ولكنه قاطعه قائلا: لا يليق العنف بأهل الطريق! - ولكن للصبر حدود. - أسأل الله ألا تدفعنا الأحداث إلى تجاوز القصد.
رفع بصره إلى الساعة الكبيرة في الجدار الأوسط ثم تساءل: متى يجيئون؟ - لعلهم في الطريق إلينا. - ألا يوجد بينهم زعيم أو محرض، أو ما شاكل ذلك؟ - ليس هناك تنظيم أو زعامة، ولكن ثمة شاب يتسم بوقاحة مركزة يدعى علي عويس.
ضيق الشيخ عينيه متفكرا وقال: علي عويس! .. إني أعرف هذا الاسم أو على الأقل بعضه. - إنه ابن المرحوم عويس سواق الكارو.
استقام ظهر الرجل بغتة وتساءل: شقيق المدرسة؟! - شقيق زينب عويس المدرسة.
نظر الشيخ محمود إلى حذائه الأسود صامتا، فقال الشيخ عمار: لعله ليس من الحكمة أن نفتح المدارس لكل من هب ودب!
فتمتم الشيخ محمود وكأنما يحدث نفسه: إذن فهو شقيق زينب عويس. - يغادر كل صباح بيتا قديما أعد مدخله قديما موقفا للكارو ليذهب إلى الجامعة! - يقال إن شقيقته شقت طريقها بإرادة من حديد. - إنها عانس، مدرسة أطفال، ذات دخل ضئيل، وفي هذه الجحور يترسب الحقد يا مولاي، ويتستر على نفسه السوداء بالسخرية والنكات الجارحة. - ليتك دعوت شابا آخر. - إنه أسلطهم لسانا! - كان أبوه مريدا لأبي، وكان محمود السيرة رغم ضعته وفقره. - قلت لهم اختاروا من بينكم نخبة لمقابلة مولانا فكان أجرأهم على القبول، رفض البعض، وتردد البعض الآخر، ولكني أعتقد أن سيجيء منهم نفر لعلهم أصلبهم. - طليعة الخاطئين.
تنهد الشيخ عمار قائلا: لم تعرف حارتنا أمثالهم من قبل. - هو زمن الغرور والوقاحة. - يخيل إلي أن جامعاتنا معاقل أجنبية!
حدجه الشيخ محمود بنظرة عابسة فتراجع الرجل في استحياء قائلا: إلا من هداه الله وحفظه. - رحم الله أبي. ••• - لقد جئتك بالمعلمين ولكنك ترغب في دخول مدارس الدنيا. - لا بأس من ذلك يا أبي. - كل علم فهو من عند الله. - الحمد لله. - ولكن العبرة بالجهاد وعليه يتوقف الطريق. - سمعا وطاعة يا أبي. - لكي تكون خليفة كما ينبغي لك. - أجل يا أبي. - إن علوم الدنيا لها نهاية أما جهاد الطريق فلا نهاية له. •••
ولما خرج من أعماق صمته قال الشيخ عمار: ليرحم الله أباك. - ليرحمنا الله جميعا.
وطيلة الوقت لم ينقطع إنشاد المنشدين وترديد المريدين، ولكنه انخفض درجات كأنما يجيء من بعيد. تابعه الشيخ محمود بشيء من الحزن، ثم قال: يا للذكريات، عرفنا ذات يوم أسماء جذابة كأرشميدس ونيوتن، وحقائق غريبة كالجزيء والحركة، ولم أتصور وقتذاك أنها ستطاردنا بعنف كالزمن.
صفحة غير معروفة