراحة والجِمَام وقلة الحركة والتصرف.
وكذلك يحذر من اختلاط الرَّطْب من الحشيش مع اليابس في علفه ما استطاع. وللضرورات أحكام يلحظ فيها الأوفق ما قَدَرَ عليه. فقسْ تُصِبْ بحول الله.
الباب الرابع
فيما تسميه العرب من أعضاء الفرس
وعدد ما في ذلك من أسماء الطير
أعلاه) سَرَاتُه (، وفي سَراته) قَراه (، وهو) سَناسِنُ (صُلْبه، الواحدة) سِنْسنة (، وهي رأس الضلع بالفقَار.
وفي سراته) حَجَبتاه (وهما) حَرْقَفتاه (،) والحرقفة (رأس الورِك العليا، وهي التي تشخص إذا هُزلت الدابة. وفي سراته) قَطاته (، والقَطاَة مقعد الرِّدف، والرِّدف هو الراكب خلف الفارس. وهو الرديف أيضًا. وفي سَراته) موِقفاه (، والموقفِان أعلى خاصرتيه بين الحجَبتين وضلع الخلف. وفي سَراته) كاثبته (والكاثبة موضع وسط السرج من مقُدمه.
وفي سَرَاته) مَنْسِجه (، والمنسِج موضع القَربوس، وهو حيث فروع الكتفين مقدم الكاهل، وبذلك يسمى مَنْسجًا. وفي السراة) العُذْرة (، وهو شعر الكاثبة، وهو منتهى العُرف. وفي السراة) العُرف (، وهو شعر عنقه ما بين عُذرته وناصيته. ومن سَراته ناصيته لاتصالها بالعُرف، والناصيةُ هي الشعر المرسل على عينيه ووجهه حتى طرف عُرفه من قُدم. والعُرف اسم الشعر خاصة؛ والْمَعْرَفة منبت العُرف. ويكتنف المعَرفة عِرقان يقال لهما) العِلباوان (واحدتهما) عِلباء (.
وفي سراته) رأسهُ (و) هامتهِ (، فأما هامته) فأُمُّ دماغه (وما استدار من رأسه بأذنيه. وسَّميت الهامة أم الدماغ لاشتمالها عليه كاشتمال الأم على ولدها. وفيها) القَمَحْدُوَةُ (، وهي باطن القفا، وهي العظم الناتئ من القفا، و) قفا (الفرس مقعد عِذاره من منبت عُرفه.
و) سِمامُ (الفرس قصب خياشيمه التي فيها الغضاريف، ويقال الغراضيف، وهو من المقلوب. وبعض العرب تقول: هي) سُمومهُ (، ويقال أيضًا بل هما عرْقان في خيشومه. وعلى كل قول فالسَّمام اسم لنخاريب الخياشيم.
1 / 8
وأما) نواهق (الفرس فهما عرقان في خيشومه، وقال أبو زيد الأنصاري: نواهقه قصبة أنفه، وقال ابن قُتَيْبَةَ: هما عظمان شاخصان في وجهه أسفل من عينيه. ووافقه على ذلك أبو عُبَيْدة. وهو الصحيح و) اللّحْيانِ (العظيمان تحت الخدين؛ ومْسْتَدَقُّهُما إلى تحت الفم) الصبيَّانِ (. و) الماضغان (أعالي اللحيين حيث المتحرك عند المضغ مما يلي الأذنين. و) اللَّهْزِمتان (مجتمع اللحم بين الماضغين والأذنين. و) الفكَّان (ملتقى عظمى اللَّحيين مع الصدغين.
فأما) شفتاه (فهما) جحفلتاه (، وأما) مَنخِراهُ (فَمَخرج النَّفس، وأما) نُخْرته (فما فوق منخِره من مستدق جحفلته وما لان من أنفه. وأما) خدَّاه (فصفحتا وجهه. وفي) سراته () سِيساؤه (، والسيساء موضع وسط السَّرج، و) الصَّهوة (أوسط المتن إلى القطاة. وفي عنقه) لَبَّته (و) صليفاه (و) جِرانُه (. فأما لبته وهو موضع اللَّبب. وأما صليفاه فصفحتا العنق. ويقال للخَرق الذي في الهامة المركَّبِ فيه العنق) الفهْقة (، وهي الفقرة التي طرفها في الرأس. والفهقة منها هو الطرف المركب في الهامة، وهو مستدير بعض الاستدارة كأنه عِقَاص المُكْحُلَة. وفيه خَرق هو مخرج النخاع من الدماغ. ويقال للدماغ) السَّليل (.
وأما جِرانُه فجلدة ما بين المنَخَر إلى المذبح. ومجموع الحلقوم والمريء والأوداج يسمى) البَلْذَم (. والمريء مدخل الطعام والشراب، والحُلقوم ومخرج النفس والصوت. و) العُرشان (مُضغتان من رءوس المنكبين إلى العرف، وهما قوائم العنق.
وفي العنق) الدَّسِيع (، وهو حيث يَدْسَعُ البعير بِجرَّته. وهو مغرز العنق في الكتفين.
وفي العنق) قَصَرتُه (، وهي ما قرب من الكاهل؛ وفي العنق) السالفة (، وهي موضع القِلاَدة، والسالفة شيء واحد، وهي دائرة بالعنق من كل جهة مما يلي المذبح.) والهادي (هو العنق بجملته، سمى بذلك لتقدمه على سائر البدن.
وفي العنق) الودَجان (، وهما عِرْقان يكتنفان العنق يمينًا وشمالًا، ويقال للأوداج أيضًا) الشوارب (. و) أَسَلَةُ (العنق موضع القلادة منها.
فصل
و) بَرْكُهُ (هو صدره،) وجُؤجؤه (هو) زَوْره (. فالصدر ما عرض من ملتقى العضدين ومغْرِزِ العنق. والزور ما بين العضدين إلى موضع الحزام. و) جَوْز (الفرس مقعد الفارس من صلبه وما حاذاه من بدنه، وجَوْزُ كل شيء وسطه. وجملة مقعد الفارس يقال لها) الصَّهوة (. وقد تقدم ذكرها. وموقع دفتي السَّرج من الصهوة يقال لها) المعَدَّان (. وما ضُمَّ عليه الحزام فهو) المحزم (. ودون الْمَحْرِم إلى الخاصرتين) المركَلاَن (، وهما موضع عَقِبى الفاَرس، وبذلك سميًا مركَليَن. وهما) الجوانح (. و) الفريصتان (مرجع المرفقين من) الَّدفِّ (، والدَّفُّ: الجَنْب. ومرجع المرفقين هو منقَبض الفؤاد. ثم) الضلوع (وهي أربع وعشرون ضلعًا. وفي الأضلاع) القُصْرَيان (، وهما الضلعان في الجنبين أسفل الضلوع وأقعرها. إحداهما منتهى الجانب الأيمن، والأخرى منتهى الجانب الأيسر؛ ويسمونها ضلعي الخَلف، وتليهما) الشاكلتان (، وهو ما اتصل من الفخذين بالخاصرتين، والقُصْرَيان يقال لهما) الواهنتان (. والضلعان اللتان تليان الواهنتين يقال لهما) الدَّأيتان (. والأوساط من الضلوع وهي أربع من كل جانب يقال لها) الحَرجَ (، وهي المسقَّفَات، وهي أطول الضلوع وأتمها، وإليها ينتفخ الجوف.
فصل
ونواحي جوفه يقال لها) رَبض (البطن، وفي ربض بطنه) مَنْقَبه (و) سُرَّته (و) قُنْبه (و) رُفْغاه (و) شاكلته (و) طفطفتاه (، و) حالباه (و) صِفَاقه (. فأما رَبَضُ البطن فمرَاقُّ البطن وأما مَنْقَبه فحيث ينقب الْبيْطار قريبًا من السرة، وأما قُنبه فوعاءُ ذَكرِه، وأما رُفغاه فما بين الخُصْيَيْن والفخذين، وأما شاكلته فبين فخذيه وبطنه، وهي التي تجشر من الشاة والبقرة المُعْرِقَةِ السَّمَن، وأما طفطفتاه فما بين الجنب والحَرقفة، وأما الحالبان فَعِرْقان اكتنفا السرة من جانبها، وأما الصَّفاق فما بين الجلد والأعفاج.
وبطنُ الفرس اعفاج وحوايا، ليس فيها كَرِش. و) الِحَقْوان (هما ما ضُمت عليه القُصْريانِ، وخنست عنه الَحجبَتان.
وفي قُنب الفرس) نَضِيةُّ (و) فَيْشَله () إحليله (. فأما النضيُّ فجميع ذكره، وهو) الغُرمول (أيضًا، وأَما الفيشلة فرأس الذكر، وكذلك هو من الإنسان.
1 / 9
وأما الإحليل فللقرس إحليلان: فالْخَرْق الذي بين الخُصْيَين وفيه يخنس الذّكر: إحليل، والخَرْق الذي في رأس الذكر وهو مخرج البول: إحليل؛ ويشاركه في هذا الإحليل كل ذكَر من الحيوان، ويشاركه في الأول ذكور ذوات الأربع خاصة. وصوت الذكر في قُنبه عند حركة الفرس يقال لها) الْخَضِيعة (، ويقال إن الخضيعة صوت جوف الفرس. وجلد الُخصْية يقال له) الصَّفَن (. وفي الصفن) البيضتَان (.
وفي جسم الفرس) القُحْقُح (وهو ملتقى الوركين من باطن، وباطنه) الَخوْرَانُ (وظاهر) هـ () الدُّبرُ (وهو ما بين القحقح والْعُصْعُص،) والعُصْعص (طرف الصُّلب وهو منبت الذَّنب. وأعلى العصعص يقال له) العَجْب (، وأسفله) مغرز الذَّنَب (. فما غَلُظَ من أصل الذنب فهو) عُكْوته (، ويلي العُكوة) العَسيب (، وهما عظم الذَّنب. ومستدَقُّ الذَّنب يقال له شائلة (الذنب، و) السبيب (هو) هُلْب (الذنب، وهو شَعره، هكذا قال أبو زيد الأنصاري، والمعروف عند أهل اللغة أن) السبيب (هو شَعر الناصية والعُرف، وشعر الذنب) الهُلْب (.
فصل
ويتصل بمَقَادم الفرس) يداه (، وفي يديه) كتفاه (، وفي كتفيه) عَيْراهما (و) غُرضوفاهما (و) أَخْرَماهُما (و) صدقاهما (. فأما الكتف فمعروفة وهي العظم العريض في أعلى المنكب، وأما عَيْراهما فما ارتفع من عظم الكتف وهو الشاخص في وسط الكتف، وأما أخر ما هما فمنتهى عَيْريهما حيث انتهت عند الصدقين، وأما الصدقان فنقرتان في رأس الكتفين. وفي غُرضوفي الكتفين في أعلاهما) النَّغْضان (وهما) الراعنتان (، وهما لحم كثير على اسفل الْغرْضوفين وأما اللحمتان على أعلاهما فهما) الفريصتان (.
والغُرْضوف ما كان من طَرَف الكتف متصلًا بالكتف وليس منها، كأنه عظم وليس به؛ ويقال له) غُضْروف (أيضًا.
وفي يديه) مَنْكِباه (، ومنكباه ما ضم أسفل الكاهل من قبل القصَّ بأعلى الزَّور، و) الكاهلُ (ما ظهر من الزَّور، و) الزور (ما بطن من الكاهل.
وفي يديه) عَضُداه (، وفي عضديه) القبيحان (و) الوابلتان (، فأما القبيحان فرءوس العضدين الملاقية للذراعين، وأما الوابلتان فرءوس العضدين مما يلي الكتفين، وهما عظمان ضخمان مشَّان، والمشاش هو اللحم.
وفي يديه) ذراعاه (. وفي الذراعين) المِرْفَقان (وهما الإبرتان. فأما رضف ركبتيه فما بين الكُراع والذراع، وأعظم صغار مجتمعة في رأس الذراع، و) الإبرة (من الذراع هو الطرف المستدق الذي يحك منتهى الفريصة من الكتف وواسط عظام الَحْيزْوم فويق المحزِم.
و) الداغصة (عُظَيم شكله قريب من الاستدارة يكون فوق الركبة؛ يديِصُ أي يذهب ويجئ. ثم) الوظيفان (. وفي وظيفيه) قَيْناه (. والوظيف ما تحت الركبتين إلى الأرساغ، وأما القينان فزند الوظيفين.
وفي الوظيف) العُجاية (، وهي عصبة مستطيلة في الوظيف منتهاها) الرُّسْغ (.
وأما) الأَبْجَلُ (فِعرق مستبطن في الذراع إلى النحر، يقال إنه) الناحر (في النحر، وهو في الذراع الأبجل. والرُّسغ منتهى العجاية.
وفي اليد) الرَّقْمتان (، وهما حلقتان في بطون الذراعين كأنهما كيَّتان بالنار. وفيها) الثُّنتاَّن (، وهما الشعر فوق) أم القردان (.
وفي اليد) الأشْعَر (، والجمع) الأشاعر (. وهي أطراف الشعر عند الحافر.
وفي اليدين) الفصوص (، وهي مفاصل ركبتيه وأرساغه. وفيهما) السُّلاَمياَت (، وهي عظام الرسغين. و) الشَّوَى (: القوائم.
ويقال لأعالي الفرس) سماؤه (، ولأسافله) أرضه (.
ثم) الحافر (، وفي الحافر) دخيسه (و) نسوره (و) حواميه (و) حواشره (و) دوابره (و) سُنْبُكه (و) إنسيُّهُ (.
فأما الحافر فهو اسم جامع، وهو بمنزلة الظَّلف من الشاة.
وأما دَخيسه فعظم الذي في جوف الحافر كأنه ظهاره.
وأما نُسوره فهي اللَّواتي يكنَّ في باطن الحافر كأنها خطوط الكف وأما دابرة الحافر فمؤخره، وهو الذي يحَفَى وتأكله الأرض.
وأما السنبك فهو مقدم الحافر، وأما الحوامي فهي ما يكتنف السنبك عن يمينه ويساره، وأما) الحَوْشب (فهو عظم الرسغ الداخل في الحافر كأنه نصل؛ وأما إنْسيُّهُ فما أقبل من حوافره بعضها على بعض في يديه ورجليه؛ وأما وَحْشيِهُّ فما كان خارجًا من حوافر يديه ورجليه.
فصل
ويتصل بمآخير الفرس رجلاه، وفيهما) وَرِكاه (. وفي الوركين) حَرْقَفَتاهما (و) حارقتاهما (و) نُقرتاهما (و) قوّارتهما (.
1 / 10
فأما وركاهما فالعظمان الأعليان في العجُز، وأسفلهما القحقح، وما بين ذلك) الخَوْران (وهو) الدُّبُر (.
وأما حرقفتاهما فالعظمان الشاخصان في معلَّق الوركين. و) الجاعرتان (هما اللتان اكتنفاالذنب عن يمين وشمال. وهما موضع) الرقمتين (من الحمار. وفي فخذي الفرس) الحَماتًان (و) الكَاذَتاَنِ (و) الحادبان (. فالحادبان أسفل من الذنب مُضغتان في ظاهر الفخذين. والكاذتان تحاذيانهما من باطن الفخذ مما يلي الشاكلة. والَحماَتان عند طرفي الفخذين مما يلي الساقين، ويليهما من فوقهما) الرَّبلتان (. و) الغُرابان (عظمان في وسط الوركين، و) النقرتان (عصبتان في رأس الفخذ؛ و) النَّسا (عرق في باطن الرجل كلها؛ و) رأس النَّسا (في أعلى) الصَّلاَ (، وهي نقرة يقال لها) القَلْتُ (. ثم) الفخِذ () خصائل (الواحدة) خصيلة (وهي لحم مجتمع، ولكل خصيلة) غَرٌّ (والغرُّ خمصة بين الخصيلتين كأنها فرقت بينهما.
وفي الرَّجل) الثَّفنَتَان (، وهما مَوْصِل الفخذين في الساقين، وهما عَصَبتان كأنهما عَظمان، ثم) السَّاقان (؛ وفي السَّاقين) النَّقْوان (، وهما العظمان اللذان فيهما المخ، واسم المخ) الَّنقُي (، وفيهما) الحَماتان (، وهما مُضغتان في ظاهر الساقين، وفيمها) العُرقوبان (، وهما المفصلان المتصلان بالوظيفتين. وبين الساق والوظيف) الكعْبان (، وهما عظمان عندهما طَرَف الساق وطَرَف الكُراع؛ ثم) الوظيفان (، وهما موضع، الشِّكال من رِجل الدابة.
وفي الوظيف) عُجايته (، وهي عَصَبةٌ تحمل الرِّجل كلها، و) الرُّسْغ (، هو المفصل بين الساق والوظيف. وهما وظيفان، ورُسغان، وعجايتان.
فصل
ويسمى في الفرس من أسماء الطير:) الهامَةُ (و) النَّسر (و) النَّعامة (و) الفَرخ (و) الصُّرَد (و) العصفور (و) الديك (و) الصَّلصل (و) الدَّجاجة (و) الناهض (و) الغُرُّ (و) السُّماَنَي (و) الغراب (و) الْخُطَّاف (و) السَّمامة (، و) الصقر (و) القَطَاة (و) الحُرُّ (و) الحِدَأَة (و) الخَرَب (.
حدَّث الأصمعي أن هارون الرشيد كان له فرس أدهم يقال له) الرَّبِذُ (فابتهج به يومًا، فقال:) يا أصمعي! خذ بناصية) الربد (ثم صفه من) قَوْنَسه (إلى) سُنُبكه (، فإنه يقال إن فيه عشرين اسمًا من أسماء الطير؛ قال: فقلت نعم يا أمير المؤمنين! وأنشدك شعرًا جامعًا لها من قول أبي حَزْرة. قال: فأنشِدْنا الله أبوك! فأنشدت:
وأَقبَّ كالسِّرحان تم له ... ما بين هامته إلى النَّسر
رحُبت نعمامته ووُفَّر فرخه ... وتَمَكَّنَ الصُّرَدان في النحر
وأناف بالعصفور في سَعَفٍ ... هامٍ أشمّ مُوَثَّقُ الجِذر
وأزدان بالديكين صَلْصلهُ ... ونبت دجاجته عن الصدر
والناهضان أُمَّر جَلزهما ... فكأنما عُثِما على كسر
مُسْحَنْفِر الجنبين مُلْتَئمٍ ... ما بين شِيمَتِهِ إلى الغُرِّ
وَصَفَتْ سُمَاناه وحافره ... وأديمه ومنابِتُ الشَّعْرِ
وسما الغراب لموقعيه معًا ... فأُبين بينهما على قَدْر
واكتنَّ دون قبيحه خُطَّافه ... ونأت سَمامته على الصَّقْر
وتَقَدَّمَتْ عنه القَطاه له ... فنأت بموقعها عن الحُر
وسما علىِ تقويه دُوْنَ حِدَاته ... خَرَبان بينهما مَدَى الشِّبْر
يَدَعُ الرضيم إذا جرى فِلَقًا ... بتوائم كمواسمٍ سُمر
رُكِّبن في مَحْضِ الشَّوى سَبِطٍ ... كَفْتِ الوثوب مشَّددِ الأَسر
1 / 11
الهامة: أعلى الرأس، وهي أم الدماغ، وهي من أسماء الطير، وقد تقدم ذكرها. والنَّسر: هو ما ارتفع من بطن الحافر) و(من أعلاه كأنه النَّوَى والحصا، وهو من أسماء الطير. وقد تقدم أيضًا ذكره. والنعامة: جِلْدَةُ رأس الفرس التي تغطى الدماغ، وهي من أسماء الطير. والفرخ: هو الدماغ وهو من أسماء الطير. والصُّرَدانِ: عرقان في أصل اللسان مكتنفان باطن اللسان فيهما الرِّيق ونفَس الرئة، وهما من أسماء الطير. وفي الظهر صُرَدٌ أيضًا، وهو بياض يكون في موضع السَّرج من اثر الدَّبَر. والعُصفور: أصل منبت الناصية، والعصفور أيضًا: عظم ناتئ في كل جبين، والعصفور أيضًا: من الغُرَر، وهي التي سالت ورقت ولم تجاوز إلى العينين ولم تَسْتدَرْ كالقُرْحة، وهو من أسماء الطير. والديك: هو العظم الناتئ خلف الأذن، وهو الذي يقال له الخُشَّاء. والصُّلْصُل: بياض في طرف الناصية، ويقال: بل هو أصل الناصية. والدَّجاجة: اللحم الذي على زَوْره بين يديه. والديك، والصُّلْصُل، والدَّجاجة من أسماء الطير. والناهضان: واحدهما ناهض، وهو لحم المنكبين، ويقال: هو اللحم الذي يلي العضدين من أعلاهما، والناهض: فَرْخُ العقاب، وهو من أسماء الطير. والغُرُّ: هو من الفرس عضلة الساق، ومن الطير هو الذي يسمى أيضًا بالرَّخَمة. وقد تقدم ذكره. والسُّمَانَي من أسماء الطير، قال ابن عبد ربه: وهو موضع من الفَرَس لا أحفظه. والغراب: رأس الورِك، فيقال للصَّلَوين الغُرابان، وهما مُكْتَنَفا عَجْبِ الذَّنَب؛ ويقال: هما ملتقى أعالي الوَرِكَيْن، وهو من أسماء الطير، وقد تقدم ذكره. والخُطَّاف: من أسماء الطير، وهو حيث أدركت عَقِب الفارس إذا حرَّك رجليه. ويقال لهذين الموضعين أيضًا: المركلان. والسَّمامةُ: دائرة تكون في عُنُق الفرس، وهي من أسماء الطير. والصَّقر: أحسبها دائرة في الرأس ولا أقف عليها، وهي من أسماء الطير. والقَطاةُ: مقَعد الرَّدْف وهي من أسماء الطير، وقد تقدم ذكرها. والُحرُّ: من الطير، يقال إنه ذكَر الحَمام، وهو من الفرس: سواد يكون بظاهر أذنيه. والحِدَأة: من الطير، وأصلها الهَمْزُ ولكنه خُفف للضرورة، وهي سالفة الفرس. والخَرَب: هو الذي تراه مثل المُدْهُن في وَرِكِ الفرس، وهو من الطير ذَكَرُ الُحبَاري.
الباب الخامس
فيما يستحب في أعضاء الفرس من الصفات
وما يستحسن أن يكون شبيهًا من الحيوان
1 / 12
الحُسن في جميع أعضاء الفرس مقرون بالجَودة، ودليل على العِتْق، والشِّدة، ومجموع ذلك هو الكَرم. وقلما تجتمع كلها في فَرَسٍ واحد، ولكن حظه من الكَرَم بقدر ما اجتمع له منها. فمن مستحسن أوصاف الأعضاء طول نَصْلِ الرأس، وطولهُ: بُعدُ ما بين ناصيته وجَحْفَلَته. ومنها هَرَتُ شدقيه، وشِدْقاه مَشَقُّ فيه إلى مآخر لحْيَيه، وهَرَتُها: طول شقهما، وذلك ليتمكن من إخراج النَّفَس. ومنها رقة جحافله وسُبوطتها، وجحافله: ما يتناول به العلف، وأحدها جَحْفَلَةٌ. ومنها طول لسانه وذلك لكًثرة ريقه، ويستحب كثرة ريقه للإراحة. ومنها رقه أرنبته، وأرنبتُه: ما بين منخريه، وذلك للحُسن ويُستدل به على العِتْق. ومنها رُحْب مَنْخَرَيه ودقتها وطول شقهما وطول أعاليهما وهَرَتُ أسافلهما، فالرُّحْب لسرعة الإراحة، والدقة للحسن. ومنها لطف مُسْتْطعَمِه، ومستطعَمُه ما بين مَرْسَنِه إلى طرف جَحْفلَتِهِ، وذلك للحسن. ومنها تَدَانِي صبَّيْ لَحْيَيْه، وهما مجتمع أطرافها من أسفل، وذلك للحُسنِ. ومنها دقَّةُ مَرسِنِه ولطفُه، ومرسنُه موضع الحَكَمَة على أنفه، وذلك للحسنَ. ومنها اعتدال قصبة أنفه، وهي ما بين خُليْقائه، وخليقاؤه: حيث التقت جبهته وقصبة أنفه من مستقدمهما، وذلك للحسن. ومنها دقة عُرْضَيْ أنفه وسهولتهما، وعُرْضاه: مبتدأ ما أنحدر من قصبة الأنف من جانبيهما جميعًا، فذلك للحسن، وهو دليل العِتْق. ومنها رقة نواهقه وأن لا تنتشر في وجهه، ورقتهما: قلة ولُصُوق الجلد فيهما، وذلك للحسن، ويستدل به على العِتْق. ومنها عُرْىُ سمومه، وسُمومُه: مارقَّ عن صلابة اللحم من جانبي قصبة أنفه من أعلاهما إلى نواهقه، وهي مجاري دموعه، وذلك للحسن ويُستدل به على العِتق. ومنها إسالةُ خدَّيه وسهولتهما وعِرضَهما وأسالتهما: طولهما، وذلك للحسن ويستدل به على العِتق. ومنها رُحب شَجْره، وشَجْرُهُ: ما بين لحْيَيْه من أسافلهما، وذلك لسَعة مخرج نَفَسه. ومنها رقة جفونه، وهي: ما انطبق على المُقْلتين من الجلد من أعاليهما وأسافلهما، وذلك للحسن، ويُستدل به على العِتْق. ومنها نَجَلُ مقلتيه وصفاؤهما وشدة سوادهما، والمُقْلَتان: العينان، ونَجَلهُما: سَعَتُهما، وذلك للحسن. ومنها بُعدُ مدى طَرْفه وحدَّتُه، وذلك لصدق الصرامة. ومنها ضيقُ واحتشاؤهما، وبعُد عينيه من اذنيه، ووقْباه: النقْرتان فوق عينيه. ورقَّهُ حاجبه مما يُستدل به على عِتْقه. ومنها عِرَض جبهته وعُرْيُها ولصوق جلدها بها، وجبهتهُ: ما تحت أذنيه وفوق عينيه من هامته. ومنها طول أذنيه وجَلَدُهُما: لُطُف طيِّهما، وذلك للحسن. ومنها رقة الأذنين ولينهما وتَطْرِيُقهما، والتطريقُ: التأليل، وهو دقة أطرافهما، وذلك للحسن، ويستدل به على العتق. ومنها في الأذنين شِدَّتهما، وذلك للصدق والصرامة. ومنها سُبُوطة ناصيته وطولها وشدة سوادها ولينها. ومنها لين الشَّكير وطمأنينته في منبته، والشَّكيرُ: ما أطاف بالناصية من قصير الشعر، وهو مما يستدل به على العِتْق. قال أبو عبيدة: وهو أبين شاهد في الفرس على عتقه، فأن وجُدت فيه خشونة لم يسلم من هُجْنةٍ. ومنها طول عنقه ما بين ناصيته إلى عُذرته، وعُذْرَتُه: ما كان على كاهله من شعر عُرفه، وذلك لحسنها وشدتها واستعانة الفرس بها في جريه، أعنى العُنُق، وهي مؤنثة؛ قال أبو عبيدة: والذَّكَر أحوج إلى طول العُنُق من الأنثى وإنما قال أبو عبيدة ذلك لأن عُنق الذّكر غليظة، فطولها متمم لِعْتْقِها وحسُنِها، وعُنُقُ الأنثى رقيقة، فطولُها يُضعفها ويذهب بجمالها. قال ابن قُتَيْبة:) ويستحب في العنق الطول واللين، ويكره فيها القصر والجُسْأة (. وذُكِرَ في حد الطول المستحسن أن سليمان بن ربيعة فَرقَّ بين العتاق والهُجُن بالأعناق، فدعا بطست من ماء فوضعت بالأرض، ثم قدمت الخيل إليها واحدًا واحدًا، فما ثنى سُنْبُكه ثم شرب هجَّنه، وما شرب ولم يَثْن سنبكه جعله عتيقًا.
ومنها رقة مذبحه وهو منقطع عنقه مما يلي رأسه، ذلك للحسن.
1 / 13
ومنها دقة سالفته، وسالفته: ما دقَّ من أعلى عنقه إلى قَذَاله خلف خُشَشاوَيه، وخُشَشَاوَاه: العظمان الشاخصان خلف أذنيه، وذلك للحسن والاستدلال على العِتْق. ومنها إفراع عَلاَبيِهَّ وشدة مركَّبهِمِا في كاهله، وعِلباواهُ: عصبتان تحت العُرشين، والعُرْشَان: منبت عُرفَهَ. وذلك أشد لوصل عنقه في الكاهل. وإفراع العَلابيَّ هو ارتفاعهما، وذلك أحسن في المنظر في انصبابهما. ومنها عرض عنقه من أصلها، واضطراب جِرَانه، ويكون ذلك من إفراع العلاَبيَّ وانحدار الجرَان، وذلك لشدة العُنق؛ وجرانه: ما فرق مريئه وحُلْقومه من جلدة باطن عنقه، وذلك أرحب لمخرج نفسه. ومنها إشراف هَاِدِيهِ، وهاديه عنُقه، وذلك للشدة والحسن. ومنها إفراع كتفيه في حَارِكِهِ وغموضها فيه من أعاليهما، وإفراعُهُما: هو ارتفاعهما في حاركه. ومنها عُرىُ أَخْرَمَيْه وتأنيفهما، والأخرمان: هما رءُوس الكتفين من قبل العضدين، وعُريهما: قلة لحمهما، وتأنيفُهما: حدتهما. فإذا كانت كذلك بَعُدَ ما بين منكبيه ورحب لبانه وما بين جوانحه لمخرج نفسه، وأشتد التئام رءوس العضدين في الكتفين. ومنها نُتُوءمَعَدَّيه وكثرةُ لحمهما، ومَعدَّاهُ: اللحم الغليظ المجتمع في جنبيه خلف كتفيه، وهما موضع الدَّفَّتين من السرج.
واستُحب ذلك لشدتهما وإجفار ما تحتهما من الضلوع لتَنَفُّسه بموضع الرَّبْلَتَين، لأنهما منتهى الرَّبْوِ، فإذا ضاق مكانهما وانتفختا ضغطتا القلب فَغَمَّتَاهُ فأخذه لذلك الَكَرْب. قال ذلك كله أبو عبيدة. ومنها قصر ظهره، وحدُّ ظهره: ما بين منقطع حاركه من أسفله إلى ما بين القُصْرَيَين من صُلبه. ومنها اعتدال صلبه، واعتدالُه: استواؤه وعرض فِقَرهِ، والفِقر جمع فَقْرَة، وهي خَرَزُ الظهر، ويقال لها المَحَالُ، وذلك مراد للشدة والحسن. ومنها لَحبُ مَتْنَيْه، ولحُبه: ضمور لحمه، وفرس مَلْحوب منه.
قال أًبو عبيدة: وقد أَخْظَى، وهو شديدٌ، والخْظاَ. هو ارتفاع لحم المتْنين على الصَّلب واندماجه. قال غيره: إن الملحوب أشد احتمالًا للرَّبْوِ من الأخْظَى. ومنها أن يكون رحيب الجوف. ومنها إجفار جنبيه، وإجفارهما: انحناء ضلوعهما من أعاليهما واتساعها وطولهما، ويستحب عرضهما وسُبوغ الأضلاع فيهما، والسُّبوغ: الطول فيهما.
ومنها رُحْبُ إهابه، وإهابه: جلده، ورحبه: سعته. ومنها دخول موقِفَيْه، وموقفاه: ما دخل من وسط الشاكلة إلى منتهى الأطْرَة، وذلك للشدة. ومنها شدة حَقْوه، وحقوُه: مَوْصِل صلبه في عَجُزِهِ مستدبرًا بما ظهر منه وما بطن.
ويستجيب أيضًا عِرَضه وكثرة لحمه واستواء لحمه مع ظهره وقربه من أطْرَته. ومنها إشراف قَطاتَه وكثرة لحمها، وقطاته: مقعد الرِّدف خلف الفارس، وذلك لشدة وصل) (عَجُزِه في صلبه. ومنها إشراف حَجَتيه وتأنيفُهما وبُعد ما بينهما، وحَجَبتاه: هما حرقفتاه. ومنها عرض وَركَيْه وكثرة لحمهما وطولهما ولصوق الجلد بهما. قال أبو عبيدة: وإن يكون فيهما سفح قليل أَصْدَقُ لهما في الجرى، يعنى بالسَّفح العرض في استناد، مأخوذ من سفح الجبل. قال: والتربيع أحسن لهما في النظر. وعِرَض الوركين خير لهما من الطُّول. ومنها شدة عَجْيه وغِلُظهُ من غير إفراط في ارتفاع ولا غموض، وذلك لشدته. قال أبو عبيدة: وأحسن حالاته التوسط بين الغموض والإشراف. ومنها استيفار برْكته في نحوه. وبِرْكتُه: من حيث انضمت الفَهْدتان من أعاليهما إلى الذي دون العضدين، إلى غُضون الذراعين من باطنهما.
ومنها خروج جؤجئه، وجؤجؤُه: ملتقى فهدتيه من أسافلهما، وفَهْدَتاه: اللحمتان الناتئتان في صدره. ومنها عِرضَ بَلْدَته، وبلدته: منقطع الفهدتين من أسافلهما إلى عضديه، ومنها رَهَل صدره وبركته وجوجئه وفهدتيه وبلدته، وذلك أشد لصدره وأشرح لمنكبيه. ومنها قَصُر عضديه، وذلك ليخرج مَنْكِباه ويدخل مِرْفَقاه، لأنها إذا قصرت دفعت مُرَكبَ الكتف فيها وأتبعها الذراع فدخلت؛ وإذا طالت رفعت رأس الذراع حتى يخرج مِرْفَقاه، وذلك أشد لتَفَرُّقِ يديه. وعضداه: هما العظمان اللذان بين كتفه وذراعيه.
1 / 14
ومنها انحدار قَصِّه: وقضُّه: ما بين الرُّهابة إلى منقطع أسفل الفهدتين وآخر فَلكِ الزور، وعندها تنقطع الجوانح وتتفرق الضلوع، وذلك أسْبَغُ لضلوعه وأتم لأخذه. ومنها طول ذراعيه وعَبَالتهما، وذراعاه: ما بين عضديه وركبتيه، وعبالتُهما: عظمهما. ومنها رخاوة مَرْدَغَته وعِظَمُ ناهضه، والمردغة: هي اللحمة التي في أصول العضدين من خلفهما مما يلي الفريضة، والناهضُ: خَصِيلَةُ العضد الناشزة فوقه، فكلما عظمت وعترت وغلظت فهو خير له. ومنها كثرة الغضون بين العضدين والفهدتين وباطن الذراع والإبطين من الجلد، وذلك أَسْرَحُ ليديهإذا جرى. ومنها لطف زوره من موضع المرفقين وعُرْيُهُ، وزوره: قصُّه، وقد تقدم ذكره. ومنها عِظم عَظْم الذراعين وغلظ حبالهما وظهور غرورهما؛ فحبالهما: العصب الظاهر عليهما، والغُرور: بين الحبال، وهي الطرائق التي تفرق خصائل اللحم. ومنها لطافة ركبتيه وشدة سمومهما، وإكراب أَسْرِهَمَا وقرب ما بينهما، وذلك للشدة وقلة الفتور، لأنها وَصْلُ بين الذراع والوظيف، فإذا كانتا كان أبطأ لفتورهما. ومنها قِصَرُ وظيفي يديه وعِرضهما وأحديداب قَيْنَيهْمِا، فوظيفاه: ما بين ركبتيه وجُبَّتيه، وقيناهما: الظُّنْبُوبان، وهما مقاديم وظيفي اليدين، ولصوق جلدهما بهما، وقلة حشوهما، وفرش عصبهما وعرضه وعبالتهما. ومنها لطافة جُبَّتِه وتَمَحَّصُها، وجُبَّته: ملتقى الوظيفين وأعلى الَحْوشب. ومنها صغر العُجاية وقلة لحمها وغموض العصب فيها وصغر قَمَعتها، والعُجاية: مؤخر الجبة حيث تفَرَّق عصب يديه، وفيها منبت الثُّنة، والثنَّة: الشعر النافر في مؤخر الجبة، وقمَعَتُها ما في جوف الثنَّةِ من طرف الْعُجَاية الذي. لا ينبت شعرًا.
ومنها إكراب رسغيهِ وعبالتهما، وإن يكون فيهما غَلَبٌ، والرسغ ما بين الجبة والأشعر، وإكرابه: شدة أسرة، وعبالته: غلظه، وغلبُه: احديدابه مع غلظه. ومنها عرض باطن الَحْوْشبَ من موضع أم الْقِرْدان، والحوشب: عَظْمُ الرسغ، وأم القِرْدان: هي الهَزْمَةُ في باطنه، وذلك للشدة.
ومنها عِظم حافره، وإفجاج حواميه، وحِدَّةُ سنبكه. ومنها بُعْد أَلْيَةِ حافره من الأرض، والأَلْيَةُ: اللحمة التي في أعلى الحوامي من مؤخر الأشعر، واستحب ذلك لصبره على صك الأرض واحتماله ما فوقه من الثقل، وفيه مع الشدة الحسن. ومنها كثرة لحم كاذَتَيْهما وعِرَض فائلهما؛ والفلائلان: دوائر الفخذين، وهما أسفل من الكاذتين.
ومنها عِظَمُ الربلتين، والرَّبْلتان: ملتقى باطن الفخذين من أعلاهما من اللحم، وذلك مستَحب لتمام شدة الفخذين، وعليهما يعتمد في عَدْوه. ومنها توليج ثَفِنَتيْه، وهو انضمام بعضها إلى بعض ولصوق الجلد على رءوسهما، والثَّفِنتان: هما مُرَكَّبُ الفخذين في أعلى الساقين. قال أبو عبيدة: واسْتحِبَّ ذلك لأنهما إذا وُلِّجتا كان أجمع لرجليه في أخذه، وأقوى لهما على ما فوقهما من الثقل، وأصبر له على طول الُحْضْر، وذلك لاجتماعهما ودخولهما تحت ما فوقهما من ثقل جسده، وكره انقلابهما وخروجهما للضعف، لأن الرّجلين إذا ما انقلبت ثَفِنَتَاهما اتسع رُفْعُهُما وخلا ما تحت جسده لانفتاحهما، فكان أسرع لفتوره، وأضعف لرجله.
ومنها قِصَرُ ساقيه وعِرَضهما، ويستحب التحنيب فيهما، وهو تقويسهما، وعِظَمُ حَمَاتَيْهما وانْتِبَارُهما، والحماة: اللحم المجتمع الشاخص في وسط الساقين من ظاهرهما، وعُرىُ بواطنهما من اللحم، وهو ظهور نَسيَيَهْما، والنَّسا: عِرقٌ في باطن الساق ما بين الحماتين والكعبين، وهذا كله مستحب لشدة انقباض الرَّجْلين في العَدْو، وشدة الضَّرْح بهما، وسرعة الضَّبْر. ومنها صغر كعبيه وصَمَعُهما ولصوق الجلد بهما وعُرى مَنْجميهما؛ وكعباه: هما بين الوظيفين والساقين؛ وصمعهما: صلابتهما واكتنازهما؛ والمَنْجِمان: عظمان شاخصان في باطن الكعبين، وذلك لأن الكعب وصْل يحُتاج إلى شدته، لطول صَكَّه الأرض برجله وشدة قبضها، فإذا لم تكن كذلك لم يَضْبِرْ. ومنها تأنيف عُرْقوبيه واستواؤهما بَعَصَب مؤخر رجليه وشدة لصوق الجلد بهما، واستحب ذلك منه للشدة وانقباض الرجلين.
1 / 15
ومنها طول وظيفيه وعرضهما إذا استعرضتهما، وحِدَّتُها ودقتهما إذا استقبلتهما، واستواؤهما إذا استدبرتهما، ويستحب ذلك كله للشدة والصبر في العَدْو، وهو لُحُوق الرَّجْلين باليدين. ويستحب في الرجلين من أوصاف الرُّسْغين والحافر ما يستحب في اليدين، غير أن انتصاب الرسغين في الرجلين مغَتَفر، وليس هو في اليدين كذلك.
فصل
ويستحب للفرس أن يكون شبيهًا في بعض خَلْقِه لبعض الحيوان، فمن ذلك الظَّبْيُ، والكلب، والحمار الوحشي، والثور، والنعامة، والبعير، والأرنب، والذئب، والثعلب.
فمَّما يستحب في صفة الفرس من خَلْق الظبي: طول وظيفَيْ رجليهِ، وتأنيف عُرْقوبيه، وعِظَم فخذيه، وكثرة لحمهما، وعِظَمُ وَرِكيه، وشدة متنه وظهره، وإجفار جنبيه، وقِصَر عضديه، ونَجَلُ مقلتيه، ولحوق أياطله.
ويستحسن فيه من خَلْق الكلب: هَرَتُ شدقيه، وطول لسانه، وكثرة ريقه، وانحدار قصِّه، وسبوغ ضلوعه، وطول ذراعيه، ولُحُوق بطنه.
وحكى أن مُسْلِم بن عَمروٍ أرسل ابن عم له إلى الشام ومصر ليشتري له خيلًا، فقال: لا علم لي بالخيل، وكان صاحب قَنْصٍ، فقال له: ألست صاحب كلاب؟ قال: نعم! قال: فانظر كُلَّ ما تستحسنه من الكلب الصابر فاستعمله في الفرس. قال: فَقَدِمَ بِخَيْلٍ لم يكن في العرب مثلها.
ومما يستحسن فيه من خَلْق الحمار الوحشي: غلظُ لحمه، وظمأ فصوصه، وتمَحُّصُ عصبه، وتمكُن أرساغه، وتمحيصها، وعِرَض صَهْوته.
ومما يستحسن في خَلْقه من خَلْق الثور: عرض جبهته، وقلة لحمها، واضطراب جرانه، وطول ذراعيه، وعِرَض كتفيه.
ومما يستحسن في خلقه من وصف النعامة: طول وظيفيها، وقصر ساقيها، وعُرْى أَيْبَسَيْها.
ويستحسن فيه من البعير: طول ذراعيه، وعبالة أو ظِفَتِه. ومن الأرنب: صغر كعبيها. ومن الذئب: شَنَحُ نَسَيْيْه. ومن الثعلب: تقريبه.
وأول من شَبَّه الخيل بالظبي، والسَّرْحان، والنعامة، أمرؤ القيس بن حُجر، فقال في وصف فرسه:
وقد اَغْتَدِى والطير في وُكُنَاتها ... بمُنْجَردٍ قَيدِ الأوابد هَيْكَلِ
مِكَرٍّ مِفَرٍ مقبلٍ مُدْبرٍ معًا ... كجلمود صَخْرٍ حَطَّهُ السيل من عَلِ
كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللَّبْد عن حال متنه ... كما زَلَّت الصَّفْواء بالمتنزل
مِسَحٍِّ إذا ما السابحات على الونى ... أثرن غبارًا بالكَدِيْدِ المركَّل
على العَقْب جياش كأنَّ اهتزامه ... إذا جاش فيه حَمْيُه غَلْيُ مِرجَل
يطير الغلام الخِفُّ عن صَهَوَاته ... ويُلوى بأثواب العنيف المثقَّل
دَرِير كَخُذْروف الوليد أَمرَّه ... بقلب كَفيَّهْ بخيط مُوَصَّل
له أيْطَلاَ ظبيٍ، وساقا نعامةٍ ... وإرجاء سِرْحَانٍ وتقريب تَتْفُل
وقد أعاد هذا التشبيه في قصده أخرى بائية فقال:
وقد اغتدى والطَّيْرُ في وكناتها ... وماءُ الندى يجري على كل مِذْنَب
بمنجرد قَيْد الأوابد لاَحَه ... طِرَادُ الوادي كلَّ شأو مُغرِّب
على الأَيْن جَيَّاشٍ كأنَّ سراته ... على الضُّمْر والتَعْدَاءِ سرحه مرقب
يباري الخَنُوف المستقلَّ زِماعُه ... ترى شخصه كأنه عود مشجب
له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وصهوةُ عَيْرٍ قائم فوق مَرْقَب
فأخذ الشعراء هذا التشبيه من امرئ القيس فَجَرَوْا عليه.
الباب السادس
ألوان الخيل
وذكر الشِّياتِ والغُرر والتَّحجيل والدوائر
أما أصول الألوان فهي أربعة: بياض، وسواد، وحمرة، وصُفْرة. والحقيقة أن الأصل البياض والسواد، لأن الحمرة والصفوة إليهما يرجعان، ومنهما ينشأن.
1 / 16
ذِكْرُ البياض: الناصع البياض هو) أَشْهَبُ قِرْطاسيّ (، فأن خالطَتْه صفرة فهو) أشهب سَوْسَنيٌّ (. فإن خالطته حمرة فهو) صناَّبي (، فأن خالطه سواد فهو) حديدي (، فأن غلب البياض فهو) كافوري (، ومثله) أشهب واضح (. فإن كان أبيض فيه بُقَعٌ تخالفه فهو) مُوَلَّع (، فأن صغرت البقع فهو) أبقع (، فإن كانت نُكتُهُ أكثر فهو) مُفَلَّسٌ (، فأن زادت فيه فهو) مُدَنَّر (، فأن تفرقت البقع عليه فهي) الشام (، وهو) أشْيَمُ (، وإن كانت نقطة صغارًا وكثرت فهو) أرقط (، فأن زادت صغرًا وكثرة فهو) أنْمَرُ (، فأن تناهت صغرًا فهو) أنمش (و) أبرش (، فإن كانت شبيهة طرائق فهو) مجزَّع (، فأن صغرت الطرائق فهو) مُغْرَب (.
السواد: الخالص السواد هو) أَدْهَمُ (، فإذا كان حالك السواد فهو) غَيْهبيُّ (، فإذا أشتد سواده حتى يضرب إلى الخُضْرة من شدته فهو) أخضر (؛ وهو) الدَّيْزَجُ (في كلام العجم؛ فإن كان بين الدُّهُمَة والخضرة فهو) أحْوَى (؛ فإذا خالطت سواده شُقْرة فهو) أدبسُ (، فأن خالطه أدنى حمرة أو صفرة فهو) أحَمُّ (، فإن كان سواده يضرب إلى البياض حتى يقرب من لون الرماد فهو) الأَوْرَق (، ونحوه) الأكْهَبُ (، ودونه من السواد) الأربد (.
الحمرة: الأحمر الخالص إذا اسودَّ عرفه وذيله فهو) وَرْد (، والأنثى) وردة (والجمع) وِرَادٌ (، فإن كانت حمرته في سواد فهو) كُميت (، وكذلك الأنثى بلفظ الذكر،، وكذا هو مصغر؛ لا يقال كَمْتٌ ولا كمتة، فأن اشتدت حمرته في السواد فهو) كُمَيْتٌ مُدمًّي (، فأن صفرت حمرة الوَرْدِ شيئًا من غير سواد، وعرفُه وذيلُه إلى البياض فهو) أَشْقَرُ (، فإذا كانت كمتته بين السواد والبياض فهو) وَرد أَغبس (، وهو) المسَّمَنْدُ (عند الفرس، وإذا قارنت حمرته السواد فهو) أصْدَأُ (، مأخوذ من صدإ الحديد، فأن زاد السواد شيئًا على الحمرة فهي) الجُؤْوَةُ (، والفرس) أجْأَي (.
الصفرة: الأصفر الخالص إذا كان بلون الذهب فهو) أصفر فاقع (، فإن كان عُرفه وذيله إلى البياض فهو) أصفر فاضِحٌ (، وهو موصوف بالضعف في الأكثر، فإن كان عُرْفه وذيله أسودين فهو) أصفر مُطَرَّفٌ (. ويكون التطريفُ سوادَ الأذنين دون سائر البدن أي لون كان، فإن كان الأصفر مطرّقًا أسود القوائم فهو) أَرْمَدُها (، وإن كانت بظهره طريقة سوداء) سحَابيٌ (وتلك الطريقة هي السحابة. فإن كان بقوائم الأصفر خطوط سود فهو) مُوَشًّي (، فإن كان لا شِيَة به ولا وضَح أي لون كان فهو) مُصْمت (و) بهيم (و) البَلَق (في الخيل ضَعْفٌ ونقص من قوتها. قال محمد بن سلام: لم يسبق الَحلبةَ فرس أَبْلقُ ولا بْلْقَاءُ.
فصل في الشيات
أصل الشَّيِة: العلامة، وهي فِعلة من الوَشْى، ثم صار كل لون مخالف لمعظم لون الدابة شِيَة، ومنه قوله تعالى) لاَ شِيَةَ فيها (أي لا لون فيها يخالف سائرها. وشياتُ الخيل من هذا، وأكثر ما تكون شيات الخيل بياضًا، وهي شبيهة فيها بالغُرر، وكما لا تكون الغُرَّةُ إلا بيضاء فكذلك الشِيَّة أيضًا. فإذا ابيضَّت أذنا الفرس وحْدها، أو كانت فيها نقط بيض ولم يعَّمها البياض فهي) الذُّرْأَة (، والفرس) أَذْرَأُ (، وذلك إذا لم يكن الفرس أشهب، فإنها في الأشهب لا تختص باسم وحدها، إلا أن تكون سوادًا، فذلك) التطريف (، والفَرَسُ) مُطَرَّف الأذنين (، فأن ابْيَضَّ رأس الفرس فهو) أصقع (، فأن أبْيَض قفاه فهو) أَقنَفُ (، فأن خالط شعر ناصيته بياض فهو) أَسْعَفُ (، فأن ابيضت ناصيته كلها فهو) أَصْبَغُ (، فأن أبيض رأسه كله فهو) أَغشى (، و) أَرْخَمُ (، فإن كان أبيض الرأس والعنق فهو) أدْرَعُ (، فإن كان أبيض الظهر خلقة فهو) أَرْحَل (، فإن كان بياض ظهره من آثار دَبَر أصابه فهو) مصرد (، وذلك البياض) الصُّرد (وهو جمع، واحدته) صردة (، فإن كان أبيض البطن فهو) أنْبَط (. فإن كان أَبيض الجنبين فهو) أَخْصَف (اليمين أو اليسار، وإن كان بيض الكَفَل فهو) آزَرُ (، فإن كان بعرض ذنبه بياض فهو) أشعل (الذَّنَب، فإن كان بعض هُلبه أبيض وبعضه على لون آخر فهو) مخصَّل (الذنَب، و) مخصَّل (العُرْف إن كان ذلك أيضًا في العُرف.
فصل في الغرر
1 / 17
الغُرَّة: أسم عام لكل بياض يكون في وجه الفَرسَ، وحدُّه في القدر أن يكون فوق الدرهم، فإذا كان في وجه الفرس قدر الدرهم فما دونه فهو) قُرْحة (، والفرس) أقْرح (. والعرب تتشاءم بالقُرْحة إذا لم يكن معها بياض في شيء من أعضائه، فإذا كان مع القرحة أدنى بياض خرجت من حَيَّزِ الكراهة وصارت مدحًا، كما قال الشاعر:
أَسيلٌ نبيلٌ ليس فيه مَعَابةٌ ... كُمَيْتٌ كلون الصَّرف أَرْجَلُ أقرحُ
فمدح بالقرحة لما كان معها الرَّجل. فإن زاد على قدر الدرهم البياض في وجهه فهو) غُرّته (، وأسمها) النجم (، وهي أول مراتب الغُرَرِ، فأن انتشرت في الجبهة وملأتها فهي) شادخة (، والفرس) أَشْدَخُ (، فأن استدارت في موضعها وتوسطها لون آخر فهي) الحلقة (، والفرس) مُحلَّقٌ (. فإن كانت النُّكْتة التي في البياض لازقة بأحد جوانب البياض فهي) الهلال (، والفرس) مهلَّل (، فأن سالت الغرة ودقت ولم تجاوز العينين فهي) العصفور (، والفَرسُ) معصفَر (، فأن نزلت إلى الخيشوم ولم تبلغ الجَحْفَلة فهي) شِمراخ (، والفرسُ) أغرُّ شِمْراخي (، فأن ملأت الغرة الجبهة ولم تبلغ العينين فهي) شادخة (، كما تقدم، فأن أخذت جميع وجهه غير أنه ينظر في سواد فهي) مُبَرْقِعة (والفرس) أغرُّ مبرقَع (، فأن بلغت عينيه فابيضت بها أشفار العينين فذلك) الإغراب (، والفَرَسُ) مُغْربَ (، فأن سالت في أحد الخدين الآخر فهي) لاطمة (، والفَرَسُ) لطيمُ (اليمن أو اليسار، فإن كانت إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء فهو) أَخْيَف (، وأكثر ما يوجد ذلك في اللطيم من الخيل، وهو لذلك) لَطِيمٌ أخيفُ (، فإن كانت الزرقاء لا بياض بناحيتها، والبياض حول العين الكحلاء فذلك) الخوَص (، والفرسُ لذلك) لَطِيمٌ، أخيف، أخوص (. والبياض بالجَحْفَلة العليا يقال له) الرَّثَمُ (، والفَرَس) أرْثَمُ (، فإن كان معه غُرَّةٌ متصلة به فهو) أَغرُّ أَرْثَمُ (، والبياض بالشَفَة السفلى يقال له) الَّلمَظُ (، والفرس به) أَلْمَظ (. فإن ابيضت الشفتان جميعًا قالوا فيه:) أرثم، ألمظ (فإن كانت الشفتان سوداوين مع لون يخالفهما فذلك) الدَّغَم (، والفرسُ منه) أدْغَمُ (.
فصل في التحجيل
1 / 18
والتحجيل شِيَةٌ من الشيات بموجب الاشتقاق، على ما قدمناه، وإنما خص بهذا الاسم أخذًا من الحَجْل. وهو الخَلْخَأل، وهو مخصوص بالرَّجل، فسمَّى بذلك كل ما وَلِيهُ أو قاربه، على طريق تسمية الشيء باسم ما جاوره، فإذا بلغ البياض من التحجيل رُكبة اليد وعُرقوب الرَّجل فهو فرس) مُحَبَّب (، واسم ذلك التحجيل) الجبّة (؛ وأصل) الجُبة (أنه اسم لموْصل الوظيف بالذراع. فإن جاوز البياض إلى العضدين والفخذين فهو) أبلق مُسَرْول (. فإن كان البياض بيده دون رجليه فهو) أَعْصمُ (، فإن كان في إحداهما فهو) أعصم اليمنى أو اليسرى (. فإن كان البياض في يديه إلى مِرفْقيَه دون الرجلين فهو) أَقْفَزُ (، فإن كان البياض برجليه دون اليدين فهو) مُحجَّل (، ولا يكون الفَرسُ بشيء من البياض محجَّلًا إلا بياض الرجلين، لما قدمناه من الاشتقاق. فإن كان مع ذلك في اليدين بياض سمى تحجيلًا، للمشاركة. فإن كان البياض في أوظفه اليدين دون الأعضاء والأرساغ فذلك:) الوقفْ (، والفرس) موقَّف (، وهذا في اليدين خاصة. فإن كان مثل ذلك في الرجلين أو في رجل واحدة فهو) التخديم (، والفَرَس منه) مُخَدَّم (؛ وذلك أيضًا من خواص الرِّجْل. فإن كان البياض في أرساغ الرِّجْلين خاصة فهو) مُخَلْخَل (، ويقال أيضًا) مخدَّم (. فإن كان البياض في أرساغ اليدين خاصة فذلك) القيد (والفرس) مقيَّد (. فإن كان بياض الرسغ متصلًا بالحافر) مُخَضَّبُ (اليد الكذا، أو الرِّجل الكذا،) ومخضَّب الأربع (إن كان ذلك في قوائمه كلها. وما كان من القوائم أبيض فهو) محجَّل (، وما ليس فيه ببياض من القوائم فهو) مُطْلقُ (. يقال) محجَّل الأيامِنِ (و) مطلق الأياسر (أو بالعكس. فإن كان البياض بثلاث قوائم وإحدى القوائم ليس عنده بيضاء فهو) محجَّل الثلاث () مَطَلقُ يَدِ كذا أو رجل كذا (، فإن كان البياض بِيَد وَرِجْلٍ من شق دون الشِّقِّ الآخر فهو) مُمْسَكُ الأيامن () مطلق الأياسر (أو بالعكس. فالممسكات هي بالبياض، والْمُطْلَقات هي العديمة البياض. فإن كان البياض برجل واحدة فهو) أرْجَل (، و) الرَّجَل (بانفراده هو مكروه عند العرب، فإن كان معه غيره اغتُفر. وإن كان البياض في يد ورجْل من خلاف، مثل أن يكون البياض في اليد اليمنى والرجل اليسرى أو بالعكس فذلك) الشِّكال (، وهو مكروه. والفَرَس منه) مشكل (.
في الحديث عن أبي هُرَيْرةَ:) إن رسول الله ﷺ كان يكره الشِّكال في الخيل (. وقوم يجعلون الشِّكال بياض أحد الشِّقَّين دون الآخر، مثل أن تَبْيضَّ اليد اليمنى والرجل اليمنى من جهة واحدة. وهذا هو الذي يقال له) الإمساك (، وقد تقدم ذكره. قال ابن قُتَيْبَة:) وقوم يجعلون الشكال البياض في ثلاث قوائم (، ولا يساعده الاشتقاق على ذلك. والأحسن ما قدمناه. فإن ابيضت أطراف الشَّقَّ وحدها فهو) أكْسَعُ (، فإن كان ذلك في يد أو رجل، أو في يدين أو في رجلين فهو) أكسع يد كذا أو رجل كذا أو اليدين أو الرجلين (. فإن ابيضت الثُّنَنُ كلها ولن تتصل بشيء من بياض القوائم فحاله في ذلك كحاله في الكَسَعِ في الإفراد والتثنية والجَمْعِ. فإن ابيضت مآخر أرساغ رجليه أو يديه، واتصال البياض بأَلْيَةِ اليد أو الرجل فذلك) النعال (، والفرس) مُنْعَل (، أو) مُنْعَل يد أو رِجْل أو اليدين أو الرجلين (. و) الشَّعَل (في الذَّنَب بياض في عرضه، فأن أبيض كله فهو) أَصْبْغُ (الذنَب. وقد تقدم ذكره في الشِّيات.
فصل في الدوائر
1 / 19
وهي النخالة التي تكون في الخيل؛ منهن دائرة) المُحَيَّا (، وهي اللاصقة بأسفل الناصية ومنهن دائرة) اللَّطَاة (، وهي التي في وسط الجبهة. وإن كانت دائرتان قالوا) فَرَس نطيح (. ومنهن دائرة) اللاَّهزَ (، وهي التي تكون في اللِّهْزِمَة. ومنهن دائرة) المعوّذ (، وهي التي تكون في أول القلادة. ومنهن دائرة) السَّمامة (، وهي التي تكون في سالفة العنق. ومنهن دائرة) البنيقَيْن (، وهما الدائرتان اللتان في نحر الفَرَس. ومنهن دائرة) الناحر (، وهي التي تكون في الجرَان. ومنهن دائرة) الْقَالِعِ (. وهي التي تكون تحت اللِّبْد، واسم ذلك المكان) ملبد الفرس (. ومنهن دائرة) الهقَعةَ (، وهي التي تكون في عُرْض زَوْرِهِ، فإن كانت الهَقْعة في الشَّقَّين جمعيًا فهي) النافذة (؛ والنافذة هي دائرة الحِزَامِ. ومنهن دائر ة) النَّاخِسِ (، وهي التي تكون تحت الجاعرتين إلى الفائِلَيْنِ.
وهم يستحبون من الدوائر المذكورة دائرة المعوّذ، ودائرة السَّمامة، ويكرهون منها دائرة النطيح، ودائرة اللاهز، ودائرة القالع، ودائرة الناخس وكانوا يستحبون الهَقْعة لأن أبقى الخيل هو المَهقْوع، حتى أراد رجل من العرب شراء فَرسٍ مهقوع، فامتنع صاحبه، فلما رما بهذا البيت كرهوها. والبيت قوله:
إذا عَرِقَ المْهقُوعُ بالمرء أنعظت ... حليلته وأشتد حَرًّا مَتَاعها
الباب السابع
ما يحمد من الخيل
وصفة جيادها وأسماء العِتاقِ والكرام منها
رَوَى أبو قتادة عن النبي ﷺ أنه قال:) خَيْرُ الخيل الأَدْهَم الأقرح المحجَّل ثَلاَثٍ، طَلْق اليمين، فإن لم يكن أدهم فكُمْيتٌ على هذه الشَّيَة (. وقال أبو وهْبٍ الجُشَمي: إن رسو الله ﷺ قال:) عليكم بكل كُمُيَتٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ، أو أَدْهَمَ أَغَرَّ محجَّل (. وعن ابن عباس ﵁ أن رسول الله ﷺ قال:) يُمن الخيل في شُقْرهاَ (. وعن نافع بن جُبَيْرٍ عن رسول الله ﷺ قال:) اليُمْن في الخيل في كل أَحْوى أَحَمَّ (. وعن عمرو ابن الحارث قال: قال رسول الله ﷺ:) لو جُمِعَتْ خيول العَرب في صَعيدِ واحد ثم أُرْسِلَتْ لكان ساِبقُها أَشْقَرَ (.
وسأل عمر بن الخطاب ﵁ العبسيَّين، فقال:) أي الخيل وجدتموه أصبر في حروبكم؟ قالوا: الكميت (.
وسأل سليمانُ بن عبد الملك موسى بن نُصَيْر حين قدم من الأندلس فقال: أي الخيل رأيتَها في تلك البلاد أصبر؟ قال: الشُّقر. وعن عقُبةَ بن عامر قال: قال رسول الله ﷺ:) إذا أَردْتَ أن تَغْزَوَ فاشْتَرِ فرسًا أَغَرَّ مُحجَّلًا، مُطْلَقَ اليمين، فإنك تَسْلَمُ وتَغْنَمُ (.
فصل
وأي فرس تمت له هذه الصفات فهو كريم مطلق، ويصير أصيلًا في النسب إذا كان مع ذلك منجبًا، وذلك أن يكون بعيدًا، قريبًا، عريضًا، طويلًا، قصيرًا، حديدًا، رحيبًا، عاريًا، ضخمًا، رقيقًا، غليظًا، لطيفًا، ضيقًا، مُولَّجًا.
بعيد ما بين الجحفلة والناصية، بعيد ما بين أصول الأذنين وأطرافهما، بعيد ما بين الأذنين والعينين. بعيد ما بين أعالي الحَجَبَتين بعيد ما بين الناصية والعُكْوَة. بعيد ما بين الناصية والعُذْرَة، بعيد ما بين الحارك والمَنْكِب، بعيد ما بين العضدين والركبتين، بعيد ما بين الإبطين والرُّفْغَين. بعيد ما بين الجْنْبَيْن، بعيد ما بين الحجبتين والجاعرتين، بعيد ما بين الحجبتين والثَّفِنَتين، بعيد ما بين العرقوبين والحجبتين، بعيد ما بين الشراسيف.
قريب ما بين المَنْخرين، قريب ما بين صَبِيَّ اللَّحْيين، قريب ما بين المنكبين والحَجَبَتين، قريب ما بين الجُبَب، قريب ما بين الحارك والقَطَاة، قريب ما بين المَعَدَّين والقصريين، قريب ما بين الجاعرتين والعُكْوَة، قريب ما بين الثَّفِنَتين والكعبين، قريب ما بين الجاعرتين والمأبِضين، قريب ما بين القُصْرَيينْ والحَجَبتين، قريب ما بين غراضيف الكتفين.
عريض الجبهة، عريض الخد، عريض القَصَرة، عريض البرَكَة، عريض الأوظفة، عريض الصَّهْوَة، عريض الجنب، عريض الصَّفَاق، عريض القطاة، عريض الوَرِكين، عريض الفخذين، عريض الفائلين، عريض الكتفين.
1 / 20